ديسمبر 24. 2024

تجنيد الأطفال يحوّلهم إلى ضحايا حرب أكثر منهم مقاتلين

عفرين بوست ــ متابعة

المشهد الذي تم تناقله لعرض عسكري لميليشيا “جيش الإسلام” في بلدة “سوسيان” بمنطقة الباب، أعاد للواجهة قضية تجنيد الأطفال، في معترك الأزمة السوريّة، والواقع أنّ الأطفال كانوا في مقدمة ضحايا الأزمة السوريّة بوجوه عديدة، فهم ضحايا القصف والاشتباكات، ويُستخدمون دروعاً بشريّة، والوجه الأخطر زجّهم في المعارك داخل سوريا أو عبر إرسالهم إلى ليبيا.

تداولت صفحاتُ التواصلِ الاجتماعيّ ومواقعِ إعلاميّة في الأيام الأخيرة مقطعاً مصوراً لعرضٍ عسكريّ شارك فيه فتيان يافعون تابعون لميليشيا “جيش الإسلام” التابعة للاحتلال التركي، باسم “دورة الأشبال”، وقد أنهوا دوراتٍ تدريبيّةً عسكريّةً، وقوبل الأمر بموجةِ استنكارٍ عامة.

ويُظهر المقطع المصوّر للعرض العسكريّ في بلدة سوسيان بمنطقة الباب، يافعين بأعمارٍ لا تتجاوز 16 سنة، ما يعني أنّ الدوراتِ العقائديّة بدأت بأعمار بحدود عشر سنوات وربما أقل، وتُزرعُ في عقولِ الأطفالِ فكرةُ أنّ الالتحاقَ بصفوفِ المجاهدين لا يتطلبُ موافقةَ الوالدين!

وسبق أنّ نشرت عفرين بوست في 19/3/2022، أنّ مدينة عفرين المحتلة شهدت الخميس 17/3/2022، عرضاً عسكريّاً بمناسبةِ تخريجِ دفعةٍ من المسلحين في مقرها الكائنِ خلف مبنى إدارة المواصلات سابقاً، وصولاً إلى دوار كاوا. وسط إجراءات أمنيّة مشددة في محيط المقر ومنطقة العرض. وضمّت نحو 60 مسلحاً، أكثر من نصفهم من القاصرين (أقل من 18 عاماً)، بعد خضوعهم لدوراتٍ قتاليّةٍ وشرعيّة.

ونشرت عفرين بوست في 16/11/2021 تقريراً، أفاد بقيام ميليشيا “جيش الإسلام” المطرودة بالقوةِ من ريف دمشق بافتتاح معسكرٍ تدريبيّ باسم “معسكر 385” قرب مستوطنة “القرية الشامية” الواقعة قرب قرية كوباليه بناحية شيراوا، لتدريبِ الأطفالِ عسكرياً وإخضاعهم لدوراتٍ شرعيّةٍ مستغلةً الحاجةَ الماديّة لعوائلهم، وأنّها أقامت دورة تدريبيّة ضمّت حوالي 90 طفلاُ أعمارهم (13 ــ 15 سنة). كما قامت بتخريج دورة سابقة في تموز 2021 ضمّت 60 طفلاً.

لا اختلاف عن “داعش”

عرّاب دورات تجنيدِ الأطفالِ في جيشِ الإسلامِ هو المدعو “سمير كعكة”، وتبدأ العمليّةُ تدريجياً باستقطابِ الأطفال إلى دوراتٍ دينيّةٍ شرعيّةٍ تحت عناوين تحفيظ القرآن والأحاديث النبويّة، فيما يتمُّ تلقين الأطفالِ الصغارِ بالأفكارِ الجهاديّةِ وترغيبهم بحملِ السلاحِ، وصولاً إلى مرحلةٍ يطالب فيها الأطفال بأنفسهم بالالتحاقِ إلى صفوف من يسمّونهم “المجاهدين”، فيُرسلون إلى معسكراتٍ تدريبيّةٍ طويلةِ الأمدِ حتى التخرجِ.

فكرة تجنيدُ الأطفالِ بدأت في الغوطة الشرقيّة، مع ظاهرةِ اختفاء الأطفال، أي قبل ترحيل “جيش الإسلام” إلى الشمال السوريّ، لإنشاء ما سمّوه “أشبال الإسلام”. وهذه المنهجيّةُ لا تختلفُ في أسلوبها ومضمونها ومعسكراتِ التدريبِ عما كان “داعش” يقوم به في تجنيد الأطفالِ والفتيان بتلقينهم أيديولوجيته وأفكاره المتطرفة، لإعدادِ طوابير “أشبال الخلافة”، وما زال الاسم قيد التداول في مخيم الهول حتى اليوم، ويُنظر إليهم على أنهم “قنابل موقوتة”.

فصائل أخرى تجند القاصرين

لا ينحصر تجنيد الأطفال على ميليشيا “جيش الإسلام” ففي منتصف كانون الأول 2021 تداولت مواقع التواصل الاجتماعيّ وثائق تجنيد “الجبهة الشاميّة” للقاصرين في صفوفها، وتظهر الوثائق أنّ المجندين من مواليد 2007 و2009.

وفي تقرير أصدرته الخارجية الأمريكيّة في 1/7/2021 بعنوان باسم “الاتجار بالبشر عام 2021” أدرجت فيه تركيا في قائمة الدول المتورطة باستخدام الجنود الأطفال. وقالت الوزارة في التقريرِ إنّ “تركيا تقدّمُ دعماً ملموساً” ل”فرقة السلطان مراد” في سوريا، وهي ميليشيا مسلحة تؤيدها أنقرة منذ زمن طويل وأنّها جندت واستخدمتِ الأطفال كمقاتلين.

وقال مسؤول في الخارجيّة الأمريكية خلال مؤتمر صحفيّ إنّ تركيا لها صلة كذلك بعمليات تجنيد أطفال في ليبيا، وأضاف تأمل الولايات المتحدة في العمل مع الطرف التركي على حلِّ هذه القضية. وأضاف: “أما تركيا… هذه المرة هي الأولى التي يتم فيها إدراج عضو في الناتو على قائمة قانون منع استخدام الأطفال الجنود”.

أصدر المركز السوري للعدالة والمساءلة SJAC، في 27/5/2021، بالتعاون مع “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” STJ، دراسة عبر بحث ميدانيّ، حول الأساليب المختلفة المستخدمة للتجنيد وتشمل: الاحتيال على العائلات، وتدنّي الأجور أو عدم دفعها، والتجنيد من الفئات الضعيفة مثل النازحين والأطفال.

تقارير تثبت تجنيد الأطفال

في 12/3/2022 اتهمت لجنة التحقيق الدوليّة المستقلة بشأن سوريا التابعة للأمم المتحدة فصائل “الجيش الوطني” وتركيا بارتكاب جرائم حرب في سوريا وتأجيج الحرب ضد المدنيين شمال البلاد، وذكرت أنّه رغم الأوامر الصادرة عن “الجيش الوطنيّ”، والتي اطلعت عليها اللجنة، بحظر تجنيد الأطفال، أُبلغ عن زيادة في حالات تجنيد الأطفال واستخدامهم من قبل فصائل “الجيش الوطني”.

في أيلول 2021 قالت منظّمة “سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة” أنّها وثّقت حالات تجنيد جديدة لـ 55 طفلاً سورياً منذ مطلع العام 2021 داخل معسكرات في طرابلس، وأنّ عمليّات تجنيد ونقل مقاتلين ومدنيّين سوريّين للذهاب بغرض الحراسة أو القتال كمرتزقة إلى ليبيا لم تتوقّف، وتحديداً خلال العام 2021.

في 28/2/2021 نشرت منظمة ماعت المصريّة الحقوقية تقريراً بعنوان “تورط تركيا في تجنيد الأطفال من المناطق التي تحتلها في شمال سوريا”، كشفت فيه عن تورط تركيا في تجنيد نحو 1316 طفلًا، وأشارت إلى تجاهلها كافة الاتفاقات الدوليّة التي تمنع تجنيد الأطفال دون الثامنة عشرة. وأوضح تقرير “ماعت”، أن المرتزقة تستخدم أنماطًا معقدة لتجنيد الأطفال قسريًّا، والزج بهم في الأعمال الحربية في مختلف المناطق التي تسيطر عليها في شمال سوريا، ما أسفر عن مقتل وإصابة المئات منهم.

ظاهرة تجنيد ليست جديدة فقد وثّقت هيومن رايتس ووتش هذه الممارسة للمرة الأولى في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، إذ وجدت أن فتية تبلغ أعمار أصغرهم نحو الرابعة عشرة ساعدوا في أدوار داعمة ل “الجيش السوريّ الحر”.

في 15/5/2013 قال تقرير الأمين للأمم المتحدة إلى مجلس في دورته 65 إنّ الأمم المتحدة تلقت عددا متزايدا من التقارير عن قيام جماعات المعارضة المسلحة، مثل الجيش السوري الحر، باستخدام الأطفال. ويتبين من الروايات الواردة أن ارتباط الأطفال بالجيش السوري الحر يعزى في كثير من الأحيان إلى قيام أحد الأقارب الأكبر سنا بتسهيل التجنيد وذكر التقرير أنّه استُخدم أطفال تتراوح أعمارهم في المتوسط من ١٥ سنة إلى ١٧ سنة في أدوار القتال والدعم.

قسد توقع خطة منع تجنيد الأطفال

بالمقابل وقعت قوات سوريا الديمقراطية باسم قائدُها العام، مظلوم عبدي، وباسم الأمم المتحدة الممثلةُ الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح، السيدة فرجينيا غامبا، خلال احتفال رسمي عُقد في قصر الأمم في 29 حزيران/يونيو 2019 على خطة منع تجنيد الأطفال دون سن الثامنة عشرة واستخدامهم.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons