ديسمبر 23. 2024

ائتلاف إسطنبول “اللا وطني” ومحاولته الفاشلة للتعويم.. عبر استثمار القضية الكُرديّة

عفرين بوست ــ خاص

نشرت الدائرة الإعلامية لما يسمّى الائتلاف الوطني السوري على موقعها، في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الجاري، خبراً عن عقد اجتماعٍ تشاوريّ مع شخصيات وصفتها بأنها “سوريّة كردية مستقلة” وذلك ضمن ما وصفته “سلسلة من اللقاءات التي تجريها لجنة الحوار الوطني في الائتلاف” وقالت “إن الهدف مناقشة آخر التطورات السياسية وتحديات الثورة السورية تمهيداً لعملية حوار وطني شامل”.

وكما في كل مرة يتحفنا ما يسمى “الائتلاف” في بياناته وإعلامه، فثمة شيء لافت فيها كلها، هو الكثافة في حجم العناوين الكبيرة التي يطرحها في مساحة صغيرة من البيانات، ولعل الائتلاف مبدعٌ في درجة إبهام اللغز الذي يطرحه، إذ نبحث عن عبارة أو كلمة لها علاقة بالحقيقة بقليل أو كثير فلا نجد بعد البحث والجهد! فالحقائق يطالها التزوير أو التغاضي والقفز من فوقها، فالاحتلال التركي لمناطق سورية حقيقة يعلم العالم كله، ونقلت معظم وسائل الإعلام في العالم الانتهاكات والسرقات في تلك المناطق وتحدثوا عما تقوم به ميليشيات إخوانية متطرفة تمتهن السرقة والبلطجة والسرقة، ولكن الائتلاف لا علم له بكل ذلك!!! ولا يطرح تلك المسائل للمناقشة، ويتجاهل عملية التتريك التي شملت كل نواحي الحياة، لا بل إنه بارك التعامل بالعملة التركية، وقبل أيام قليلة حضر الحريري مراسم تخريج ألف مسلح سيقاتلون تحت العلم التركي، ومن ثم يحدثوننا عن الوطنية ويتهمون الآخرين بالانفصال!

ما علاقة الائتلاف بالتوافق الوطنيّ؟

نزلاء فنادق إسطنبول عن مناقشة الرؤية السياسية الوطنية يقولون إن “الائتلاف الوطني” يستعد لإطلاقها بعد التوافق عليها بين مكونات الائتلاف، مؤكدين على أن المشروع الوطني هو المشروع الجامع لجميع السوريين. وأن الحضور ركزوا على أن يكون هناك علاقة إيجابية بين الائتلاف الوطني والسوريين الكُرد، والعمل على إيجاد قواسم مشتركة في رؤية سياسية وطنية شاملة، وناقشوا وجهة نظر الائتلاف الوطني تجاه القضية الكردية”.

لا ندري ما علاقة الائتلاف بالتوجه الوطنيّ، وحديثه عن التوافق والمشروع الوطني الجامع للسوريين، يبدو أن حالة الانفصال عن الواقع تسيطر على كل أعضاء الائتلاف، والحق أنهم آخر من يحق لهم الحديث عن القواسم المشتركة، وقد أداروا ظهورهم لسوريا تماماً، ولا ندري ما هي الرؤية السياسية الوطنية الشاملة تجاه القضية الكردية، وهم يعتبرون أن المناطق الكردية المحتلة بأنها محررة، وقد تعرضت للعدوان والتهجير القسريّ، ويلتمسون المبررات لسلوكيات الإجرام والانتهاكات والتغيير الديمغرافي والتهجير القسريّ، ولا ندري أي علاقة إيجابية لهم مع الكرد؟! وهل من اجتمعوا بهم ممثلو الكرد؟ ومن اختارهم؟ ما آلية التمثيل؟  

الائتلاف في الحقيقة هو مجرد الترجمة العربية لوكالة الأناضول أو لصحفي عنصري فيها، فبعد تجاهل الانتهاكات والجرائم قفز بسهولة إلى ما بعد الفرات ويقول إنه بحث ملف شرق الفرات والانتهاكات والجرائم التي ترتكبها ميليشيات PYD بحق المكون الكردي قبل أي مكون آخر في المنطقة، وتهميشها لباقي المكونات، وهذا تماماً حديث أنقرة السياسي والإعلامي بدون تعديلٍ، ولا علاقة له بالوطنية السورية.

ويؤكد الائتلاف انفصاله عن الواقع، بالترويج لفكرة خيالية، فيقول إنه استعرض مع أعضاء لجنة الجزيرة والفرات عملها، ولقاءاتها المستمرة لأبناء محافظات دير الزور والرقة والحسكة من أجل حل مشكلات المنطقة كجزء من الحل الكامل في سورياـ هذا الائتلاف “بقضّه وقضيضه” لم يصدف أنه بحث مسألة في صالح السوريين، من ثم من أين له هذا الثقل في تلك المحافظات؟ هل يقصد الخلايا المتبقية لإرهابيي داعش؟

القفز فوق قضية عفرين واختزالها

من الغرائب القول “اطلع رئيس الائتلاف الوطني على التقارير التي تتحدث عن الانتهاكات المرتكبة بحق الكُرد بريف حلب، وقام الحريري أثناء الاجتماع بإجراء اتصال مع الشخص المدعى عليه، واتفقوا على إرسال شخصيات محايدة إلى المنطقة والوقوف على الأوضاع فيها وتفنيد تلك الادعاءات”.

عفرين تحضر في اجتماع الائتلاف بإشارة عرضيّة، ومجرد إشارةٍ عابرةٍ بمجرد الاطلاع، ولم يكن الحريري على علم به، بعد مرور ثلاثين شهراً من الاحتلال لعفرين، وكأنها مجرد حادثٍ طارئ، يُختزل بشخصٍ واحد، ويتم حله بمجرد الاتصال به، على نحو من الارتجال في اجتماعٍ، رغم أن الأخبار تتدفق كل يوم عن انتهاكات بالجملة، وجرائم قتل وسرقات وسلب وخطف وفرض الإتاوات وتغيير ديمغرافي وثقافي وتتريك لكل لتفاصيل الحياة وسرقة الآثار، وقصة أكثر من 350 ألف مواطن خرجوا قسراً من بيوتهم، فيما يتم التضييق على من بقي منهم لإخراجهم قسراً.

الحريري وطاقم الائتلاف يتجاهلون قضية شعبٍ، وأرضٍ محتلة تعيث فيها الميليشيات فساداً، ولنتصور شكل الحل المقترح بإرسال “شخصيات” محايدة للوقوف على الأوضاع في تلك المناطق، وتفنيد تلك الادعاءات. يبدو أنه يريد أن يغطي الشمس بغربال الجهل والتزوير، فيما هناك المئات من التقارير الحقوقيّة وتقارير عن مؤسسات أممية، وتقارير إعلامية عدا عن المقاطع المصورة التي تعج بها مواقع التواصل، وكلها توثّق الانتهاكات الكبيرة بحق أهالي عفرين الأصليين، والتي ترتقي إلى جرائم الحرب والإبادة العرقية وجرائم ضد الإنسانية وفق القوانين الدوليّة. وهل يمكن للحريري أن يأتي بشخصياتٍ محايدةٍ لا توالي أنقرة؟! هذا هو المستحيل عينه، وقصة العميد أحمد رحال ليست بعيدة.

وأما حديث الانفصال فهو اللازمة المكررة في كل اجتماع وترد في أحاديث أعضاء الائتلاف، وبالتالي هي زائدة لا محل لها من الإعراب!!

تابع التابع ليس مستقلاً

وبقفزة رشيقة يقفز الحريري وصف منسق لجنة الحوار الوطني سالم المسلط، الاجتماع بـ “الصريح والإيجابي”، وأكد على أن هذه الاجتماعات تأتي ضمن الخطة التي وضعتها اللجنة لتعزيز التواصل مع مختلف مكونات الشعب السوري.

في الواقع إن من ذكرهم الخبر بعبارة الشخصيات الكردية المستقلة ممن حضروا الاجتماع فيه تزويرٌ بالغٌ، وكل كلمة تحتوي تزوير ولا ندري ما المقصود بالشخصيات؟ وهل من بارك الاحتلال وأيده وشارك فيه يمكن توصيفه بأنه كُرديّ فعلاً؟ وأما الاستقلالية فهي بعيدة عن الواقع، فهم تابعون للائتلاف، والائتلاف بدوره تابع لأجهزة الاستخبارات التركية، فكيف يمكن لتابع التابع أن يكون مستقلاً؟

بالمجمل مثل الائتلاف كمثل من أطلق كذبة ثم صدقها، وهو ما يحصل منذ بداية الأزمة السورية، فيما القصة لا تتجاوز إطلاق البالونات. ولا يمكن القبول باي عنوان للوطنية ما لم يتضمن ذلك إنهاء الاحتلال التركي دفعة واحدة. وقصارى القول إن “ائتلاف إسطنبول فاقد الوطنيّة” يحاول عبثاً تعويم المشروع التركي واستثمار القضية الكرديّة.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons