عفرين بوست-خاص
تلك العبارة ليست سوى إحدى التوجيهات والأوامر التي تلاها والٍ تركي على مسامع مجموعة من متزعمي الميليشيات الإسلامية المعروفة باسم “الجيش الوطني”، خلال اجتماع عُقد في إحدى نواحي إقليم عفرين المحتل، لمتابعة خطة الاحتلال التركي في إفقار مَن تبقى من السكان الأصليين الكُرد، ودفعهم للتهجير، وصولاً إلى إحداث تغيير ديموغرافي أكبر مما هو حاصلاً حالياً، لصالح المستوطنين المستقدمين من أرياف دمشق وحمص وغيرها، وفقاً لما نقله مراسل “عفرين بوست” عن مصدر خاص.
الكُردي كالاسفنجة..
وفي معرض توجيهاته لمتزعمي الميليشيات يقول الوالي التركي «الكُردي كالإسفنجة، عندما تعصره في كف يدك يتقلص، وما أن تفتحه يعود كالإسفنجة إلى شكله الطبيعي» في إشارة إلى الاستمرار في الضغط على مَن تبقى من السكان الكُرد الأصليين، عبر عمليات الاعتقال والاختطاف والتهب والسلب والقتل وما إلى هنالك من جرائم تُمارس منذ أكثر من عام ونيف.
ونقل مراسل “عفرين بوست” عن أحد الأهالي، قول أحد متزعمي الميليشيات الإسلامية: «لا ننفذ نصف ما تأتينا من أوامر من الأتراك، والا لكانت حياتكم جحيماً لا يُطاق» ليُظهر لسكان القطاّع الأمني الذي تحت سطوته، بأنه يرأف بهم، ولا ينفذ التوجيهات التركية شفقة بهم! رغم أنه فرض أتاواة بلغت 150 عبوة زيت زيتون على أهالي قرية تحتلها الميليشيا التابعة له، وأقدم على طلب المزيد بحجة أن أسيد الزيت الذي استلمه، مرتفع.
عمليات الاعتقال والخطف على يد أدوات الاحتلال من ميليشيات تنظيم الاخوان المسلمين وما يترتب عليها من تعذيب نفسي وجسدي وحتى القتل في أحيان كثيرة، أثقلت كاهل السلكان الكُرد في الإقليم، والتي تُتوج بعادة بدفع “فدية مالية” أو كفالة مالية يدفعها المُعتقل أو المُختطف للمسلحين، لتصب في النهاية في جيوب من يخطط لتلك العمليات ويحمي منفذيها أي المخابرات التركية المعروف اختصارا بـ “ميت”، وهذا ما حصل بالضبط للشاب الكُردي “م.ش” الذي اعتقلته ميليشيا “الشرطة العسكرية” لمدة شهر تقريباً.
التهمة أنك كُردي!
يقول الشاب لـ “عفرين بوست”: بعد أسابيع من تعذيبي في سجن “الشرطة العسكرية” تم تحويلي إلى المحكمة العسكرية، للنظر في قضيتي، فسألني القاضي: ما تهمتك؟ كان ردي لا أعلم، فبادر لسؤال آخر، وقال: “ما هو قيد نفوسك”، فجاوبته: عفرين. إذا تهمتك هي أنك كُردي من عفرين!
ويضيف المعتقل الشاب أن القاضي أمر بإخلاء سبيله على ذمة الاستدعاء وقت الحاجة، على أن يدفع كفالة مالية وقدرها ألف ليرة تركية، عدا الرشاوي التي دفعها أهله للميليشيات بهدف التوسط ولافراج عنه والتي بلغت نحو 300 دولار أمريكي.
وتبرّر الميليشيات الإسلامية بكافة تسمياتها من “شرطة مدينة” و”عسكرية” و”أمن سياسي” و”أمن جنائي” وغيرها، عمليات الاعتقال كون المستهدفين على صلة بوحدات حماية الشعب أو العمل لدى الإدارة الذاتية السابقة.
وفي هذا السياق، تقول هيفي، وهي سيدة متعلمة وتعيش حالياً في مدينة عفرين أن كل من لديه صلة قريبة أو بعيدة بوحدات حماية الشعب، يتم تحويله إلى تركيا فوراً، أما ما عدا ذلك من اعتقالات، فهي لأجل الابتزاز المالي فقط معبّرة ذلك بـقول: ” الكل بدو يدفع مصاري”.
تؤكد هيفي أن هناك حربٌ حقيقة تُشن على سبل معيشة المواطنين الكُرد، لمحاصرته بهدف طرده من أرضه، وخاصة موسم الزيتون الذي يّعد العمود الفقري في دخل أهل الإقليم قائلة: “والزيت من يومين نزله سعره بالأراضي، والدولار صار 714، فوراً التاجر لي مستلم الزيت كله بعفرين وبإشراف تركي، نزل 10 دولار من تنكة الزيت إلي صار بحدود 12 او 13 ألف يعني حق بلوزة!”.
سياسات التجويع..
ويأتي ذلك في وقت عقد الوالي التركي في مدينة عفرين، اجتماعاً مع التجار المٌعتمدين لديه، وطلب منهم التوقف عن شراء زيت الزيتون من الدرجة الممتازة “أسيد زيرو” أو ما يُدعى بـ «الشخوطة»، وسعره حالياً (32) دولار أمريكي، والاكتفاء بشراء الدرجة الثانية والثالثة، بهدف ضرب الأسعار، وفقاً لما نقله مراسل “عفرين بوست” عن مصادر مطلعة على الاجتماع.
وتقرّر في الاجتماع ذاته خفض سعر عبوة زيت الزيتون من النوع الثاني والثالث مقدار 5 دولارات، ليصل إلى ما يُعادل إثني عشرة ألف ليرة سورية، بعد أن كان يبُاع الدرجة الممتازة بتسعة عشر ألف ليرة سورية، والدرجات الأقل ب (17_16) ألف ليرة سورية.
إلى جانب ذلك، كان الوالي التركي أوعز إلى مسلحي الميليشيات الاسلامية بالتدقيق في سجلات مكاتب الشحن، وعدم السماح لها بشحن الكميات الكبيرة إلى خارج الإقليم في مناطق سيطرة النظام السوري والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بهدف التحكّم بأسعار منخفضة للزيت وقطع دابر المعيشة عن المزارع الكُردي وإفقاره وتهجيره.
ونشرت منظمة حقوق الانسان في عفرين، والتي تُعني بنشر أخبار الانتهاكات في الإقليم حول إشراف الحكومة التركية بشكل مباشر التحكّم بتجارة المواد الغذائية والزراعية، وقالت في تقرير لها: “فرضت الحكومة التركية من خلال المجالس المحلية قراراتها المتعلقة بالتجارة العامة للمواد الغذائية والزراعية وحصر تجارتها عبر وكلاء معتمدين من قبلهم بالتعاون والتنسيق مع بعض من المتنفذين الإداريين والمشرفين على تلك المجالس المحلية”.
وأشارت المنظمة الحقوقية إلى بروز اسم التاجر المستوطن “تامر كريدي” الذي ظهر اسمه في الموسم الماضي، حيث عُرف باحتكاره شراء مادة زيت الزيتون من خلال الوسطاء وإدخاله إلى تركيا ومن ثم تصديره للخارج وفق معايير دولية وشهادة منشأ تركية مزورة، جعلت تركيا تحقق عائدات مالية تقدر بحوالي مئتي مليون دولار أمريكي.
اعتراف رسمي..
واعترف وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو، خلال جلسة برلمانية عُقدت في الرابع والعشرون من تشرين الثاني الجاري، بسرقة بلاده لزيت الزيتون من إقليم عفرين الكُردي المُحتل، وتصديره وبيعه لدول العالم، وقال جاويش أوغلو في كلمته أمام البرلمان، إن الحكومة التركية تبيع وتصدر زيت الزيتون الذي سرقته الميليشيات الإسلامية المسلحة التابعة لجيشه المحتل من عفرين
وواجه جاويش أوغلو انتقادات أعضاء المعارضة الذين احتجوا على الأمر قائلاً إن عوائد بيع زيت الزيتون تستخدمها الحكومة التركية في تقديم الخدمات في عفرين
وتحتل عفرين المرتبة الثانية في إنتاج زيت الزيتون في سوريا، حيث يبلغ عدد أشجار الزيتون حوالي /18/ مليون شجرة، وتعتبر مصدراً رئيسياً لدخل معظم سكانها.
ويقول مراقبون أن تقاطع المصالح الدولية والإقليمية، كان سبباً في إتاحة الفرصة للتحالف الحكومي التركي المؤلف من حزب العدالة والتنمية والحركة القومية، للانقضاض على الوجود الكُردي الطاغي في إقليم عفرين الذي كان يتمتع بحكم ذاتي، وفّر الأمن والاستقرار طيلة سنوات الحرب السورية.
ففي الـ 20 من يناير 2018، شن جيش الاحتلال التركي برفقة ميليشيات إسلامية متشددة انتحلت مسمى “الجيش الوطني السوري” عدواناً عسكرياً على الإقليم الكردي، وبعد مرور نحو شهرين من مقاومة وحدات حماية الشعب لها، تم احتلال الإقليم في 18 آذار 2018.