ديسمبر 23. 2024

الاحتلال يحوّل المدفن الروماني في موقع النبي هوري إلى مسجد.. في ظل استمرار عمليات التجريف في محيطه

Photo Credit To الفيس بوك

عفرين بوست ــ خاص

الفرق كبير بين سرقة القطع واللقى الأثرية وسرقة التاريخ نفسه، فقد بدأت سلطات الاحتلال التركي وميليشياته الإسلامية المرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين مع احتلال إقليم عفرين الكرديّ بحملة مركزة تستهدف البحث والتنقيب عن الآثار، وشملت كل التلال والمواقع الأثرية وتم تجريف التربة وتغيير معالم تلك المواقع، وكان نصيب موقع النبي هوري (مدينة سيروس) الأكبر من أعمال التنقيب والتخريب المتعمد، فيما يروّج الاحتلال لأعمال الترميم في الموقع، كما فعل في الجامع العثماني عام (2018) ثم قام تخريبه مرة أخرى.

سرقة التاريخ

ـمن وقت لآخر تقوم سلطات الاحتلال التركي بنشر صور لموقع النبي هوري للدعاية لأعمال الصيانة والترميم في الموقع، والحفاظ على الآثار، وذلك خلافاً للحقائق على الأرض، فالنبي هوري يشكل أكبر موقع أثري مساحة تم تخريبه وتدميره.

وخلال اليومين الماضين تداولت مواقع التواصل الاجتماعي صوراً حديثة لموقع النبي هوري، وقد أدخلت عليه أعمال الترميم والتجميل، إلا أن نشر الصور هو من قبيل المشاغلة والتغطية على عملية أخرى أكبر جرت في محيط المسجد، وهي سرقة التاريخ وإمحائه عبر تجريف مساحة يزيد قطرها عن 2 كم.

ذكرت “مديرية الآثار في مقاطعة عفرين” بتقرير لها بتاريخ 28/10/2020، معلومات عامة عن موقع سيروس والذي يعرف بأسماء أخرى مثل (سيروس ـ قورش ـ النبي هوري)، وأنها آثارها الباقية تعود إلى عدة حضارات أقدمها من الحقبة الهلنستية (السلوقية) نحو (280 ق م)، ومن ثم الفترة الرومانية (64ق م) فالبيزنطية ومن ثم الإسلامية وهي من المدن البائدة التي وضع الحاكم السلجوقي نور الدين زنكي حداً لتاريخها وحضارتها منتصف القرن (12 م)”.

أكبر مساحة موقع أثري يتم تخريبها

تعرض الموقع لأشرس حملة تنقيب غير مشروعة، استهدفت تخريبه وتجريف التربة، بعد الاحتلال التركي للإقليم الكردي، وتقول المديرية: “تعرضت المدينة للقصف التركي العنيف بحكم قربها من الحدود التركية منذ اليوم الأول للهجوم التركي على منطقة عفرين السورية بتاريخ (20/1/2018)، وبعد احتلالها تعرضت أثارها لأبشع التعديات والانتهاكات”.

وأجرت المديرية مقارنة بين الوثائق البصرية التي وصلت إليها والمؤرخة (10/8/2018 و6/10/2018 و3/11/2018و15/11/2019 و 23/6/2020) والتي تثبت قيام السلطات التركية والميليشيات التابعة لها (فصيل صقور الشمال تحديداً) بحفريات تخريبيّة وعشوائية بالأليات الثقيلة (جرافات) أدت إلى تدمير الطبقات الأثرية دون توثيقها، إضافة إلى تدمير المواد الأثرية الهشة كالزجاج والخزف والفخار ولوحات الفسيفساء.. إلخ”. وتابعت: “لم نكن نملك المعلومات الكافية حول حجم الحفريات التخريبيّة والمساحات التي طالتها عمليات الحفر نتيجة إغلاق الموقع أمام عامة الناس حيث تعترض عملية توثيق انتهاكات المواقع الأثرية لعوامل عدة تساهم في عدم القدرة على تكوين صورة واضحة عن القضية وقد تم ذكر هذه النقطة في تقرير لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا الصادر بتاريخ 14/9/2020”.

وتابع التقرير: “بتاريخ 26/10/2020 حصلنا على صورة فضائية تعود إلى تاريخ 28/9/2019، حيث توضح مسار الحفريات التخريبية التي قامت بها الفصائل الموالية لتركيا بالتعاون مع السلطات التركية والمساحات التي تعرضت للحفر إلى تاريخ الصورة الفضائية 28/9/2020 ويبدو في الصورة أن عمليات الحفر تمت بالآليات الثقيلة على مساحات شاسعة تزيد على ستين هكتاراً (60) هكتار، (ضمن دائرة قطرها 2 كم) بالإضافة إلى مساحات غير معلومة ضمن سور المدينة في الطرف الشرقي والجنوبي الشرقي بين بساتين الزيتون والطرف الجنوبي الغربي بحسب شهادات الأهالي، وهذه أضخم مساحة تم تخريبها بشكل ممنهج في تاريخ تدمير وتخريب المواقع الأثريّة والتراث الثقافي الإنسانيّ ولا نملك فكرة واضحة عن نسبة الأضرار الحاصلة في الموقع والقطع الأثرية التي ظهرت نتيجة هذه الحفريات التخريبية ومصيرها وخاصةً لوحات الفسيفساء التي قمنا بتوثيقها بتاريخ 18/11/2019 و28/11/2019، حيث قمنا بتوثيق الانتهاكات الحاصلة في الموقع بحسب الوثائق الواردة إلينا في السنوات السابقة وقمنا بنشرها تباعاً وتتفق الأحداث التي قمنا بتوثيقها سابقاً، مع الصور الفضائية كقضية اللوحات الفسيفسائية التي تم نشرها بتاريخ 6/11/2019على صفحة أحد العاملين في حقل تخريب وتدمير أثار منطقة عفرين السورية وقمنا حينها بإعداد عدة تقارير بخصوص قضية لوحات الفسيفساء و محاولة تزوير الحقيقة وتضليل الرأي العام، والجدير بالذكر أن أعمال الحفر ما زالت مستمرة حتى الآن”.

وبذلك فإن أولى أهداف عمليات تجريف التربة والترميم التغطية على الانتهاكات التي جرت بالموقع والسرقات التي حصلت فيها، وتبدأ بسرقة اللقى الأثرية واللوحات وصولاً إلى سرقة التاريخ نفسه، عبر تجريف التربة كيلا تبقى أدلة مادية تشير إلى تاريخها. وبذلك يقوم الاحتلال بسرقة التاريخ وهوية المنطقة الأصيلة وإمحائها.  

تلاعبٌ بالدلالةِ التاريخيّةِ

يأتي مشروع ترميم الآثار والمساجد في إطار مخطط ظاهره دينيّ، وباطنه سياسيّ وأيديولوجيّ، يستهدفُ دعم النفوذ التركيّ عبر بوابة المؤسسات الدينيّة. والهدف منه استحضار صورة الدولة العثمانيّة على أنها آخر مراحل لدولة الخلافة الإسلاميّة، والترويج لفكرة أن تركيا الحالية هي الوريث الشرعيّ لتلك الدولة، وتأتي سياسةُ الترميمِ ضمن خطةِ استثمارِ القوةِ الناعمةِ التركيّةِ عبر العالم، لتقديم صورة تركيا على أنها الحالة الإسلاميّة المعتدلة مقابل التطرف والتشدد.

ما تسعى إليه أنقرة بالضبط عبر الترميم هو إعادة صياغة الذاكرة الثقافية والاجتماعيّة، ذلك لأنّ لكلّ قوة تحريض، تستحضر مفاهيم وحوادث بعينها، وما تريده أنقرة هو عملية تجميل للحقبة العثماني التي بصدد إحيائه، وعلى هذا الأساس تقوم بتغيير المعطى المكاني لإحداث تغيير مباشر في المخزون الفكريّ.

في 15/5/2020 أعلنت مديرية أوقاف ولاية “هاتاي” التركيّة، ترميمها مقام “النبي هوري” الأثريّ، ومسجد عمر بن الخطاب في منطقة عفرين. وقال مدير أوقاف هاتاي، أوميت غوكهان جيجك، في مؤتمر صحفيّ: “المديرية العامة للأوقاف تولي أهمية كبيرة لترميم وإحياء الآثار التي خلفها الأجداد في سوريا، كما هو الحال في البوسنة والهرسك، وكوسوفو، وشمال مقدونيا”.

من الطبيعيّ أنّ أعمالَ الترميمِ في قلعة النبي هوري لن تستهدفَ إيجادَ تغيير جوهريّ في الشكلِ، بل في دلالته وإيحاءاته التاريخيّةِ، فالموقعُ شاهدٌ تاريخيّ مهمٌ تمّ إهماله، رغم احتوائه على كنوزٍ أثريّة لا تُقدرُ بثمنٍ، فكان في حالة مزرية، ولكن الترميمُ يستهدفُ تحويله إلى مَعلَمٍ سياحيّ للاستجمامِ ذو ريعيّة اقتصاديّة، وإضفاء لمساتٍ عثمانيّة عليه.

بذلك تُستكملُ الخطة عبر مرحلتين: تغييرُ الملامح والترويجُ السياحيّ، بدون هوية ذات صلةٍ بالتاريخ الهوريّ والكرديّ، ومن المؤكد أنَّ الخطةَ مديدةٌ ولا تستهدفُ الجيلَ الحالي، ولكنها مع خطة التغيير الديمغرافيّ بالمنطقة تأخذ أبعاداً إضافيّة، وتتوضحُ خلالها نوايا الاحتلال، بربطِ ثقافةِ المنطقةِ مباشرةً بالثقافةِ التركيّةِ.

Post source : عفرين بوست

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons