عفرين بوست ــ خاص
تنتشر على نحو لافتٍ جداً ظاهرة التسول في مدينة عفرين التي تخضع للاحتلال التركي وميليشيات تنظيم الإخوان المسلمين، وما يشاهد في شوارع المدينة هو نتيجة، تسهم عوامل كثيرة في ظهورها التدريجيّ منذ بداية الاحتلال وتصل إلى أقصى حدٍ بعد ثلاث سنوات، والخيارات التي وضعتها سلطات الاحتلال التركي أمام المستوطنين هي الارتزاق والعمل المسلح أو السرقة والنهب أو التسول.
أفاد مراسل عفرين بوست من عفرين بأنه لا يمكن للمرء أن يقطع عدة أمتار في مدينة عفرين المحتلة إلا وأن يصدف أشخاصاً متسولين، من الجنسين ومن مختلف الفئات العمرية، ما يعكس الحالة الاقتصادية المزرية التي وصلت إليها المناطق التي احتلتها تركيا بدءاً من عام 2016، وذلك بأخذ الحالة السائدة في إقليم عفرين المحتل منذ ثلاث سنوات مدينة عفرين نموذجاً للمناطق المحتلة.
تحاول أنقرة أن تستثمر تردي الحالة الاقتصادية والحاجة الملحة لمصادر تؤمن دخلاً كافياً لمواجهة حالة غلاء المعيشة، الأمر الذي سيدفع إلى حالات احتقان وصدام ويزيد من معدلات الجريمة، في الوقت نفسه يزيد من ولاء المسلحين والمستوطنين لها. فالخيارات المتاحة للمستوطنين محدودة فهي: الارتزاق والعمل المسلح أو السرقة والنهب أو التسول.
ويشير المراسل أن أغلب المتسولين هم من المستوطنين الذين جاءت بهم تركيا من مناطق سوريّة مختلفة، بعد الاتفاق مع الجانب الروسيّ لغاية سياسية وتنفيذ أجندة التغيير الديمغرافي، ولم تضع في حسابها تأمين سبل المعيشة لهم، وهو أمر لا يمكن تحقيقه في ظل واقع الاحتلال، والمستقدمون إلى إقليم عفرين الكردي، لا تربطهم أي صلات بالمنطقة، وبذلك شكلوا طوابير من العاطلين عن العمل، وبالمقابل لم توفر فرص للعمل لهم، كما لم تخصص لهم رواتب شهرية لتأمين الحد الأدنى لضروريات العيش، ولذلك توجه هؤلاء إلى ممارسة أعمال السرقة والنهب والتعدي على أملاك أهالي عفرين الكرد، حتى خطف المواطنين الكرد وطلب الفديات، وبمرور الوقت فإن كل ما يمكن سرقته تم نهبه، ولم يعد متاحاً الاستمرار في السرقة، كما أن الحالة المالية للمواطنين الكرد تراجعت بشكل كبير، ولم يعد بالإمكان تلبية الحاجات اليومية، فكان الخروج إلى الشوارع للتسول هو النتيجة.
يذكر المراسل سبباً آخر لنشوء التسول، بسبب عدم وجود المعيل لكثير من الأسر، وبخاصة عوائل المرتزقة الذين أرسلتهم تركيا للقتال في ليبيا وأذربيجان، وقُتلوا في المعارك، وقد تجاهلت سلطات الاحتلال ومتزعمو الميليشيات عوائلهم، بل تمت سرقة رواتبهم قبل ذلك، كما سُرقت التعويضات المحدودة التي يُفترض أنها أُرسلت إلى عوائلهم.
تتحمل سلطات الاحتلال التركي كامل المسؤولية عن الانفلات الأمني والبطالة وكل حالات القتل والخطف التي تحدث في إقليم عفرين وسائر المناطق التي تحتلها، والتي كانت مضمون العديد من التقارير لمنظمات حقوقيّة ودوليّة مؤسسات إعلاميّة، ورغم أن بعض التقارير انحاز إلى جانب تركيا واكتفي بتحميل الميليشيات المسلحة المسؤولية وتجاهل مسؤولية سلطات الاحتلال التي تقودهم، إلا أنها لا تستطيع إنكار أنها هي التي جاءت بهم وبعوائلهم وبكل المستوطنين إلى عفرين.