عفرين بوست ــ خاص
تتابع الاستخبارات التركية في إقليم عفرين المحتل أوضاع سكانها الأصليين من الكرد بدقة، وعلى وجه التحديد المواطنين الذين بقوا فيها بعد احتلالها من القوات التركية وميليشيات تنظيم الإخوان المسلمين.
شكّلت سلطات الاحتلال قاعدة بيانات أمنية عبر فرض منح “بطاقات هوية تعريفية”، وإعداد جداول اسمية بمن تفترض أنهم مطلوبين بتهم مفبركة توجهها إلى كل المواطنين الكرد الذين بقوا في إقليم عفرين، أو الذين عادوا بعد الاحتلال، علماً أن عدداً كبيراً من أهالي عفرين الباقين فيها خضعوا للتحقيقات وتعرضوا للاحتجاز والتوقيف والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، وما دامت الميليشيات الأمنية والعسكرية والمجالس قد أشئت من قبل الاحتلال فإن كل حالات الاختطاف في الإقليم المحتل تتم بعلمها وإشرافها، كما تم نقل عشرات من أهالي عفرين المختطفين إلى الأراضي التركية.
تعددت الوسائل والمعلومات هي الهدف
يمكن فهم الأبعاد الأمنية للخطوة التي أقدمت عليها سلطات الاحتلال التركي بإصدار بطاقات تعريفية، فكل المعلومات والبيانات المأخوذة عن الأهالي يتم ترحيلها إلكترونياً وترتبط قاعدة بيانات برنامج البطاقات مباشرة بوزارة الداخلية التركية المركزية، ولدى إدخال بيانات أحد الأشخاص فإن هذه المعلومات تحفظ تلقائياً في الخوادم الرئيسية للبرنامج الموجودة في أنقرة، وقبل أن تتم طباعة البطاقة ويستلمها صاحب العلاقة تكون المعلومات قد حفظت بوزارة الداخلية التركية.
في سياق حرصها على جمع المعلومات عن الأهالي عمدت سلطات الاحتلال التركي إلى تغيير عدد كبير من مخاتير القرى وإبدالهم بآخرين موالين لها، وأخرجت مهمة المختار من الإطار الخدمي والإداري إلى الأمني والمعلوماتي، ويُقال المختار إذا لم يؤدِ المهمة.
ولا يمكن تبرئة المؤسسات والجمعيات الخيرية والتي دخلت إلى المنطقة بموافقته ومعرفته، بل إن الجمعيات التركية والإخوانية كان لها حضور ابتداءً من يوم إعلان الاحتلال، وتتابع نشاطها حتى اليوم، ولها ارتباطات مع جهاز الاستخبارات التركي، ويمكن جمع المعلومات التفصيلية بذريعة تحديد حجم المعونات الإغاثية لكل عائلة، والمفارقة أن معظم أهالي عفرين الكرد محرومون منها المساعدات، بل تُسرق ممتلكاتهم وثمارهم، إلا أن الغاية بجمع المعلومات تتحقق.
مخاطر إهمال متعمد لمحل القيد ورقم الخانة
بطاقات التعريف تجاهلت مكان القيد الأصلي للشخص ورقم الخانة، حيث لا بوجد بند لتسجيل هذه المعلومة بالبطاقة، بل تُحفظ هذه المعلومات ضمن الملف الورقي، وهو عبارة عن نسخة ورقية من صورة الهوية الشخصية أو إخراج القيد الفردي الذي قام الشخص بتسليمه لموظف السجل المدني، وهو قابل للتلف لأي سبب كان وحتى الفقدان.
فالمستوطن القادم من الغوطة الشرقية مثلاً ويقيم اليوم في عفرين، لديه في بطاقته الشخصية الصادرة عن وزارة الداخلية السورية خانة خاصة بالقيد وأمانة السجل المدني التابع له، وقد تجاهل برنامج السجل المدني التركي محل ورقم القيد في البطاقة التعريفية، لا بل يدوّن فيها المعطيات الحالية على أنه من سكان عفرين، دون الأصلي الذي هُجّر منه، فيما يُشار إلى مكان الولادة وتاريخها، وبعض المعلومات الأخرى التفصيليّة التي الحصول عليها لا تّكر في بطاقة التعريف مثل الحالة الاجتماعية والعلامات المميزة وزمرة الدم.
ووفقاً للبطاقات التعريفية التركية المستحدثة، لا يمكن التمييز بين أهالي عفرين الكرد الأصليين والمستوطنين القادمين من محافظات أخرى، ولا حتى مئات العوائل الفلسطينية القادمين من مخيم اليرموك، الذين كانت لديهم سابقاً بطاقات شخصية وفق معايير “الأونروا” والتي يُذكر فيها أن الشخص لاجئ فلسطينيّ.
وبذلك تحاول سلطات الاحتلال التركي توثيق التغيير الديمغرافي في الدوائر التي استحدثتها وتثبيتها، بالتوازي مع استمرار الاستيلاء على البيوت والعقارات، ومن شأن هذه الإجراءات أن يكون لها آثار مديدة وخطرة على هوية المنطقة وتركيبتها الديمغرافية.
مبرر غير كافٍ
القائمون على الدوائر التي أنشأها الاحتلال بما فيها المجلس المحلي في عفرين برروا الأمر في وقت سابق، بذريعة أن البطاقات التعريفية ليست بطاقات شخصية “هوية” دائمة، وإنما هي إجراء أمنيّ وإداري ولأسباب إحصائية، لأن كثير من المستوطنين لا توجد لديهم وثائق رسمية لتعريفهم. ولكن هذه الحجة ساقطة، فالبطاقات فرضت على المستوطنين الذين بحوزتهم بطاقات شخصية وحتى على أهالي عفرين الأصلاء من الكرد، كما تم التهديد بقطع المساعدات الإغاثية ومنع الأطفال من ارتياد المدارس في حال لم تنظم البطاقة التعريفية، بل إن البطاقة في واقع الحال هي المعتمدة في كل تفاصيل الحياة اليومية لدى مراجعة المؤسسات الأمنية والإدارية والصحية التي أنشأها الاحتلال.
طمس هوية السكان الأصليين
موقع “سوريون من أجل الحقيقة” نشر في 21/9/2019 تحقيقاً بعنوان “البطاقات التعريفية” التركية تطمس هوية السكان الأصليين والنازحين” قالت فيه: صممت تركيا نظام عمل السجلات المدنية ليضم مناطق إدارية محددة لا يتيح تسجيل القيد الحقيقي/الأصلي للنازح ومسقط رأسه، بحيث لا يمكن تمييز بطاقته عن بطاقة المقيم الأصلي، وجاء في التحقيق أمثلة تفصيلية ومقابلات لعاملين في دائرة الأحوال المدنية حول أبعاد ومخاطر هذه البطاقات.
بالمجمل كل الإجراءات التي تتخذها سلطات الاحتلال التركي والتي تتم عبر الدوائر التي أنشأتها وكذلك نشاط الجمعيات الإغاثية، للتزود بالمعلومات عن أهالي المنطقة الأصلاء، تنتهي إلى دوائر الاستخبارات التركية، وعلى أساسها يتم تقييم ومتابعة إجراءات التغيير الديمغرافي في كامل إقليم عفرين المحتل. وأورد التقرير بعض الآراء لمستوطنين من مناطق مختلفة رفضوا بطاقات التعريف وقالوا إنها قد تكون خطوة في مسار حرمانهم من العودة إلى بيوتهم وقراهم التي هُجروا منها.