بعد أن شن الاحتلال التركي عدواناً على إقليم عفرين الكُردي في العشرين من يناير العام 2018، وساهم بتهجير قسري لأكثر من 350 ألف من سكانها، ودمر عشرات القرى، وقتل الآلاف من المقاتلين الكُرد من أبنائها، تحدث أحد متزعمي مجالس الاحتلال عن تحويل عفرين إلى عينتاب!
ونقل اعلام الاحتلال التركي عن المدعو “محمد سليمان” رئيس مجلس الاحتلال في عفرين، قوله إن الإقليم يشهد تطوّرًا ملحوظًا على جميع الأصعدة والمجالات، (في الوقت الذي يؤكد فيه أهالي عفرين أنهم في إقامة جبرية، حيث يُمنع عليهم التحرك بين ريف عفرين والمدينة بدون موافقات من مجالس الاحتلال، التي تكون من خلال العبور ضمن مكاتب امنية هي عملياً أفرع مخابراتية، ليحصل فيما بعد على ورقة تخوله التنقل لشهر واحد!).
فيما يواصل مسلحو المليشيات الإسلامية اعمال السلب والسطو المسلح، والتي كان آخر ضحاياها الكهل الثمانيني “علي قلندر” من قرية قنطرة التابعة لناحية موباتا، فعقب محاولة أحد مسلحي “الجبهة الشامية” سرقته، وتمكن الكهل من ردعه، كأن من المستوطن المسلح أن ثأر منه بإطلاق النار عليه من بعيد، ليرديه شهيداً!
وقال سليمان “إنّ مدينة عفرين تتمتع بثقافة تشبه إلى حدّ بعيد الثقافة التركية، وإنّ هدفنا هو أن تبلغ هذه المدينة مصاف مدن تركية جميلة، مثل غازي عينتاب، هاتاي، حتى إسطنبول وأنقرة، حتى تكون مدينة جميلة ونظيفة يعيش بها سكانها بشكل جيد” (وفق وصفه).
وعين المدعو “سليمان” من قبل الاحتلال التركي في أكتوبر\تشرين الأول العام 2018، خلفاً للمدعو زهير حيدر، ويعرف عنه أنه كان يتبوأ منصب رئيس مجلس الاحتلال في ناحية بلبل وينحدر من قرية “خليلاكا\خليلاك أوشاغي” التابعة لناحية بلبلة\بلبل، وهو من الشخصيات المقربة من المدعو غسان هيتو، المتزعم في الائتلاف السوري المُقاد من قبل جماعة “الإخوان المسلمين” (المصنفة كتنظيم إرهابي في العديد من الدول العربية والغربية).
وادعى “سليمان” أنّ مجالس الاحتلال منذ احتلال عفرين، نجحت بتأسيس 3 مستشفيات كبيرة، لكنه لم يكشف عن اسمائها، علماً أن عفرين كانت تحوي اساساً قرابة 6 مشافي هي (آفرين، جيهان، فرزندا العسكري، السلام، قنبر، ديرسم)، منها مشفيين اسسا في عهد الإدارة الذاتية، وهما مشفى آفرين الذي يسيطر عليه المستوطنون، وأطلقوا عليه مسمى “مشفى الشفاء”، ومشفى الشهيد فرزندا العسكري، وهو مشفى حديث ومتكامل، كان يتبع هيئة الدفاع في الإدارة الذاتية السابقة، حيث نشر الاحتلال قبيل فترة إعلاناً ادعى من خلاله أنه هو من أنشئ المشفى، في محاولة لتحوير الحقائق وتزييفها.
وفي سياق التعامل مع أهالي عفرين ضمن المشافي التي يديرها مستوطنون، قال المواطن الكردي (ك،ع) في حديثه لـ “عفرين بوست”، أن “عنصرية المليشيات الإسلامية والمؤسسات التي جاءت معها إلى عفرين تمتد إلى الحقل الطبي”، وأضاف في هذا السياق: “لقد استلم المستوطنون إدارة غالبية المشافي في عفرين، فيما لم يبقى سوى مشفيين تقريباً بيد السكان الأصليين الكُرد، وهي مشافي ضعيفة من حيث التجهيز والإمكانيات”. وأردف: “المشافي التي يديرها المستوطنون لا تقدم الخدمات الطبية للسكان الكُرد، حيث تقوم في أقصى الحالات بتقديم حبوب مسكنة للأهالي الكرد، ثم تطلب منهم الرحيل”.
وأكد مصدر سابق لـ “عفرين بوست“، أن الجمعيات والمنظمات العاملة حالياً في إقليم عفرين الكُردي التابع للإدارة الذاتية سابقاً، بكنف ورعاية المليشيات الإسلامية التابعة للاحتلال التركي، تمتنع عن توظيف المواطنين الكُرد من أهالي عفرين بين طواقمها. حيث تكتفي بتُعيين مُوظف واحد أو مُوظفين كحد اقصى ضمن مُلاكها من الكُرد، في حين أن “غالبية العاملين من المستوطنين ضمن تلك المنظمات، يعملون وقف شهادات مُزورة، يتم استصدارها من مدينة اعزاز، وهو أمر ينطبق على مجالي التوظيف ضمن المنظمات الإغاثية والتعليمية”.
وأردف المصدر: “عرض أحد المستوطنين على شبان كُرد أن يجلب لهم شهادات مُزورة وفق مبالغ مالية من مدينة اعزاز، كي يتمكنوا من تقديمها إلى المنظمات الإغاثية او التعليمية، فيستطيعوا العمل ضمنها”. وسبق أن أكد مواطنون كُرد، عنصرية المنظمات الإغاثية الموالية للمليشيات الإسلامية، حيث تتعمد تلك المنظمات توزيع المساعدات على المستوطنين القادمين من الغوطة وارياف حمص وحماه وحلب وغيرها، فيما تمتنع عن التوزيع على السكان الأصليين الكرد بحجة أن المستوطنين أبدى منهم!
وحول التعليم، ادعى سليمان أنّ “249 مدرسة الآن تستقبل الطلاب الذين يبلغ عددهم 45 ألف طالب، متغافلاً المناهج المتطرفة التي فرضها الاحتلال التركي على عفرين الكُردية، وأن الطلاب الذين يداومون حالياً في مدارس عفرين هم في غالبهم من المستوطنين المستقدمين من الغوطة وحمص وحماه وغيرها، بموجب اتفاقات تركية روسية، في حين شرد أطفال عفرين وطلابها بين مخيمات الشهباء ومدينة حلب ومناطق أخرى.
ويستذكر هنا، ما حصل يوم الخميس\السابع من فبراير، عندما اعتدت طالبات مستوطنات على أخريات كُرديات، حيث قامت المستوطنات بشتم الشعب الكُردي والتلفظ بألفاظ نابية كـ: (الشعب الكردي زبالة – عفرين لأهلها الجدد – أنتو عم تعملوا تفجيرات – أنتو ولاشي – اطلعوا لبرا)، إضافة إلى ضرب إحدى الطالبات الكُرديات مما أدى إلى عراك جماعي بين الطالبات الكُرديات والمستوطنات.
أما تعليم اللغة الكُردية ضمن المدارس التي افتتحها الاحتلال التركي وميلشياته، فقد تحول إلى حصص غير إجبارية، كمادة ضمن المنهاج، بعد أن كان أكثر من 45 ألف طالب كُردي يتعلمون بلغتهم الأم بشكل كامل، خلال عهد “الإدارة الذاتية”! أما بعد الاحتلال، فيعتمد تعليم اللغة الكردية ضمن المدارس في عفرين وريفها، على طلب مدير المدرسة نفسها بتعليمها أو عدم طلبه لذلك، فالمدارس التي يديرها المستوطنون لا تدرس اللغة الكُردية، في حين أن المدراء الكُرد الذين يديرون البعض الآخر من تلك المدارس. لا يتجرون على طلب تعليمها!
كما تشهد عفرين افتتاح مراكز تعليمية كـ مركز “سليمان الحلبي” في قرية كوتانا\كوتانلي التابعة لناحية بلبلة\بلبل، التي تعلم الأطفال التطرف وتزرع الكراهية ضد الكُرد، حيث يتم فيها تعليم الأطفال رفع شعار الذئاب الرمادية، إضافة لتلقيهم تعليم ديني مُكثف إلى جانب اللغة التركية!
عفرين وعينتاب..
وعرفت عن “غازي عينتاب” خلال سنوات الحرب الاهلية السورية، بأنها كانت مركز التقاء الاستخبارات التركية مع اغلب متزعمي المليشيات الإسلامية مما عرف بـ “الجيش الحر”، إضافة لكونها مرتع للمتطرفين وخاصة “الدواعش”، الذين كان يجري نقلهم إلى الداخل السوري عبر الأراضي والمطارات التركية، وبالتالي كانت المدينة التركية واحدة من الاستراحات التي يمر عبرها الجهاديون للدخول الى سوريا وممارسة إرهابهم هناك، في الوقت الذي كانت فيه عفرين تُحاصر من قبل المليشيات الإسلامية المعروفة بـ “الجيش الحر وجبهة النصرة”.
وعليه، قد لا يبدو حديث “محمد سليمان” عن تحويل عفرين إلى عينتاب، بعيداً عن الواقع، إن كان المقصود بها تحويل الإقليم الكُردي لبؤرة جديدة من التطرف الحاوي للمتشددين، فكل التقارير التي ترصدها “عفرين بوست” تشير إلى عمل الاحتلال التركي على نشر التطرف الديني من خلال تكثيف المواد الدينية في مناهج الطلاب في المرحلة الابتدائية، وهو ما يؤكد سعي الاحتلال لغسل أدمغة للأطفال، تمهيداً لإنتاج جهاديين جدد تغزو بهم العالم، إلى جانب أنشطة المنظمات التركية القومية المتطرفة كـ “الذئاب الرمادية” والجماعات التركمانية.