ديسمبر 24. 2024

عزل منطقة عفرين المحتلة عبر الاستهداف الاستيطاني لجبل ليلون

عفرين بوست ــ خاص

التغيير الديمغرافيّ هو نقل كتل سكانية كبيرة من منطقة أخرى، وهو لا يقتصر على منطقة واحدة في كل مرة، بل على منطقتي المنطلق والمستقر، وهو ما تعرضت له العديد من المناطق السوريّة، إلا أنّه في عفرين أكثر عمقاً بسبب خصوصيّتها الكردية ولأنّها تعرضت لاحتلالِ دولةٍ أجنبيّةٍ.

لا يمكنُ اختزالُ ما جرى في عفرين بعنوان “الاحتلال”، فالعدوان أفضى إلى تهجير أكثر من 75% من أهالي المنطقة الكرد وأحالتهم إلى منافي التهجير في منطقة الشهباء، وقد أعاقت سلطات الاحتلال التركية ومسلحو الميليشيات التابعة لها عودتهم بعد احتلال المنطقة في 18/3/2018، فيما تدفقت موجات من المرحّلين من أهالي مدن وبلدات الغوطة إلى عفرين، وإذا أخذنا بالاعتبار أنّ آخر دفعة من المرحلين من دوما كانت في 15/4/2018، نتأكد أن التغيير الديمغرافيّ كان على رأس أولويات الاحتلال التركيّ. وتم الاستيلاء على معظم البيوت التي تركها أهلها، ولم يستطع كلّ العائدون استعادة بيوتهم.

من حيث المبدأ كان يُراد نقل كل عوامل الأزمة السوريّة إلى الشمال ومن بينها منطقة عفرين، ومن كانوا يُوصفون بالإرهابيين حتى آذار 2018، أضحوا نازحين ومهجّرين مغلوب على أمرهم، وكان ذلك تغييراً جوهرياً في مسار الأزمة.

لم تتخذ المراجع الدوليّة أيّة مواقف صارمة حيال إجراءات التغيير الديمغرافيّ القسريّ لا في عفرين ولا عموم سوريا. كما لم يكن هناك جهدٌ دولي لحل الأزمة.

الاستيلاء على المنازل وإسكان المستقدمين من باقي المناطق السوريّة كان أولى خطوات التغيير الديمغرافيّ، لكن المنطقة لم تستوعب كل المستقدمين بعد آذار 2018 والأفواج الإضافية التي قدمت من إدلب مع التصعيد العسكريّ فيها مطلع 2020. فانتشرت عشرات المخيمات العشوائيّة في قرى عفرين، وأضحى الكرد أقلية في منطقتهم التاريخية، وبغية تثبيت واقع التغيير الحاصل بدأت مشاريع بناء البؤر الاستيطانيّة بدعم مباشر من السلطات التركيّة.

استهداف الطيران التركي لقرية خالتا

استهداف استيطاني متعمد لجبل ليلون

أولى المناطق المستهدفة ببناء القرى الاستيطانية كانت جبل ليلون، تلك الكتلة الجبلية التي تشرف على منطقة عفرين، والتي أصبحت أطرافها خط التماس بين منطقة سيطرة الاحتلال التركيّ وقوات النظام السوري، إضافة نقاط المراقبة الروسيّة. والواضح أن سلطات الاحتلال التركيّ لم تكتفِ بعزل عفرين ببناء الجدار والخنادق، بل تجاوزت ذلك إلى عزل ديمغرافي عبر المشاريع الاستيطان المتعددة على سفح الجبل. وكان استهداف الطيران التركي لقرية خالتا (الخالدية) الصغيرة على جبل ليلون، في 31/3/2018 وإحالة بيوتها إلى كتل ركام أولى الخطوات التمهيديّة.

أولت سلطات الاحتلال التركي اهتماماً كبيراً بتحويل سفح جبل ليلون إلى تجمعات سكنيّة وبؤر استيطانية، وتولى متابعتها والي هاتاي “رحمي دوغان” وتولى مجلس عفرين المحلي الذي شكله الاحتلال التركيّ مهمة تقديم التسهيلات اللازمة، ابتداءً من منح وثيقة تخصيص، لتكون إثبات ملكية للمساكن وليس الأرض.

تذرع القائمون على مشاريع الاستيطان ودعاته بأن الأراضي التي تُقام عليها مشاريع البناء هي “أملاك دولة” وتضم أحراشاً، إلا أنّ ذلك لا ينفي التوصيف الجرميّ والتعدي على الأملاك العامة وتغيير البيئة الطبيعية كما لا ينفي جريمة التغيير الديمغرافي، وتطلب المشروع قلع أعدادٍ كبيرةً من الأشجار وتجريف أراضٍ زراعية للتمهيد للبناء.

ميليشيات الاحتلال التركيّ كانت من دعاة إقامة مشاريع الاستيطان وفي مقدمها ميليشيا “الجبهة الشامية”، كما ساهم شرعيو الميليشيات بالترويج للمشاريع، ذلك لأنه رغم العنوان الإنساني في “إيواء المهجرين” فالمشروع يستهدف تأمين مسكن للمسلحين بنسبة 75%، واستنفرت أنقرة كلّ الجمعيات الإخوانيّة في الخليج وأوروبا، لتمويل مشاريع البناء، مثل جمعية الرحمة العالميّة ومقرها الكويت وجمعية شام الخير الإنسانيّة، منظمة هيئة الإغاثة الإنسانية التركيّة IHH، التي قدمت مواد بناء لكل مستفيد قدرت قيمتها بنحو ألف دولار أمريكي، ومن القرى التي تم إنشاؤها القرية الشامية، تجمع البركة، وكويت الرحمة

من الواضح أنّ أولى المجموعات المستهدفة بالإسكان كانوا ينحدرون من ريف دمشق، ومن بعدهم مستوطنون ينحدرون من محافظات حمص وحماه ودير الزور.

القرية الشامية

في 15/11/2018 تداول ناشطون، إعلاناً عن تشكيل جمعيةٍ تعاونيّة من مستوطني الغوطة، لإنشاء مجمعاً استيطانيّاً باسم “القرية الشاميّة” وتبرير المشروع بأنه محاولة لحل مشكلة السكن، وجاء في الإعلان: أنّهم يبنون تجمعاً سكنيا يأوون إليه، وينطلقون منه لإكمال مسيرة الثورة في ميدان التربية والعلم والجهاد”

وحول موقع إقامة المجمع “بعد البحث والتقصي واستعراض معظم الخيارات المتاحة في المنطقة المحررة، وقع الاختيار على منطقة جبليّة تقع غرب بلدة مريمين العربيّة وشرق مدينة عفرين”. واستخدام توصيف “العربيّة” في الإعلان كانت محاولة لتجنب ردود فعل سلبيّة، وأنّ المجمع سيقام في منطقة هي بالأصل عربيّة، وهو يعني إدراك خطورة إقامة المشروع، في منطقة تُعرف على نحو الإجمال بهويتها الكرديّة. وكان تمويل المشروع من جمعيات إخوانيّة خليجيّة.

مستوطنة كويت الرحمة

في 17/4/2021 أعلن عن مشروع إنشاء قرية سكنيّة في محيط قرية خالتا من قبل مجلس عفرين المحليّ، ونشر مجلس مدينة عفرين المحلي التابع للاحتلال التركيّ على صفحته الرسمية في 19/4/2021 قيام المدعو “محمد شيخ رشيد”، نائب رئيس المجلس بزيارة ميدانية إلى موقع المشروع الاستيطاني بهدف الاطلاع على سير العمل فيه.

ويوم الاثنين 30/8/2021 تم افتتاح “قرية كويت الرحمة”، بعد استكمال أعمال البناء. القرية المحدثة، تضمُّ 380 شقة سكنيّة إضافة لمسجد ومدرسة ومستوصف ومعهد لتحفيظ القرآن الكريم وسوق تجاريّ. والجهة المنفذة للمشروع جمعية “شام الخير” الإخوانيّة الكويتيّة وأقيمت احتفالية بمناسبة الافتتاح بحضور ممثلين عما يسمّى “المجلس المحليّ لمدينة عفرين.

وكشفت صحيفة “الوطن” الكويتية، في تقرير لها في 2/9/2021، أنّ منشأة (كويت الرحمة) هي إحدى “القرى النموذجية” التي سيتمّ بناؤها على الحدود التركيّة السوريّة.

قرية استيطانيّة لعناصر ميليشيا “الشرطة”

في 10/6/2021 افتتح باب التسجيل على شقق سكنيّة لعناصر ميليشيا “الشرطة المدنية” واختير موقع المشروع في منطقة غابيّة على الطريق الواصل بين قريتي كوباليه- وخالتا/الخالدية بناحية شيراوا، قرب مستوطنة “القرية الشامية” ناحية، وقامت الجرافاتُ باقتلاع الأشجار وتسوية الأرضِ تمهيداً لبناءِ المستوطنةِ.

المشروع الجديد تموّله الهلالُ الأحمر القطريّ، وتنفذه جمعية “شام الخيريّة”، وتتكفلُ الجهة المموّلة والمنفذة بتأمين كافة مواد البناء والإكساء والتجهيزاتِ، على أن يقومَ المكتتبُ بدفع أجور العاملين فقط، علماً أن مساحة كلّ منزل تبلغ 150 م2.

وفي حزيران 2021، رصدت “عفرين بوست” في مدينة عفرين انتقال عوائل مستوطنة تنحدر من ريف دمشق، وكانت تحتل منازل بحي الأشرفية، إلى مستوطنة “القرية الشامية” والاستقرار فيها، فيما لم يسلم المستوطنون المنازل التي كان يحتلونها لأصحابها، بل قاموا بتأجيرها لمستوطنين آخرين. 

مشروع لمستوطني البوكمال

في خطوة إضافيّة لترسيخ التغيير الديمغرافيّ في منطقة عفرين المحتلة أعلنت إدارة ما يسمى بـ “مشروع السكن لمهجري البوكمال” على صفحتها الفيس بوك الاكتتاب على مشروع سكنيّ بِدأها بتسوية الأرض وتقسيمها وفتح الطرقات لبناء منازل على 112 محضر.

ويقع المشروع ضمن “تجمع البركة” في مشروع “الضاحية الشامية” في جبل ليلون قرب قرية خالتا التي تشرف على قرية “كرزيليه”- ناحية شيراوا؛ شرق مدينة عفرين 10 كم. ويقوم المشروع على مساحة 20 ألف دونم، تم الحصول عليها مجاناً، وتأمين الموافقاتِ الرسميّة، وجرى تقسيمُ الأرضِ إلى قطاعات وفي كلِّ قطاعٍ مسجدٌ ومدرسةٌ ومستوصفٌ ومساحة المحضر الواحد 400 م2. وتم الحصول على قطاعٍ كاملٍ وتوزيع 112 محضر، للراغبين بالسكنِ في المشروعِ ولديهم رغبة في البناء، منهم من حالته جيدة والآخر متوسطة، وبعضهم مقيمون في تركيا، وقد سجل البعض من قبيلِ التمويلِ ليعطوا البيوتَ للفقراء ليسكنوها، وعدد الفقراء فقط 20. ليتضحُ أنّ الهدفَ الأساسيّ للمشروعِ هو التوطينُ وليس إيواءِ ساكني الخيم.

ويذكرُ الإعلانُ صراحةً في مناشدته طلباً للتمويلِ، أنّ المساعدةَ ستكونُ لبناءِ أول تجمعٍ سكنيّ لأهالي البوكمال تكونُ نواةً لمساعدة بقية العوائل المقيمة في الشمال. والمبلغ المطلوب حالياً (15000) ليرة تركية، ويبدو أنّ المناشدة موجهة للميسورين. وقد بدأت الخطوات الأولى بالمشروع بفتحِ الشوارعِ وتجهيزِ المحاضرِ للبناءِ

اللافت أنّه ورد في الإعلانِ بالنسبة للمقيمين في تركيا، أنّهم سيجدون بيوتاً جاهزةً للسكن بحال عودتهم إلى سوريا. ومع إعلان الرئيس التركيّ أردوغان عما سمّاه خطة “العودة الطوعيّة” لمليون لاجئ على الأراضي التركيّة، يمكن فهم بعدٍ آخر لهذه المشاريع.

ويتطلع المشرفون على المشروع إلى أنّه في حال نجاح المشروع سيتمُّ في المرحلةِ القادمة توزيع 100 محضرٍ آخر للعوائل المقيمة في عفرين، إضافة إلى مشروعٍ بالحجم نفسه في مدينة الباب. عدا المشروع الذي تم البدء به في مارع.

وفي إعلانٍ لاحقٍ ذُكر أنّه بسببِ الإقبال الكبير على التسجيل في مشروعِ عفرين وخصوصاً المقيمين في تركيا تم التسجيل على كلّ المحاضر في القطاع، والاتفاق مع القطاعِ المجاور وعدد محاضره 200 على إعطاءِ مساحةٍ جيدةٍ منه لمن يود التسجيل لاحقاً.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons