عفرين بوست ــ خاص
من وقت لآخر تبث قناة “حلب اليوم” الإخوانية حلقة عن إحدى قرى عفرين المحتلة، أو ما تسميه إنجازات “ما بعد التحرير”، وبالأمس القريب عرضت في برنامج جولات حلقة عن قرية فقيرا الإيزيديّة بالكامل وحاولت خلالها تمرير عدد من الأفكار المشوّهة والمضللة التي تخالف الواقع.
خصوصية قرية فقيرا والحقيقة الدينية
من نافلة القول إن أهالي قرية فقيرا/ فقيران التابعة لناحية جنديرس هم بالكامل من الكرد أتباع الديانة الإيزيدية، ولكن القرية لها رمزيتها الدينيّة الخاصة، فقد عاش فيها أقدم رجل دين إيزيديّ في جبل الكرد وكان ذلك في القرن التاسع عشر، واسمه سفو أو سفري، وقد سكن سفري في قرية فقيران، وكان فقيراً زاهداً يلبس الخرقة، وكان عالما عارفاً يحفظ من العلم الإيزيدي ما يناهز خمسمائة قولٍ دينيّ، عدا الأناشيد والقصائد الدينية أخرى. وقد تتلمذ على يديه كبار شيوخ الإيزيدية في إقليم عفرين. وتلك هي خصوصية القرية.
الحقيقة التاريخية
قناة تركيا الرسمية TRT العربية قامت قبلها بالعمل نفسه، وتلاعبت بالترجمة عن لسان أهالي القرية، وأظهرت وقعاً مثالياً في القرية التي أصرت بوصفها محررة، وليست محتلة. وأن الأهالي باتوا يمارسون طقوسهم الدينية بحرية، بعدما كانوا محرومين منها خلال فترة الإدارة الذاتيّة.
حاولت قناة حلب اليوم، أن توهم المشاهد بأن الوجود الكردي والإيزيدي تحديداً طارئ، وليس أصيل، بطرح السؤال لأحد مواطني القرية: “من أين جئتم؟” والحقيقة الوجود الكردي الإيزيدي قديم على مستوى إقليم عفرين، ولا توجد معلومات دقيقة حول بدايات وجود الديانة الإيزيدية في إقليم عفرين، إلا أنه يمكن الاستدلال بما ورد في كتاب “شرف نامه” للمؤرخ الكردي شرف خان (1543-1603) في فقرة تراجم إذ يؤكد وجودهم ما قبل الحقبة الأيوبيّة في القرن الثاني عشر فيقول:
“تمكن الأمير مند في بادئ الأمر من جمع طائفة من الأكراد حوله، ورحل بهم إلى الشام ومصر، والتحق هنالك بخدمة ملوك بني أيوب الذين أقطعوه ناحية قصير على مقربة من ولاية أنطاكية، حيث توطن بها مند وأتباعه في الشتاء. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أن جمعاً من الأكراد اليزيدية، الذين كانوا قاطنين في تلك الديار، من قبل، قد التفوا حول (مند) أيضاً. مما أفضى إلى علو شأنه وازدياد نفوذه يوماً فيوماً، وهرع إليه الأكراد من كل الجهات، وانضم إليه كذلك الأكراد القاطنون في جهتي جوم {أ}، وكليس{ب}. وقد عطف ملوك آل أيوب العظام على (مند) هذا، فعينوه في منصب أمير الأمراء على جميع أكراد محروستي الشام، وحلب، وأطلقوا يده في حكم هؤلاء الجماعة رتقاً وفتقاً، وقبضاً وبسطاً”.
الحقيقة التي قفزت من فوق القناة عن قرية فقيرا تتعلق بالوجود العربي الإسلامي، فالقرية كردية إيزيدية، وتلك هي طبيعتها، وأي وجود آخر طارئ، حدث ما بعد الاحتلال.
حقيقة اليوم
يسيطر على قرية فقيرا ميليشيا “الحمزات”، وقد تعرضت لجملة من الانتهاكات أقلها سرقة البيوت وشبكة الكهرباء، فيما تم اختطاف واعتقال العديد من أبنائها وقد طالها التغيير الديمغرافي والتهجير القسريّ، فقد كان العوائل فيها نحو 110 عائلة، بقي منها 46 عائلة معظمهم من كبار السن، وقام المسلحون بتخريب مزار الشيخ جنيد الذي خربوه من الداخل بحثاً عن الآثار، وكذلك مزار الشيخ عبد الرحمن في القرية وخربوا أضرحة القبور وفرضوا الإتاوات الباهظة على موسم الزيتون.
لم تتوقف أنقرة عن سياستها المتعلقة بالمناطق المحتلة وبخاصة إقليم عفرين الكرديّ، والتي أوكلت مهمة استباحتها وإجراء التغيير الديمغرافي والثقافي والتضييق على الأهالي إلى ميليشيات تنظيم الإخوان المسلمين، ولكنها انتقلت إلى مرحلة جديدة، لتثبيت الواقع الراهن وتثبيته، ولذلك استنفرت كل أدواتها في هذا الإطار، ومن جملة هذه الأدوات ما يسمى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة والإعلام الإخوانيّ.
الترويج لكذبة التسامح الديني
تجميل الاحتلال جاء عبر الترويج لكذبةِ التسامح الديني، لأنّ زيارة قرية إيزيدية له دلالة خاصة، وهو الأمر الذي يخالف الواقع، لأن رأس النظام التركي أردوغان عشية العدوان على عفرين وصف أهالي عفرين الكرد كلهم بالكفار، ولم يستثنِ الإيزيديين منهم، وقصفت طائراته معبد عين داره الأثري، كما تم قصف البيت الإيزيدي في قلب مدينة عفرين، وتم تحطيم تمثال زرادشت وقبة لالش، وقبل أشهر أزيل الركام، وبدئ بمشروع لبناء مدرسة من أموال جمعيات إخوانية.
الميليشيات التي احتلت إقليم عفرين تابعة لتنظيم الإخوان المسلمين، وقد انضم إليهم أعدادٌ كبيرةٌ من مسلحي “داعش” الهاربين من المحافظات الشرقية ومنطقة الباب، وتضم ميليشيا الحمزة المسيطرة على القرية أعداداً منهم، وهؤلاء معروفون بتطرفهم، ولا وجود للتسامح الديني في منهجهم.
كما أن مسلحي الميليشيات لم ينفكوا منذ بداية العدوان وحتى اليوم يصفون أهالي عفرين بالكفار والمرتدين، وكان نصيب أتباع الديانة الإيزيدية مضاعفاً، فقد أطلقوا التهديدات بالقتل والذبح والسبي للإيزيديين، وبعد الاحتلال حوّلوا منازل في القرى الإيزيدية إلى مساجد وأجبروا الأهالي على اتباع الديانة الإسلامية وارتياد المساجد، وفرضوا على أطفالهم حضور الدروس الدينية، وهدموا المزارات الإيزيدية تباعاً، وتعرض مواطنون إيزيديون للقتل والاختطاف والابتزاز. وهذه الصور المروعة يحاول الإعلام التركي والإخواني التابع له أن يحجبها عن العالم.
استنفرت أنقرة كلّ أدواتها من الميليشيات السوريّة السياسيّة الممثلة بما يسمى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، والعسكرية الممثلة بالميليشيات المسلحة، والإعلامية الممثلة بالإعلام الإخوانيّ، للترويج عن تحرير إقليم عفرين، وبعد صدور عشرات التقارير الدولية والحقوقية وبخاصة تقرير لجنة التحقيق الأممية في 14/9/2020 أوعزت لأدواتها باتخاذ سلسلة من الإجراءات لتجميل واقع الاحتلال.