سبتمبر 19. 2024

أخبار

تقرير حقوقيّ ــ في عفرين أزيلت أبرز معالم كردية المنطقة وهوية سكانها الأصليين واستُبدلت بأخرى تركية

عفرين بوست ــ متابعة

أصدرت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة الخميس 29/8/2024، تقريراً بعنوان “شمال سوريا: استبدال معالم كردية بارزة في عفرين وتتريك في الباب“.

وأشار التقرير إلى أنّ الجانب التركيّ بدأ منذ سيطرة قواته عبر ميليشيات المُعارضة والمجالس المحليّة والأجسام السياسيّة الموالية له، بتغيير معالم تلك المناطق الخاضعة لسيطرته، وكان أشدّها وقعاً في منطقة عفرين التي تعرضت منذ سيطرة تركيا عليها في آذار/مارس 2018، إلى واحدة من أكبر عمليات التغيير الديمغرافيّ التي شهدتها الحرب في سوريا، عندما هُجّر الغالبية العظمى من سكانها الأصليين الكُرد، وإحلال مئات الآلاف النازحين القادمين من مناطق سورية داخلية كأرياف دمشق وحمص وغيرها عوضاً عنهم، لكن دون أن يعني ذلك مُحافظة باقي المناطق الخاضعة للسيطرة التركية على هويتها، إذ نال التتريك كثيراً من جوانب الحياة فيها أيضاً.

وشملت عمليات تغيير المعالم الرئيسية في عفرين، أغلب المرافق العامة، بما فيها من ساحات ودوارات ودوائر تُعتبر “حكومية”، واستبدلت أبرز معالم المدينة التي كانت تشير إلى كُرديتها، بأخرى إسلامية أو تركية، أو مُرتبطة بالعملية العسكرية التي نفذت ضد عفرين في كانون الثاني 2018، باسم “غصن الزيتون”.

بدأت تلك الخطوات منذ الأيام الأولى لسيطرة تركيا على المنطقة، باستهداف أبرز معالمها التي عُرفت بها بعد العام 2011، وهو دوار “كاوا الحداد”، واجهة المدينة المُستقبلة للقادمين إلى المنطقة من الطريق الرئيسي القادم من حلب فإعزاز فعفرين.

ورصد التقرير بإيجاز أربعة صور لمعالم وأوجه كُردية دمّرت أو تم تتريكها في عفرين، وهي (دوار كاوا ودوار نوروز وساحة السراي والمحال التجارية الكردية)، وأشار إلى أن أهالي المنطقة لم يبدوا أي رد فعل خلال عمليات تغيير المعالم الكردية البارزة في عفرين، رغم امتعاضهم، بيد أنهم كانوا ولا يزالون عاجزين عن البوح عما يجول في خاطرهم، في ظل عمليات الاعتقال المتواصل التي تطالهم، بزعم وجود صلات بينهم وبين حزب العمال الكردستاني، الذي يُعتبر حجّة لاعتقال المدنيين الكُرد، بحال وجود أيّ إشارة لعدم رضاهم عن الحال المزرية التي يعيشونها.

من دوار كاوا الحداد إلى غصن الزيتون

بدأ تغيير معالم عفرين، بعد أشهر قصيرة من السيطرة التركية عليها، وتمت عبر طرق مختلفة، هدفت إلى تغيير البنية الديموغرافية والثقافية للمنطقة، تضمنت تغيير أسماء الأماكن واستبدالها بأسماء تعكس الهوية التركية أو الإسلامية، بجانب تهجير السكان الأصليين واستبدالهم بنازحين من مناطق سورية أخرى، إضافة إلى تغيير البنية المجتمعية، عبر العمل على نشر التشدد الديني، والتي تؤدي بمجملها لمحو الهوية الكردية، وتحويلها إلى منطقة تطغى عليها المظاهر التركية والعربية أو الإسلامية على حساب هويتها الكردية.

وآخر المعالم التي تم ترسيخ استبدالها، كان في أيار/مايو الماضي، عبر نصب مُجسم لعدد من حبات الزيتون، كرمز لدوار غصن الزيتون، بدل تمثال كاوا الحداد، الذي قد دُمّر في 18/3/2018.

الخلاف مع كل الكرد وليس الحزب فقط

ونقل التقرير عن المحامي آلان سعيد (اسم مستعار) من سكان مدينة عفرين، قوله: “الكُرد مرتبطون بتلك الرموز التي تم تدميرها، وكانت المنطقة ُتعرف بها، قاموا بتدميرها ليس لأن لديهم خلافات مع الإدارة السابقة، بل كانت تلك حجة فقط للدخول بها إلى عفرين، وخلافهم هو مع الكُرد ككل، وهو ما يفسر الوحشية التي جاءوا بها ودمروا تمثال كاوا الحداد، رغم أنّه ليس ملكاً لحزب أو ممثلاً له، بل هو مرتبط بالشعب الكردي منذ القِدم، ويعرف به وبنوروز”.

وأشار ولات خلو (اسم مستعار) والذي يعيش في مدينة عفرين، إلى تغيير المعالم التي كانت رمزاً لعفرين، بما فيها دوار كاوا ودوار نوروز، فقال: ““بالنسبة للمعالم داخل المدينة، فقد دمّروا أجزاء من دوار نوروز، وأطلقوا عليه اسم دوار صلاح الدين، أما دوار السراي الحكومي، فقد أطلق عليه اسم أردوغان، وأجروا تعديلان على دوار كاوا واسموه دوار غصن الزيتون”.

من اللافت أن مجموعة مسلّحة مثل فصيل “جيش الشرقية” والمعروف بانتهاكاته الواسعة لحقوق الإنسان في المنطقة، أنشأ دواراً باسم السياسي الكرديّ الراحل “مشعل تمو” في محاولة “لتبييض” سجلها المرّوع لحقوق الإنسان.

واُستبدلت أسماء محال تجارية في مركز عفرين، والتي كان معظمها يحمل أسماءً كردية، بأسماء أخرى تحمل غالباً أسماء المناطق التي ينحدر منها المستوطنون الذين استولى عدد كبير منهم  على تلك المَحال، في ظل غياب أصحابها الأصليين وطرق شفافة لتحصيل وإعادة الحقوق، وحيالها ويوضح: “الشارع الرئيسي من المحمودية، نزولاً إلى شارع المحكمة، وبالتوجه إلى شارع جنديرس والشارع الأساسيّ المتوجه إلى السرايا القديم، وكل الشوارع تم تبديل أسمائها، خاصة الشوارع التي اُفتتحت فيها المحلات من قبلهم، وسُميت بأسماء لا تحمل أيّ طابع كرديّ، بل عربيّة، كالغوطاني والحمصي والحموي وغيرها من الأسماء”.

وقال ولات: “بالنسبة إلى المحلات التي افتتحها الغرباء القادمون إلى عفرين، فقد افتتحوا محال أهالي عفرين المُهجّرين، عقب الاستيلاء عليها، وجعلوها محلات للمواد الغذائيّة والألبسة والمطاعم، وكلها بأسماء أحياء دمشق، كالغوطة وجرمانة وغيرها، لدرجة أنّنا بتنا نشعر بأننا موجودون في دمشق”.

ويضيف ولات: “الهدف من تغيير معالم عفرين، هو التغيير الديمغرافيّ الكامل، والتغيير الثقافي للوصول إلى مرحلة يقال فيها بأن عفرين ليست منطقة كُرديّة، فعندما تتغير كلّ معالمها وتصبح معالمها بأسماء دمشق، وتصبح غالبية سكانها بنسبة 70% من الغرباء، لن نكون قادرين على القول بأنّ عفرين كرديّة، وبالتالي فالهدفُ هو محو الهوية الكُردية لعفرين”.

ولا يمكن لأهالي عفرين مقاومة تغيير معالم مدينتهم، ولا للتغيير الديمغرافي، وإلا تعرضوا للاعتقال لأهون سبب، لمجرد أن يُشك مسلح من الميليشيات الموالية لتركيا، وقال شيار عيسى: الكُرد كالأسرى، معرضون لسرقة بيوتهم أو خطفهم للحصول على فدى ماليّة، والتُهم جاهزة بشهادة شخص يدعى رامي طلاس، ترأس سابقاً جهاز الشرطة المدنيّة، وصدفته في أحد الأماكن بعفرين، وقال حينها إنّ لديهم أوامر باعتقال أيّ شخص كردي تعامل مع الإدارة الذاتيّة السابقة، وممارسة كل ما يطيب لهم به، من سجنٍ وتعذيب وتحصيل فدية، وحتى مَن لم يكن له أيّ علاقة معها، يمكن اعتقاله لأنّه كردي، بتلفيق تهمة له والاستيلاء على محله، أو سجنه أو حتى قتله تحت التعذيب”.

التتريك في منطقة الباب

ولا يتوقف الأمر على تغيير المعالم الكردية على عفرين، بل يتواصل تتريك في باقي المدن حتى تلك ذات الغالبية العربيّة، الخاضعة لسيطرة ميليشيات “الجيش الوطني” ففي مدينة الباب، تُستبدل أسماء رموز عربيّة (شخصيات) بأخرى تركية، وتُرفع الأعلام التركية فوق المؤسسات والدوائر العامة.

واُستبدل اسم عربيّ لمدرسة بآخر تركيّ، وتمّ تغيير اسم مدرسة “آمنة بنت وهب” في تموز/يوليو 2023 إلى “دوران كسكين” وقام شاب في المدينة، يدعى “خليل أبو شيخو” بإزالة اسم ضابط تركي، لكن ذلك لم يمر دون عواقب، فقد اُعتقل بعد شكوى تقدم بها المجلس المحلي في المدينة ضده.

وقال رامي شفيق وهو شاب ينحدر من مدينة الباب، ومطلع على حيثيات اعتقال خليل أبو شيخو: “فوجئنا بتغيير اسم المدرسة من قبل المجلس المحلي للمدينة بأمر من الوالي التركي، ولا يستطيع المجلس أن يتصرف دون إدارته، إذ تم تغيير اسم المدرسة من آمنة بنت وهب إلى اسم قتيل تركيّ على الأراضي السورية، يدعى “دوران كسكين”.

وذكر رامي بأنه في الوقت الذي اُستبدل فيه اسم المدرسة بمدينة الباب، كانت الكتابات العربية تُزال من على واجهات المحال التجاريّة السوريّة في تركيا، وأضاف: “بدأ التحقيق مع خليل أبو شيخو، مباشرةً فيما كان الوالي التركيّ على الخط مع المحققين، وسُئل عن الجهة التي تلقى منها الدعم ليقوم بذلك التصرف، وإن كان قد مزق الاسم رداً على إزالة اللافتات العربيّة في تركيا، ونفى خليل، معتبراً أنّ الأرض سورية وليست تركيّة، لافتاً إلى أنّ السبب لكونهم أزالوا اسم والدة الرسول (ص) عن المدرسة”. وأصدرت “نقابة المعلمين السوريين الأحرار“، بياناً عقب تغيير اسم المدرسة في الباب، أدانت فيه إعادة تسمية المدارس، وأُفرج عن الناشط “خليل أبو شيخو”، نتيجة الرفض الشعبي الواسع لاعتقاله، فقد أثار قيام المجالس المحليّة بتغيير بعض أسماء المدارس، جدلاً واسعاً، عبر تبديل أسماء عربيّة ذات دلالة تاريخية ودينية ومحليّة إلى أخرى تركية بينها أسماء قتلى الجيش التركيّ.

رأي وتحليل قانوني

وخلص القرير إلى أنّ السياسات التمييزيّة التي تتبعها سلطات الأمر الواقع التابعة للسلطات التركيا، لا تختلف سياسات حزب البعث في سوريا طيلة العقود الماضية، وإذا كانت الحكومة السوريّة قد اتبعت سياسة التعريب كجزء من ممارساتها الاقصائية ضد المكونات الأخرى وبخاصة الكرد، فإنّ سلطات الاحتلال التركيّ تتبع سياستي التتريك والتعريب معاً.

ووصف التقرير السياسات التمييزية التي تطبق بأنّها تعدٍّ على التنوع الثقافيّ والعرقيّ واللغويّ والدينيّ الذي تتميّز به سوريا، وتتعارض مع مبدأ المساواة بين جميع المواطنين السوريين الذي تم التأكيد عليه في الدساتير السوريّة المتعاقبة.

تهدف السياسات الاقصائيّة التي تمارسها الحكومة التركيّة على الأراضي السورية عبر الميليشيات العسكرية والمجالس المحلية التابعة للحكومة السورية المؤقتة إلى طمس الهوية الكرديّة للمناطق التي تتم فيها هذه الممارسات، بما يتعارض مع العهد الدوليّ الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 والمادة الأولى من إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية أو إلى أقليات دينية ولغوية لعام 1992.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons