عفرين بوست ــ خاص
قدم متزعم ميليشيا “الفيلق الثاني” في الجيش الوطنيّ وميليشيا “السلطان مراد” المدعو فهيم عيسى، يوم 12 نوفمبر، استقالته من منصبه في الفيلق. بالتزامن مع تداول أنّ هناك حالة توتر كبير وانقسامات حادة تسود ميليشيا “الفيلق الثاني” إثر استقالته.
استقالة “عيسى” جاءت في توقيت ترسخ فيه الانقسام الفصائليّ، فقد انفردت كل ميليشيا بنفسها في البلدات والقرى التي تسيطر عليها وشكلت إمارات خاصة، دون مرجعية واضحة لما يسمى وزارة الدفاع، ولعلها لجأت في أحسن الأحوال إلى تشكيل كيانات جديدة، وهي عملية لا تعدو كونها مجرد أسماء، لم تفضِ إلى تنسيق بين الميليشيات، ولكنها بالمجمل خارج إطار ما تسمى وزارة الدفاع التي فقدت كامل صلاحياتها وأضحت على هامش المشهد العسكريّ، وبخاصة بعدما أصبح المجلس العسكريّ الاستشاري الذي كانت تعمل على إنشائه حكايةً من الماضي.
الخلافات تعصف بكلّ أطر الميليشيات الكبيرة اعتباراً من الفيالق والميليشيات وحتى الجماعات والمقرات والأفراد، وقد شهدت المناطق الخاضعة للاحتلال التركيّ فصولاً من الاقتتال الفصائليّ والاشتباكات المسلحة، وتباينت مواقفها إزاء تمدد مسلحي “هيئة تحرير الشام”، فبعض تحالف مع الهيئة، والآخر ضدها، فيما التزم بعضها الحياد. إلا أنّ المشهد الحالي يعكس تمدداً واضحاً للهيئة وتجاوزها عفرين المحتلة ووصولها إلى ريف جرابلس على خطوط التماس مع قوات سوريا الديمقراطيّة، وجاء التمدد بشكلٍ مقنّع عبر حلفائها. وهذه المتغيرات لا تغيب عن سلطات الاحتلال التركيّ واستخباراتها.
ويذهب مراقبون إلى اعتبار تمدد “هيئة تحرير الشام” في ريف حلب الشمالي والشرقي عاملاً مؤثراً، ويتطلب تمهيداً وإعادة صياغة لميليشيات “الجيش الوطنيّ” والضغط على الرافضين.
تعديلات وشيكة
إزاء الوضع المترهل لميليشيات “الجيش الوطنيّ” والفوضى العارمة، يعمل الجانب التركي على إجراء تغييرات جديدة تشمل متزعمي الفيالق، ومن المزمع إعادة هيكلة الفيالق ومحاولة تنظيمها وتأكيد الاستقرار في بنيتها التي فقدتها بسبب الانشقاقات، ووفق معطيات المشهد الحالي فإنّ التغيير سيطال المدعو “فهيم عيسى” وسيعزل عن منصبه في تزعم ميليشيا “الفيلق الثاني”، واستبق الإقالة بتقديم الاستقالة.
استقالة “فهيم عيسى” جاءت أيضاً على خلفية الخسائر التي منيت بها ميليشيا “الفيلق الثاني” بعد الاشتباكات مع مسلحي “هيئة تحرير الشام” والميليشيات المتحالفة معها في ريف حلب الشمالي، خلال أيلول/سبتمبر الماضي. ما جعل مصير “عيسى” على المحك، ولعله شعر بالخذلان فلم يتلقَ الدعم العسكريّ المأمول من السلطات التركيّة، وهو ما يعني امتعاضها منه فلم يعد يتمتع بالحظوة السابقة. وهو تأكيدٌ أنّ أنقرة لها حساباتها المختلفة.
وفيما تفيد أوساط المعارضة والميليشيات أنّ المرشح ليشغلَ مكان “عيسى” هو المدعو “سيف بولاد” متزعم ميليشيا “الحمزة”، إلا أنّ الأمر لم يحسم بعد. ومن المتوقع أن يركز المدعو “فهيم عيسى” في الفترة الحالية على ما بين يديه، بالتركيز على ميليشيا “السلطان مراد”.
ما أن فرط عقد التحالف المسمّى “هيئة ثائرون للتحرير”، الذي تزعمه “فهيم عيسى”، حتى طفت الخلافات مع متزعمي ميليشيات “سليمان شاه/ العمشات والحمزات”، وعادتا للعمل في إطار الفيلق الثاني بأسمائهما السابقة. وفي 17/9/2022 صدر عن “الفيلق الثاني” قرار بفصلِ ميليشيات “الحمزة وسليمان شاه” من مرتبات الفيلق بذريعة عدم الالتزام بالقراراتِ الصادرة عن قيادته، واضطرب على إثرها العلاقة، حتى أعلنت الميليشيات المفصولة كياناً جديداً باسم “القوة المشتركة” في 3/7/2023، وكان ذلك ضربة شخصية للمدعو “فهيم عيسى” وسبباً آخر في خلفية استقالته.
قفز فوق المناصب
فيما عدا تزعمه لميليشيا “السلطان مراد”، شغل “فهيم عيسى” عدة مناصب على التوالي في كيانات وتحالفات اشترك فيها خلال العامين الماضيين، وشغل “عيسى” منصب نائبٍ للمدعو “أبو أحمد نور” متزعم غرفة القيادة الموحدة (عزم)، والتي تشكّلت في 15/7/2021 بشكلٍ أساسيّ من ميليشيات “الجبهة الشامية والسلطان مراد”، وانضمت إلى “عزم” لاحقاً ميليشيات: الحمزة، وسليمان شاه، وجيش الإسلام، وفيلق المجد، ولواء السلام، وبعد أشهر تراجع تداول مسمى “عزم”، وتعود كل ميليشيا إلى وضعها السابق.
وإثر الخلافات التي ضربت “عزم”، برز تحالف جديد تزعمه “فهيم عيسى” باسم “هيئة ثائرون للتحرير” وقد تشكل في 23/1/2022، باندماج “حركة ثائرون” و”الجبهة السورية للتحرير”، وعملياً كان ائتلافاً من ميليشيات منشقّة عن “عزم”.
وسرعان ما وقعت الخلافات داخل “ثائرون”، وبخاصة بين متزعمها فهيم عيسى ونائبه “سيف بولاد أبو بكر” متزعم ميليشيا “الحمزة”، ما أدى لنهاية التحالف، وتولى “فهيم عيسى” قيادة الفيلق الثاني في 12/11/2022، بعد استقالة العقيد أحمد عثمان.
الفيلق الثالث على قائمة التغيير
تتداول أوساط المسلحين والميليشيات الحديث عن احتمال إقالة متزعم “الفيلق الثالث” المدعو “حسام ياسين”، وتعيين شخص آخر محله، وبخاصة بعدما شهد الفيلق أزمات مختلفة وصلت درجة إلى التفكك، وبلغت الخلافات حداً من العمق بين “ياسين” من جهة، ومتزعمي الميليشيات في الفيلق، وبخاصة “الجبهة الشامية”. والذي أفضى إلى الإطاحة بياسين من تزعم ميليشيا “الجبهة الشامية”، وتعيين المدعو “عزام غريب” (أبو العز سراقب) بدلاً عنه في 31/5/2023.
وبذلك فالوضع في الفيلق الثالث لا يختلف عن الفيلق الثاني، ومتزعمه المدعو “حسام ياسين” لا يملك أدنى صلاحية على بعض الميليشيات التابعة له، مثل “الجبهة الشامية”، التي دخلت مؤخراً في تحالفٍ مع ميليشيات “تجمع الشهباء والمعتصم” ليشكلوا تحالفاً باسم “القوة الموحدة” تم الإعلان عنه 5/11/2023. واعتبر ذلك خروجاً عن سياق “الجيش الوطنيّ” ووزارة الدفاع ذلك لأنّ ميليشيا “تجمع الشهباء” التي تشكلت في 2/2/2023 متهمة بولائها لهيئة تحرير الشام، وجاء إعلان التحالف في إطار علاقات التنافع، فالميليشيات التي تشكلها تعصف بها الاضطرابات، وقد شكلت معاً قوة عسكريّة في معركة البقاء وتحصيل الشرعيّة.
وفي 28/7/2023 وقعت اشتباكات على معبر تل أبيض الحدوديّ، وُصفت بأنّها حالة انقلاب ضمن ميليشيات “الفيلق الثالث”، وذلك على خلفية قضايا فساد مالي. واندلعت الاشتباكات إثر أوامر صدرت من متزعم ميليشيا “الفيلق الثالث” المدعو “حسام ياسين أبو ياسين” ومتزعم ميليشيا “فيلق المجد” المدعو “يامن تلجو أبو الحارث”، باقتحام معبر تل ابيض الذي يخضع لسيطرة ميليشيا “الجبهة الشامية”، ووصف الهجوم بأنّه انقلابٌ على متزعم ميليشيا “الجبهة الشاميّة” المدعو “عزام الغريب/ أبو العز سراقب”، وتمت السيطرة على المعبر، ما أسفر عن مقتل شخصين قيل إنّهما إداريان في المعبر، كما أصيب ثمانية مسلحين من ميليشيا “الجبهة الشامية” واُعتقل مسلحون آخرون.
لا سبيلَ لضبط الميليشيات
لن تفضي مساعي سلطات الاحتلال التركيّ إلى نتائج استثنائيّة، في إعادة صياغة الميليشيات وتنظيمها، والحقيقة أنّ سببَ الإشكالات ذاتيّ، فالجيوش تقومُ وتنتظم على أساس الفكرةِ والعقيدةِ، والتي تحدد العدو وأسلوب القتال وقواعد لانضباط العسكريّ. فيما ميليشيات الجيش الوطنيّ متنافسة ولا هدفَ لها إلا التوسع وتحقيق المكاسب على حساب بعضها، ولذلك يفتقر للانضباط العسكريّ والالتزام. وتلعب الطموحات الشخصيّة لمتزعمي الميليشيات دوراً حاسماً في قيادتها.
والحالة الوحيدة التي يظهر فيها الالتزام تتجلى بالانقياد لتعليمات المشغل التركيّ، الذي يزج بها في معاركه داخل سوريا وخارجها وفقاً لأجندته السياسيّة. ومؤكد لا عقيدة عسكرية واضحة وثابتة لمجاميع مسلحة فقدت منذ سنوات بوصلتها الوطنيّة وتبنت فكر تنظيم الإخوان المسلمين المتطرف.