ديسمبر 23. 2024

مزيدٌ من الثغرات الطبية والقانونية في ضبط “وفاة” المحامي الكردي لقمان حنان

عفرين بوست ــ خاص

افتقر الضبط الذي تنظيمه من قبل النيابة العامة والطبيب الشرعيّ بعد الكشف على جثمان المحامي الكردي “لقمان حميد حنان” إلى المهنية الحقوقيّة وكذلك في الطب الشرعيّ، وكانت الغاية من تنظيمه الإيحاء بوقوع وفاة طبيعيّة بسبب احتشاء عضلةٍ قلبية حاد، وتبرئة القتلة، واكتنفته جملة من الثغرات.

كان لافتاً أنّ الفريق الذي قام بالكشف على الجثة في غرفة براد المشفى؛ القاضي “محمد إيبو” والمساعد العدلي “كمال حاج علي” والطبيب الشرعي “محمد سيدو”، كانوا من الكرد، للإيحاء بالموثوقيّة، إلا أنّ الصيغة التي كُتب بها الضبط وسطحيّة المعلومات تؤكد أنّ المراد ضبطٌ شكليّ لطي القضية.

قصة الاعتقال التعسفيّ

استشهد صباح الخميس 22/12/2022، المحامي “لقمان حميد حنان” (45 سنة) من قرية حج قاسما بناحية ماباتو/ معبطلي، نتيجة التعذيب في سجون الاستخبارات التركيّة في مدينة عفرين المحتلة.

وكانت استخبارات الاحتلال التركيّ بالتنسيق مع مسلحي ميليشيا “أحرار الشرقيّة” قد اعتقلت المحامي “لقمان حنان” الثلاثاء 20/12/2022، من منزله في حي المحمودية بمدينة عفرين المحتلة، وصودر منه هاتفه الجوال وجهاز الحاسب.

وبحسب الرواية المتداولة فقد نُقل صباح الخميس إلى المشفى العسكريّ في مدينة عفرين، بسبب تدهور وضعه الصحيّ، وفارق الحياة هناك.

ووفق معلومات شبكة “عفرين بوست”، فقد قام المحامي لقمان، بموجب وكالة قانونيّة بإجراءاتِ بيع شقة سكنيّة كانت تسكنها عائلة مسلحٍ من ميليشيا “أحرار الشرقيّة، وتعود ملكيتها لمواطنٍ من أهالي عفرين مهجّر قسراً، وبعد البيع قام بتحويل ثمن الشقة لصاحبها، فاختطفه مسلحو الميليشيا على خلفية وشاية وطالبوه بثمن الشقة، وقاموا بتعذيبه.

المحامي “لقمان” كان يعاني من مشاكل صحيّة (مرض مزمن بالأعصاب وديسك)، وتظهر الصور التي تم التقاطها بعد الوفاة تعرضه للتعذيب وآثار دماء على القدمين.

وسبق أن تم اعتقال المحامي “لقمان” من قبل ميليشيا الشرطة العسكريّة واستخبارات الاحتلال التركيّ في 26/7/2020.

ثغرات في ضبط النيابة العامة وشهادة الطب الشرعيّ

رغم سطحيّة المعلومات التي وردت في الضبط، إلا أنّ مجرد ذكر تلون الجلد إلى “الزرقة الرميّة” وذكر أنّ اللون أشد في منطقة الظهر والساقين والفخذين، ما يعني مرور أكثر من 12 ساعة على الوفاة، ويُفترض أنّ طاقم الكشف انتقل إلى المشفى الساعة العاشرة صباحاً، أي بعد الوفاة مباشرة، ما يؤكد احتمال أنّ الوفاة حصلت أثناء الاحتجاز لدى السلطات التركيّة وخلال التحقيق.

بل ورد في الضبط دليلٌ أبعد من ذلك، بذكر وجود آثار تبرز على السروال الداخليّ، ومعلومٌ أنّ جثة المتوفى تدخل حالة تيبس وعدم استجابة العضلات بسبب توقف جريان الدم وتستمر لنحو 8 ــ 12 ساعة، ومن بعدها تبدأ مرحلة ارتخاء العضلات ما قد يؤدي إلى التبول والتبرز، وإذا كان توصيفُ طاقم الكشف الظاهريّ صحيحاً، إلا أنّه غير صحيح من حيث الاستنتاج بأنّ التبرز حصل قبل الوفاة. وبذلك فإنّ الكشف على الجثة تم بعد نحو 20 ساعة على الوفاة، أي أن الضحية نُقلت إلى المشفى وقد فارقت الحياة. فيما قدّر الطبيب الشرعيّ بأنّ الوفاة حصلت قبل عشر ساعات من الكشف (أي منتصف الليلة السابقة).

الثغرة الكبيرة في القصة، كانت يفترض بقاضي النيابة أن يستجوب طاقم الإشراف الطبيّ في المشفى فوراً، ليدلي بشهادته حول وضع الضحية الصحيّ وتحديد التوقيت الذي وصلت فيه الضحية إلى المشفى والإجراءات الطبيّة الإسعافيّة التي اُتخذت في محاولة افتراضيّة لإنقاذ حياته، وأما إن حصل ذلك لاحقاً، فسيكون على سبيل استدراك نقطة الضعف في الرواية.

كما تجاهل الطبيب الشرعيّ آثار الدماء على أصابع قدمي الضحية وآثار خطوط زرقاء متوازية على ظهر القدم، ويبدو في الصور المتداولة للقدمين وجود كسر في إصبع الإبهام.

وفاة في أقل من 24 ساعة       

ما يجدر قوله إنّه في قصص القتل تحت التعذيب الشديد أنّ الضحايا يمضون فتراتٍ طويلة نسبيّاً يكابدون ألوان العذاب، ويحرص السجانون على إبقاء الضحايا أحياء لمدة طويلة، للتشفي بتعذيبهم، والتعذيب يتجاوز تحصيل المعلومات أو الاعتراف لأنّ الاتهامات في أصلها كيديّة، وإذ يُفترض أن يقتصر التعذيب على مرحلة التحقيق، إلا أنّه يستمر بحق المواطنين الكرد طيلة فترة السجن، وقد روى المفرج عنهم قصصاً مروعة عن أشكال التعذيب التي استمرت لأشهر طويلة كان التجويع أحدها، وأفضى بعض الحالات إلى الوفاة.

والمفارقة أنّ المحامي “لقمان” توفي ربما بعد أقل من يوم من احتجازه، وهو الذي سبق أن تعرض للاختطاف والاحتجاز مرتين، وهذا ما يقود لأحدِ احتمالين إما القتل المباشر بغاية التصفية أو تعرضه لتعذيبٍ قاسٍ جداً أفضى للوفاة، وقرارٌ كهذا لا تملكه إلا الاستخبارات التركيّة.

كان تبليغ أسرة المحامي “لقمان” الفوريّ باستلام جثمانه من المشفى العسكريّ، موضع الملاحظة، وكان المطلوب إجراءات دفن مباشرة لتطوى القضية ويدفن معها الحقيقة، كما أنّ ذلك في أحد دلالاته يشير إلى أنّ الجهة التي تسببت بالوفاة لا تخشى المساءلة، ولأنّ حادث “الوفاة” سيكون محلّ الشك فقد بادرت سلطات الاحتلال التركيّ للإيعاز بتنظيم الضبط، لتقطعَ الطريقَ على عائلة المحامي “لقمان” بطلب الكشف على الجثة. 

ووفقاً للآثار الواضحة للعيان على جثة الضحية يمكن طرح احتمال أنّ الوفاة حصلت نتيجة الصعقِ الكهربائيّ، وهو أسلوبٌ معتمدٌ في أقبية السجون لدى سلطات الاحتلال وكذلك الميليشيات التابعة له، وأكدته العديد من الشهادات. ويؤدي الصعق الكهربائيّ إلى الموتِ نتيجة توقف التنفس والدورة الدمويّة، ولدى مرور التيار في منطقة القلب يؤدي إلى توقف ضخ الدم.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons