عفرين بوست ــ خاص
تعمل سلطات الاحتلال التركيّ على تغيير التركيبة الديمغرافية لإقليم عفرين الكرديّ وفق خطة ممنهجة، والقيام بعمليات الاستيطان وفقاً للفرز العرقيّ، وفي هذا الإطار تأتي عملية “تركمنة” الشريط الحدوديّ مع تركيا، وفي الأيام الأخيرة تم نقل عناصر من ميليشيا الشرطة المدنيّة من ناحية بلبلة/بلبل الحدودية إلى ناحية شرا/شران ليصار إلى استبدالهم بعناصر تركمانيّة.
وقد رصدت شبكة عفرين بوست ما نشرته مواقع تابعة للميليشيا الإسلاميّة التابعة للاحتلال التركي، بأن المدعو “عبد المعين حجك” وهو قائد شرطة بلبلة قد أصدر أمراً بنقل ٢٦ عنصراً من ناحية بلبلة/بلبل الحدودية إلى ناحية شرا/شران، وذلك لجلب عناصر بديلة من التركمان إلى بلبلة مع عائلاتهم.
تتريك الحدود، وتعريب مناطق التماس
يأتي هذا الإجراء تنفيذاً لسياسة السلطات التركية بإفراغ الشريط الحدودي من الكرد وتوطين التركمانيين لإقامة فاصل ديمغرافي على الحدود، وتعد من الخطوات التمهيدية لضم إقليم عفرين الكرديّ، فيما إذا تم إجراء استفتاء فيها، في تكرار لسيناريو ضمّ لواء اسكندرون، وكسب أصوات مؤيدة للضم عبر التلاعب بالتركيبة الديمغرافية.
وعلمت عفرين بوست في وقت سابق من مصادرها بأنّ توطين التركمان في بلبلة يجري بوتيرة عالية، وأنّ قرية قسطل مقداد لاقت النصيب الأكبر من التغيير الديمغرافيّ، حيث تم توطين العشرات من العائلات التركمانية فيها.
وبمقتضى الخطة التركية تجري عملية فرز للمستوطنين وفقاً لأصولهم العرقيّة، بإسكان التركمان في القرى الحدوديّة في نواحي بلبله وراجو وشيه، بهدف إنشاء منطقة عازلة اعتماداً على تغيير التركيبة الديمغرافيّة، ودفع المستوطنين والميليشيات العربيّة إلى خطوطِ التماس مع قوات النظام السوريّ، في ناحية شيراوا وشرا، أي (تتريك الحدود، وتعريب مناطق التماس).
فبركة قضية للتركمان
التركمان أهم الملفات التي يتلاعب بها أردوغان في سوريا، وطالبت أنقرة مراراً المجتمعَ الدوليّ بإنشاء منطقة آمنة شمال سوريا ذات أغلبيّةٍ تركمانيّةٍ، وعبّرت في كلّ مناسبة عن تضامنها مع التركمان، وأنّهم سوريون من أصول تركيّة.
حمل التركمان السلاح مع بداية عسكرة الحراك الشعبيّ في سوريا 2011، وتلقوا دعماً مباشراً من تركيا (سياسيّاً وعسكريّاً وتمويلاً) وبخاصة في المناطق القريبة من الحدود، وجودهم في المناطق القريبة من الحدود السوريّة مع تركيا. وتم تأسيس ميليشيات عسكريّة من التركمان انضوت تحت مسمى الجيش الحر. وتعهّد أردوغان، بمواصلة هذا الدعم وقال: “إننا ندعم أخوتنا التركمان في الباير والبوجاق وفي كلّ سوريا ونتعهّد بالاستمرار في تقديم الدعم لهم”.
استثمرت أنقرة من فبركة “قضية تركمان سوريا” خلال السنوات الأخيرة، وعملت على تشكيل “هوية قومية” في مواجهة تصاعد القضية الكرديّة، وإنشاء مجاميع مسلحة من المكون التركمان، وكان ذلك في إطار مساعيها لجعل التركمان رأس حربة في التغيير السياسيّ في سوريا، ومكّنت شخصيات تركمانيّة من قيادة مؤسسات المعارضة (الائتلاف وما يسمى الحكومة المؤقتة) مثل خالد خوجة، وعبدالرحمن مصطفى.
الاستيطان التركمانيّ في إقليم عفرين
بعد احتلال إقليم عفرين، شجّعتِ القواتُ والحكومةُ التركيّة التركمان على التوجّه إلى منطقة عفرين، وتم توطين تركمان اللاذقية وحمص المرحّلين في القرى الكردية بعفرين، وسعت أنقرة لإقامة مستوطنات لهم على شكل مجمعات سكنيّة بريف عفرين، وشجعتهم على شراء العقارات والأراضي، والاستملاك، ووفرت لهم مساعدات كبيرة، وقروضاً وتسهيلاتٍ إداريّة، ومكّنتهم من الوصول إلى قرى وبلدات جديدة هجرها أهلها بالكامل بداعي “أنّها منطقة عسكريّة” أو تقع قرب “المراكز العسكريّة” ومنحتِ التركمان وعوائل المسلحين الخاضعين لها الإذن للاستيلاء عليها.
استقدم المسلحون التركمان، عوائِل تركمانية من مدينة إعزاز وقُدّمت لهم منازِل سكنية في قرية “قرنة” بناحية بلبله، وتشير المعلومات إلى توطين نحو 600 عائلة تركمانيّة بمركز ناحية بلبله وحدها.
وقد برز نشاط التركمان واضحاً في عفرين المحتلة، وافتتحوا مقراً لما يسمى “المجلس الأعلى لتركمان سوريا” في مدينة عفرين، فيما تعمل منظمات تحت مسمّى “الإغاثة”، لتشجيعِ التركمان ومساعدتهم على الاستيطان.
وأسس التركمان مؤسسات وتنظيمات مثل “تجمع شباب تركمان سوريا”، الذي بدأ نشاطه في عفرين في آب 2018 وافتتح معهداً دينيّاً باسم “معهد الفَتح المُبين”، في قرية كرزيليه/قرزيحل. وأظهر شريط فيديو نشره “التجمع” على صفحته الإلكترونيّة أطفالاً يرفعون شعارات ويتلون آيات قرآنيّة.
وأعلن ما يسمّى “المجلس التركماني السوري” المدعوم من أنقرة، أنه التقى في 23/8/2018 بالتركمان المستقدمين من حماه وحمص والشام والجولان، إلى عفرين. وكشف المجلس التركمانيّ عن زيارة أعضائه إلى مقر مليشيا “الظاهر بيبرس”، التي تتكون من تركمان الجولان، كما زار مجلس التركمان مقر مليشيا “الفرقان” التي تضم مقاتلين تركمان، ينحدرون من المنطقة الوسطى.
وأكّد المدعو “محمد وجيه جمعة” رئيس ما يسمى “المجلس التركماني السوري”، في كلمته أمام جموع المستوطنين ومسلحي المليشيات التركمانية، على ما أسمّاها “وحدة الصف التركمانيّ”، وضرورة العمل سوياً لإحياء روح الوحدة والتعاضد لدى التركمان السوريين”!
في منتصف أيلول 2019 زار وفد مما يسمّى “حزب النهضة السوريّ التركمانيّ مسلحي مليشيا “السلطان محمد الفاتح” وقرى في عفرين هُجّر منها أهلها الكرد ومُنعوا من العودة، واستوطن فيها التركمان.
عبد الرحمن مصطفى لا ينفكُّ عن الافتخار بالدعم التركيّ والتطلع إلى دويلة تركمانيّة برعاية أنقرة لحماية حدود تركيا، والمبالغة بعدد التركمان
وورد في تقرير نشره موقع “بلادي المعارض” في 29/7/2018، أنّ متزعمي الميليشيات التركمانيّة طلبوا منهم التوجّه إلى قرى عفرين، وقطعوا وعوداً على لسان شخصيات في المجلس الأعلى للتركمان بالتوطين في قرى الكُرد المُهجرين.
في 3/3/2020 اتهمت وزارة الدفاع الروسيّة، للمرة الأولى، على لسان رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا، اللواء بحري أوليغ جورافلوف، سلطات الاحتلال التركي بأنها تقوم بتوطّين التركمان في مناطق طردت منها الأكراد، ما أدى إلى تغيير جذري في التركيبة الديمغرافي في لتلك المناطق.