ديسمبر 23. 2024

تقرير: المرأة الكردية بعفرين تعيش واقعاً كارثياً في ظل الاحتلال التركي الذي جلب معه ظاهرة زواج القاصرات والقسري

Photo Credit To عفرين بوست

عفرين بوست – خاص

“كنت أعيش يومي بخوف نتيجة المضايقات والكلام المبتذل ونظرات المدنيين منهم والمسلحين، النظرات البشعة المليئة بالحقد خاصة كوني لا أتحجب، فهم باعتقادهم، أنني ناقصة دين.”

بهذه العبارات اختصرت “نديمة”، الفتاة الكردية، البالغة من العمر 27 عاماً، من أهالي مدينة عفرين المحتلة، معاناتها خلال فترة تواجدها بعفرين بعد وقوعها تحت نفوذ الاحتلال التركي وميليشياته المسلحة في مارس 2018.

الكلام البذيء جزء من التحرش

تتابع نديمة حديثها لـ “عفرين بوست” قائلة ” “اضطررت أن أرتدي الحجاب لكي أبعد عن نفسي وعائلتي المشاكل، فغالباً ما كنا نتعرض للكلام البذيء ما إن نخرج من منازلنا ونقطع الشوارع، ناهيك عن تعرضنا للتحرش حتى من نسائهم”.

تتعرض الفتيات والنساء الكرديات لمضايقات يومية، كأسلوب مضاف إلى انتهاكات القتل والضرب والتعذيب والخطف والابتزاز والإهانة، تُمارس بشكل ممنهج وعلني وبتوجيهات مباشرة من الاستخبارات التركية بقصد دفع السكان الكرد الأصليين اترك أرضهم والتخلي عن عفرين.

وقال “مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا” في تقرير أصدره أمس بمناسبة اليوم العالميّ للمرأة الذي يصادف 8 آذار من كل عام، إن “جيش الاحتلال التركي والجماعات الموالية لها قام باعتقال 693 امرأة، من أصل 7971 شخص في المعتقلات منذ آذار 2018، ومازال مصير نصفهم مجهولاً.”

في مواجهة المتطرفين بأزقة عفرين

تهجّرت نديمة ثلاث مرات من مدينتها عفرين، كانت في المرة الأولى هاربةً من القصف التركي على المدينة في مارس 2018، وعادت إليها بعد فترة قصيرة، من ثم خرجت منها ثانية بعد أشهر إثر تلقيها تهديدات من الميليشيات المسلحة بتهمة التعامل مع الإدارة الذاتية السابقة، ولم تعد إلا بعد تقديمها دليل وتأكيدها لهم أنها لم تتعامل مع الإدارة بل كانت موظفة لدى إحدى المنظمات الإغاثية، أما المرة الثالثة تركت مدينتها وهاربة من الواقع المرير بالزواج والإقامة خارج سوريا.

ذكرت نديمة لـ “عفرين بوست” عدة مضايقات تعرضت لها خلال فترات تواجدها بمدينة عفرين، “كنت أنا وأختي قد خرجنا من العمل نعود للمنزل، وإذا بأحد الأشخاص راكب دراجة نارية أتى باتجاهنا ورمى علينا الماء كان معه يشربه، وقال لنا تستروا ما هذه المناظر، ومرة أخرى قال لي عجوز من المستوطنين، استغفر الله ما كان عنا هيك شي بالغوطة.” 

لم يقتصر الأمر على الرجال من المستوطنين والمسلحين بل كان تعاملْ نساء الغوطة “بشع جداً، كونهن يعتبرّن النساء الكرد أعداء بالنسبة لهنّ ويرمونهنّ بالكلام المسيء، ويروْن أنهنّ يستطعْن فعل أي شيء لأن أزواجهن مسلحين، ويعتبرن أنفسهن المالكات للبيوت والمدينة كلها ونحن زوار عندهن”.

الكثير من فتيات عفرين تعرّضن للتحرش وأصبحن يرتديْن الحجاب والثياب الفضفاضة كي لا يعرفْن أنهن كرديات، وفي المدارس فرض الحجاب عليهنّ بعد أن تم إدخال المواد الدينية إلى المناهج الدراسية.

وكان مستوطنون متطرفون قد خرجوا في مظاهرة ضد المجلس المحلي في بلدة موباتا/معبطلي،  في سبتمبر 2018، للمطالبة بطرد معلمة كُردية من المدرسة بسبب عدم ارتدائها الحجاب، ليتطور الأمر ويقتحموا المبنى ويعتدوا على من تواجد بداخله.

الزواج هو الخلاص

وصفت نديمة حال المرأة الكردية داخل إقليم عفرين بـ “الكارثي ومكسورة وراضخة للأمر الواقع بسبب الخوف”، وهو الخوف من اعتقال ابنها أو زوجها أو حتى ابنتها أو هي نفسها، فالنساء الكرديات في عفرين، لا يمكنهن الخروج من المنزل، إلا برفقة رجل، وغطاء على الرأس، رغم ذلك يتعرضن للمضايقات.

وقالت “في أي لحظة يمكنهم اعتقال أو خطف من يريدون بتهمة هم يخترعونها بأنفسهم، الوضع مزري جداً، والمرأة خائفة دائماً ولا تستطيع أن تطالب بأي شيء للحفاظ على عائلتها”.

فكان الخلاص بالنسبة لنديمة هو الزواج والوصول لبر الأمان بعد تحول إقليم عفرين إلى غابة وحوش، وهو ما يفعله أغلب من تبقى من أهالي عفرين الكرد المتمسكين ببيوتهم وأرضهم، لحماية بناتهم من اعتداءات المستوطنين والمسلحين.

الزواج المبكّر كوسيلة حماية!

 رغم أن نديمة بالغة وراشدة في قرارها بالزواج إلا أن الكثير من الفتيات الكرد يقدمن على الزواج في أعمارٍ مبكّرة بناء على رغبة أهاليهن، فيقعن في خانة “الزواج المبكر” أو ما يعرف أيضاً بـ “زواج القاصرات” بقصد حمايتهن ومحاولة منع المسلحين التمادي عليهم، ويفضلون تزويجهن لشبان كرد يقيمون خارج عفرين، وما يرافقه من زيادة حالات الطلاق لعدم وعي الطرفين (الشاب والفتاة) لمسؤوليات الزواج وضعف خبرتهم وقلة حيلتهم في تحمّل مصاعب الحياة اليومية، إلى جانب العيش في واقع يشوبه قلق وخوف دائم من التعرض للانتهاكات.

جميلة، فتاة تبلغ من العمر 15 عاماً فقط، من أهالي قرية كيمار بناحية شيراوا، وتقيم بحي الأشرفية في مدينة عفرين، تطلقت قبل أيام بعد زواج 24 يوماً فقط، من شاب من أهالي قريتها، قائلة لـ “عفرين بوست”: لم نتفاهم أبداً.

مكية، من أهالي قرية ديكة بناحية راجو، التي لم تبلغ 15 عاماً بعد، كانت تذهب لمدرستها، زوّجها والدها من شاب يبلغ 23 عاماً، من أهالي قرية قيبار، في 20 نوفمبر 2021، إلا أنهما تطلقا في 25 يناير 2022.

وقال والدها لـ “عفرين بوست” حول تزويجها بهذا العمر، “أنا أخاف عليها كثيراً، وخشيتُ أن يرغب بها أحد العناصر أو المستوطنين ويبدأ بابتزازي أو يصيبها بمكروه كأن يخطفها ويجبرني على تزويجها منه تحت تهديد السلاح، فكان الحل هو أن أزوجها، لكن للأسف لم يستمر، أحاول الآن أن أخرجها من عفرين”.

لبنى، البالغة 16 عاماً، من أهالي قرية قسطل كشك بناحية شرّا/ شران، تطلّقت بعد شهر ونصف من زواجها، وبسبب رغبة مسلح تابع لميليشيا “أحرار الشرقية” بها، فقام ذووها بتهريبها إلى تركيا.

وكانت الإدارة الذاتية الكردية في شمال وشرق سوريا، قد أصدرت عام عام 2014، قانون “حماية المرأة”، والذي نص على “المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في كافة مجالات الحياة العامة والخاصة”، كما ينص على “منع تعدد الزوجات ومنع تزويج الفتاة بدون رضاها وإلغاء المهر، ويحل محله مشاركة الطرفين في تأمين الحياة التشاركية وتنظم صكوك الزواج مدنيا ومنع الطلاق بالإرادة المنفردة، وتجريم القتل بذريعة الشرف، وفرض عقوبة متشددة ومتساوية على مرتكب الخيانة الزوجية من الطرفين ويمنع تزويج الفتاة قبل إتمامها الثامنة عشرة من عمرها وللمرأة الحق في حضانة أطفالها حتى إتمامهم سن الخامسة عشرة، سواء تزوجت أم لم تتزوج”.

التزويج بالإكراه أو الفرار

لا تقتصر الحالات على هذه الأسماء، بل ومنذ وقوع إقليم عفرين تحت نفوذ الاحتلال التركي بنحو أربعة أعوام، تتواصل حالات الزواج المبكر، إلا أن ما يثير الأسى هو أن بعض الأهالي لا يملكون الحيلة للوقوف بوجه التهديدات بالسلاح.

فمصير الفتاة سهام، من أهالي جولاقا بناحية جنديرس، البالغة 15 عاماً فقط، هو أن تتحمل العيش بظل مسلح ينتمي لأحد الميليشيات، يبلغ 33 عاماً، حيث تزوّجته بالإكراه في تموز 2021، ومازالت معه في منزلهما بحي الأشرفية.

وكذلك الحال مع الفتاة عالية، من أهالي قرية استير بناحية المركز، بالغة 16 عاماً، تزوجت مسلح من ميليشيا “أحرار الشرقية” يبلغ حوالي أربعين عاماً، يدعى “أبو أحمد”، لتكون الزوجة الثالثة له.

ولأهالي عفرين من المكون العربي نصيب أيضاً، حيث قام مسلح تابع لميليشيا “السلطان مراد” في حي عفرين القديمة بإجبار عائلة علوش، من المكون العربي بعفرين، تزويج ابنتهم البالغة 13 عاماً له.

في حين الشابة فضيلة، من أهالي قرية كوليا بناحية راجو، عمرها 14 عاماً، تم تزويجها من شاب من أهالي قريتها، لكنهما لم يستطيعا البقاء في قريتهما بسبب ملاحقة مسلح من الميليشيات لها مصراً على الحصول عليها، فتم تهريبهما إلى داخل الأراضي التركية.

ومثلها سلوى، 14 عاماً، من أهالي قرية حبو بناحية موباتا/ معبطلي، زوجوها من ابن جيرانها في حي الأشرفية بمدينة عفرين، وهربوهما لتركيا.

أما أصغر حالة رصدتها “عفرين بوست خلال هذه الأيام، هي للطفلة دلال، من أهالي قرية شيتانا بناحية موباتا/ معبطلي، البالغة 12 ونصف فقط، مخطوبة الآن لشاب يبلغ 29 عاماً، ومن المقرر عقد حفل الزفاف في شهر يونيو القادم.

وتطول القائمة ولم نذكر سوى غيض من الفيض مما تتعرض له فتيات عفرين، حيث يشهد الإقليم حوادث يومية غالبيتهم يمتنعن عن الحديث بالموضوع مخافة ما يعتقدن من تشويه السمعة أو المذلة، أو نتيجة تلقي التهديدات والضغوطات بالتعدي عليهم.

ووثق “مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا” إجبار 12 فتاة على الزواج من قادة الميليشيات التابعة للاحتلال التركي في عفرين، تحت تهديد وابتزاز ذويهم، و9 حالات زواج قسري في مدينة جرابلس وحالة في مدينة أعزاز والباب، ووثّق تعرض 16 امرأة للاغتصاب من قبل متزعمين ومرتزقة ثلاث فقط أبلغن عن الحادثة، منذ التوغل التركي في الشمال السوري.

الجدير بالإشارة إلى أن المرأة في عفرين إبان الإدارة الذاتية السابقة كانت تتمتع بكامل حريتها في التعبير عن الرأي ودخلت مجالات العمل المختلفة من السياسية والعسكرية والاقتصادية والإدارية، وساهمت مع الرجل في إدارة مؤسسات الإدارة الذاتية وفق نظام التشارك في اتخاذ القرار، حيث بلغت نسبة مشاركتها نحو 50 %، إلى جانب تأسيس هيئات خاصة بالنساء، وهو ما لا نراه أبداً بظل الاحتلال التركي وسيطرة الميليشيات والمرتزقة التابعة لأنقرة على إقليم عفرين.

ملاحظة: جميع الأسماء المذكورة في التقرير مستعارة لحماية أصحابها.

Post source : عفرين بوست

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons