مايو 03. 2024

أخبار

من عفرين إلى لندن .. كيف تُجرم تشكيلات تنظيم الإخوان المسلمين بحق الكُرد الإيزيديين؟

عفرين بوست ــ خاص

كان إعلان احتلال إقليم عفرين من قبل قوات الاحتلال التركي بداية لاستباحتها بكل الأشكال، ليتعرض أهلها الكُرد لأسوأ معاملة، وتُمارس بحقهم انتهاكات بالجملة لحقوق الإنسان، وكان نصيب أتباع الديانة الإيزيدية وافراً من سوء المعاملة، حتى أوردت تقارير حقوقية وإعلامية تفاصيل كثيرة عنها.

زيارة الحريري ودور التجميل

نصر الحريري المعروف بالقفز من ضفة إلى أخرى، استقر على الضفة الإخوانية، عندما انتقل من رئاسة وفد التفاوض إلى رئاسة الائتلاف بالتنسيق مع أنس العبدة، ولديه خبرة بتزوير القضايا وتمييعها اعتباراً من قضية الطفل حمزة الخطيب وصولاً إلى لقاحات الحصبة الفاسدة في إدلب التي أودت بحياة 15 طفلاً، ولهذا كان رجل أنقرة الذي أوفدته إلى عفرين، للقيام بعملية ترقيع تجميلية لتزوير الحقيقة في أخطر الملفات، فزار السجن المركزي في المرة الأولى، وقرية باصوفان الإيزيدية في الثانية.

كانت زيارة الحريري إلى قرية باصوفان في 5/11/2020 بهدف الدعاية الإعلاميّة، فالقرية التي كان يتجاوز عدد سكانها ألفي نسمة، هجرها معظم أهلها وبقي فيها المسنون بغاية حفظ الأملاك والبيوت، وبغية استكمال مشهد زيارة الحريري، أُجبر عدد من المسنين على مقابلة الحريري، الذي سار في أزقة القرية لمجرد التقاط الصور، فكان مجمل الزيارة عبارة عن مشاهد تمثيلية.

باصوفان نموذج أي قرية كرديّة إيزيديّة في عفرين، تعرضت لحملات الاعتقال من قبل ميليشيات الإخوان المسلمين، واُتهم أهلها كباقي أهالي عفرين بالكفر واُستولي على أملاكهم بفتوى “الغنيمة”، وحوّل أحد منزلها إلى مسجدٍ، وعبر ذريعة الكفر والإلحاد تم التعدّي على مزار الشيخ علي الديني بالقرية وتدمير قبته، ومع تداول معلومات حول الانتهاكات، زعم الإعلام المحسوب على ما يسمى “المعارضة” أنّه قام بترميم المزار، وأنه يدعم التسامح الدينيّ، والحقيقة أن الترميم تم بأموال التبرع.

ويجبر مسلحو ميليشيا “فيلق الشام”، المحتلة لقرية باصوفان الإيزيدية، الأطفال على ارتياد المساجد وتعلّم تعاليم الإسلام وقراءة القرآن، وتقوم جمعيات إخوانية برعاية ذلك وتقديم إغراءات للأطفال، وما يحدث في باصوفان تكرر في قسطل جندو وغزاوية وكل القرى الإيزيديّة حيث النشاط الدعوي ظاهراً والاستناد إلى السلاح ضمناً.

واقع الإيزيديين بعد الاحتلال التركي 

يتوزع الايزيديون في (22) قرية في عفرين، وبحسب إحصاءات غير رسمية بلغ عددهم نحو (25) ألف نسمة، فيما يقدّر المتبقين منهم داخل عفرين بنحو ألف نسمة.

زيارة الحريري وحملة التجميل الإعلاميّة والدعاية التي تروّجها أنقرة حول التسامح وزعمها “تحرير المنطقة” تكذّبها آلاف الوقائع على الأرض، فقد بدأت ميليشيات الاحتلال بإطلاق تهديدات بالقتل والذبح والسبي للإيزيديين، وهو ما حصل في بداية الأزمة مع قرية قسطل جندو ويوم وصل داعش إلى مدينة إعزاز، ودمرت ميليشيات العدوان المزارات الدينيّة لدى دخولهم القرى الإيزيدية، وحاولوا إرغام الإيزيديين على ترك دينهم واعتناق الإسلام، وفرضوا اللباس الإسلامي على النساء الأيزيديات، ونشروا ثقافتهم وفكرهم المتطرف.

ومن الصعوبة بمكان الحصول على معلومات دقيقة لما يجري، لأن عفرين بعد الاحتلال مغلقة أمام وسائل الإعلام، فيما يعيش أهلها الأصلاء في ظروف القمع والخوف، ويتعرض من يتواصل مع مؤسسات الإعلام والمنظمات الحقوقية للاعتقال والضرب والتعذيب.

وفي حدود المعلومات المتوفرة، وُثّق استشهاد 17 مواطناً إيزيدياً، بينهم نساء في حوادث مختلفة، ونحو 30 حالة اختطاف بهدف طلب الفدية، و3 حالات مجهولة المصير، وكذلك عملية تعذيب وقتل بسبب رفض النطق بشهادة الإسلام، ورُكبت مكبرات الصوت للمساجد على أسطح منازل المواطنين الإيزيديين وأُجبروا على الصلاة بالمساجد، وبالمقابل كان الاستهزاءُ بالديانة الإيزيديّة وأتباعها، والعبث وتدمير /8/ مزارات دينيّة، بينها أكبرها وهو مزار الشيخ بركات الذي تحوّل إلى نقطة مراقبة تركية، وقُصف مقر الاتحاد الإيزيدي في مدينة عفرين، وإقامة مدرسة برعاية مؤسسة إخوانيّة مكانه، كما حُرم الايزيديون من ممارسة طقوسهم الدينية والاحتفاء بمناسباتهم. ووصلت الانتهاكات حد نبش القبور وتحطيم الأضرحة.

وإمعاناً في التضييق على أتباع الديانة الإيزيدية والتغيير الديمغرافي، بدئ العمل بإنشاء مستوطنة “التعاون” في قرية بافليون الإيزيدية بناحية شرا، والتي هجرها أهلها قسراً مع العدوان التركيّ.

يذكر أنه خلال فترة الإدارة الذاتية مارس الايزيديون طقوسهم الدينية وأقاموا احتفالاتهم علناً كأعياد خضر إلياس والأربعاء الأحمر وتعليم الطلاب الإيزيديين ديانتهم، إذ اعتمدت في المناهج المدرسية التعريف بالأديان الموجودة بما فيها الإيزيدية، وتم تأكيد عدم التعارض بينها، بالتركيز على قيم التسامح الديني والعيش المشترك.

في 28/4/2020 دعت اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية USCIRF، في تقريرها السنوي، الإدارة الأمريكيّة إلى للضغط على أنقرة لتحديد جدول زمني لسحب قواتها من سوريا، ومنعها من توسيع عملياتها العسكرية في سوريا، واتهمتها بأن عملياتها العسكرية أثرت على الأقليات الدينية من المسيحيين والإيزيديين، وتسببت بتهجيرهم، وبتدمير دور العبادة الخاصة بهم، ولم يكن تقرير اللجنة الأمريكية وحيداً حول بخصوص الانتهاكات بحق الإيزيديين في عفرين وسري كانيه. كما أشارت اللجنة إلى استثنائية الإدارة الذاتية في حماية التنوع الدينيّ.

خطاب الكراهية الإخواني

لا تنفرد أنقرة بتوجهاتها الدينية التكفيرية والعنصرية المعادية لباقي التوجهات الدينية والقوميات، بل هي منسجمة مع خطاب الكراهية الذي يتبناه مجمل التيار الإخواني الذي أضحى تنظيماً عالمياً تغلغل بالمجتمعات الإسلامية، وأسس منظمات ومؤسسات في أوروبا باسم الإغاثة والأعمال الخيرية.

ففي شهر سبتمبر/ أيلول وصف المدعو “هاني البنا” رئيس منظمة “الإغاثة الإسلامية” الإخواني، الإيزيديين بأنّهم “عبدة الشيطان”، ما أثار موجة انتقادات واسعة وجدلاً حول المؤسسة الخيريّة، حسب موقع “ذا ناشيونال” الإماراتي، والمفارقة أن حديث البنا، الذي يرأس أيضًا منتدى الجمعيات الخيرية الإسلامية بالمملكة المتحدة، جاء خلال محاضرة ألقاها بعنوان “المال لا يشتري الرقي”، وكان حديثه ينضح بالكراهية ويفتقر لأدنى مقومات الرقي.

المدعو هاني البنا

أدّى البنا دوراً مهماً في تأسيس “منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية” بمدينة برمنغهام البريطانية عام 1984، والتي صنفتها دولٌ بينها الإمارات، بأنّها “إرهابية”، وأشارت تقارير إلى أنّ تلقي المنظمة 749 ألف دولار، العام الماضي، ومليون و82 ألف دولار عام 2018، من جمعية قطر الخيرية المرتبطة بالقيادي الإخواني يوسف القرضاوي.

ردود فعل على خطاب البنا

وقد اعتبر الباحث في جمعية “هنري جاكسون”، الدكتور رقيب إحسان، تصريحات البنا شبيهة بفكر وآراء “داعش”، وأنها كشفت “الفضائح والفساد” المقترن بشخصيات بارزة في منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية.

ووصف ديفيد إبسن المدير التنفيذي لمنظمة “مشروع مكافحة التطرف” ومقرها نيويورك، الأمر بأنه “يستحق الشجب”، وقال: “إنه لأمرٌ مشين أن يقوم مؤسس إحدى أكبر المؤسسات الخيرية ببريطانيا بتشويه سمعة الناس بهذه الطريقة”، وأضاف: “للأسف، تعليقات الدكتور البنا لم تأتِ من فراغ، إنه الأحدث فقط في سلسلة من كبار المسؤولين بالمنظمة خلال الأشهر الستة الماضية، الذين أدلوا بتعليقات ساخرة حول الجماعات الدينية والعرقية الأخرى”.

مواقف أوروبية إزاء الإخوان والمؤسسات الدينية التركية

في ألمانيا، أوقف تحالف الإغاثة “دويتشلاند هيلفت” عضوية منظمة الإغاثة الإسلامية الألمانية حتى ديسمبر/كانون الأول 2021، وجمدت تمويلها، وفي السويد، قالت وكالة الإغاثة “سيدا” إنها ستنظر في تلك الاتهامات أثناء مراجعة عقدها مع المنظمة، وفي فرنسا طالبت 22 شخصية بارزة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحكومته بحظر نشاط “مسلمو فرنسا” الفرع الفرنسي لجماعة الإخوان المسلمين.

وكشف مسؤول بوزارة الداخلية الفرنسية عن أسماء مؤسسات دينية وجمعياتٍ مدنية تموّلها أنقرة داخل الأراضي الفرنسية، وأن بعضها سيخضع للمراقبة، وهي “لجنة تنظيم المسلمين الأتراك في فرنسا CCMTF، المنظمة الإسلامية التركية الرسمية في فرنسا DITIB، حزب العدالة والتنمية الفرنسي الذي تأسس عام 2015، تحالف رئاسة الأتراك المغتربين وجمعياتهم YTB، الاتحاد الفرنسي التركي، والاتحاد الدولي للديمقراطيين UID وهو على صلة مباشرة بأردوغان ويقابل مسؤوليها باستمرار”.

وأمهل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قادة الديانة الإسلامية في بلاده، خمسة عشر يوماً، لوضع ميثاق للقيم الجمهورية وذلك خلال استقباله للأئمة المسلمين في فرنسا.

المواقف الأوروبية تعكس حجم المخاوف بعد سلسلة أعمال العنف التي شهدتها أوروبا، والتي اضطرت على اتخاذها بعدما الخطر يداهمها في عقر دارها، فيما ركنت إلى الصمت إزاء ما يحدث للكرد على يد داعش والاحتلال التركي والميليشيات الإخوانية الموالية له، فهل تواصل أوروبا الضغط أم تخضع لابتزاز أنقرة في سياق صفقة تبادل الصمت مقابل المصالح؟

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons