عفرين بوست ــ متابعة
نشر موقع 963+ (سوريا وأحوالها)، يوم 18 مارس الجاري، تقريراً بعنوان “بعد 6 سنوات من الغزو التركي.. الانتهاكات تتواصل في عفرين”.
وجاء في التقرير “أطفأ القاصر أحمد مده شمعته مبكرًا وإلى الأبد قبل يومين فقط من موعد عيد ميلاده السادس عشر، بينما تولت والدته وسكان منطقته الاحتفال الجماعي بهذه المناسبة على طريقتهم الخاصة، إذ قاموا بتشييع جثمانه في بلدة جنديرس السورية الواقعة بريف مدينة عفرين شمال غربي البلاد. ووداعه ممددًا فوق وسادة كردية مزركشة بألوانٍ كثيفة بينها اللون القرمزي ربّما في دلالة لدمه المهدور”.
وذكر التقرير أن مقتل الفتى أحمد (16 سنة) طعنًا بالسكين، على يد المدعو يامن إبراهيم المنحدر من ريف إدلب أثار سخطًا شعبيًا تزامن مع احتجاجات من السكان الكرد في منطقة عفرين، التي سيطرت عليها تركيا في منتصف آذار/مارس 2018 رفقة فصائل “الجيش الوطني” المدعوم منها بعد معاركٍ طاحنة مع المقاتلين الكرد السوريين، على مدى 58 يومًا.
ونقل الموقع عن مصادره أنّ “مجموعة مجهولين ملثمين أقدموا على محاولة قتل فتى كردي يدعى رودي محمد جقل (16 عامًا)، بعد الهجوم عليه بالسكاكين” في مركز مدينة عفرين. وأضافت المصادر أنه “لولا تدخل الجيران لقُتِل هذا الفتى أيضًا، قبل أن يتم نقله إلى المشفى لتلقي العلاج”، موضحين أن “الفتى طريح الفراش في المنزل”.
ليلة “الدماء” بدل “النار”
وتزامنت الحادثتان مع اقتراب عيد “النوروز” (العيد القومي الكردي)، وأعادتا للأذهان، حادثة مقتل شبانٍ أكراد برصاص مسلحين في بلدة جنديرس. ففي 20 آذار/ مارس 2023، تحولت “ليلة النار” التي اعتاد الكرد الاحتفال بها وتسبق عيد “نوروز” إلى ليلة غارقة بدماء أربعة شبان من عائلة بيشمرك قتلوا على يد عناصر من “جيش الشرقية” التابع لـ “الجيش الوطني السوري” لإشعالهم النار احتفالًا برأس السنة الكردية.
إثر هذه الحادثة وغيرها من الانتهاكات المتكررة، حمّل نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش” آدم كوغل أواخر الشهر الماضي “تركيا مسؤولية الانتهاكات المرتكبة على يد الفصائل المدعومة منها، لأنها سمحت لهؤلاء المقاتلين بالاعتداء على الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرتها دون عقاب، وهذا يعرضها للتواطؤ في هذه الانتهاكات”.
وقال رئيس مجلس إدارة المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سوريا محمود مرعي: إن “توقيت القيام بهذه الانتهاكات التي تتزامن مع حلول الذكرى السنوية لدخول تركيا إلى عفرين والتي تتزامن أيضًا مع السنوية الأولى لحادثة عيد النوروز العام الماضي، يؤكد المساعي التركية للتوسع على حساب السوريين، وما هو إلا تصعيد لحالة الصراع التركي – الكردي”.
وتتكرر مثل هذه الجرائم في مدينة عفرين منذ سيطرة تركيا وفصائل “الجيش الوطني” عليها في 18 مارس من عام 2018، وهو ما أدى لتهجير أكثر من 300 ألف من سكان المنطقة الأصليين، وفق بيانات الأمم المتحدة.
ويرى مرعي أن “ما تقوم به تركيا من تهجير لأهالي عفرين واستبدالهم بسكان جدد وقطع الأشجار والاعتداء على حياة المدنيين، هي جرائم ضد الإنسانية”، مشددًا على أن “هناك مخطط تركي للسيطرة الدائمة على المنطقة بعمق 30 كم على طول الحدود السورية – التركية”.
إدانات من منظمات دولية وأممية
أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا بتاريخ 29 شباط/ فبراير 2024، حمَّلت فيه تركيا “مسؤولية انتهاكات جسيمة في المناطق الخاضعة لسيطرتها سواء مباشرة أو عبر فصائل مسلحة مرتبطة بها في شمال سوريا”. كما وصفت تواجدها العسكري هناك بـ “الاحتلال”.
وشدد التقرير على أن “المسؤولين الأتراك ليسوا مجرد متفرجين على الانتهاكات، بل يتحملون المسؤولية” على اعتبارهم السلطة المسيطرة، “وفي بعض الحالات كانوا متورطين مباشرة في جرائم حرب مفترضة في ما تسميه تركيا منطقة آمنة”، بحسب تعبير المنظمة.
اعتداء جنسي وقتل ممنهج
تطرق التقرير الصادر عن المنظمة إلى وجود نساء كرديات محتجزات تعرضن للعنف الجنسيّ، بما فيه الاغتصاب، إلى جانب احتجاز أطفال لا تتجاوز أعمارهم ستة أشهر مع أمهاتهم.
ويتكرر مشهد إراقة دماء المدنيين في عفرين يوميًا وسط تقاعس منظمات حقوق الإنسان، فيما يواجه السكان مصير الاعتقال والاختفاء والخطف وجرائم القتل دون محاسبة مرتكبيها والتنكيل والتهجير القسريّ ضمن استهداف ممنهج.
وفي سياق الانتهاكات المتواصلة، وثقت “لجنة التحقيق المستقلة بشأن سوريا” الجرائم المرتكبة منذ بداية سيطرة تركيا وفصائل المعارضة الموالية لها على عفرين، ولغاية تاريخ اليوم، “خطف أكثر من (9065) شخص بينهم أكثر من (1000) امرأة، مقتل أكثر من (783) شخص بينهم (95) قضوا تحت التعذيب، (10) حالات انتحار لنساء و(74) حالة اعتداء جنسي”.
اقتلاع الجذور التاريخية
لم تقتصر الانتهاكات على السكان المدنيين فحسب، بل طالت الذاكرة الأثريّة الجماعيّة التي يصل عمرها لآلاف السنين بقيام تركيا والفصائل الموالية لها، بمحو المعالم الأثريّة لمنطقة عفرين والسطو على اللقى الأثريّة، وبحسب لجنة التحقيق المستقلة، دمرت أكثر من (75) تلًا أثريًّا وأكثر من (59) موقعًا، وعملت على طمس التاريخ الدينيّ للمنطقة وتجريف قرابة (28) مزارًا دينيًّا وتحويله إلى سوق للماشية، لاسيما بعدما تم إدراج مزار النبي “هوري” الذي يعتبر أشهر مزارات شمالي سوريا على لوائح “اليونسكو” للتراث العالميّ.
لاقت الثروة الشجريّة مصير الإبادة ذاته في إطار إلحاق الضرر بالموارد الطبيعيّة والاستيلاء على مصادر رزق المزارعين، خاصة أنّ الإنتاج السنوي من زيت الزيتون يصل نحو 270 ألف طن يعتاش منه غالبية السكان، وقامت الفصائل التابعة لتركيا بقطع أكثر من (400) ألف شجرة مثمرة وحراجية وحرق أكثر من (15) ألف شجرة مثمرة وتفكيك حوالي (108) مصنع زيت زيتون ونقله إلى تركيا، وإضرام النيران بأكثر من ثلث المساحة المخصصة للزراعة.
تحول ديمغرافي
في بداية عام 2018 بلغت نسبة الكرد في عفرين 96%، وانخفضت إلى 30% مع دخول القوات التركية والفصائل التابعة لها، جرّاء ممارسة تركيا سياسة التغيير الديمغرافي بالتركيبة السكانيّة لمنطقة عفرين عبر بناء المزيد من المستوطنات للمستقدمين من مناطق سوريّة مختلفة وتقليص نسبة الكرد والسكان الأصليين بالمدينة ليحل محلهم سكان عرب وتركمان، وفق إحصائية لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” تشير لبناء أكثر من (30) مستوطنة ومخيم في مناطق عفرين وذلك بنسبة تصل إلى 75%..
في مارس 2023، تم بناء مستوطنة جديدة في قرية “كفروم” أطلق عليها اسم “أهل الخير” من قبل المنظمة الدوليّة للتنمية الاجتماعيّة والدعم الإنساني، ومقرها الرئيسي في تركيا على أن تضم سكانًا من المكونين العربي والتركماني بحجة إيواء المتضررين من زلزال 6 شباط/ فبراير 2023.
غيرت تركيا اسم ساحة “آزادي” (الحرية باللغة الكردية)، المركزية في عفرين إلى ساحة “أتاتورك”. وتم تحويل 120 مدرسة كرديّة إلى منشآتٍ عسكرية في إطار استئصال اللغة الكرديّة.
الإيزيديون والعلويون
على غرار ما حصل في مجزرة “شنكال” في سهول نينوى بحق الطائفة الإيزيدية، يتكرر المشهد ذاته منذ ستة سنوات في عفرين. إذ ارتكبت الفصائل المسلحة الموالية لتركيا انتهاكات عديدة بحق الإيزيديين الذين وصل عددهم إلى 15 في المئة نتيجة التهجير القسري والاستهزاء بديانتهم وإجبارهم على اعتناق الإسلام وإرغام النساء على ارتداء الحجاب وهدم المراقد الدينية الخاصة بهم والتي وصل عددها إلى 19 مزار إيزيدي متوزع على مختلف قرى ونواحي عفرين، ونهب أكبر مزار إيزيدي في سوريا الواقع على قمة جبل الشيخ بركات، والمشرف على بلدة دارة عزة، إذ جعلت منه تركيا مركزًا للمراقبة بعد أن أزالت عنه المعالم الإيزيدية وصبغته بصبغة إسلامية بحتة.
وينضم الكرد العلويون في بلدة معبطلي إلى لائحة المستهدفين على الخارطة العرقيّة، وبلغ عددهم 14 ألفًا في 2010، وتراجع بعد الهجوم التركي والفصائل المسلحة المدعومة من أنقرة، إلى 8 آلاف شخص.