عفرين بوست- خاص
منطقة عفرين الغنية بمواردها الطبيعية والتي كانت تعد سلة الغذاء الأساسية في الشمال السوري لوقت ليس بالقصير، باتت اليوم منطقة شبه منكوبة وخسائر المزارعين تتزايد يوماً بعد يوم لأسباب عدة وغالبيتها تتعلق بسوء إدارة المناطق المحتلّة من قبل تركيا.
مع بداية الربيع يعكف المزارعون لتحضيرات الموسم الصيفي الذي تتميز بتنوع أصناف الخضار وبعض أنواع الفاكهة الموسمية، إلا أن الموسم الذي كان يستبشر فيها المزارعين خيراً، بات اليوم بعد أربعة أشهر من الجهد والمصروف بلاء عليهم، خسائر القطاع الزراعي (الخضار وبالتحديد الجبس) تعدت النصف واضطر بعض المزارعين ترك محصولهم في الأرضي دون جنيها.
خسائر وصلت لـ150%
يقول “علي أسود” من أهالي قرية ترندة أنه خسر في كل دنم من الجبس ما مقداره /200/ دولار أمريكي، نتيجة تدني أسعار البيع مع انحسار الأسواق وتوافد البضائع التركية على المنطقة.
إذ بلغت تكلفة الدونم الواحد من زراعة الجبس في منطقة عفرين بشكلٍ وسطي /400/ دولار أمريكي، ورغم ان مردودية الأرض مقارنة بالمساحة جيدة إلا أن الأسعار الحالية لهذه السلعة لا تغطي تكاليف الإنتاج وهو ما سبب الخسائر للمزارعين.
وتعتبر تكاليف الإنتاج الزراعي مرتفعة في عفرين مقارنة بباقي المناطق المحتلة، ويعود ذلك بحسب المهندس الزراعي (أبو أحمد) اسم مستعار إلى ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج من أسمدة وبذور ومبيدات زراعية، وتباع هذه المواد بالدولار الأمريكي ويضاف عليها ضرائب عدة من الجهات الحاكمة في المنطقة المحتلة، ناهيك عن الضرائب والاتاوات التي تفرض على المزارعين من قبل الميليشيات الحاكمة في المنطقة وهذا الأمر يزيد من معاناة المزارعين.
تكاليف عالية وسوء رقابة
ومن الناحية التقنية يرجع المهندس أبو أحمد إلى أنه رغم غلاء مستلزمات الزراعة، تعتبر جودة هذه المستلزمات من بذور ومبيدات متوسطة، نتيجة عدم وجود رقابة على إدخالها وفحصها، وهو ما يزيد من احتمالات الغش والتلاعب في نوعية الأسمدة وفاعليتها وبالتالي يؤثر على الإنتاج بشكلٍ كبير.
ويعاني مزارعي عفرين عامة من قلة المياه المخصصة للري، إذ تعمّدت سلطات الاحتلال التركي والجهات المرتبطة بها في تقنين المياه المخصصة للزراعة والتي توزع عبر مشاريع الري في سد ميدانكي، إذ يحرم الاحتلال بشكلٍ مباشر أو غير مباشر قرى معينة من مياه الري تحت حجج عدة، وهنا يضطر الأهالي للاعتماد على الآبار الارتوازية التي بدورها تحتاج للمحروقات وهو سبب إضافي لزيادة التكاليف وخسارة المزارع.
التضيق متعمد
يقول حسن محمد مزارع من ريف جنديرس أن الزراعة اليوم باتت محفوفة بالمخاطر ولا يمكن التنبؤ بالجدوى الاقتصادية منها إلا “أننا مضطرين لزراعة أرضنا وتحمل الأعباء وإلا سنفقد كل شيء وحتى الأرض سيأخذونها مننا بحجج عدة” في إشارة غير مباشرة للميليشيات المسيطرة على المنطقة هناك.
ويعدد حسن أسباب أخرى لخسائر المزارع، وهو عدم وجود أي دعم يذكر من قبل سلطات الاحتلال للفلاحين والمزارعين، بل يعتبرون الأراضي الزراعية مصدر تمويل لهم، إضافة لاعتماد الاحتلال على تخصيص بعض المنتجات التي تدر الربح على الدولة التركية كالقمح وزيت الزيتون والتبغ، لتجعلها سلع تتجار بها في السوق الدولية، في حين تغرق السوق المحلية بمحاصيل الخضر والفاكهة لتدفع المزارعين للعدول عن زراعتها مستقبلاً.
إغراق الأسواق بالمنتجات التركية
يتطابق حديث حسن هذا مع أحوال سوق الهال، إذ تغزو المنتجات التركية من الخضار وبعض أصناف الفاكهة سوق عفرين، وتمنع سلطات الاحتلال تصدير المنتجات المحلية إلى غرب سوريا أو مناطق سيطرة النظام لكي لا تنافس البضائع التركية التي توجه إلى هناك أيضاً.
ويشير رسول محمد أحد تجار الكمسيون في سوق الهال بعفرين، أن مواد عدة من الخضار كالجبس والخيار والبندورة وبعض الأصناف الأخرى تدخل عفرين بكميات كبيرة من تركيا، أسعار هذه المواد التركية تكون رخيصة وهو ما يؤثر على سعر المنتج المحلي، ونحن كتجار نبحث عن الربح وتجارة الكمسيون أساسها الربح والكمسيون، لكن لا نستطيع التحكم بالحدود والمسؤولين عن التجارة هم أشخاص مرتبطين بالميليشيات.
توجيه الزراعة
وبهذا الشكل لا يمكن لتجار سوق الهال الصغار التحكم بالسعر الذي يخض للعرض والطلب وهو ما يساهم في حدوق فروقات كبيرة بين تكاليف الإنتاج وأسعار البيع مع تضاؤل أسواق التصريف.
بربط الأسباب السابقة معاً يتضح أن السياسية الاقتصادية المتبعة في عفرين فيما يخص الدورة الزراعية تهدف إلى احتكار التجارة والإنتاج وتوجيه المزارعين نحو محاصيل معينة تعود بالنفع على الدولة التركية كالقمح والزيتون وهو ما يعتبر سرقة موصوفة لخيرات سوريا، إضافة لسرقة المياه وتغذية السدود في الجانب التركي عبر مياه نهر عفرين وحرمان أهالي المنطقة منها.