عفرين بوست ــ متابعة
أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، اليوم، تقريراً حول اعتداءات حرس الحدود التركيّ على السوريين وقالت إنّ حرس الحدود الأتراك يُطلقون النار عشوائيّاً على المدنيين السوريين على الحدود مع سوريا، ويُعذّبون ويستخدمون القوّة المفرطة ضدّ طالبي اللجوء والمهاجرين الذين يحاولون العبور إلى تركيا. وأضافت أنّه ينبغي للحكومة التركيّة فتح تحقيق ومحاسبة حرس الحدود المتورطين في هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات القتل غير القانونّية، ووضع حدّ للإفلات من العقاب عن هذه الانتهاكات القائم منذ فترة طويلة.
إطلاق نار عشوائيّ ونمط وحشيّ ينتهجه حرس الحدود
قال هيو ويليامسون، مدير أوروبا وآسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش: “عناصر الدرك والقوات المسلحة التركية المسؤولون عن مراقبة الحدود يعتدون روتينيّاً على السوريين ويُطلقون النار عشوائيّاً عليهم على طول الحدود السوريّة التركيّة، ما أدى إلى سقوط مئات القتلى والمصابين في السنوات الأخيرة”. وأشار إلى أنّ “عمليّات القتل التعسفيّ للسوريين هي الأكثر فظاعة، وهي جزء من نمط وحشيّ ينتهجه حرس الحدود الأتراك دون أن تتصدّى له الحكومة أو تحقق فيه بشكل فعّال”.
قال ويليامسون: “العنف الذي يمارسه حرس الحدود الأتراك ضدّ السوريين على طول الحدود هو مشكلة قديمة لم تُعالج بمعظمها بعد. ينبغي للحكومة التركيّة اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة لوضع حدّ لعمليات القتل والتعذيب غير القانونية بحق طالبي اللجوء والمهاجرين على حدودها، وتحقيق العدالة عن انتهاكات الماضي”.
منذ مطلع 2023، سجّل “المرصد السوري لحقوق الإنسان”11 وفاة و20 إصابة على الحدود السورية التركية على يد حرس الحدود الأتراك. وثّقت هيومن رايتس ووتش بشكل مستقلّ حادثتين من تلك الحوادث وتحققت منها.
وقالت المنظمة إنّ معظم الحالات المسجّلة التي تم توثيقها، ارتكبتها القوات المسلحة التركيّة، بينما شاركت وحدات الدرك في 28 حادثة من أصل 273.
الترحيل القسري
في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وثقت هيومن رايتس ووتش ترحيل السلطات التركيّة لمئات الأشخاص الذين استفادوا لفترة طويلة من الحماية المؤقتة، بما في ذلك عبر إجبار الناس على التوقيع على استمارات المغادرة الطوعيّة.
وأشار التقرير إلى أن تركيا مُلزمة أيضاً باحترام مبدأ عدم الإعادة القسريّة، الذي يحظر إعادة طالبي اللجوء إلى مكان يواجهون فيه خطر الاضطهاد أو التعذيب أو حيث تكون حياتهم وحريتهم مهدّدة، بما في ذلك عبر رفض استقبالهم على الحدود دون النظر في مطالبهم.
ينبغي للحكومات المانحة في أوروبا وخارجها التي تقدّم دعماً ماليّاً كبيراً للحكومة التركيّة لمساعدة اللاجئين السوريين المطالبة بتحقيق شامل وفعّال في مزاعم الانتهاكات، بما في ذلك عمليات القتل غير القانونيّة وتعذيب طالبي اللجوء والمهاجرين على الحدود التركيّة.
يتعين على الحكومة التركية أن تُصدر بشكل عاجل تعليمات موحّدة لجميع حرس الحدود تُشدّد فيها على أنّ الأسلحة النارية تُستخدم فقط عند الضرورة القصوى وكملاذ أخير للردّ على تهديد للحياة، وأنّه ينبغي عدم إساءة معاملة أي شخص عَبَرَ أو بصدد عبور الحدود، بل ينبغي توفير رعاية طبية للجميع إن لزم الأمر
قالت هيومن رايتس ووتش إنّ على السلطات التركيّة إجراء مراجعة شاملة بشكل عاجل لسياساتها الأمنية على الحدود.
عنف بعد إقامة الجدار
بين أغسطس/آب 2015 ويونيو/حزيران 2018، أقامت تركيا جدارا بارتفاع ثلاثة أمتار تعلوه أسلاك شائكة على امتداد معظم حدودها مع تركيا، التي تبلغ 911 كم، لمكافحة التهريب والمعابر الحدودية غير النظامية. منذ ذلك الحين، دأب حرس الحدود الأتراك على التصدّي بعنف للسوريين الذين يحاولون الفرار من الأعمال العدائية والظروف المزرية، بإطلاق النار عليهم وضربهم وطردهم بإجراءات موجزة إلى سوريا. في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وأبريل/نيسان ومايو/أيار 2016، وفبراير/شباط 2018، ونوفمبر/تشرين الثاني 2022، وثقت هيومن رايتس ووتش استخدام حرس الحدود الأتراك للعنف ضدّ السوريين وغيرهم من طالبي اللجوء والمهاجرين والمهرّبين على الحدود مع سوريا.
رصدت منظمة مستقلة 277 انتهاكا على امتداد الحدود، حصلت في 80 منطقة مختلفة. أغلب الحوادث التي أفضت إلى الموت (68.38%) وقعت في محافظة إدلب الخاضعة في معظمها لسيطرة “هيئة تحرير الشام”، ومن أصل 234 حالة وفاة و231 إصابة، تُشير البيانات إلى مقتل 225 شخصاً وإصابة 117 آخرين على يد حرس الحدود الأتراك باستخدام أسلحة، بينما لقي تسعة حتفهم وأصيب 54 في اعتداءات جسديّة من قبل حرس الحدود الأتراك.
حادثا قتل مؤخراً
في أوائل مارس/آذار 2023، حصلت هيومن رايتس ووتش على بيانات غير شاملة من منظمة تراقب الأعمال العدائية في سوريا والتي وثقت 277 حادثة فردية بين أكتوبر/تشرين الأول 2015 وأبريل/نيسان 2023. سجّل المراقبون ما لا يقلّ عن 234 وفاة و231 إصابة، وقعت الغالبيّة العظمى منها بينما كان الضحايا يحاولون عبور الحدود. شملت 26 حادثة أطفالا، حيث قُتل ما لا يقل عن 20 طفلا وأصيب 15 آخرين. من المُلفِت أنّ ستّة أشخاص على الأقل قتلوا وستة آخرين أصيبوا ولم يكونوا يحاولون عبور الحدود. طلبت المنظمة عدم ذكر اسمها خشية أن يتأثر عملها الإنساني سلبيا على يد السلطات التركية.
في 11 مارس/آذار، ضرب حرس الحدود التركي بوحشية مجموعة من ثمانية سوريين وعذّبوهم أثناء محاولتهم العبور بطريقة غير قانونية إلى تركيا من مدينة حارم في محافظة إدلب، فقتلوا رجلا وصبيا. ألحقوا أيضا إصابات خطيرة بالآخرين، وأعادوهم بإجراءات موجزة إلى سوريا ومعهم إحدى الجثتين في غضون خمس ساعات. توفي رجل وصبي في الحجز التركي بينما أصيب الآخرون إصابات خطيرة. تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى اثنين من الناجين، وأقارب لناجِيَيْن آخريْن، وأحد أقارب الصبي الذي قتل.
في 13 مارس/آذار، أطلق عنصر من حرس الحدود النار، فقتل رجلاً سوريا (59 عاما) بينما كان يحرث أرضه في منطقة متاخمة للحدود. لم تتوفر أي معلومات عن فتح تحقيق في عملية القتل هذه. راسلت هيومن رايتس ووتش وزراء العدل والداخلية والدفاع في تركيا في 20 أبريل/نيسان 2023 لطلب الحصول على مستجدات بخصوص الحادثتين.
شهادات وردت في التقرير
وأورد التقرير شهادات لناجين سوريين عبروا الحدود وتعرضوا لعمليات تعذيب بالضرب بالبنادق والهراوات والركل، وقال شاهد: إنّ حرس الحدود قبضوا عليهم بعد أن ساروا حوالي 150 مترا بعد الجدار الحدودي، الذي تسلقوه باستخدام سُلّم جلبوه معهم، ثم نقلوهم في عربة إلى حقل فارغ في مكان قريب. وهناك عذّبوهم، وانهالوا عليهم بالضرب والركل دون توقف، وضربوهم بالبنادق والهراوات: “لقد كسّروني. طرحونا على الأرض وداسوا على يديّ… داسوا حتى على أعضائي التناسلية بأحذيتهم… وسكبوا [عليّ] 20 لتراً من زيت الديزل من عبوة حديديّة … لقد ابتلعت ما سكبوه عليّ. بقيت أتقيّأ ساعتين بعدها.
وأفاد أحد الضحايا، بأنّ ما بين 10 ــ 15 عنصراً من حرس الحدود (بينهم 4 قادة) اعترضوا المجموعة عند الساعة 8 مساء تقريباً، قرب قرية حرّان القريبة من بلدة ريحالني في تركيا. ووضع الحرس رؤوسهم بين درجات سُلّم وثبّتوا أعناقهم وبدأوا يضربونهم… “لم يسألونا أي سؤال، لقد ضربونا فقط”.
قال رجل إنّ ابنه (17 عاماً) أخبره أنّ حرس الحدود استخدموا كماشات لتعذيبه. “سحبوه واقتلعوا جلده بها. حتى الكلب لا يعضّ بتلك الطريقة”.
وذكر التقرير مقتل شابين سوريين عبد الرزاق القسطل (18 عاماً) من قرية السمرة ــ محافظة حماه الذي أغمي عليه ثم توفي بسبب الضرب. وكذلك مقتل الفتى عبدو خليل الصياح (17 عاماً) من تل الضمان، وقال إنّه لم يُكشف عما حصل له إلا يوم 16 مارس/آذار، لما أعادت السلطات التركيّة جثته إلى أسرته في سوريا. قال أحد أقاربه: “لولا اهتمام الإعلام، ما كُنا لنتمكن من استعادة جثمانه”.
راجعت هيومن رايتس ووتش صوراً للرجال والصبي، منها جثة الصيّاح بعد تشريحها، والتي تُظهر كدمات شديدة على ذراعيه ورجليه وظهره، تتفق مع شهادات الأشخاص الذين قابلتهم. وقال شاهد: إنّه فور وصوله إلى المعبر نُقل إلى مستشفى في إدلب. وكان يتقيأ الدم قبلها، وأصيب بأضرار في كليتيه وعانى نزيفاً داخليّاً. وبقي في المستشفى أربعة أيام، والآن يضع جبيرة على قدمه.
ونقل التقرير شهادة مدير الإعلام والعلاقات العامة في معبر باب الهوى السوريّ قوله: إنّه شاهد تلك الليلة “علامات تعذيب واحمرار وكدمات، وإصابات على وجوه ورؤوس وأجساد” المجموعة.