نوفمبر 15. 2024

أخبار

ما وراء أحداث العنف التي شهدتها عفرين والمناطق المحتلة بشمالي سوريا… حراك من حالة يأس

عفرين بوست ــ خاص

يمكن تسمية ما شهدته عفرين وباقي المناطق التي تحتلها تركيا، يوم أمس الإثنين 1 تموز/يوليو، بأنّها أعمال احتجاجية عنيفة، ولا ترتقي بأي شكل لأن تكون تمرداً أو ثورةً مضادة كما أراد كثيرون الترويج لها. وإن تزامن مع هجوم أتراك على لاجئين سوريين في عدة مدن تركية، فإنّ المسألة في جوهرها تتعلق بالسؤال حول المصير، إذا وصل مسار التصالح بين أنقرة ودمشق إلى خواتيمه.

توقيت الأحداث

تمّ ربط التظاهرات وأعمال العنف مباشرة بهجوم أتراك على منازل ومحلات وسيارات لاجئين سوريين في مدينة قيصرى والإضرار بها بشكلٍ كبير، وهذا صحيح نسبياً. ولكن حوادث عديدة وقعت ضد اللاجئين السوريين في تركيا، الذين يعانون منذ سنوات سوء المعاملة وخطاب الكراهية، وانتهت العديد منها إلى جرائم قتل دون مبرر؛ علاوةً على أنّ ملف اللاجئين السوريين هو أحد ملفات التجاذب السياسيّ بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وأحزاب المعارضة.

الصحيح أنّ أعمال العنف جاءت بُعيد تصريحات متتالية لمسؤولين أتراك، حول مواصلة التصالح مع دمشق، وإعلان عقد اجتماع قادم بين مسؤولي البلدين في بغداد، بعد المبادرة التي أطلقها رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السودانيّ.

على الأرض تم فتح معبر أبو الزندين بمدينة الباب الذي يفصل بين مناطق سيطرة النظام والاحتلال التركيّ، وهناك مؤشرات لتجهيز طريق معبر باب السلامة أعزاز أيضاً؛ هذه الإجراءات تعد الشكل الاقتصاديّ في المسار التصالحيّ، وتمّ استيعاب احتجاجات على فتح معبر أبو الزندين، سوى اعتقال عدد من مسلحي ميليشيا “أحرار الشرقيّة” المشاركون الأساسيون فيها وقيام بعضهم بتكسير أثاث غرف المعبر.

ما قاله وزير الخارجية التركيّ هاكان فيدان خلال لقاء مع قناة خبر ترك الإثنين 24/6/2024. كان بغاية الوضوح، فقد ذكر أنّ وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة كان أهم شيء حققته تركيا وروسيا في الشأن السوريّ. ودعا حكومة دمشق إلى أن تستغل هذه السنوات كفرصة لحلّ مشكلاته الدستورية، وتحقيق السّلام مع معارضيه، وإعادة الملايين من اللاجئين السوريين الذين فرّوا إلى الخارج أو غادروا أو هاجروا من جديد إلى بلدهم، ليعيدوا بناء بلادهم وينعشوا اقتصادها. وكذلك دمج فصائل المعارضة ضمن الجيش السوريّ بحسب تعبيره.

تقوم مرتكزات المسار التصالحيّ بالنسبة لأنقرة على إنهاء قضية اللاجئين السوريين على الأراضي التركيّة والبعد الاقتصاديّ وإنهاء وجود الفصائل المسلّحة، ومحاربة الإدارة الذاتيّة وقوات سوريا الديمقراطية.

انطلاق المسار التصالحيّ عزز حالة اليأس لدى المعارضة المرتبطة بتركيا وحواضنها أيضاً، ووفق هذا المعطى ارتفع منسوب الخوف على المصير لدى المعارضة ومعظم الميليشيات المسلحة الذين أحرقوا قبل سنوات سفنَ العودة ولم يبق لديهم ما يخسرونه، وهؤلاء الذين تم ترحليهم من مختلف مناطق سوريا في إطار التنسيق الروسيّ ــ التركيّ، لا يطالبون بالعودة إلى مناطقهم، بل بتحسين شروط العيش في جغرافيا الترحيل، وبذلك ارتفعت الأصوات وتدحرجت تلقائياً إلى أعمال عنف. وتأكيداً على ذلك لم تتضمن المطالب التي رُفعت خلال تشييع قتلى الأحداث أيّ بندٍ يتعلق باللاجئين السوريين في تركيا، بل كانت مطالب تتعلق بفتح المعابر ومسار التصالح والتأكيد على التعويل على الدور التركيّ.

الأحداث أكدت فرز الميليشيات

باستعراض عام لأسماء قتلى أحداث العنف، يتبين أن معظمهم ينحدرون من ريف دمشق، وأنّ المسلّحين والحواضن المجتمعيّة التي شاركت في الاحتجاجات هم بقايا الميليشيات التي طردت من عفرين، والتي خاضت اشتباكات مسلّحة سابقاً على خلفية تحجيم دورها وانتزاع مناطق نفوذها، مثل ميليشيات الفيلق الثالث (الجبهة الشامية وجيش الإسلام)، ومؤخراً ميليشيا “أحرار الشرقيّة”.

بالمقابل أصدرت ميليشيا “القوة المشتركة”- تحالف “فرقة الحمزات، وفرقة السلطان سليمان شاه- العمشات” بيانات أكدت فيها عدم مشاركتها في الاحتجاجات، وكذلك فعلت ميليشيا “فرقة السلطان مراد” و”المعتصم بالله”.

بنيوياً لا اختلاف بين الميليشيات العسكريّة والأمنيّة، ولكن ميليشيات “الشرطة العسكريّة” و”الشرطة المدنية” التي تمّ تأسيسها من قبل الاحتلال التركي وتحت إشراف استخباراته، واجهت المحتجين، وإنّ كان ما جرى في مدينة قيصرى هو السبب، فإنّ عناصر الميليشيات الأمنيّة معنيون بها أيضاً، ويفترض أنّ يدخلوا على خط الاحتجاج وحماية المحتجين، والحد الأدنى هو التزام موقف الحياد. وبذلك أكّدت الأحداث ما هو مؤكد، فيما يتصل بحالة الفرز في درجات ولاء الميليشيات لسلطات الاحتلال التركيّ، وحجم التناقض والتصارع فيما بينها.

أحداث سابقة وتضييق على السوريين

استغل أردوغان الأحداث ليوجه الاتهام إلى المعارضة التركيّة، ففي كلمة مباشرة له في مؤتمر لحزبه الحاكم العدالة والتنمية، اعتبر أنَّ “أحد أسباب الأحداث المحزنة، التي تسببت بها مجموعة صغيرة في مدينة قيصرى، هو الخطاب المسموم للمعارضة التركية”.

لكن أردوغان أراد التهرب من المسؤولية وتوظيف الأحداث سياسيّاً لصالحه، بأنّ المعارضة وراء الفوضى، ولكن من جهة أخرى تقوم قوات حرس الحدود (الجندرمة) بإطلاق النار مباشرة على السوريين عابري الحدود وعلى أصحاب الأراضي الزراعيّة القريبة، وبفرض أن المعارضة تقف وراء أعمال العنف في شوارع المدن، فإنّ حرس الحدود مؤسسة عسكريّة تأتمر بتعليمات الحكومة التركيّة وليس المعارضة.

تقوم السلطات التركية في العديد من المدن باعتقال سوريين دون مبرر، وتسوقهم إلى مراكز الترحيل القسري وتجبرهم على توقيع وثائق باسم “العودة الطوعية” وتدفع بهم إلى الأراضي السوريّة، لتقوم الميليشيات المسلحة باعتقال معظم المرحلين قسراً وابتزازهم ماليّاً. وبذلك فالميليشيات شريكة مباشرةً في التضييقِ على اللاجئين السوريين.

في 17/8/2023 بقصة مشابهة لما جرى في مدينة قيصري، اعتدى مواطنون أتراك على محال اللاجئين السوريين في منطقة بوزوفا- ولاية شانلي أورفا، بعد انتشار أنباء عن تحرش لاجئ سوري بطفل.

وفي 12/8/2021، بمنطقة ألتنداغ في قلب أنقرة استهدفت مجموعات من الأتراك متاجر ومنازل يشغلها سوريون، عقب حادث طعن تركيين مات أحدهما.

وفي 28/9/2018 شهدت مدينة أورفا التركية حالة غليان غير مسبوقة، ناتجة عن توتر كبير بين الأتراك واللاجئين السوريين، وهاجم أتراك محال تجاريّة للسوريين وقاموا بالتكسير والعبث بها. وذلك على خلفية شجار بين أطفال من عائلتين إحداهما سورية والأخرى تركية.

مسعى تركيّ لاحتواء الأحداث

أمس، أوعزت سلطات الاحتلال التركيّ إلى شركات تخديم الإنترنت بوقف الشبكة فوراً في المناطق الخاضعة لها داخل الشمال السوري، لتبقى رواية الإعلام التركيّ هي المصدر الوحيد للمعلومات، وأرسلت تعزيزات عسكرية وأمنية وآليات عسكريّة، ودخلت الدبابات العديد من المدن.

أعلن وزير العدل التركي يلماز تونج، اليوم الثلاثاء، فتح تحقيق على خلفيّة “إهانة” علم بلاده في مناطق بريف حلب الشمالي على الحدود بين سوريا وتركيا.

وقال وزير الدفاع التركي عبر حسابه على منصة “إكس”، إنّه سيتم فتح تحقيق بشأن حادثة الاعتداء على العلم التركيّ التي ظهرت في مقاطع مصورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعيّ.

بالمجمل ليس من المتوقع أنّ تتطور الأحداث إلى حالة تمرد، حيث عاد الهدوء النسبي اليوم إلى كافة المناطق المحتلّة، في ظلّ الارتهان الكامل لقسم كبير من المعارضة السورية بشقيها العسكريّ والسياسي للجانب التركي وربط مصيرها بمصالح تركيا، وهي لا تطالب بإنهاء الاحتلال بل بتحسين شروط الاحتلال، والقضية لا تنحصر في وضع اللاجئين السوريين على الأراضي التركيّة.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons