ديسمبر 23. 2024

عام على الزلزال المدمر.. فيما بقيت آثاره الكارثيّة بسبب إجراءات التسييس والتمييز والإهمال المتعّمد

Photo Credit To تنزيل

عفرين بوست – خاص

استذكر السوريون الذكرى المؤلمة الأولى للزلزال المدمر الذي ضرب عدة مناطق سوريّة في السادس من فبراير 2023، شريط الذاكرة منذ ذاك اليوم وإلى اليوم مر في برهة أمام ناظر كل منْ عايش الحدث المؤلم لدرجة وصف البعض الزلزال بالومضة التي هزّت كيان الإنسان وكلّ مكنوناته ولم يقتصر أثره على الأرض الصلبة فقط. لكن إجراءات التمييز في عمليات الإنقاذ وتوزيع المساعدات خضعت للسياسة ما زاد حجم المأساة. 

أضرارٌ جسيمة بالأرواح والممتلكات

تسبب الزلزال بفقدان 8.476 شخص لحياتهم في سوريا بينهم 1414 شخص في مناطق سيطرة حكومة دمشق، وإصابة 12 ألف شخص.

كانت مدينة جنديرس الأكثر تضرراً بالزلزال، وقالت عفرين بوست في 19/2/2023، إنّها وثقتها عبر مصادرها الخاصة حصيلة ضحايا الزلزال المدمر، الذي ضرب سوريا وتركيا بلغت 1378 قتيل في مدينة جنديرس المنكوبة، أغلبهم من عوائل المستوطنين. ووفق إحصائية خاصة بلغ عدد وفيات أبناء المنطقة حوالي /200/ (/1/ في ميدان أكبس، طفلين في شيه/شيخ الحديد، /8/ في مدينة عفرين القديمة، /7/ في قرية حمام، والبقية من أهالي جنديرس)؛ عدا الذين لازالوا تحت الأنقاض أو أوضاعهم الصحية خطرة. وكذلك عشرات الضحايا من أبناء المنطقة توفوا في مدن وبلدات تركية.

في أيار/ مايو 2023، أعلنت الأمم المتحدة أنّ التقديرات الأولية  للتعافي بعد الزلزال في سوريا، قد قُدّرت بحوالي 9 مليارات دولار من الأضرار والخسائر، و14.8 مليار دولار من احتياجات الانتعاش على مدى الثلاث سنوات القادمة.

مازالت آثار الزلزال السلبيّة مستمرة حتى اليوم، والتي تعدت الخسائر الماديّة والأرواح، لتترك مآسي اجتماعيّة جمة في كل بيت، بسبب عوامل متعددة أهمها تقاعس الجهات المسؤولة وسلطات الاحتلال التركيّ عن تقديم الدعم الماديّ والنفسيّ للمتضررين، وتركهم لمواجهة مصاعب الحياة دون سند أو مساعدة.

بمرور عام تقريباً على الزلزال وفي 25/1/2024، قام وفد أمميّ ترأسه نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانيّة “دافيد كاردن بزيارة تقييم إلى مدينة جنديرس التي كانت أكثر المواقع تضرراً بالزلزال في إقليم عفرين،” وقال ديفيد كاردن: “تعد منطقة جنديرس واحدة من أكثر المناطق المتضررة، وفقد أكثر من ألف شخص حياتهم، وكما ترون فإنّ المباني التي دمرها الزلزال بقيت كما هي”.

رغم مآسي الزلزال تهديد بالقتل أيضاً

خسر المواطن (خ، م) كلّ شيء نتيجة الزلزال ورغم معاناته الإنسانيّة بسبب الزلزال، إلا أنّ مسلحي ميليشيا “جيش الشرقية” لم يقدروا حاله واستمروا بإشغال منزل والده المستولى عليه قبل سنوات، يُترك مع عائلته في العراء يواجه مصيراً مؤلماً مثل أغلب أهالي إقليم عفرين الكرد الأصليين،

يقول المواطن الأربعينيّ في حديث خاص لـ “عفرين بوست”، إنّ ميليشيا “جيش الشرقية” استولت على منزل والده الكائن على طريق يلانقوز- جنديرس، وهي منطقة تصل بين قرية كفرصفرة ومدينة جنديرس المحتلة، وفشلت محاولاته المتعددة لاسترجاع منزل والده عبر الشكاوى، ما اضطره لاستئجار منزلٍ في بناء سكنيّ في مدينة جنديرس.

يستذكر (خ، م) الذي يعاني من مرض السكريّ منذ طفولته يوم الزلزال المشؤوم، الذي فقد فيه عدداً من أفراد عائلته، وتنقلب حياته رأساً على عقب، ويتابع “تهدم البناء بشكل كامل، دفنا جميعنا أحياء تحت الأنقاض، عائلتي المكونة من خمسة أفراد ووالدي وعائلة أخي، جميعنا قضينا وقتاً مؤلماً تحت الأنقاض فجر ذلك اليوم الذي لا يمكن نسيانه أبداً”.

حالف الحظ عائلة (م)، وتم إنقاذ الأب بعد ثلاثة عشر ساعة من انهيار المنزل، وتمكن الأب بمساعدة بعض الأهالي من إنقاذ أطفاله الثلاث وزوجته وشقيقه من تحت الأنقاض بعد مضي 24 ساعة، إلا أنّه فقد والديه وزوجة شقيقه ولم يسعفهم الحظ للنجاة نتيجة قلة آليات الحفر في المنطقة، ولاسيما جنديرس وتوجيه جهود الإنقاذ إلى منطقة الدانا وريف إدلب، إضافة لمنع الميليشيات التابعة للاحتلال التركيّ إدخال المساعدات ومعدات الحفر والوقود من مناطق الإدارة الذاتية في شرق الفرات إلى عفرين وجنديرس آنذاك، ما زاد من معاناة الأهالي وتسبب بارتفاع أعداد الضحايا هناك. واتهمت العديد من المنظمات والجهات والأهالي سلطات الاحتلال التركيّ وميليشياتها في عفرين باتباع سياسة تمييز ومنع إنقاذ المواطنين الكرد وتقديم المساعدات المستعجلة لهم.

لم تتوقف معاناة أبناء جنديرس في ذلك اليوم، بل استمرت حتى يومنا هذا، في ظل غياب المساعدات العينيّة والماديّة وحرمانهم منها، ورغم التقارير العديدة الصادرة من المنظمات الدوليّة والدول التي أرسلت مساعدات وأموالاً إلى تركيا لإعادة بناء ما تضرر في الزلزال، إلا أنّ المواطنين الكرد لم يتلقوا أي نوع من المساعدة، الأمر الذي دفع المواطن (خ،م) للسكن في منزل بالإيجار، فيما يعاني من أحوال ماديّة صعبة اليوم، ورغم مأساته وسعيه الحثيث لاستعادة منزل والده الكائن على طريق يلانقوز يتعرض باستمرار للتهديد من قبل ميلشيا “جيش الشرقية” بالقتل بحال طالب مجدداً بمنزله المستولى عليه.

المواطن (خ. م) واحد من 48 ألف سوريّ تهدمت منازلهم في سوريا، وما يزالون دون مأوى دائم، واتخذ بعضهم من الخيم مسكناً، والبعض الآخر يسكن في منازل شبه مهدمة، وقلة منهم استأجر منازل وسكن فيها ومن منهم (خ،م)، إذ لم تفلح المساعدات الكبيرة التي تهاطلت على المنطقة ومن ضمنها جنديرس وعفرين عبر المنظمات الدوليّة ودول الاتحاد الأوربيّ وبعض الدول العربيّة في سدّ احتياجات المتضررين، بل لم يرَ أهالي المنطقة الكرد إلا الجزء  الضئيل منها بما فيها قافلة مساعدات جمعية البارزاني الخيرية القادمة من إقليم كردستان، ولم تساهم جهود إعادة البناء سوى بإيواء 5% فقط ممن تشردوا نتيجة الزلزال، ويسكن 51.931 من المتضررين في مراكز إيواء أو سكن غير صالح للعيش إلى الآن.

آثار اجتماعية كارثية

الزلزال بالنسبة لجيكر (اسم مستعار) كان نقطة تحول كبرى، إذ أعاده للصفر، وانقلبت حياته رأس ٍ على عقب، يسرد جيكر وضعه العائليّ والمعيشي الجيد قبيل الزلزال، عائلته المؤلفة من ست فتيات وابنه الوحيد نعمت بالسعادة والاستقرار المادي والاجتماعي.

خسر جيكر منزله وسيارته التي كان يعتَاش منها في ليلة الفاجعة، وبات منزله الكبير كومة من الحجارة، يقول مع اهتزاز الأرض خرجنا من المنزل وكنا فرحين أننا مازلنا أحياء، لم أتصور أبداً أن الحياة بعد الزلزال ستكون أصعب من تلك اللحظة المخيفة بمئات المرات.

نزحت العائلة إلى منزل والده لتبدأ المعاناة الاجتماعية بعد أشهر لرفض زوجته العيش في سكن مشترك مع أهله، وهنا بدأت المشاكل تتفاقم ويضطر “جيكر” إلى محاولة إصلاح الحال، إلا أنّه فشل، وقضى الحال بالزوجين للانفصال وتقطع الأوصال العائليّة، وبذلك هدم الزلزال منزله الحجريّ، وتسبب بتدمير العائلة وتشرذمها بعد سفر ابنه الوحيد إلى أوروبا عبر طرق التهريب المحفوفة بالمخاطر، وليركن الأب إلى زوايا العزلة حزيناً يبكي حاله اليوم، ويتحسر على أيامه الخوالي ويقول: “خسرت كل شيء، حياتي دمرت ولم يعد بالإمكان العودة كما كنا قبيل الزلزال”.

حالة جيكر واحدة من عشرات الحالات المماثلة التي تفككت فيها الأسر وتعاظمت المشاكل الاجتماعية والمادية، وغياب الدعم النفسي والاجتماعي للأسر المتضررة من الزلزال، وهنا السؤال الأهم أين هي المنظمات الدوليّة التي ضجّت الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي بفعاليتها المتعددة في عفرين وريفها وسعيها الدؤوب لترميم جراح متضرري الزلزال؟!

وفي سياق الإجراءات التمييزيّة وسياسة التغيير الديمغرافيّ استغلت سلطات الاحتلال التركيّ الزلزال لاستدراج المساعدات الإنسانية والتمويل ووظفتها في عمليات بناء المزيد من البؤر الاستيطانيّة، وتجاوز عدد المستوطنات التي شيّدت في إقليم عفرين المحتل 40 مستوطنة، توزعت على نواحي جنديرس وراجو وشران وجنديرس وشيه/شيخ حديد، وكان التجمع الأكبر قرب قرية غزاوية جنوب مدينة عفرين وقرية خالتا/ الخالدية جنوب شرق المدينة، وهي مناطق لم تتأثر بالزلزال نهائيّاً.

إجراءات تمييز عنصريّة

عفرين بوست واكبت مجمل الوقائع والأحداث التي أعقبت الزلزال، ونقل مراسلها أنّ عدداً من المواطنين الكرد المتضررين من الزلزال في مدينة عفرين وقراها راجعوا المكتب الإغاثيّ بالمجلس المحلي طلباً للخيم والمعونات، الخميس 24 فبراير 2023، فكان رد المكتب أنّهم من السكان المحليين ليس لهم حصص من المساعدات والمعونات والخيم، إنما هي مخصصة للمستوطنين فقط.

وأضافت أنّ الحال كان نفسه مع منظمة ميرسي كور التي وزّعت الإغاثات، الثلاثاء 28 فبراير، على مستوطنين نصبوا خيم قرب خزان المياه بحي الأشرفية، واستثنت نحو 15 خيمة يقيم فيها متضررون من المواطنين الكرد بحجّة أنهم من الأهالي المقيمين وليسوا “نازحين” كالمستوطنين، وأكد مراسل عفرين بوست أنّ مدينة عفرين المحتلة أصبحت أشبه بمخيم كبير بعدما نصب المستوطنون الخيام في كلّ قطعة أرض ومحضر عقاريّ في المدينة.

في 12/6/2023، أصدرت أربع مؤسسات حقوقية تقريراً مشتركاً وثقت فيه مجموعة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان التي رافقت وتلت عملية الاستجابة لزلزال 6 فبراير 2023 المدّمر في سوريا. وتنوعت تلك الخروقات والتجاوزات ما بين: منع أو عرقلة دخول المساعدات المُنقذة للحياة أحياناً، وتوجيه تمييزيّ في عمليات الإنقاذ من الميليشيات المسلحة والتمييز بتوزيع المساعدات والاستيلاء عليها والاقتطاع منها والاتجار بها وتحويل وجهتها. كم وثّقت انتهاكات متعلقة بحقوق السكن والأرض والملكيّة. والمؤسسات التي اشتركت في إعداد التقرير هي: سوريون من الحقيقة والعدالة، وليلون، وأمواج وتآزر.

وقال التقرير: يشير تأخر وصول المساعدات من خارج سوريا، وتأخُر أو إعاقة وصولها من مناطق الحكومة السوريّة أو مناطق الإدارة الذاتيّة، إلى أن التركيز كان انصبّ على تسجيل نقاط سياسيّة بدل ضمان الإغاثة السريعة للناجين فضلاً عن الاستجابة البطيئة للأمم المتحدة في كلّ أنحاء شمال غرب سوريا.

وأشار التقرير إلى حصر الميليشيات المسلحة التي تدعمها تركيا في المناطق المحتلة توزيع المساعدات الإنسانيّة في المناطق ومراكز الإيواء الخاضعة لسيطرتها، بتوجيه الشحنات التي تمر عبر نقاط التفتيش التابعة لها والاقتطاع منها وتحويل وجهتها. وذكرت استناداً إلى شهادات ناجين ونشطاء مدنيين أنّ منع وصول المساعدات الإنسانيّة بالوقت المناسب تسبب بخسائر بشريّة إضافيّة

تقارير دولية تنتقد آلية الانقاذ البطيئة

أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش، في 15/2/2023، تقريراً بعنوان “تأخر المساعدات يخنق الناجين من الزلزال”، ورصد التقرير واقع عمليات الإنقاذ والدعم الإغاثيّ في شمال غربي سوريا عقب الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة، ووصفت آلية المساعدات عبر الحدود بتفويض من “مجلس الأمن” بأنها “غير كافية”. وقالت المنظمة إنّ الاستجابة الإنسانية البطيئة للزلازل التي ضربت بشدة شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة تُسلط الضوء على تقصير آلية المساعدات عبر الحدود التي فوّضها “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” في سوريا، والحاجة الماسة إلى بدائل.

قالت منظمة العفو الدوليّة، في تقرير أصدرته في 6/3/2023، وذلك بعد شهر من تعرض المحافظة للدمار جراء الزلازل” “على الحكومة السوريّة وجماعات المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا الكف عن عرقلة وتحويل مسار المساعدات الإنسانيّة الهادفة إلى التخفيف من معاناة عشرات آلاف المدنيين في حلب التي مزقتها النزاعات”. وقالت المنظمة: “حتى في لحظة اليأس هذه، رضخت الحكومة السوريّة وجماعات المعارضة المسلحة للاعتبارات السياسيّة واستغلت بؤس الناس لدفع أجنداتهم الخاصة”.

فرحة لم تكتمل

بعد احتلال عفرين وتقطع السبل بالكثير من أبناء المنطقة الأصليين وتضاؤل فرص العمل، توجه غالبية أهالي القرى إلى المدن بحثاً عن فرص أفضل للعمل والتماس سبل الرزق، والسيدة (ر. م) واحدة من الأمثلة، كانت تقطن في قريتها قوجمان مع زوجها، وتغيرت حالتهم المعيشيّة، البحث عن الأفضل فتوجهوا إلى مدينة جنديرس واشتروا منزلاً هناك، واضطرت العائلة لبيع ما تملك من أشجار الزيتون في القرية لشراء المنزل قبل شهر واحد من حدوث الزلزال.

خسرت العائلة كلّ شيء في تلك الليلة، كرم الزيتون والمنزل وكلّ مقتنياتها ومدخراتها، لتعاودَ المواطنة (ر. م) النزوح إلى قرية تابعة لناحية جنديرس، والعيش مع عائلة زوجها.

الأحوال المعيشية الصعبة وعدم تلقي أي مساعدة من أي منظمة، كذا حال عفرين عامة، فقد أهملت المنظمات أهالي القرى وانصبَّ الاهتمام الإغاثيّ والإعلاميّ فقط ببعض المخيمات ومراكز الإيواء، وفقدت العائلة كلّ شيء، ما دفعها للتفكير بالهجرة إلى أوروبا، وإرسال أحد أفرادها عبر طرق التهريب إلى تركيا البوابة الرئيسية للهجرة غير الشرعية، إلا أنّ فرحتهم لم تكتمل وتعرضت العائلة لعملية نصب من قبل المهرب بعد استقراضهم مبلغٍ كبيرٍ من أقربائهم.

وفقاً للإحصاءات الرسميّة في المنظمات المعنية بالهجرة غير الشرعية، تزايدت أعداد المهاجرين بعد الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، لكن وفقاً لمراقبين ميدانيين فإنّ تقاعس الجهات المسؤولة عن المناطق المتضررة في القيام بواجباتها هو ما دفع الأهالي للتفكير بالهجرة، يضاف إلى ذلك غياب الشفافية الدوليّة في متابعة المساعدات المقدمة للجهات المرتبطة بالاحتلال التركي في عفرين وحتى الدولة التركيّة بصفتها جهة مسيطرة على عفرين ما ساهم بتفاقم الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعية وظهور آثار سلبيّة جمة في المنطقة والتي ستستمر لسنوات أخرى إن لم يتم تداركها.

الانتهاكات المتلاحقة بحق أبناء عفرين الأصليين مستمرة وكذلك حالات الاستيلاء على الأملاك ومصادرتها والإتاوات الباهظة على المواسم الزراعيّة وعمليات الاختطاف والاعتقال التعسفيّ وجرائم السرقة عادت للواجهة من جديد، بل في بعض المناطق باتت الميليشيات المسيطرة هناك تسن القوانين لشرعنة عمليات الاستيلاء وفرض الإتاوات.

Post source : عفرين بوست

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons