يوليو 04. 2024

أخبار

تورط ميليشيا “جيش الإسلام” في مجزرة التضامن.. انتهاكات من الغوطة إلى الشمال السوري

عفرين بوست – خاص

اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعيّ حملة مناهضة ضد ميليشيا “جيش الإسلام” على خلفية تداول معلومات في الأوساط الإعلاميّة ومواقع التواصل حول وصول شقيقين من مناطق سيطرة النظام السوريّ إلى شقيق ثالث لهما يعمل أمنياً لدى ميليشيا “جيش الإسلام”، وجاء ذلك بالتزامن مع تداول واسع لمقطع مصور عن مجزرة وقعت في حي التضامن بدمشق في 16/4/2013، وكشف عنها تقرير صحيفة الغارديان البريطانيّة في 27/4/2022.

الشقيقان هما “قاسم ويزن محمد قعدان”، وهما بحماية شقيقهما “حسام محمد قعدان” المعروف باسم “أبو عبد الرحمن نصر”، المسؤول الأمنيّ في ميليشيا “جيش الإسلام”.

معلومات موثقة

وقال الناشط الإعلامي “محمود محمد خير فواز”، المعروف باسم “محمود الدمشقي” إنَّه حصل على معلوماتٍ موثقة تفيدُ بأنَّ “اثنين ممن ارتكبوا مجازر كمجزرة التضامن وأبشع منها هما الآن في حماية أخيهم وهو أحد الأمنيين في جيش الإسلام”. وطالب الناشط الشرطة العسكرية وغرفة عمليات “عزم” بالتحرك الفوريّ للتحقق من الأمر وعدم التساهل في دماء الذين قتلهم هذان “الشبيحان” بحسب تعبيره.

وأكد الدمشقي في منشور على حسابه على موقع “فيسبوك” إنّ “الأسماء والصور في حوزتي وتوجد تسجيلات صوتيّة ويوجد شهود فإن لم تحاكموهما بما يستحقانه فأنتم شركاء في المجازر”.

ونقلت معرفات موالية للميليشيات، بأن أمنية “غرفة عزم” ألقت القبض عليهما وستقوم بتسليم الشقيقين لإدارة ميليشيا “الشرطة العسكرية”، في حين نوهت لوجود شهادات ومقاطع فيديو تثبت مشاركتهم باقتحامات وتنفيذ إعدامات ومجازر في مناطق سيطرة الميليشيات المسلحة.

صحيفة النهار العربي أوردت الخبر أيضاً وقالت إنَّ أحد الشهود في تسجيل مسرّب أورد أن القضية سابقة على تاريخ نشر فيديو المجزرة من قبل صحيفة “الغارديان”، إذ رفع بعض المعنيين دعوى قضائيّة ضد “جيش الإسلام”، قبل أشهر عدة، أمام محاكم الشمال السوريّ الخاضع للاحتلال التركي من أجل ملاحقة المدعو “أبو عبد الرحمن نصر” وشقيقيه بتهمة ارتكاب مجازر دمويّة.

ونشرت حسابات معارضة على موقع تلغرام صوراً لعسكريين اثنين يشتبه بكونهما هما المقصودان بالاتهام الذي وجهه الناشط محمود الدمشقي حول ضلوعهما في ارتكاب مجزرة التضامن قبل أن يفرا ويلتحقا بـ”جيش الإسلام” ليحتميا بشقيقهما “أبو عبدالرحمن نصر” الذي يعمل قائداً أمنيّاً في “جيش الإسلام”. وتم تداول اشتراكهما في عمليات الاقتحام والقتل المروّع بطرق عديدة أحدها في بلدة غباغب ولم يسلم منهما حتى خالهما “أبو عبدالله الأردني”. وأرسلت الوثائق والتسجيلات الصوتيّة إلى غرفة “عزم” والعميد الحقوقي “زاهر الساكت”.

وفي 26/3/2022 ذكر موقع “خبر24” أن خمسة عناصر من قوات “الدفاع الوطني” دخلوا إلى منطقة عفرين، بحماية القيادي في المكتب الأمني فيما يسمى “جيش الإسلام” المدعو “أبو عبد الرحمن نصر”. وأنّ العناصر الخمسة هم من أقربائه وقد استضافهم في منزله بحي الأشرفية بمدينة عفرين.

يذكر أنّ محمود الدمشقي اُعتقل على خلفية منشور في فيسبوك ووُجهت له تهمة “تحقير ميليشيات الجيش الوطني السوري”، وصدر بحقه في 24/8/2020 حكمٌ بالسجن لمدة /15/ يوماً وغرامة قدرها /400/ ليرة تركية. وفي منشوره انتقد “الدمشقي” عناصر الشرطة العسكريّة، ووضعهم للعلم التركيّ على ملابسهم الرسمية. وكتب: “لا شك أن تركيا لا يشرفها وضع علمها على صدور المنافقين، لو كنتم كالأتراك تعتزون ببلدكم وثورتكم، لأصبحتم نداً لهم وليس مجرد عبيد عندهم”.

تشكيك بالاتهامات

بالمقابل شكك آخرون في صحة المعلومات، بالنظر إلى أنّها جاءت متزامنة مع توتر كبير يسود بين “هيئة تحرير الشام” و”جيش الإسلام” فيما يسمى “منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون”. ويتبادل الطرفان الاتهامات والتهديدات على خلفيّة انتشار إشاعات عن أنّ “جيش الإسلام” يستعد لشنِّ حملة أمنيّة واسعة تستهدف المتعاملين مع “هيئة تحرير الشام” في المنطقتين الخاضعتين للاحتلال التركيّ المباشر. وقالوا إنّه من غير المستبعد أنّ الاتهام الموجه إلى “جيش الإسلام” بالمشاركة في مجزرة التضامن من صناعة الغرف السوداء التي ترعاها “هيئة تحرير الشام” بهدف شيطنة خصومها قبل أي حملة عسكرية ضدهم.

وقال “أبو بكر فاروق” المتزعم في ميليشيا “المعتصم” “إنَ “ذباب جبهة النصرة الإلكترونيّ يأزّون أزّ الشياطين في التحريض على فصائل الشمال ويختلقون الذرائع ويمهدون لصناعة رأي عام يبرر لهم دخولهم إلى الشمال”، بحسب منشور كتبه على حسابه الشخصي في موقع تلغرام.

يُذكر أن الخلاف بين “هيئة تحرير الشام/ النصرة” و”جيش الإسلام” يعود إلى مرحلة أبكر، تجلت بمعارك وتبادل عمليات الاغتيال، ففي 14/8/2017 اغتالت “النصرة” رضا الحريري المعروف بـ”أبي عبدالله الحسيني” نائب قائد الأركان في “جيش الإسلام”، وهو من قاد عملية عدرا العماليّة وارتكب فيها المجازر. وردّ “جيش الإسلام” بإعدام “عبد الرحمن وليد ربيع” أبرز أمراء “النصرة” في الغوطة الشرقية، و”عبد الرحمن صخر” الملقب “أبو القعقاع الدرعاوي” القائد العسكريّ في “النصرة” لقطاع عدرا سابقاً.

إلا أنّ الاتهام الموجّه لجيش الإسلام لم يقتصر فقط على إيواءِ عناصر فارة من مناطق الحكومةِ السوريّة متهمة بتنفيذ أعمال القتل بحق مسلحي المعارضة، بل تتعدى ذلك، إلى اتهام “جيش الإسلام” بتسليم دوما كبرى مدن الغوطة الشرقيّة ومحيطها، وتسليم مسلحين من فصائل أخرى كانوا أسرى لديه. كما يواجه اتهامات بتنفيذ عمليات إعدام وتعذيب سجناء في سجن “التوبة والباطون”.

البداية والتأسيس

في سبتمبر 2011، أسس “زهران علوش” الداعية السلفي المفرج عنه حديثاً من سجن صيدنايا، النواة الأولى لميليشيا “جيش الإسلام” في البساتين المحيطة بمدينة دوما، باسم “سرية الإسلام” واقتصر عملها بالبداية على حواجز في مداخل دوما، إضافة لاغتيال شخصيات أمنية، ثم شرعت بالهجوم على مواقع عسكريّة.

في 1/6/2012 وبزيادة العدد المسلحين، أعلن “زهران علوش” تأسيس “لواء الإسلام” الذي ضمّ في صفوفه آلاف المقاتلين، موزّعين على عشرات الكتائب إضافة لعشرين مكتباً إداريّاً. ومع انضمام المزيد من الكتائب وتوحّدها معه، أعلن عن تشكيل “جيش الإسلام” في 29/9/2013، والتي وصلت أقصى درجات قوتها، وبلغ تعداده نحو 20 ألف مسلح، ونظمت استعراضاً عسكريّاً لقوته في 30/4/2015، ما أثار سخط أهالي الغوطة من حيث امتلاكه لكل تلك المدرعات والإمكانيات العسكريّة ومعدّاتها فيما عجز عن فك الحصار عن غوطة دمشق وأهلها. وكانت موجة السخط استمراراً لصورٍ أثارت الأسئلة عن زيارة قام بها “زهران علوش” إلى تركيا، رغم ظروف الحصار.

الحسبة والقمع

أنشأت ميليشيا “جيش الإسلام” ديوان “الحسبة” في الغوطة بداية عام 2014، وأُسند إليه مهمةُ متابعة ما سُمي “الشؤون الدينية للأهالي” من حيث التزامهم بتعليمات الدين، اللباس، مراقبة الأسواق، إزالة المخالفات الشرعيّة.

مارس “جيش الإسلام” التسلّط وقمع الحرّيات والاعتقالات التعسّفية وتحكّم بأرزاق الناس وسبل عيشهم أيضاً، وبخاصة بعد إطباق الحصار على الغوطة وتدهور الوضع المعيشيّ للسكان وبلوغه حدّ المجاعة وموت الكثيرين، حتّى في تلك الظروف الصعبة، واصل أسلوب التسلّط والاحتكار الاقتصاديّ. فخضعت الغوطة لحصارين من الداخل والخارج بعد سقوط القابون وبرزة.

يقترن اسم ميليشيا “جيش الإسلام” بالسجون وأشهرها سجن التوبة والذي لم يكن سجناً واحداً بل عدد مراكز في مدينة دوما، إضافة إلى سجون (الكهف، الباطون، سفينة النساء)، وبلغ عدد المحتجزين فيه نحو 3500 شخصٍ.  

واشتهرت ميليشيا “جيش الإسلام” بقصة الأقفاص الحديديّة التي وُضع فيها المختطفون، ووُضعت على سيارات جوالة في مدينة دوما أو على أسطح المقرات والأبنية، ليكونوا دروعاً بشريّة لتفادي القصف، ومعظم المختطفين كانوا من أهالي بلدة عدرا العمالية.

الدعم السعودي

لا يمكن الحديث عن “جيش الإسلام” وتفسير صعوده السريع بمعزل عن الدور السعوديّ في سوريا، بشقّيه الماليّ والإيديولوجي، وأولويات المملكة ومصالحها السياسيّة والأمنيّة وتنافسها الإقليميّ، فالرياض لم تكن مرتاحةً لتنامي نفوذ تنظيم الإخوان المسلمين ومن ورائها قطر وتركيا في أوساط المعارضة، فعملت على تظهير ودعم من يوالونها من مقاتلين على الأرض، وكذلك ضمن هيئات المعارضة السياسيّة.

وجدت السعودية ضالتها في “زهران علّوش”، فقد تتلمذ على يد مشايخها، وعمل في النشاط الدعويّ لسنوات عديدة قبل الأزمة ونشر الإيديولوجيا السلفيّة. وظهر التأثير الوهّابي بوضوح في المصطلحات والأفكار المتطرّفة الواردة في خطب زهران وأحاديثه، مثل تبنّيه “الأطروحات السلفيّة باعتماد مبدأ العقيدة ميزاناً للولاء والبراء” والتصريح برفض الديمقراطية، وببطلان الديانات الأخرى والمذاهب الإسلاميّة من غير السنّة. وجاءت معارك “جيش الإسلام” في هذا السياق. فيما كانت المعارك مع “داعش” سياقاً مختلفاً.

فرضت الرياض مشاركة ممثلي “جيش الإسلام” في مؤتمر الرياض للمعارضة السورية و”الهيئة العليا للمفاوضات” المنبثقة عنه، وأن يرأس مسؤوله السياسيّ “محمد علّوش” وفد المعارضة المفاوض في جنيف 9/12/2015.

اقتتال وتنافس

السيطرة العسكرية في الغوطة الشرقية كانت مقسمة أساساً لثلاثة قطاعات تبعاً لأكبر ثلاث ميليشيات، فكانت ميليشيا “جيش الإسلام” تسيطر على دوما ومحيطها، و”فيلق الرحمن” تسيطر على القطاع الأوسط وبلدات عربين، زملكا، عين ترما، جوبر، وميليشيا “أحرار الشام” تسيطر على حرستا مع لواء فجر الأمة. إضافة إلى ميليشيات أخرى مثل “الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام” و”ألوية الحبيب المصطفى”. وفي أواخر أغسطس 2014، توصّلت هذه الميليشيات مع “جيش الإسلام” إلى الإعلان عن تشكيل “القيادة العسكرية الموحدة”، واتفقت على أن يكونّ “زهران علوش” القائد العام للغوطة الشرقية.

وشكلت عشر ميليشيات تختلف مع “جيش الإسلام” وشركائه في “القيادة العسكرية الموحدة” باسم “جيش الأمة” في سبتمبر 2014. لكنها سرعان ما قُضي عليها مطلع 2015 إثر حملة شنها “جيش الإسلام” ضدّه تحت شعار “عملياتُ تطهيرِ البلاد من رجسِ الفساد”، فاقتحم مقرّاته واعتقل العديد من قادته، وأعدم بعضهم لاحقاً على خلفية اتهامات بالفساد وتجارة المخدرات. وعلى طريقة “داعش” نفذ حكم الإعدام بمتزعم “جيش الأمة” ماجد خيبة المعروف باسم “أبو علي خيبة” على متن عربة رمياً بالرصاص، وأعدم آخرون منهم “أبو برو الأجوة وابن حسابا”.

كما دخل “جيش الإسلام” في صراعات مع الميليشيات الموجودة في الغوطة (فيلق الرحمن، أحرار الشام، الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، وجبهة النصرة). واغتيل “زهران علوش” بغارة جوية روسية استهدفت مقراً سرياً في 25/12/2015.

الطرد من الغوطة

في 18/2/2018 بدأ الهجوم العسكريّ على مختلف محاور الغوطة، واستمر حتى 8/4/2018، واُستخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة وكانت من الضراوة ما يفوق قدرة الميليشيات المشرذمة على صده، واستعادت الحكومة السورية كامل مدن وبلدات وقرى الغوطة، وبعضها دون قتال.

في 30/3/2018 اجتمع نشطاء وممثلو المؤسسات المدنية وبينهم أطباء المدينة مع قياديي “جيش الإسلام”، وطالبوا بقبول العروض المقدمة لإيقاف شلال الدماء، ومع انهيار قدرات مؤسسات المدينة من مجلس محلي ومراكز طبية، ورد قياديو “جيش الإسلام” بتأكيد أن دوما آخر معقل لأهل السنة في الشام. ورد “أبو عبد الرحمن كعكة”، شرعي “جيش الإسلام”، على الأطباء الذين أبلغوا الجيش بأنّهم سيخرجون مع قوافل فيلق الرحمن، “إنّه حتى لو خرج الأطباء ما زال بإمكاننا “علاج الناس بالرقية الشرعيّة، وليخرج من يريد أن يخرج”، وفي اليوم نفسه نفى “محمد علوش” أيّ احتمالٍ للخروجِ من الغوطة، فيما أُعلن عن التوصل إلى اتفاقٍ باليوم التالي، وبدأت أولى رحلات الخروج في مطلع أبريل وانتهت في 15/4/2018.

تلقى عدة نشطاء رسالة شفهية تهديدية من “جيش الإسلام” تقول: «كرامتك محفوظة حتى الباص»، لإعلامهم أن عليهم المغادرة وأنه ليس من المقبول بقاؤهم، وبالمقابل اعتقل اثنان من أعضاء التكتل المدني لمنعهم من الخروج، لم يكن ممكناً إلا أخذ هذا التهديد على محمل الجد، خاصة مع تداول الأخبار ن اغتيال “محمد الأجوة” النائب السابق لزهران مع شقيقه فيما بدا أنه تصفية حسابات داخلية، وتركت ميليشيا “جيش الإسلام” ترسانة من الأسلحة ومستودعات الذخيرة.

قوبل وصول المُرحّلين من “جيش الإسلام” إلى مناطق الشمال السوريّ بالرفض وإغلاقِ معبر أبو الزندين أمامهم، بسبب الخلافات العميقة إيديولوجيّاً، ذلك ليس لأنه يتبنى فكراً سلفيّاً متشدداً، بل لاختلاف الولاء والتابعية وكان تمويله الأساسي من السعودية، وخروجه من الغوطة إلى الشمال يعني الانتقال من الحاضنةِ السلفية الوهابية إلى الجيب الإخواني والنفوذ التركي. ومن جهة ثانية كان وصول ميليشيا “جيش الإسلام” إلى عفرين بعد استكمال السيطرة عليها، والميليشيات التي شاركت في العدوان على عفرين تعتبر نفسها أكثر أحقيّة بالوجود بالمنطقة.

في الجيب التركي

بادرت ميليشيا “جيش الإسلام” إلى مباركة الاحتلال التركي لمنطقة عفرين” على لسان المدعو “محمد مصطفى علوش”، في أول خطوةٍ تصالحية مع تركيا.

رُحلت ميليشيا “جيش الإسلام” إلى الشمال ومعها كلّ خلافاتها السابقة مع ميليشيات “فيلق الرحمن” و”حركة أحرار الشام”، واستهلكت مخرجات اتفاق الدوحة بين “جيش الإسلام” و”فيلق الرحمن” الذي عُقد في مايو 2016، ووقعت اشتباكات مراراً في خرقٍ للاتفاق، ومن دلائل هشاشة الاتفاق أن كل ميليشيا اتفقت مع الجانب الروسيّ منفردةً للخروج إلى مناطق الشمال وحمل معه خلافاته ومشكلات تأمين مسلحيه وعائلاتهم.

عُقد اتفاقُ مصالحة جديدة برعاية تركية في 7/5/2018. واجتمع متزعم “جيش الإسلام” عصام بويضاني، ومتزعم “فيلق الرحمن عبد الناصر شمير”، في مقر ميليشيا “المعتصم”، بأمر تركيّ. وربما في نفس السياق العقائديّ اصطدمت مراراً مع ميليشيا “الجبهة الشامية”. ويُوجه إليها ناشطون الاتهام بتنفيذ الكثير من أعمال الاغتيال في مناطق النفوذ التركيّ. 

فرض وجود ميليشيا “جيش الإسلام” في الجيوب التركيّة تغييراً جوهرياً في ولائه، إذ لا مجال لوجود أو عمل لا يتوافق مع سياسة أنقرة، وبقاء الميليشيا رهن بهذا الالتزام وتوظيف إمكاناته وفق مقتضيات المصلحة التركية، والتي لا تتناقض مع مخرجات أستانة، وتفاهمات الضامنين الروسيّ والإيرانيّ فضلاً عن العمل ضدّ الكرد في المناطق الحدوديّة.

وجاءت تصريحاتُ متزعمي “جيش الإسلام” متوافقة مع السياسة التركيّة العامة في المناطق المحتلة في 15/5/2018 قال المدعو “أبو همام البويضاني”، متزعم ميليشيا “جيش الإسلام”، خلال زيارة أهالي ريف دمشق في مخيم دير بلوط بأنّ لديهم اليوم 3 أعداء هم: الكرد وهيئة تحرير الشام وتنظيم داعش، وهو ما قاله أيضاً المدعو “ياسر دلوان” رئيس المكتب السياسي، وأنّهم بصدد مقاتلة الكرد بعد تشكيل كيان عسكريّ قوي ومنظم”، كما سبق للهيئة الشرعية في “جيش الإسلام” أن أعلنت تأييدها لفتوى “المجلس الإسلامي السوريّ” بشأن القتال إلى جانب الجيش التركي ضدّ داعش والكرد.

في عفرين المحتلة يمارس مسلحو ميليشيا “جيش الإسلام” كل أنواع الانتهاكات، بالتضييق على أهالي المنطقة الكرد والاستيلاء على ممتلكاتهم، واختطافهم وفرض الإتاوات عليهم، وبذلك يواصل سياسته القمعيّة التي بدأها في الغوطة حتى مع حاضنته المجتمعيّة.  

كانت أنقرة تدرك جيداً أنّ ميليشيا “جيش الإسلام” القادمة من الغوطة الشرقيّة، تنتهج العقيدة السلفيّة وكانت ذراعاً لسعودية في سوريا، ورغم ذلك قبلتِ الدخولَ المشروط للميليشيا التي ارتكبت كلّ أنواع الانتهاكات إلى مناطق سيطرتها وبخاصة عفرين. ومع أنه لا توجد إحصائية دقيقة للمرحّلين من الغوطة إلا أنّ العدد لا يقل عن 200 ألف شخص. فكانوا أحد أهم روافع التغيير الديمغرافيّ في عفرين.

استثمارات في تركيا

تلاحقُ العديدُ من قضايا الفساد متزعمي ميليشيا “جيش الإسلام”  والتي كشفتها استثمارات متزعميه في تركيا، فقد افتتح المدعو “محمد علوش” في نهاية 2019 مطعم “إيوان الضخم” في (حي الفاتح، أكسراي) بمدينةِ إسطنبول، وأكدت صحيفة “رأي اليوم” اللندنيّة أنّ تكلفة المطعم تجاوزت العشرين مليون دولار، وفي مايو 2018 وبعد استقالته بأيام اتهمت وسائل إعلام “علوش” بسرقة 47 مليون دولار من ميزانيّة “جيش الإسلام”. وقالت إنّه يستثمر الأموال في مطعمٍ ومركز تجاريّ في تركيا والسعودية.

في نهاية أكتوبر 2018 تداولت مواقع إخبارية عديدة خبر تقدم “عصام بويضاني” (أبو همام) على أنه رجل أعمال سوريّ إلى مجلس ولاية أنطاليا التركيّة لاستثمار أرض بقيمة 30 مليون دولار، لإقامة مول تجاريّ ضخم تكلفته 70 مليون دولار، وأبلغه مجلس الولاية رغبة والي أنطاليا بلقائه. وفوجئ “بويضاني” بأن السلطات التركيّة لديها معلومات تفصيليّة عنه، ولم ينطلِ عليها توصيف رجل الأعمال والمستثمر.

“بويضاني” هو نفسه الذي وقف بين أهل الغوطة الشرقيّة يدعوهم للقتال حتى الموت ثم كان أول ركاب الحافلات المغادرة ومعه ثروة جمعها من أموال الدعم السخي، وتم تداول مقاطع مصورة له وهو في رحلة استجمام في تركيا. وهو ما يؤكد أن ميليشيا “جيش الإسلام” تسعى لقطع صلتها مع ماضيها في الغوطة، لتدخل بيت الطاعة التركيّ!

تصفية أم اغتيالات؟

الاغتيالات التي استهدفت قياديين من ميليشيا “جيش الإسلام” سببها الانتهاكات التي مارسها سابقاً، وترجح أن تكون عمليات تصفية، ففي 3/3/2020 المدعو “زاهر الشامي” الملقب (أحمد الشامية)، وهو كبير محققي سجن “التوبة” سابقاً التابع لـ”جيش الإسلام”، بالفترة  2013 – 2016 وكان ذراع المدعو “أبو قصي الديراني” القيادي البارز والمسؤول عن أحد أكبر سجون “جيش الإسلام” فظاعة، ومنها (سجن الباطون والتوبة)، وهو متهم بإصدار أوامر اعتقال وتعذيب وتصفية كثيرين بينهم ناشطون .والشامي كان شاهداً ومشاركاً في كلِّ الانتهاكات في سجون “جيش الإسلام” في الغوطة.

وفي 10/3/2020 اغتيل في مدينة الباب المدعو “أنور شيخ بزينة” الملقب (أبو ياسر) أحد قياديي “جيش الإسلام”، والمسؤول الأمنيّ الأول ومن لديه معلومات بغاية الأهمية عن سجون الميليشيا واعتقالاته خلال سيطرته على مدينة دوما والغوطة الشرقيّة.

وما يرجّح أنّ الاغتيالات هي عمليات تصفية كونها جاءت بعد قيام السلطات الفرنسيّة في 31/1/2020، باعتقال مجدي “مصطفى نعمة”، المعروف باسم (إسلام علوش)، القياديّ في ميليشيا “جيش الإسلام، والناطق باسمه، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في سوريا، وتزامن ذلك مع فتح ملفات التحقيق ضد قياديين آخرين، إضافة لمخاوف أن تؤدي اعترافات “علوش” لتوريط قيادين آخرين سواء في “جيش الإسلام” أو فيما يسمى “الجيش الوطني” والمعارضة السوريّة بدعم تركيّ، فيما يتصل بقضايا الاغتيالات.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons