ديسمبر 23. 2024

ملف|| قرية جقماق كبير.. حيث يستباحُ السنديان والصوان في ظل التغيير الديموغرافي

Photo Credit To تنزيل

عفرين بوست ــ خاص

من قرى عفرين الجميلة، تسند ظهرها إلى سفح جبلٍ حيث شجر السنديان وحجر الصوان، وتستقبل السهل حيث الزيتون المبارك وكروم العنب. استباحها الغزو التركيّ والميليشيات الإخوانيّة، فبقي 30% من أهلها، كثير منهم كبار السن، لتتغيّر تفاصيل حياتها الوادعة الآمنة، وتدخل مرحلة جديدة كانت بدايتها من سرقة البيوت وحتى أواني المطبخ، ومن بعدها الاعتقالات والإتاوات.

الاسم:

قرية جقماق كبير Çeqmaqê Mezin، وتعني بالعربية “الصوان الكبير”.

الموقع:

جقماق كبير قرية كبيرة تقع على السفح الجنوبي لمرتفع جبلي. وتنتشر حراج السنديان على السفوح وبساتين الزيتون والكرمة على المساحات السهليّة.

هي قرية كبيرة تقع في القسم الأوسط من الجبل المذكور، على السفح الجنوبي لمرتفع كلسيّ تخدده المسيلات المائيّة، وتشرف من جهتي الشرق والجنوب الشرقي على أراض ٍ زراعية ذات تربة حمراء، وتنتشر حراج السنديان على السفوح المحيطة بالقرية من الجهة الشماليّة، تبعد عن بلدة راجو 5 كم باتجاه الشمال الشرقي، يحدّها شمالاً سلسلة جبلية عالية وعرة من الصخور وأشجار السنديان وجبل بلاليكو وقرية بلاليكو التي تقع في أعلى قمة الجبل، وجنوباً منحدر وسهل خصب مزروع بأشجار الزيتون والكرمة وقرية جنجلي، وشرقاً منحدر وسلسلة جبلية وعرة وقرية جيلانلي، غرباً مسيل وسلسلة جبلية وعرة وقرية حجمانلي، وفق ما جاء في كتاب عفرين نهرها وروابيها الخضراء.

السكان والنشاط العام:

يبلغ عدد البيوت في القرية 300 بيت، وهي قرية قديمة نسبياً، يتجاوزها خمسة قرون، بحسب رواية المسنين من أهل القرية، وكذلك بدلالة وجود شجرة توت قديمة جداً وسط القرية قرب الجامع، تعود إلى مئات السنين.

البيوت القديمة مبينة من الطين والحجر بسقوفٍ خشبيّة مستوية، وفيما توسعت القرية بالاتجاهات الثلاث، حيث بنيت البيوت الحديثة من الإسمنت، فيما كان البناء صعباً من جهة الشمال بسبب وعورة جبل بلاليكو. ومستوى التخديم مقبول في القرية من حيث شيكات الكهرباء والهاتف ووجود مدرستين ابتدائية وإعداديّة. وتتصل القرية مع مركز الناحية بطريق مزفت.

يعمل السكان بالزراعة البعليّة (الزيتون، الحبوب، البقول، الكرمة، والأشجار المثمرة) على مساحة تقدير بـ 190 هكتار، ويربون المواشي، كما يعمل بعض الأهالي بصناعة الفحم من خشب أشجار السنديان، كما توجد معصرة فنيّة حديثة لعصر الزيتون في أسفل القرية بالقرب من المقبرة، وحالياً أحدثت فيها دار للبلدية، وتعتبر هذه القرية من القرى القديمة في ناحية راجو.

الاحتلال

تعرضت للقصف المدفعي خلال العدوان لقصف مدفعيّ وجويّ مرات عديدة، فاضطر الأهالي للنزوح إلى مدينة عفرين، وتم احتلال القرية من قبل الميليشيات الإسلامية التابعة للجيش التركيّ، في 11 آذار 2018، بعد إطباق الاحتلال كان قد بقي محو 92 عائلة من الأهالي الكرد الأصليين.

التغيير الديمغرافي والاستيطان

بدأت في ظل الاحتلال عملية التغيير الديمغرافي وتوطين نحو 400 عائلة من المستقدمين من المحافظات الأخرى. وفي بداية أيلول 2018 تدفقت دفعات من المستوطنين قادمين من محافظة إدلب على إثر العمليات العسكرية، وتوزعت على قرى ناحية راجو، واستوطنت نحو 150 عائلة في قريتي جقماقا وجنجليا لوحدهما.

أعمال السرقة والنهب:

مع اجتياح القرية بدأت حملة السلب والنهب، وقام مسلحو الميليشيات بسرقة محتويات المنازل (مؤن غذائية، زيت زيتون، مجموعات الكهرباء، ألواح وبطاريات الطاقة الكهروضوئية، أسطوانات الغاز المنزلي، الأواني النحاسية والأغراض المنزلية وغيرها)، وآليات مختلفة  (سيارة بك آب هونداي، جرار زراعي، باكر تم تفكيكه وبيعه قطعاً تبديليّة) تعود ملكيته لأبناء حمو إيحمو، كما سُرقت كافة موجودات منشأة تربية الدواجن الكائنة بين قريتي “جَقماق و چَنْچَليا”، لتخرج عن الخدمة إذ لم يبق منها إلا السقف والجدران، فيما سُرقت منها مجموعة توليد الكهرباء، والخزانات والأبواب و أدوات مختلفة. كما سُرق من القرية ألواح خشب قوالب البيتون (تُقدر قيمته بـ 15 ألف دولار).

في 8/6/2018 نفذ مسلحو الميليشيا حملة تفتيش في القرية، صودرت الهواتف المحمولة، وتم تقييد حركة الدخول والخروج من القرية، فيما خشي الأهالي من عمليات سرقة واسعة.

في 18/12/2019 قامت العناصر المسلحة التابعة لميليشيا “فيلق الشام” جماعة المدعو أبو عكل المسيطرين على قرية جالو بسرقة كابلات الألياف الضوئيّة للهواتف الأرضية الممتدة بين قريتي قسطل خضريا (بلبل) وجقماق كبير وذلك بالحفر ليلاً وسرقتها.

الاستيلاء على الحقول والأراضي:

 تُسيطر على القرية ميليشيا “فيلق الشام” الإخوانيّة والمدعوة من أنقرة، ولها مقرّ في القرية، وقد استولت على نحو (7000) شجرة زيتون تعود لعوائل القرية منهم إيبش وشيخو وعباس. وكذلك على نحو (4000) شجرة لوز وفستق تعود ملكيتها لأبناء المرحوم شيخو إيبش، حيث تعرضت تلك الأشجار المستولى عليها للقطع الجائر بغاية التحطيب، وقد اُستخرج من أشجار اللوز والفستق حوالي 50 طناً من الحطب، كما شمل التحطيب شجرة معمرة من نوع السنديان الرومي لا يقل عمرها عن (300عاماً)، كما قُطعت شجرة سنديان أخرى عمرها بحدود (200 عاماً) في أرض المرحوم شيخو عثمان، وقُطعت أيضاً كامل الأشجار الحراجيّة المحيطة بمزار “قمجي”، وتلك الموجودة في الجبل المطل على القرية.

ومن أجل الاستيلاء على مزيدٍ من أملاك أهل القرية، ترفض الميليشيا الوكالات التي كان بموجبها بعض المواطنين يديرون أملاك أقربائهم.

وتعتمد ميليشيا “فيلق الشام” التي تسيطر على قرى (جقماق كبير، جقماق صغير، جالا، علمداره، الميدانيات السبعة) ذريعةَ الضمان للاستيلاء على أملاك المواطنين الكرد، وحقول الزيتون والعنب، ووفق ما قاله المسؤول الاقتصادي في الميليشيا فإنهم استولوا على نحو 50 ألف شجرة زيتون، بالإضافة لقيامهم بقطع الأشجار المثمرة والغابية ونقلها بالشاحنات والجرارات لبيعها حطباً. فيما تُفرض الإتاوات على موسم الزيتون من الزيت.

في 9/4/2020 أفادت عفرين بوست بأن المستوطنين يسرحون ويمرحون بـ 7 آلاف رأس غنم، بين كروم العنب والزيتون بين قرى (بليلكو وعلمدار وجقماقا)، دون أن يتمكن السكان الأصليون من ردعهم، في ظل السطوة والحماية التي يتلقونها من المسلحين التابعة للاحتلال التركيّ. كما يقومون بقطع الأشجار في الجبال المحيطة.

واستكمالاً لعمليات السرقة قام المسلحون بإجراء مسح على التل الكائن جنوب القرية وما حوله من أراضٍ زراعيّة والجبل باستخدام أجهزة حديثة بحثاً عن الآثار واللقى وسرقتها.

الإتاوات

في 5/8/2018 تداولت أوساط إعلاميّة أن ميليشيا فيلق الشام فرضت إتاوة مالية على الآليات والبضائع للمرور عبر حاجزها الكائن بين قريتي “جقماقا” و”علمدارا”، تحت طائلة الاختطاف لمن يرفض الدفع. فقد تحولت الحواجز إلى نقاط تفتيش واختطاف ومصادرة للآليات والسلع الغذائية والمحاصيل.

في 19/2/2019 فرضت ميليشيا الحمزة التابعة للجيش التركيّ إتاوات جديدة على أهاب قرية جقماق كبير في ناحية راجو بريف عفرين، بحجّة حمايتهم من السرقة. وقالت منظمة حقوق الإنسان في عفرين إنَّ المدعو محمد جميل، قائد ميليشيا الحمزة في قرية جقماق كبير، فرض مبلغ 4 آلاف ليرة سورية على كلِّ عائلة كرديّة في القرية، بحجة حمايتهم وعدم تعرضهم للسرقات.

الاعتقالات والاختطاف في القرية:

وفي شهر آب 2018 اعتقلت الاستخبارات التركيّة عدداً من المواطنين من منازلهم في القرية وهم: “المسنة حكمت عبدو بنت بكر (60 عاماً)، المسن محمد شيخو نعسان (62عاماً)، أسعد عكاش خليل (43 عاماً)، زهر الدين حميد محمد (37 عاماً) وقد أفرج عن المواطن محمد شيخو لفترة وجيزة، وشهد خلال فترة اختطافه التعذيب الشديد، إلا أنّ الميليشيات عاودت اختطافه رغم سوء وضعه الصحيّ. وتم تداول نقل المختطفين إلى الأراضي التركيّة ليقدموا إلى المحكمة، بتهمة العلاقة مع الإدارة الذاتيّة (العمل في كومين القرية)، وصدرت أحكامٌ جائرةٌ بحقهم، فكان السجن لست سنوات للمسنة حكمت، وخمس سنوات للبقية.

في أواخر آب 2019، اُعتقل المواطن المسنّ محمد بلال سعيد ليلاً من منزله في قرية جقماق كبير، وأودع سجن ماراتيه بعد التحقيق معه بتهمة التعاون مع وحدات حماية الشعب، رغم أنه معروف بتوجه السياسيّ الشيوعيّ، وكذلك بوطنيته منذ عشرات السنين واهتمامه بقضية شعبه الكردي.

– في 4/8 /2019 اختطف مسلحو ميليشيا “فيلق الشام” المسيطر على قرية جقماق كبير الشاب تكوشين نذير (26 عاماً) من منزله بالقرية واقتادوه لجهة مجهولة وطلبوا من عائلته دفع فدية مالية قدرها 700 ألف ليرة سوريّة، وسبق أن تم اختطافه بالتهمة نفسها، وأن دفع الفدية.

في نهاية تشرين الأول 2019، شنّت ميليشيا “الشرطة العسكرية حملة اعتقالات طالت عدداً من المواطنين في ناحية راجو من بينهم المواطن “إبراهيم عبد القادر علي” الملقب (بريم) من أهالي قرية “جقماق كبير” بعدما عزلته لجنة البلديات في (المجلس المحلي) التابع للاحتلال في الناحية من منصب مختار القرية. وأُفرج عنه بعد إصابته بحالة إغماء، فأُسعف إلى المشفى نظراً لتدهور صحته أثناء التحقيق.

في 3/7/2018 اقتحمت مجموعة مسلحة ملثمة منزل عضو المجلس المحلي لناحية راجو، المواطن حسين عبد القادر مصطفى، من أهالي قرية جقماقا وانهالوا عليه بالضرب باستخدام أخمص أسلحتهم بهدف سرقة محتويات منزله وجراره الزراعي. ووجهوا السلاح على والدته المسنة، التي صرخت مستغيثة.

قصة الأستاذ رضوان وتهمة الردة:

قصة المواطن الكرديّ رضوان محمد محمد (40 عاماً) والدته أمينة، من أكثر القصص شيوعاً، فقد اختطفته ميليشيا “فيلق الشام” من منزله بالقرية في 30/7/2020 بتهمة الردةِ، بحجة أن زوجته المتوفية كانت قد اعتنقت الديانة المسيحية قبل وفاتها، وحُكم عليه بالسجن لمدة 6 أشهر في السجن المركزيّ في ماراتِه، والجدير بالذكر أنّ المواطن رضوان يعمل مدرساً للغة الإنكليزية في قريته والقرى المجاورة.

مسلحو الميليشيا تدخلوا لدى وفاة زوجة المواطن رضوان، ومنعوا عائلتها من غسلها وتكفينها وفقاً لما هو متبع ومتعارفٌ عليه بالقرية، بحجة اعتناقها الديانة المسيحيّة قبل وفاتها، وقالوا إنه لا يجوز غسلها على طاولة غسل الموتى الموجودة في جامع القرية، فتم الغسل على الأرض فيما مُنع تكفينها، ما أثار غضب المواطن رضوان، فتم اختطافه على إثر ذلك، واُتهم بالردة.

قصة المواطن رضوان أثارت انتقادات كثيرة في الأوساط الحقوقية والإعلاميّة، وتخوّفت منظمة حقوق الإنسان ــ عفرين من تطبيق حكم الردة بحقه والقصاص منه، كما طالب “مركز مراقبة الحرية الدينية” في الولايات المتحدة، السلطات التركية، بحماية المواطن رضوان.

من ذاكرة قرية جقماقا

في 13/9/2012 شيّع أهالي قرية جقماق شهيدين وهما: الشهيد مسعود بلال (25 عاماً)، والذي اُستشهد في مجزرة بحي الشيخ مقصود ــ جامع معروف، في مدينة حلب، بتاريخ 7/9/2012، وارتقت معه زوجته شهيدة أيضاً. وكان لديه طفلة عمرها عامٌ واحد. وقضى في المجزرة 23 شهيداً.

Post source : عفرين بوست

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons