عفرين بوست- خاص
قبل أشهر قليلة اتخذ العم علي قراراً مصيرياً بالعودة إلى عفرين، بعد قضائه ست سنوات ونصف في ظل النزوح القسري من عفرين، وكله أمل أن يسترد ممتلكاته التي كانت الميليشيات الموالية لتركيا وضعت اليد عليها، وأن يهنأ بموسم الزيتون، لعله يقيه العوز والحاجة.
استُقبل العم علي من قبِل أهالي قريته الواقعة في ناحية راجو بحفاوة وقضى أيام جميلة معهم، بعد ذلك بدأ بإجراءات إعادة ممتلكاته، من منزل في القرية وحقول الزيتون، لكنه تفاجئ بقرار ميليشيا “أحرار الشرقية” المسيطرة على قريته “زركا” بعدم إعطائه موسم هذا العام، ولن يحصل على شيء، وبعد موسم هذا العام سيتم إعادة حقول الزيتون إليه.
كيف سأعيش؟
يقول العم علي “كنت قد بنيت آمال العودة على موسم الزيتون لهذا العام والذي كان مبشراً، اليوم رغم عودتي إلى منزلي إلا أنني لا أملك مصدر رزق لي ولأولادي، كيف سأعيش لا أعلم”.
وتعرض أحد أبنائه للاختطاف من قبل ميليشيا “الشرطة العسكرية” وأضطر لدفع فدية مالية تقدر بألف دولار أمريكي لفك أسره.
حال العم علي لا يختلف عن الكثير من العائدين إلى عفرين، الذين منعوا من الاستفادة من ممتلكاتهم رغم إحضارهم للثبوتيات، وتُشير مصادر من عفرين إلى أن ميليشيات الحمزات والعمشات تسعى هذا العام لوضع يدها على أكبر قدر ممكن من الممتلكات بهدف جمع المال وتمليكها لاحقاً لعوائل تتبع لهم، ولهذا السبب تم فرض قرار إلغاء الوكالات التي كانت تتيح لأقرباء المهجرين قسراً إدارة ممتلكاتهم.
الجني المبكر… ما السبب؟
هذا العام كما في الأعوام السابقة بدأ العديد من أبناء عفرين بجني ثمار الزيتون مبكراً، إذ عمدت بعض العائلات لجني الموسم خلال الأسبوع الحالي خوفاً من السرقة، لاسيما تلك العائلات التي لا تمتلك إلا القليل من أشجار الزيتون، يُشير محمد جمعة من ناحية شيه إلى “أن السرقة بدأت منذ أسبوع واستهدفت الثمار الخضراء، أنا لا أملك سوى مئة شجرة زيتون وإنتاجها هذا العام متوسط، بدأت جني الثمار مبكرا قبل النضج بهدف بيعها وهي خضراء كثمار مائدة”.
يعزي جمعة سبب استعجاله في جني المحصول إلى عدم قدرته على حماية أشجاره من السرقة، السنة الماضية سرق نصف محصوله مما تسبب له بخسائر كبيرة، ولعدم تكرار ما حدث، بدا متعجلاً هذا العام، ويقول “الثمار ما تزال صغيرة ونوعيته متوسطة، والجني المبكر أمر غير محبذ بالنسبة لنا لكنني مضطر، كون أن حقله يقع على أطراف القرية ومعرض للسرقة بكثرة”.
خفي حنين
ما بين شهري تشرين الثاني وكانون الثاني هي الفترة الأكثر ملائمة لجني محصول الزيتون، إذ تساهم الأمطار الخريفية والشتوية في زيادة نسبة الزيت في الثمار إضافة لتحسن نوعية الزيت الناتج؛ قبيل احتلال عفرين من قبل تركيا وميليشياتها، كان جني الزيتون يبدأ في أوائل شهر تشرين الثاني وتستمر حتى كانون الثاني بالنسبة للملاكين الكبار، لكن اليوم يؤثر الجني المبكرّ على نوعية الزيت وكميته وبالتالي ضعف الموسم والمردود الاقتصادي، مما يسبب خسائر غير مباشرة للمزارعين.
“أن نخرج من هذا الموسم بدون خسائر هي نعمة كبيرة”، بهذه الكلمات يتابع جمعة حديثه عن زيادة تكاليف الإنتاج هذا العام بنسبة 30% عن العام الماضي، والتي تمثلت بغلاء الفلاحة والمبيدات، إضافة للضرائب والاتاوات المفروضة على الأهالي من قبل الميليشيات.
تتعدد صور معاناة أهالي عفرين، لكنّ الجميع يستمر في البقاء على أرضه، بهدف ممارسة حياتهم والمحافظة على ممتلكاتهم وهوية منطقتهم الكردية، رغم أنّ الفائدة الاقتصادية من ممتلكاتهم ومصادر رزقهم انخفضت للنصف وأكثر، نتيجة الإتاوات والسرقات ومصادرة الممتلكات، ناهيك عن الاعتقالات ودفع الفدى بين الفينة والأخرى للبعض منهم.
تقديرات الإنتاج
بحسب تقديرات مهندسين زراعيين يبلغ متوسط إنتاج الشجرة لهذا العام 50 كغ من الثمار، إلا أن نسبة الزيت يعتمد على موعد جني المحصول وآلية العصر، ولم تبدأ المعاصر بعد باستقبال المحصول.
يؤكد معصوم “اسم مستعار لصاحب معصرة”، أنهم بدأوا بصيانة معصرتهم لاستقبال الموسم، وقبل البدء فرضت الميليشيات عليهم 5000 دولار أمريكي كضريبة، وهم مجبرين لرفع بدل العصر على المزارعين لتأمين هذا المبلغ أولاً وأجور العمال وتكاليف العصر ثانياً، ويتابع “مزارعي عفرين يتحملون أعباء كبيرة، الملاكين الكبار لم يعد بإمكانهم الاستفادة بشكل جيد من ممتلكاتهم، فكيف سيكون حال الفقراء منا، أتوقع أن يخرج العديد من المزارعين بدون فائدة تذكر من هذا الموسم مع زيادة الضرائب والإتاوات وانتشار السرقات منذ أسابيع وقبل بدء الموسم”.
الزيتون سرّ البقاء
يستغرب معصوم من قدرة بعض المزارعين على العناية بأشجارهم رغم تدني المردود، ويتابع “ارتباط أبناء عفرين بزيتونهم وأشجارهم هو سر البقاء على قيد الحياة والاستمرار في الاعتناء بهذه الأشجار، لكن اختلف الحال عما قبل مع انخفاض المردود الاقتصادي، هنا أشير إلى ما قبل 2018 حيث كانت الأسواق مفتوحة والسرقات شبه معدومة وتكاليف الإنتاج أرخص”.
يبقى في نهاية المطاف حال العفريني في ظل الاحتلال هو الأقسى، ليس من الناحية المادية فقط، بل فقدان الأمان والخوف من الاعتقال والاختطاف ودفع الفدى أيضاً، ويبقى انهاء الاحتلال الأمل الوحيد للكرد في عفرين.