كعادتهن، عندما كنا يجتمعن في أيام سطوة النظام السوري قبل اندلاع الحرب الأهلية، عادت النسوة الكُرديات في إقليم عفرين الكُردي التابع للإدارة الذاتية سابقاً، إلى مُمارسة الطقوس الدينية بشكل سري، رغم ترهيب المليشيات الإسلامية التابعة للاحتلال التركي، بعد أن تمكنت الآلة العسكرية التركية من إنهاء حق أهالي عفرين بإدارة أنفسهم، والقضاء على “الإدارة الذاتية” التي شكلها ابناءها الكُرد.
وصادف يوم الخميس\الرابع عشر من فبراير، عيد “خضر الياس”، الذي يحضر فيه مادة الـ “بي خون”، وهي تعني باللغة الكردية (اللا دماء)، أي أنه عيد يُحرم فيه ذبح الاضاحي، ويكتفى بطحن سبعة أنواع من الحبوب معاً وخلطها، ويرمز فيها الرقم سبعة إلى السماوات السبع، والملائكة السبعة. وبعد طحن تلك الحبوب يقوم الأهالي بتوزيعها على من يريد، ويهدف تناول الـ (بي خون) إلى زيادة انتاج المحاصيل وتحقيق الاماني للأشخاص الذين ينوون على أمر ما كالزواج وغيره.
وحصلت “عفرين بوست” على صور خاصة، تبين كيف أن كُرديات يجمعهن تراب عفرين ولا يفرقهن الانتماء الديني، من الإيزيديات والمسلمات، قد اجتمعن معاً في أحد المنازل بإقليم عفرين الكُردي، ليحضرن “البيخون”، من خلال خلط الحبوب وسلقها، على وقع تبادل التبريكات والمُعايدات، والدعوات برفع البلاء الحالي عن عفرين، وعودة أهلها سالمين وطرد المحتلين الاتراك ومسلحي المليشيات المتطرفة المعروفة بـ (الجيش الحر، الجيش الوطني وجبهة النصرة).
وعندما كانت عفرين تخضع لسلطة أبنائها من خلال نظام “الإدارة الذاتية”، كان الإيزيديون يحتلقون بمناسباتهم الدينية بشكل رسمي، كما كانت “الإدارة الذاتية” تعطل في المناسبات الدينية الإسلامية والايزيدية والمسيحية، احتراماً لمعتقدات أبنائها وتشجيعاً منها على روح التآخي بين أبناء الشعب الكردي الواحد.
ففي السادس عشر من فبراير العام 2017، أي قبل احتلال عفرين بعام، نظم اتحاد الايزيدين في عفرين احتفالية في صالة جين بحضور أهالي من مركز عفرين ونواحيها، وبمشاركة وفد الادارة الذاتية مؤلف من (الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي “هيفي مصطفى”، ورئيس هيئة العلاقات الخارجية “سليمان جعفر” وآخرين). وبارك في تلك الاحتفالية “الحج فيصل حبش” نائب اتحاد شؤون الأديان المناسبة باسم الادارة الذاتية، وأشار إلى التأخي بين الأديان، وان هناك الكثير من المحاولات من أجل تفريق الصف الكردي عن طريق إشعال الفتن بين الأديان والطوائف.
وأصدرت حينها “الإدارة الذاتية” بيان تهنئة، جاء فيها: “نتمنى في هذا اليوم أن يتخذ العيد معناه الحقيقي المتمثل في عدم إراقة الدماء في كافة أنحاء سوريا وأن يحل السلام والأمان على كافة المكونات السورية في أنحاء أراضي سوريا وروج أفا، وأن تتحقق أمنيتنا الكبرى في تحقيق سوريا اتحادية ديمقراطية لا مركزية”.
ومنذ احتلال عفرين، هجر غالبية الكرد الإيزيديين من قراهم، ولا يزالون مُهجرين غير قادرين على العودة إليها، فيما لا يتجرأ الكُرد الإيزيديون ممن بقوا في عفرين على ممارسة طقوسهم الدينية، كما يشكل البوح بالانتماء الى هذه الديانة جريمة بحد ذاتها من قبل المليشيات التابعة للاحتلال التركي.
وتعرضت الكثير من المزارات الدينية الإيزيدية الى التخريب المتعمد من قبل المليشيات الإسلامية، حيث أكد ناشطون كُرد من عفرين سابقاً، افراغ مزار الشيخ علي في قرية باصوفان والعبث بمحتوياته، و تدمير مزار الشيخ غريب في قرية سينكا في ناحية شرا، وتدمير مزار قرة جرنه قرب ميدانكي، وتدمير مزار ملك آدي في قرية قيبار، وتدمير المزارات الإيزيدية في قرية قسطل جندو (مزار بارسة خاتون ومزار الشيخ حميد)، وفي مركز مدينة عفرين تم تدمير مقر اتحاد الإيزيديين الثقافي والاجتماعي، وتم تدمير مجسم ديني يصور أحد الرموز الدينية الإيزيدية، وقبة لالش، إضافة لتدمير مزار الشيخ جنيد وعبد الرحمن في قرية فقيرا، والاستيلاء على أكبر مزار إيزيدي، وهو مزار واقع على قمة جبل الشيخ بركات المشرف على بلدة دارة عزة، والذي حولته قوات الاحتلال التركي لمركز مراقبة، وقام بإزالة المعالم الإيزيدية عنه وصبغه بصبغة إسلامية.