عفرين بوست ــ خاص
أصدرت “هيومن رايتس ووتش” اليوم 3/2/2021 تقريراً عن قيام القوات التركية والميليشيات التابعة له بعمليات نقل غير شرعي لمعتقلين سوريين وتقديمهم للمحاكمة أمام المحاكم التركية ووجهت إليهم اتهامات بأخطر الجرائم لا تؤيدها أدلة قانونية لتصدر بحقهم أحكاماً جائرة وعقوبات سجن مديدة.
مخالفة لاتفاقية جنيف
تقرير “هيومن ووتش رايتس” الذي قالت إنه استند إلى 4700 صفحة من الوثائق شمل حالات لـ 63 مواطناً سورياً، تم اعتقالهم في منطقة رأس العين/سري كانيه، التي بدأ الجيش عملية عسكرية فيها 9/10/2019، ووصفت العملية بأنها انتهاك لالتزامات تركيا باتفاقية “جنيف الرابعة” باعتبارها “سلطة احتلال في شمال شرق سوريا. وتنصّ المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة على “حظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي والترحيل للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال… أيّا كانت دواعيه”. ينطبق الحظر بغضّ النظر عما إذا كان الأشخاص الخاضعون للنقل القسري أو الترحيل من المدنيين أو المحاربين.
قال مايكل بَيْج نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “يُفترض بالسلطات التركية باعتبارها سلطة احتلال أن تحترم حقوق الشعب بموجب قانون الاحتلال في شمال شرق سوريا، بما في ذلك حظر الاحتجاز التعسفي ونقل الناس إلى أراضيها. عوضا عن ذلك، تنتهك تركيا التزاماتها من خلال اعتقال هؤلاء الرجال السوريين واقتيادهم إلى تركيا لمواجهة تهم مشكوك فيها وفي غاية الغموض متعلقة بنشاطهم المزعوم في سوريا”.
وذكر التقرير أنّ العدد الفعلي للسوريين الذين نُقلوا بصورة غير قانونية إلى تركيا قد يصل إلى 200 سوري. وأن العملية مستمرّة.
وفي تعريف الاحتلال قال التقرير: “تعتبر الأرض “محتلة” عندما تقع تحت سيطرة أو سلطة فعلية للقوات المسلحة الأجنبية، سواء جزئيا أو كليا، دون موافقة الحكومة المحلية. هذا تحديد واقعي للحقائق، وبمجرد أن تصبح الأرض تحت السيطرة الفعلية للقوات المسلحة الأجنبية، تنطبق قوانين الاحتلال”.
وفي توصيف الوجود العسكري التركي قال التقرير: “تركيا هي سلطة احتلال لأجزاء من شمال شرق سوريا غزتها في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وتمارس سيطرة لفعلية في المنطقة من دون موافقة الحكومة السورية في دمشق.
وأضاف: “من الناحية الإدارية، تعامل تركيا المناطق التي تحتلها كجزء من تركيا – وتحديداً في هذه الحالة، مثل محافظة شانلي أورفا. حتى ديسمبر/كانون الأول 2020”.
اتهامات مفبركة ومحاكمات شكلية
تُوجه السلطات التركية أخطر الاتهامات إلى المعتقلين مثل: تقويض وحدة الدولة وسلامتها الإقليمية، والانتساب إلى منظمة إرهابية، والقتل. وتستند بشكل أساسي إلى ادعاءات غير مثبتة بأنّ المحتجزين لديهم علاقات مع “وحدات حماية الشعب”، وبموجب القانون التركي، فإن تقويض وحدة الدولة وسلامة أراضيها يحمل أعلى عقوبة بموجب القانون الجنائي التركي (السجن المؤبد دون الإفراج المشروط ويعاقب على العضوية في منظمة إرهابية بالسجن من خمس إلى عشر سنوات)، ويفيد التقرير أنه تبين بعد مراجعة هيومن رايتس ووتش للوثائق أنّ السلطات التركية، في معظم الحالات، لم تبرز إثباتات بأنّ المحتجزين كانوا محاربين نشطين أو أنهم ارتكبوا أي جرائم. وقالت أسر المحتجزين وأقرباؤهم إنّهم كانوا يشغلون مناصب إدارية أو منخفضة المستوى داخل الحزب.
أخطر ما في القضية هو تزويرها للحيثيات والتفاصيل وتناقضها، ويذكر التقرير أن الوثائق تؤكد اعتقال ونقل سبعة من الأشخاص الثمانية الذين قابلنا أقرباءهم. تشير لوائح الاتهام الموجهة ضدهم اسميا إلى شانلي أورفا كموقع اعتقالهم والجريمة المزعومة رغم الإشارة إلى أن أنشطة الأفراد المزعومة حدثت فقط في سوريا، وتتضمن الوثائق الداعمة التي تسجل اعتقالهم على الأراضي السورية ونقلهم إلى تركيا.
كما تحدث التقرير عن محاكمات شكلية وأن توكيل المحامين لم يتجاوز التمثيل القانوني شير الوثائق ولا يتضح ما إذا يمكنهم تقديم أي تمثيل قانوني فعال.
قال بَيْج: “لم يُنقل هؤلاء السوريون فقط بشكل غير قانوني إلى تركيا للخضوع لمقاضاة تعسفية، إنّما أيضا فرضت عليهم المحاكم أعلى عقوبة ممكنة في تركيا، وهي السجن المؤبد من دون إفراج مشروط، في خطوة فائقة القساوة”.
أدانت محكمة الجنايات العليا في شانلي أورفة خمسة من أصل 63 سوريا وحكمت عليهم بالسجن المؤبد. قال والد أحدهم: “حُكم على ابني بالسجن لمدّة 36 عاما. أرسلوا الحكم إلى محكمة الاستئناف المحلية في غازي عنتاب لتخفيضه، لكنهم أعادوه نفسه. كان حكم القاضي حكما أسود، ولا رحمة في مثل هذه الحالات”.
اعتقالات تعسفية وتعذيب
يذكر التقرير أن الاعتقالات جرت بصورة تعسفية، وفي إحدى الحالات تم دفع مبلغ 10 دولار لتجنب الاعتقال فيما لم تتوفر إمكانية المال بالنسبة لآخرين.
وفيما يتعلق بالمعاملة ذكر التقرير أن 27 سجلَ تعريفٍ مكتوب للمحتجزين على الأقل تضمن صوراً لمحتجزين تظهر فيها علامات لسوء معاملة شديد، (كدمات على الوجوه، وتورم في العينين، وكسر بالأنف، وتشقق في الشفاه).
تشمل صور بعض المحتجزين، وتظهر كدمات، وشفاها مشقّقة، وغيرها من العلامات الدالّة على سوء معاملة. قال شقيق أحد المحتجزين إنّ شقيقه أخبره عبر الهاتف أنّه تعرّض للضرب لدى اعتقاله على يَد عناصر الجيش الوطني السوري، ولاحقا من القوى الأمنية التركية.
تجاهل لحقوق المحتجزين
كما تتجاهل سلطات الاحتلال التركي حقوق المحتجزين، وذكر التقرير أن القوات التركية والجيش الوطني السوري ملزمة بالامتثال لقوانين حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، في معاملة المحتجزين بإنسانية والحرص على تأمين جميع حقوقهم. ويحظر القانون الدولي الاحتجاز التعسفي ويستوجب من السلطات تسجيل جميع الاعتقالات بطريقة صحيحة وتقديم معلومات عن وضع أي شخص محتجز ومكان وجوده لمَن يطلبها. ينبغي أن يُسمح للمحتجزين الاتصال بعائلاتهم. ولكن السلطات التركية لا تلتزم حتى بالقانون التركي الذي يضمن حق المحتجزين بالاتصال بعوائلهم. ويذكر التقرير أن الوثائق تُظهر أن محتجزين وقّعوا على وثائق يتنازلون فيها حقهم في الاتصال بأسرهم
التوصيات
خلص التقرير إلى توصيات مقتضبة، منها توقف السلطات التركية عن نقل المواطنين السوريين من المنطقة المحتلة واحتجازهم ومحاكمتهم في تركيا. والسماح فوراً للمحتجزين لديها بالاتصال بأسرهم، وإعادة المحتجزين السوريين الذين نُقلوا إلى تركيا إلى الأراضي المحتلة في سوريا فوراً. واستبعاد اعترافات التي أخذت بالإكراه، أو عبر قانون “التوبة والندم”، ومحاسبة المسؤولين عن الاعتقالات التعسفية.
وما يلفت الانتباه أن التقرير رغم توصيف الوجود التركي في الأراضي السورية بالاحتلال أوصى بمراعاة اتفاقية جنيف، ولم يوصي بإنهاء الاحتلال، وكأنه أراد تجميل الاحتلال، فهل خضع لضغوطٍ في هذا الصدد، لأن سيادة الدول لا تخرج عن مضمون القوانين الدولية أيضاً.