ديسمبر 23. 2024

“العالم تحول إلى علبة كبريت”… نساء عفرين ومسلحون بـ”أشكال مخيفة”

Photo Credit To تنزيل

عفرين بوست – متابعات

تعيش النساء، في مدينة عفرين شمال غرب سوريا، حياة اجتماعية قاسية، فرضتها عليهن القوات التركية والفصائل المسلحة التابعة لها، بعد احتلال تركيا للمدينة والقرى التابعة لها، عبر عملية عسكرية أطلق عليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان معركة غصن الزيتون” في عام 2018.

التقينا بنساء كرديات ما زلن يعشن في المدينة، تحدثن لرصيف22 عن سلسلة يومية من المعاناة، وانتهاك حقوق الانسان، وسلب الحريات، في بلد مزقته حربٌ تجاوز عمرها العشر سنوات.

من عازفة إلى سجينة

تجلس روكان في غرفتها، تحدّق في نافذتها، زجاجٌ مُحاطُ بإطارٍ خشبي، يحجب صوتها وأنغامها عن مسامع الفصائل التي سيطرت على قريتها منذ قرابة الأربع سنوات، وحوّلتها من عازفة حالمة إلى سجينة مترقبة لأي حركة تنقلها هذه النافذة.

تعيش روكان مع والدتها في قريتها جينديرس، التابعة إدارياً لمحافظة حلب في منطقة عفرين، ظروفاً قاسية، تقول لرصيف22: “منذ سيطرة القوات التركية والفصائل المسلحة على قريتنا، تغيّرت حياتي بالكامل، دمّروا معهد أواز الذي كنت أعمل به آنسة موسيقا، وحرمونا من الخروج حتى إلى حلب”.

تبلغ روكان 35 عاماً، تتحيّن الفرصة لتمسك آلة الطنبور، وتعزف قليلاً، تقول: “لم يفرضوا قانوناً يمنع الموسيقى، لكن إن سمعوا أن فتاة تعزف هنا، يمكنهم أن يقتحموا منزلنا، يأخذوني قسراً، ربما يتزوجني أحدهم، أو يغتصبني، لا يوجد قانون يمنعهم، هذا ما يجري مع الفتيات الكرديات في عفرين”.

الظهيرة، إنها الفترة المناسبة للعزف، يختفي صوت آلتها مع حركة الشارع. “أغني لعفرين وأعزف لها، لعليّ إذا ما تغنيّت باسمها، تُولد فجأة من شفتيّ الداميتين، هل سمعتم بموسيقية تخشى أن يسمع الآخرون عزفها؟ بموسيقى حبيسة الجدران؟ هذه حالتي البائسة، أعزف أحياناً، وأحدّق أحياناً أخرى بآلة الطنبور، أتذكر حفلاتي الموسيقية السابقة في عفرين وحلب والقامشلي ودمشق”.

“إن سمعوا أن فتاة تعزف هنا، في عفرين يمكنهم أن يقتحموا منزلنا، يأخذوني قسراً، ربما يتزوجني أحدهم، أو يغتصبني، لا يوجد قانون يمنعهم، هذا ما يجري مع الفتيات الكرديات في عفرين

لماذا لم تغادري؟ تتنهد طويلاً، وتجيب: “إلى أين؟ الخروج من عفرين أمر شبه مستحيل، لا يسمحون لأي سوريّ من أصول كردية بالمغادرة، أخي في أوروبا، لكن كيف سأصل إليه؟ هذه الفصائل تقيّد حركتنا داخل منازلنا، فكيف لنا أن نحلم بالخروج؟ إنني محاصرةٌ تماماً، العالم كله تحول إلى علبة كبريت، لا أمل إلا بهذه النافذة”.

عرس بلا زغرودة

يوم الحنّة، الأغاني، حلقات الدبكة، اللباس الكردي التقليدي، الزغرودة، موكب العروس، فستانها الأبيض وطرحتها، كل ذلك حُرمت منه روشين، فتاة سورية كردية، منعتها ظروف قريتها “باصوفان” التابعة لمحافظة حلب في منطقة عفرين، من إكمال تعليمها، لم تجد سوى الزواج “ع السكت”، كما تقول، حلاً لـ”تحسين الحال”.

عندما دخلت القوات التركية والفصائل قريتها، كان عمر روشين أربعة عشر عاماً، أي في الصف الثامن الإعدادي، لم تتمكن من متابعة تعليمها، واليوم أكملت الثامنة عشر، وأضحت في منزل زوجها. خروج الفتاة الكردية من المنزل أمر في غاية الخطورة، لأسباب عدة شرحتها لنا والدتها.

تقول السيدة بيرفان، والدة روشين: “أشكالهم مُخيفة، يرتدون جلابيب فضفاضة مع سراويل قصيرة، يمشون حفاة في الشارع، يطلقون لحيتهم، ويضعون السلاح على أكتافهم، يعتبرون الأكراد كفّاراً، وهم جاؤوا لتعليمنا الدين، فرضوا علينا الحجاب، غيّروا المناهج الدراسية، حوّلوها إلى مناهج تدعوا لأفكار متشددة، تنادي بالجهاد، وتُدين المرأة”.

“غرسوا في رؤوس أولادهم أن جميع الفتيات الكرديات مستباحات لهم”.

تتساءل السيدة بيرفان: “كيف سأسمح لابنتي بالذهاب إلى المدرسة، ماذا ستتعلم؟ عدد الفتيات الكرديات في قريتنا تضاءل جداً، لم يبق إلا القليل، كل العائلات هرّبت بناتها إلى الخارج، كيف ستختلط بهم، بعد أن غرسوا في رؤوس أولادهم أن جميع الفتيات الكرديات مستباحات لهم”.

تخاف السيدة بيرفان على ابنتها من الاختطاف، تقول: “تنتشر في قريتنا وفي منطقة عفرين إجمالاً، ظاهرة الاختطاف بين الفصائل يطلبون فدية بمبالغ قد تصل إلى خمسة آلاف دولار، خاصة عندما تصلهم تقارير عن عائلة كردية أقامت عرساً أو وصلتها حوالة مالية ضخمة، لذلك لم نحتفل بزواج روشين، كل ما فعلته أنها ذهبت بثيابها إلى منزل زوجها، علاوة على منعهم الاحتفال بالطريقة الكردية”.

وتضيف: “عندما يعلمون بأمر فتاة كردية، إن أعجبتهم يقتحمون المنزل، يطلبونها للزواج، عند رفض عائلتها، يقتادونها قسراً إلى منازلهم، لا تعود إلا مُغتصبة، بعد هذا كله كيف سأسمح لها بالخروج من المنزل؟”.

النساء الكرديات في عفرين، لا يمكنهن الخروج من المنزل، إلا برفقة رجل، وغطاء على الرأس، رغم ذلك يتعرضن للمضايقات، تقول السيدة بريفان: “مرة كنت أسير برفقة زوجي، رأيت فتاةً كردية تسير مُحجبة في الشارع، اقتربوا منها، تحرشوا بها، ثم أوقعوها أرضاً، أثناء قيادتهم دراجاتهم النارية”.

أما روشين، فتختلط أمنياتها التي لم تجد سبيلاً لتحقيقها، بين الحنّة والزغرودة والدراسة في الجامعة، تغني باللغة الكردية: “حَني حَنا زَيرن، حَني دُه تَشتيكن، آفي بكيفجه لَيكن، مُومَي دُه أُورتيكن، لدَست لُنكي، في بُووكي كُن”، أغنية فلكلورية تُغنى عادة في يوم الحنّة، الذي يسبق يوم الزواج، وتشرح طريقة صناعة الحنّة، ووضعها على يد وقدم العروس.

خوف من الاختطاف

هافين، فتاة سورية، تحكي عيناها مئات القصص عن الفتيات الكرديات في عفرين، جاءت إلى هذه الحياة مُمسكةً بقبضة يدها قوياً، لا يمكن لفصيل مسلح أن ينال من عزيمتها، لذلك قررت أن تستمر بعملها في متجر الألبسة وأدوات التجميل، حتى بعد دخول الفصائل إلى قرية دير صوان في منطقة عفرين.

تقول هافين (43 عاماً) لرصيف22: “يربطني بالعالم الخارجي حبلٌ سرّي يمتد ليحيط بالكرة الأرضية كلها، ذهبت إلى الموت بقدمين صلبتين ثابتتين، وفتحت متجري، إنه كل ما أملك، حتى أني مستعدةٌ أن أبذل حياتي لأجله إن لزم الأمر، كان ذلك في العام 2019 أي بعد عام واحد على سيطرة الفصائل على عفرين”.

هاجمت الفصائل المسلحة متجر هافين، ونهبت كل ما تملك من بضاعة، وكسّرت الزجاج والنوافذ، وضربت هافين بطرف البندقية، تقول: “هذه الفصائل هي وجه المدينة الجديد، كل المتاجر لهم، والصاغة، والمصارف، ومؤسسات الدولة سابقاً، أما الأكراد، محرومون حتى من السعي لرزقهم، لأن أي كردي يفتتح محلاً، سينهبونه فوراً، أو يختطفون إحدى نساء عائلته ويطالبونه بفدية”.

“أشكالهم مُخيفة، يرتدون جلابيب فضفاضة مع سراويل قصيرة، يمشون حفاة في الشارع، ويضعون السلاح على أكتافهم، إن أعجبتهم كردية يطلبونها للزواج، عند الرفض يقتادونها قسراً ولا تعود إلا مُغتصَبة”

امتدت ساعات الانتظار، ومعها بدأ يخبو الأمل، لا يمكن لهافين العمل في متجرها، ولا في أي مكان آخر، البقعة الوحيدة الآمنة للنساء الكرديات في عفرين هي منازلهن، حتى الشرفة تشكل خطراً عليهن، حيث أضحى نشر الغسيل ضمن قائمة الممنوعات، ومعه زيارة الصديقات، والخروج إلى المقهى، والدراسة والعمل.

ترى هافين أن “رغبة القلب الصادقة غالباً ما تجد طريقها إلى التحقيق، لن يستمر الأمر على هذا النحو، سنغيّر واقعنا، سنعيد عفرين كما كانت سابقاً، لن يكون النقاب والحجاب القسري هويةً لمدينتنا، بعد أن كانت مثالاً للانفتاح وقبول الآخر، ستعود مدينتنا إلينا، طالما أن كبارنا رفضوا مغادرة أرضهم، وتمسكوا بتراب عفرين. إنها الحقيقة التي تجمع بين صلابة الحجر ورقة الزهور”.

وقد أصدرت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا، تقريرها الدوري في الرابع عشر من شهر أيلول/ سبتمبر الحالي، أوردت فيه الكثير من حالات انتهاك حقوق الانسان، وارتكاب جرائم حرب ضد المواطنين الأكراد في منطقة عفرين.

وتحت بند الحرمان من الحريات، أكد تقرير اللجنة تعرض عائلات كردية إلى الاختطاف والتعذيب والاغتصاب ومصادرة الحقوق الإنسانية، على أيدي أفراد من ألوية الجيش الوطني السوري التابع لتركيا، وما يسمى بـ “اللواء حمزة”، و”اللواء محمد الفاتح”، و”فيلق الشام”، وغيرها من الفصائل المتشددة المنتشرة في المنطقة.

سهى كامل – نقلاً عن موقع رصيف 22

Post source : رصيف 22

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons