عفرين بوست
أصدرت لجنة التحقيق الدوليّة المستقلة بشأن سوريا في دورتها الثامنة والأربعون تقريراً حول انتهاكات حقوق الإنسان في مناطق خاضعة لسيطرة الاحتلال التركيّ والفصائل التابعة له
وعرضت اللجنة في تقريرها المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان عملاً بقراره 46/22، النتائج التي استخلصتها من التحقيقاتِ في الحوادثِ التي وقعت في الفترة ما بين 1 تموز/ يوليو 2020 و30 حزيران/ يونيو 2021 في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة؛ إدلب وغرب حلب. شمال حلب ورأس العين. وشمال شرق سوريا.
الولاية والمنهجية
ــ قالت اللجنة إنّها عملت بمنهجيتها المتبعة واسترشاداً بالممارسات المعياريّة للجان التحقيق والتحقيقات في مجال حقوق الإنسان، واعتمدت في المقام الأول على 538 مقابلة أجريت شخصيّاً في المنطقة ومن جنيف. وتمَّ جمع وتحليل الوثائق والتقارير والصور ومقاطع الفيديو وصور الأقمار الصناعيّة من مصادر متعددة. كما طلبت اللجنة، كتابةً وأثناء الاجتماعات، معلومات عن الحوادث والأحداث والتطورات من الحكومة وأطراف النزاع والدول الأعضاء في الأمم المتحدة. واُعتبر معيار الإثبات مستوفياً عندما كان لدى اللجنة أسباب معقولة للاعتقاد بأنَّ الحوادث وقعت على النحو الموصوف، وحيثما أمكن، ارتكبت الانتهاكات من قبل الطرف المتحارب الذي تم تحديده.
ــ وأشارتِ اللجنة إلى أنّ تحقيقاتها تظل مقيدة بسبب منع الوصول إلى البلاد والمخاوف المتعلقة بالحماية فيما يتعلق بالمقابلات. في جميع الحالات، ظلت اللجنة تسترشد بمبدأ “عدم إلحاق الضرر”.
وذكرت أنّه خلال الفترة قيد الاستعراض، عانى المدنيون في منطقتي عفرين ورأس العين من مستويات متزايدة من العنف، بما في ذلك العديد من السيارات المفخخة والقصف المدفعيّ وقُتل وجرح العشرات من الرجال والنساء والأطفال وألحقت أضرارٌ بالبنية التحتيّة المدنية. وما زاد من تفاقم الوضع الأمنيّ الهش، استمرار معاناة المدنيين من انتهاكات دوليّة لحقوق الإنسان على أيدي القوات العاملة تحت مظلة “الجيش الوطنيّ السوريّ”.
تفجيرات وقصف
أفادت التقارير بوقوع 59 حادثة على الأقل، تسببت فيما يقرب من 641 ضحية باستخدام أجهزة متفجرة، في عفرين ورأس العين. ووثقتِ اللجنة سبعة انفجارات من هذا القبيل في مناطق مزدحمة أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 243 ضحية في مناطق سيطرة “الجيش الوطنيّ السوريّ”. في 14 سبتمبر 2020، حوالي الساعة 6 مساءً، انفجرت سيارة مفخخة قرب دوار كاوا في مدينة عفرين، ما أسفر عن مقتل 10 مدنيين بينهم صبي، وإصابة 31 آخرين، بينهم 3 سيدات و7 أطفال. وصف أحد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم نقل جثث 4 مدنيين محترقة من سيارة أصيبت بالانفجار.
في 30 كانون الثاني/ يناير 2021، لقي ما لا يقل عن 6 مدنيين، بينهم 3 صبية، مصرعهم وجرح 29 آخرين، بينهم 3 نساء و8 أطفال، عندما انفجرت عبوة ناسفة محمولة على مركبة في منطقة الصناعة التجارية في عفرين. في اليوم التالي، 31 يناير، انفجرت عبوة أخرى من هذا النوع في منطقة سوق في إعزاز، ما أسفر عن مقتل 6 مدنيين، بينهم امرأة وفتاتان، وإصابة 25 آخرين، من بينهم صبيان وفتاة واحدة.
كما تم توثيق هجمات باستخدام عبوات ناسفة محمولة على سيارات في منطقة رأس العين. على سبيل المثال، في 26 سبتمبر 2020، في حوالي الساعة 5:30 مساءً، انفجرت مثل هذه العبوة في منطقة تجارية في جنوب رأس العين، ما أسفر عن مقتل 7 مدنيين، بينهم طفلان وإصابة 11 آخرين، من بينهم طفل واحد على الأقل. قُتل ما لا يقل عن 4 آخرين، من بينهم طفلان، وأصيب 12 آخرون عندما انفجرت عبوة ناسفة مفخخة في سيارة مفخخة في منطقة تجارية مماثلة بالقرب من سوق في رأس العين في 25 فبراير.
في هجوم فظيع بشكل خاص وقع في 12 حزيران/ يونيو، أصاب قصف صاروخي ومدفعي مواقع متعددة في مدينة عفرين، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 16 شخصًا وإصابة 20 آخرين، بمن فيهم الأطفال والموظفون الطبيون والإنقاذ. وصف الشهود كيف أصابت الذخائر، حوالي الساعة 6 مساء، أراض زراعيّة بالقرب من الطريق الرئيسي المؤدي إلى جنديرس وعدة منازل مدنية بالقرب من مستشفى ابن سينا. بعد دقائق، أطلقت ثماني ذخائر على الأقل على منطقة سكنيّة بوسط عفرين، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل، بينهم مقاتل واحد في “الجيش الوطنيّ السوريّ”. بين الساعة 6:30 والساعة 7 مساءً، بينما كان السكان ينقلون الضحايا إلى مستشفى الشفاء القريب، على بعد حوالي كيلومترين، أصابت ثماني ذخائر أخرى بشكل مباشر الجانب الشرقي من المستشفى، ودمرت قسم الطوارئ حيث تم نقل الضحايا للتو. كما لحقت أضرار بوحدة التوليد والأطفال. وذكرت اللجنة تبادل الاتهام بين الميليشيات التابعة للاحتلال التركيّ ووحدات حماية الشعب. والتحقيقات جارية.
التضييق على الكرد
ذكرت اللجنة استمرار حرمان المدنيين – من أصل كردي بالمقام الأول – من حريتهم بشكل غير قانونيّ على أيدي مسحي الميليشيات الفرقة 22، الحمزات؛ الفرقة 14، اللواء 141 والفرقة 13، لواء محمد الفاتح وفيلق الشام. أثناء الاحتجاز، كان الضحايا يُنقلون في كثير من الأحيان إلى منشآت مؤقتة تديرها الميليشيات على مستوى المناطق الفرعيّة. واستمرتِ الميليشيات نفسها، كما تمّ توثيقه سابقًا، بنهب ممتلكات المدنيين ومصادرتها، إضافة لاحتجاز الأفراد، بما في ذلك الأراضي الزراعية التي يملكها أفراد الأقلية الإيزيديّة.
التعذيب خلال الاعتقال
وصف محتجزون سابقون تعرضهم للضرب والتعذيب على أيدي مسلحي الميليشيات، بما في ذلك أثناء الاستجوابات الأولية، في محاولة لانتزاع اعترافات أو معلومات أخرى يحتمل أن تكون قد تدينهم. لم يبلغ الأشخاص الذين تمّت مقابلتهم بأسباب اعتقالهم، وبالتالي حُرموا من التمثيل القانونيّ والاتصال بعائلاتهم. بمجرد انتزاع الاعترافات بالإكراه، نقل عناصر “الجيش الوطنيّ السوريّ” الأفراد من مراكز احتجاز مؤقتة إلى سجون مركزية، غالبًا في البداية إلى سجن الراعي ثم سجن معراتة في عفرين. كما حدثت عمليات النقل هذه عندما دفع المحتجزون رشاوي لمسلحي الميليشيات. وروى البعض كيف حُرموا من الاتصال بمحام، وكيف اعتُبرت الاعترافات والمعلومات الأخرى المنتزعة تحت التعذيب أو سوء المعاملة المصدر الرئيسي للأدلة في الإجراءات الجنائية اللاحقة. وكان العديد منهم لم يمثلوا أمام المحكمة. وأحيل آخرون إلى محاكم عسكرية في منطقة عفرين
اعتقالات في قرى شيراوا
برزت الغارات التي شنتها كتائب مختلفة على القرى كاتجاه خلال الفترة قيد الاستعراض. على سبيل المثال، بين 4 و7 كانون الأول/ ديسمبر 2020، داهم عناصر فيلق الشام قرى باعي، باصوفان، برج حيدر وكباشين التي يسكنها الإيزيديون في ناحية شيراوا التابعة لمنطقة عفرين، بزعم رداً على اغتيال متزعم في الميليشيا، ووصفت شاهدة كيف اقتحم خمسة مسلحين منزلها في 5 ديسمبر/ كانون الأول، وحوالي الساعة 10 مساءً، واعتقلوا واحتجزوا شقيقها، وسرقوا أموالاً ومتعلقات شخصيّة. وأثناء ضربها صاح عناصر فيلق الشام “ليش مازلت هنا؟”. وزُعم أنّه تم إلقاء القبض على عددٍ غير معروفٍ من الرجال، ثم أطلق سراحهم بعد حوالي 10 أيام. تعرضت قرية باصوفان لمداهمات متكررة طوال شهر شباط/ فبراير من قبل ميليشيا الحمزة ومع تغير السيطرة، من قبل ميليشيا فيلق الشام.
اعتقالات في كاخرة
ــ في 27 كانون الثاني/ يناير، نحو الساعة الثالثة والنصف صباحاً، داهم أفراد من الفرقة 14، اللواء 142 (لواء سليمان شاه) عدة منازل في قرية الياخور/كاخرة، قرب بلدة المعبطلي (منطقة عفرين). لتقييد حركة المدنيين، حاصروا المنطقة وفرضوا حظر تجول أثناء المداهمة. قُبض على ما لا يقل عن 18 رجلاً وصبي واحد، وعُصبت أعينهم وأُحضِروا إلى مقر ميليشيا “سليمان شاه”، حيث تعرضوا للضرب المبرح والتعذيب. وصف أحد الأشخاص الذين تمّت مقابلتهم رؤية آثار الضرب على بعض الضحايا بعد الإفراج عنهم بعد حوالي 24 ساعة.
التحرش الجنسي والاغتصاب
وقال التقرير إنه: لطالما أظهرت ممارسات الاحتجاز في سوريا بُعداً جنسانياً بشدة. خلال الفترة المشمولة بالتقرير، واصلت اللجنة توثيق الانتهاكات على أساس النوع الاجتماعي، بما في ذلك الانتهاكات ذات الطبيعة الجنسية.
ــ كما في حالة المحتجزين الذكور، تم نقل المحتجزات طوال فترة احتجازهن بين سجون تديرها مختلف الميليشيات التابعة لـ”لجيش الوطنيّ السوريّ” على مستوى المناطق الفرعيّة في منطقة عفرين. وعادة ما يتم احتجاز النساء والفتيات إما بنفسِ الوقت مع أقاربهن الذكور أو بعد احتجاز أزواجهن، للاشتباه بصلاتهم بالإدارةِ الذاتيّة.
وذكر التقرير نقلاً عن معتقلات سابقات تعرضهن لعمليات اغتصاب وضرب وتعذيب متعددة من مسلحي الميليشيات وحرمانهن من الطعام بانتظام. وتعرض آخرين للتهديد بالاغتصاب أثناء الاستجواب، والاعتداء والمضايقة، بما في ذلك أثناء الاحتجاز بالسجن الانفراديّ، ما زاد من المخاوف والترهيب. وتعرض الضحايا في بعض الأحيان للمضايقة أمام المحتجزين الذكور، بينما يُجبر الأقارب الذكور على الاستماع إلى صراخهم أثناء تعرض النساء للضرب أو الاعتداء.
ــ وفي حالتين، وثّقت اللجنة كيف تم احتجاز النساء بشكلٍ منفصلٍ في منزل مدنيّ في منطقة عفرين، حيث أحضرهن قائد كبير في “الجيش الوطنيّ السوريّ” مقابل هدايا تلقاها من صاحب المنزل. وزُعم أنَّ واحدة على الأقل من النساء تعرضت للاغتصاب والعنف الجنسيّ أثناء احتجازها.
التوصيف والمسؤولية
رغم استمرار التحقيقات لتحديد الجناة، فإنَّ لدى اللجنة أسباباً معقولة ًللاعتقاد بأنَّ جريمة الحرب المتمثلة في شنِّ هجمات عشوائيّة أسفرت عن مقتل أو إصابة مدنيين ربما تكون قد ارتكبت أيضاً فيما يتعلق بقصف مناطق مدنيّة موصوفة أعلاه، بما في ذلك ما يتعلق بالهجوم الذي أصاب مستشفى الشفاء. تتمتع المرافق الطبيّة بحمايةٍ خاصة بموجب القانون الدوليّ الإنسانيّ في جميع الظروف.
ــ استناداً إلى الحالات الموصوفة للاعتقال والاحتجاز لأفراد الأقليات أثناء مداهمات الميليشيات بما في ذلك الفرقة 22 (الحمزة) والفرقة 14 (اللواء 141) والفرقة 13 (اللواء محمد الفاتح- فيلق الشام، لدى اللجنة أسباب معقولة للاعتقاد بأن الأفراد قد حُرموا بشكل غير قانونيّ وتعسفيّ من حريتهم، على الأرجح لأسباب تمييزيّة. هناك أيضًا أسباب معقولة للاعتقاد بأن عناصر “الجيش الوطنيّ السوريّ” قد مارسوا التعذيب والمعاملة القاسية والاعتداء على الكرامة الشخصيّة، بما في ذلك الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسيّ، التي تشكل جرائم حرب.
وحمل التقرير تركيا، مسؤوليّةَ ضمان النظام العام والسلامة العامة، وتوفير حماية خاصة للنساء والأطفال. وأن تظل ملزمة بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان تجاه جميع الأفراد الموجودين في هذه الأراضي.