عفرين بوست ــ خاص
تمارس أنقرة سياسة رقابية دقيقة على مواقع التواصل الاجتماعي وتعتقل منتقدي سياستها الداخلية والخارجية، وقد بدأت مبكراً بالضغط على فيسبوك لحجب المواقع الكردية التي تنقل صور ضحايا عدوانها والحقائق على الأرض.
نشر موقع أحوال التركي في 25/2/2021 تقريراً مترجماً عن موقع بروباليكا، بعنوان فيسبوك أسكت أعداء أردوغان كيلا يخسر السوق التركية، وتضمن كيف أن فيسبوك أوجد صيغة للاستجابة لمطالب الحكومة التركيّة بحظر منشورات وحدات حماية الشعب خلال العدوان على عفرين.
فيسبوك أمام مفترق الخضوع للاستبداد وحرية التعبير
يقول تقرير بروباليكا “لكن، في 2018، وأثناء الحملة العسكرية التركيّة، خضع فيسبوك في النهاية إلى مطالب الحكومة. وتظهر رسائل البريد الإلكتروني أن المداولات تركزت على إبقاء المنصة عاملة، وليس على حقوق الإنسان”.
ويضيف التقرير: ” تضمنت ضغوط الحكومة التركية على المحتوى المتعلق بعفرين مكالمة من رئيس هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تركيا. وكتب مارك سميث، مدير السياسات في المملكة المتحدة، لجويل كابلان، نائب رئيس السياسة العامة العالمية في فيسبوك، أن رئيس الهيئة ذكّر فيسبوك بوجوب “توخي الحذر بشأن المواد التي يتم نشرها، وخاصة صور الجرحى”. وأشار إلى أن الحكومة قد تطلب حظر صفحات وملفات شخصية كاملة إذا أصبحت نقطة محورية لمشاركة محتوى غير قانوني.
يذكر التقرير أن كبار المسؤولين التنفيذيين في فيسبوك واجهوا معضلة سياسية، فقد كانت تركيا تطالب عملاق وسائل التواصل الاجتماعي بحظر منشورات من وحدات حماية الشعب”.
ووفقاً للتقرير فإن فيسبوك كان أمام خيارين إما تتجاهل الطلب، كما فعل في مكان آخر، وتخاطر بفقدان الوصول إلى عشرات الملايين من المستخدمين في تركيا أم تسكت الجماعة على حساب سمعة الشركة وأنها في كثير من الأحيان تنحني لرغبات الحكومات الاستبداديّة؟
أنقرة طلبت حجب صور ضحايا عدوانها
حصلت بروبابليكا على محادثات تعطي نظرة على كيفية تعامل عمالقة التكنولوجيا مثل فيسبوك مع طلبات الرقابة التي تحد ما يمكن نشره. وأن الحكومة التركية اعتقلت المئات من منتقدي عملية الهجوم على الكرد في عفرين.
وفقأً لرسائل البريد الإلكترونيّ الداخلية فقد تضمن المحتوى الذي اعتبرته تركيا مسيئا، صورا على موقع إنستغرام المملوك لموقع فيسبوك “لمقاتلي وحدات حماية الشعب الجرحى والجنود الأتراك وربما المدنيين”. وانتقدت وحدات حماية الشعب ما فهمت أنه رقابة على مثل هذه المواد. ونشرت الجماعة صورا مؤثرة، بما في ذلك لمقاتلين أصيبوا بجروح قاتلة. وكتبت وحدات حماية الشعب في إحدى المنشورات: “هذه هي الطريقة التي تحمي بها تركيا، حليفة الناتو، حدودها”.
تظهر رسائل البريد الإلكترونيّ التي كُشف عنها مؤخراً أنَّ المديرة التنفيذيّة لعمليات فيسبوك، شيريل ساندبيرغ، كتبت رسالة من جملة واحدة إلى الفريق الذي راجع الصفحة، معلنة عن موافقتها. وبعد ثلاث سنوات، لا يزال يتعذر على مستخدمي فيسبوك داخل تركيا مشاهدة صور وتحديثات وحدات حماية الشعب الكرديّة حول الهجمات الوحشيّة التي يشنها الجيش التركي على الأقلية الكردية في سوريا.
في 2018، حدد فريق المراجعة، الذي شمل رئيسة إدارة السياسة العالمية في فيسبوك، مونيكا بيكرت، عواقب الحظر. إذ يمكن أن تكون الشركة مثالا سيئا. وقالت إحدى رسائل البريد الإلكتروني في أواخر يناير إن الحظر الجغرافي لوحدات حماية الشعب لا يخلو من المخاطر، فمن المرجح أن يلاحظه النشطاء خارج تركيا، وقد يلفت القرار الانتباه غير المرغوب فيه إلى سياسات الحظر الجغرافي.
بسبب خشية مسؤولي فيسبوك من إغلاق كامل لمنصتهم تركيا. قرروا تأييد “الحجب الجغرافيّ” لمحتوى وحدات حماية الشعب، إذا كانت احتمالات حجب الخدمة كاملة كبيرة. بعد تلقوا أمر محكمة من السلطات في تركيا يطالب بتقييد الوصول إلى محتوى معين. وبعد مراجعة دقيقة، وامتثل للأمر”.
فيسبوك يراعي القوانين المحلية وليس معاييره
حدث ذلك رغم أن فيسبوك يزعم أنّه يمجّد بحرية التعبير. وكتبت الشركة في منشور الشهر الماضي: “نعتقد أنَّ حرية التعبير هي حق أساسيّ من حقوق الإنسان، ونعمل لحماية هذه القيم والدفاع عنها في جميع أنحاء العالم. يعتمد أكثر من نصف الأشخاص في تركيا على فيسبوك للبقاء على اتصال مع أصدقائهم وعائلاتهم والتعبير عن آرائهم وتنمية أعمالهم”.
ارتأت الشركة إلى حلٍ وسطٍ عبر “الحظر الجغرافي” أو “الحظر الانتقائيّ” للمستخدمين في منطقة جغرافية من مشاهدة محتوى معين، في حالة تصاعد التهديدات من المسؤولين الأتراك. وسبق أن تجنب فيسبوك هذه الممارسة، رغم أنها أصبحت شائعة بين الحكومات التي تريد إخفاء المنشورات من داخل حدودها. وأكد فيسبوك لبروبابليكا أنّه اتخذ قراراً بحجب الصفحة في تركيا بناء على أمر قانونيّ من الحكومة التركية، وبعد أن أصبح واضحاً أن عدم خضوعه سيؤدي إلى منع خدماته في البلاد. وقالت الشركة إنها حُظرت في تركيا من قبل، بما في ذلك ست مرات في 2016.
قدم المتحدث باسم فيسبوك، أندي ستون، بياناً مكتوباً رداً على أسئلة بروبابليكا. وقال: “نسعى للحفاظ على صوت أكبر عدد ممكن من الناس. ومع ذلك، هناك فترات نقيّد فيها المحتوى بما يتوافق مع القانون المحليّ حتى لو لم ينتهك معاييرنا. في هذه الحالة، اتخذنا القرار بناء على سياساتنا المتعلقة بالطلبات الحكومية لتقييد المحتوى والتزاماتنا الدولية في مجال حقوق الإنسان. نكشف عن المحتوى الذي نحجبه في تقارير الشفافية التي نصدرها مرتين سنويا”.
في حكم مؤلف من تسع صفحات، أدرج المسؤولون الحكوميون صفحة وحدات حماية الشعب على فيسبوك ضمن عدة مئات من صفحات موجودة على وسائل التواصل الاجتماعي التي اعتبروها إشكالية. وكتبت المحكمة أنه يجب حجب المواقع “لحماية الحق في الحياة أو أمن الحياة والممتلكات، أو ضمان الأمن القومي، أو حماية النظام العام، أو منع الجرائم، أو حماية الصحة العامة”، وفقا لنسخة من الأمر حصلت عليها بروبابليكا.
أكد كابلان، في 26 يناير 2018، عبر البريد الإلكتروني إلى ساندبيرغ والرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرغ، أن الشركة تلقت أمرا من الحكومة التركية يطالب بمراقبة الصفحة. ونصح كابلان الشركة “على الفور بحظر الصفحة جغرافيا” إذا هددت تركيا بمنع أي وصول إلى فيسبوك.
وبسبب تشدد السفارة التركية في واشنطن اعتبر فيسبوك صفحة وحدات حماية الشعب حساسة سياسياً منذ سنة 2015 على الأقل.
في بيان لبروبابليكا، قالت وحدات حماية الشعب إن الرقابة التي يمارسها فيسبوك ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى “وصلت إلى أقصى الحدود”.
وتابعت المجموعة: “تستخدم وحدات حماية الشعب بنشاط منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب وإنستغرام وغيرها منذ تأسيسها. كما تعتمد وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لنضالها ضد الجهاديين والمتطرفين الآخرين. وتلعب هذه المنصات دورا حاسما في بناء حضور عام والوصول بسهولة إلى المجتمعات في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، واجهنا العديد من التحديات على وسائل التواصل الاجتماعي خلال هذه السنوات”.
قال يمان أكدنيز، وهو أستاذ القانون في جامعة بيلجي في إسطنبول والخبير في القانون السيبراني، والمشارك في تأسيس جمعية حرية التعبير، إن قضية وحدات حماية الشعب “لم تكن سهلة لأن تركيا تعتبرها منظمة إرهابية وتريد حظر حساباتها من تركيا. لكنه أكد أن فيسبوك لا يريد الطعن في هذه الطلبات، وأنه مستعد للخضوع “. وتابع: ” يعاني فيسبوك من مشكلة الشفافية”.
في الواقع، لا يكشف فيسبوك للمستخدمين أن صفحة وحدات حماية الشعب محظورة بشكل صريح. فعندما حاولت بروبابليكا الوصول إلى صفحة فيسبوك الخاصة بوحدات حماية الشعب باستخدام شبكة خاصة افتراضية لمحاكاة تصفح الإنترنت من داخل تركيا. وورد في إشعار: “هذه الصفحة غير متوفرة قد يكون الرابط الذي استخدمته معطّلا، أو قد تكون الصفحة تمت إزالتها”. ولا تزال الصفحة متاحة على فيسبوك للأشخاص الذين يشاهدون الموقع في الولايات المتحدة.
10% من طلبات تقييد فيسبوك من تركيا
أبلغ موقع فيسبوك عن حوالي 15300 طلب حكوميّ حول العالم لقيود المحتوى خلال النصف الأول من سنة 2018، وكان نحو 1600 طلب من تركيا خلال تلك الفترة، وهو أكثر من 10% من مجمل الطلبات على مستوى العالم، وقال فيسبوك في منشور موجز: “إنّه قيّد الوصول إلى 1106 عنصراً رداً على طلبات من منظم الاتصالات التركيّ والمحاكم والوكالات الأخرى”.
قالت مسؤولة الحريات الدوليّة بمنظمة الجبهة الإلكترونيّة، كاتيتزا رودريغيز، إنّ الحكومة التركيّة تمكنت من إجبار فيسبوك ومنصات أخرى على تعيين ممثلين قانونيين في البلاد. وإذا لم تمتثل شركات التكنولوجيا، فسيُمنع الأتراك من وضع إعلانات ودفع مبالغ إلى فيسبوك. وشددت على أنّ “الشركات ملزمة باحترام حقوق الإنسان بموجب القانون الدوليّ”.
أعد التقرير جاك غيلوم وجاستين إليوت
موقع بروبابلكا ونشره موقع (أحوال تركية)