عفرين بوست ــ خاص
قسطل جندو القرية الكردية التي ظلت القلعة الحصينة والموقع الدفاعي الأول عن مقاطعة عفرين، طيلة سنوات الأزمة، وخلال العدوان التركي تم التركيز عليها بكثافة نارية عالية جداً لإيجاد اختراق للدخول عبرها، فقد كانت بداية أحد أهم محاور القتال، ويمكن وصف ما حصل بالقرية بعد احتلالها بأنه تهجير جماعي قسري يصل حد التطهير العرقي بسبب القومية والعقيدة، بالإضافة إلى جملة الانتهاكات ومصادرة ممتلكات الأهالي.
الموقع والجغرافيا:
تقع قرية قسطل جندو شرق مدينة عفرين بحوالي 30 كم، وغرب مدينة إعزاز بنحو 5 كم، تتميز القرية بموقع استراتيجية، حيث تقع على مقربة من الحدود التركية. وتتبع إدارياً لناحية شرا/ شران
جبل برصايا: يعد أهم المعالم في القرية، ويُعرف أيضاً باسم “جبل قسطل” ويتجاوز ارتفاعه 600 م، ويشرف على مدينة إعزاز التي تفصلها عنه قرية معرين.
أصل الاسم:
كلمة قسطل أصولها آرامية فيما قالوا وتعني النبع، وكذلك قناة توزيع المياه، والقرية كانت مسكونة في الحقبة الرومانية، وتم تزويدها بأقنية توزيع الماء من النبع الموجود في سفح جبل برصايا وهناك بقايا آثار رومانية فيها، مثل خزانات المياه الأرضية. وتعرف النبعة باسم النبع الأبيض “Kaniya spî”.
يقول عبد الله الحلو /ص448/، بأنّ لفظة قسطل دخلت البلاد السورية عبر الآرامية، وهي في اليونانية واللاتينية كاستيلوم Castellum، وتعني الأنابيب المستعملة في جر المياه. وكلمة القسطل بمدلولها الكردي المحلي، تشير إلى ينبوع ماء جارٍ مع بركةِ ماء، وتصل المياه إلى ذلك الموقع عبر أقنية (قساطل) من مكان آخر، وهي بهذه الصفات تشبه المعنى اللاتيني للكلمة.
أما اسم علي جندو فيقول المعمرون من أهل القرية إنه يعود لشخص من أولى عائلتين اتخذت من موقعها سكناً، (آل جندو وحميكو) ثم توالى قدوم الناس والعوائل من القرى المجاورة مثل قطمة وسينكا /سنكرلي، وكانوا في غالبيتهم من أتباع الديانة الزرادشتيّة، وعدد محدود من أتباع الديانة الإسلاميّة.
القرية ذات غالبية إيزيدية، وفيها مزاران هما پارسه خاتون Parse Xatûnê، في أعلى الجبل، وشيخ حميد غرب القرية.
السكان والنشاط العام:
تضم القرية نحو 280 بيت، وعدد سكانها يتجاوز 1000 نسمة، ويقول البعض هم أكثر من ذلك بكثير بسبب وجود عوائل في مدينة حلب، ويقول المختار إنّ عدد سكانها يتجاوز 3000 نسمة. وهناك عشرة عوائل أساسية بالقرية.
الزراعة هي النشاط الأساسي لأهل القرية، وقبل عقود كانت حقول الزيتون وكروم العنب أهم الزراعات، ومع توفر مصادر المياه وحفر الآبار تنوعت الأشجار، وبخاصة الكرز حيث توجد حقول لآلاف أشجار الكرز، وكذلك التفاح بالإضافة إلى الدراق والخوخ واللوز وكذلك الخضار. ولذلك فالنشاط الزراعي يستمر على مدار العام.
قسطل جندو خلال الأزمة السوريّة:
ــ دفعت قرية قسطل جندو ثمناً غالياً بسبب موقعها على تخوم منطقة إعزاز، ففي مطلع عام 2012 دارت اشتباكات بين عناصر ما يسمى “الجيش الحر” وقوات النظام في مدينة إعزاز، التي انسحبت باتجاه القرية، في طريقها إلى مطار منغ العسكري، فتمت ملاحقتها، وشهدت القرية اشتباكات عنيفة بين الطرفين، ويومها التزم أهل القرية في بيوتهم وعاشوا أوقاتاً عصيبة جداً وألحقت أضراراً كبيرة بالممتلكات والبيوت، وانسحب الطرفان كلٌّ إلى وجهته (إعزاز ومطار منغ)، وكانت تلك المعركة صورة مصغرة لما سيؤول إليه وضع الكرد، جراء التناقضات والتوافقات اللاحقة فكانت عفرين ثمناً لها.
ــ نشر الموقع الألمانيّ DW في 3/3/2015 أن القرية تعرضت في نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر 2012 لهجوم عسكري بعد سيطرة فصائل ما يسمى “الجيش الحر” على مدينة أعزاز المجاورة لها. وذكر روايات أهالي القرية أن عناصر ما يسمى “الجيش الحر” استهدفوهم بحجة اعتناقهم ديناً غير الإسلام”.
أظهر “الجيش الحر” سلوكيات مسيئة للأهالي وإلى معتقدهم الديني، وطالبوهم بتبديل دينهم ولكنه سرعان ما انسحب، وظهرت مجموعة منهم أمام المحال التجارية في قرية قسطل جندو الإيزيدية، حيث قال أحدهم، بأنهم أمام محلات الخنازير، في إشارة منه إلى “الإيزيديين”.
في 29/12/2012 شنت ميليشيا “عاصفة الشمال” التي كان يتزعمها المدعو “عمار داديخي” هجوماً واسعاً على القرية، واستخدمت أسلحة ثقيلة تم الحصول عليها من دولة الاحتلال التركي، وتصدى أهل القرية ولجان الدفاع الشعبي حينها وشباب القرى المجاورة للهجوم وردوه على أعقابه، وقُتل حينها المدعو “داديخي”. واستمرت الهجمات على مدى أيام. وكانت تلك المعركة مؤشراً مهماً لضرورة تشكيل نواة لقوات عسكرية تأخذ على عاتقها مهمة الدفاع.
في مواجهة داعش
وصل مسلحو داعش إلى مدينة إعزاز وسيطر عليها وطردوا منها ميليشيا “عاصفة الشمال”، واستهدفوا القرى القريبة. ومنها قرية علقينو التي هجر أهلها وخطف عدداً من أبنائها وفرض عقائدها على أهلها، ثم استهدفوا قرية قسطل جندو.
في ٤ /١٠/2013 صدت وحدات حماية الشعب هجوم “داعش” على حواجزها في قرية قسطل جندو انطلاقاً من قرية معرين التي سيطروا عليها، ومنعت تقدمها، وقُتل العشرات من مسلحي داعش، واستشهدت القيادية في وحدات حماية الشعب جيندا روناهي وروكسان إلى جانب عدد من المقاتلين، وكانت وحدات حماية الشعب في طور التشكل حينها ولم تأخذ صيغتها النهائية. واستمر الهجوم عدة أيام. وفي 7/10/2013 مساءً سقطت 8 قذائف في الحرش المطل على القرية ما أدى لاندلاع الحرائق فيها.
هاجم مسلحو داعش حاجزاً لوحدات حماية الشعب في قرية قسطل جندو ظهر الأربعاء 8/10/2013، واندلعت عنيفة أدت إلى مقتل وإصابة نحو 200 مسلحاً من داعش خلال يومين (مقتل 52 مسلح)، وتدمير دبابة وعربة لهم. وتصدتِ الوحدات المتمركزة على قمة جبل قسطل بمساعدة كبيرة من أهالي قرى (قسطل جندو، بافليون وقطمة) للهجمات التي استمرت نحو شهر، ولم يتمكن مسلحو داعش التقدم.
في مواجهة الميليشيات التابعة لأنقرة:
طيلة فترة الإدارة الذاتية كانت قسطل جندو في عين العاصفة، والخندق الدفاعي الأول للدفاع عن مقاطعة عفرين، وفيما كانت معظم القرى تنعم بالاستقرار والهدوء، كانت قسطل جندو تُستهدف بالقذائف من وقت لآخر، بتعليمات تركية، لدفع الأهالي إلى الخروج من القرية، ويقول شهود عيان من القرية: “كثيراً ما كنا نضطر بسبب القصف للخروج من البيوت لساعات نهاراً أو لأيام محدودةٍ، ونلجأ إلى ملاذات آمنة، وسرعان ما نعود، إلا أننا لم نغادر القرية بشكل نهائي”. ومن أمثلة استهداف القرية نذكر التواريخ التالية:
في 29/4/2016 اُستهدفت قرى قسطل جندو وبافليون وقطمة بالقذائف الصاروخية ما أدى لإصابة 9 أشخاص بينهم 5 أطفال بجروح وأضرار مادية في الممتلكات.
في 3/5/2017 استهدفت قوات الاحتلال التركي والميليشيات الإخوانية التابعة له قرية قسطل جندو، مستخدمة الأسلحة الثقيلة، وتم التصدي للهجوم ورده.
في 12/6/2017 بدأ استهداف قرى (أناب، تنب، قسطل جندو وقطمة) في ناحية شرا، بالأسلحة الثقيلة. واستمر الاستهداف على مدى أكثر من أسبوع وألحقت أضراراً بممتلكات الأهالي.
في 17/6/2017 اندلعت اشتباكات عنيفة شملت عدة مواقع من بينها جبل برصايا، واستخدمت فيها الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وقد شن الهجوم ما تسمى غرفة عمليات “أهل الديار” بمساندة من المدفعية التركية، وقد تشكلت الغرفة في 7/6/2017 وضمت مجاميع متطرفة عمدت إلى إجراء تهجير قسري بحق أهالي قرية “علقينو”..
استهدف الجيش التركي وفصائل ما تسمى “درع الفرات” مساء 28/8/2017 بعشرات القذائف المدفعية والصاروخية قريتي قسطل جندو مرعناز في ناحية شرا من مواقعها في مدينة إعزاز، وتسبب القصف المدفعي والصاروخي بأضرار مادية في منازل المدنيين بقرية قسطل جندو.
في 3/11/2017 قصفت القوات التركية والميليشيات التابعة لها قرى (قسطل جندو، عين دقنة، مرناز، باسوفان، تل بارين) واندلعت اشتباكات مع وحدات حماية الشعب.
خلال العدوان التركي على عفرين:
بقيت قسطل جندو قلعة حصينة في مواجهة الاستهداف المسلح، حتى بدأ الدوان التركي على عفرين في 20/1/2018، وكان لقرية قسطل جندو نصيبٌ كبير من الاستهداف بسبب الموقع الاستراتيجي لجبل برصايا باعتباره من التلال الحاكمة نارياً والمشرفة على القرى المحيطة. وفي ثاني أيام العدوان شن الطيران التركي غارات على الجبل، كما كثفت الغارات في 25/1/2018.
لم يتوقف استهداف الجبل عبر القصف الجوي والمدفعي للسيطرة على المرصد الواقع على جبل برصايا، وبعد أسبوع تمكن من الوصل إلى قمة الجبل لكنه سرعان ما انسحب في هجوم معاكس لمقاتلي قسد، وفي 28/1/2018 أعلن الاحتلال السيطرة على القرية والجبل ونشر صوراً مباشرة من المواقع التي تم احتلالها.
الانتهاكات في القرية
خلال العدوان التركي على القرية تم تدمير حوالي (10) منازل بشكل جزئي ومعصرة زيتون عائدة للمواطن حميد مصطفى بشكلٍ كامل.
سُرقت محتويات المنازل من مفروشات ومؤن وزيت زيتون وتجهيزات الطاقة الكهربائية المنزلية وأوانٍ نحاسيّة، وكل آلات تجهيزات معصرتي أبو شوقي، حميد يوسف حسو كما سُرقت (40) مجموعة توليد كهربائية والغطاسات الخاصة بالأراضي الزراعيّة ونحو (50) جرار زراعي و (15) سيارة.
استولت ميليشيا “الجبهة الشامية” ومتزعمها في القرية المدعو “وليد عزيزي” على معصرة زيتون عائدة للمواطن نوري خان جنيد وعلى حوالي (40) ألف شجرة زيتون و (10) آلاف شجرة فاكهة عائدة لأهالي القرية. كما تم قلع الكثير من أشجار الزيتون والفاكهة.
جرى الاعتداء على ممتلكات أهالي قرية قسطل جندو وسُرقت المواشي وتم الاستيلاء على كامل محصول الكرز. وقُطعت معظم الأشجار الحراجية في الجبل غرب القرية. وقُطعت ثلاث أشجار توت معمرة والأشجار الحراجية أيضاً في الموقع.
التغيير الديمغرافي والتضييق على الأهالي:
تم تهجير معظم أهالي القرية، وبقي من أصل /280/ عائلة، (30) عائلة فقط بسبب التهجير القسري، أي نحو (60) نسمة من سكانها الأصليين وأغلبهم من كبار السن، وفقا لتقرير دوري لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا.
تم توطين حوالي /300/ عائلة بما يعادل (1500) نسمة من المستقدمين من المحافظات الأخرى فيها، وضمن جملة إجراءات التغيير الديمغرافي جرى توطين أكثر من 50 عائلة تركمانية بالقرية وذلك في إطار سعي الاحتلال التركي لإنشاء حزام تركماني قرب الحدود.
اُختطف المواطن المسن علي علو إيبو (75 عاماً) من القرية.
تم تخريب مزار (بارسه خاتون) الإيزيدي، وكذلك تخريب ونبش وتدنيس ضريح مزار (شيخ حميد) الإيزيدي- (2) كم جنوب القرية على طريق قرية “قطمة”.
نكايةً بأهل القرية تم تحويل مبنى معصرة قديمة إلى مسجد، والمتبقون منهم لا يجرؤون على ممارسة معتقداتهم الدينيّة. ويُجبر الأهالي على حضور أداء الصلاة والدروس الدينية.
الائتلاف والإعلام التابع لأنقرة في قسطل جندو:
مع احتلال القرية أجرت الفضائيات الموالية لأنقرة لقاءات قيل فيها إن المسائل الخدمية تم تسليمها إلى المجلس المحلي في مدينة إعزاز والذي بدأ ورشة عمل لإعادة تأهيل القرية، وتأمين عودة الأهالي، وكان ذلك من جملة الأكاذيب والدعاية، لأن سلطات الاحتلال كانت تحضر القرية لتوطين المستقدمين من محافظات أخرى وهم يشكلون حاضنة الميليشيات التابعة لأنقرة. وأما ورشة العمل التي بدأت في القرية فقد تجسدت بسلسلة أعمال السرقة للبيوت وممتلكات الأهالي.
في 17/2/2018، دُنّست قرية قسطل جندو بعد الاحتلال بزيارة أعضاء الائتلاف الإخواني الذين باركوا العدوان والاحتلال التركي.
فاجعة على طريق النزوح
في 12/5/2018 استشهد 11 مدنياً من عفرين كان متوجهين إلى مدينة حلب حين انفجر عند قرية تل جبين، وكان بينهم 7 أشخاص من قسطل جندو هم: حسن عبدو (86 عاماً) وزجته قدرت موسى سليمان (65 عاماً)، ياسر حسن عبدو (32 عاماً)، وزوجته حميدة خليل حسو (23 عاماً)، وابنتهما الطفلة الرضيع روهين ياسر عبدو (6 أشهر)، فيدان خليل رشيد (62 عاماً)، شيرين حمد وسيمو (30 عاماً)،