عفرين بوست ــ متابعة
نشرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” اليوم الإثنين، تقريراً حول تسلسل عملية الاستيلاء على منازل أهالي عفرين المهجرين قسراً وإجراءات تسهيل الاستيطان في البداية، ومن ثم محاولة الميليشيات استثمار البيوت المستولى عليها وفرض إيجار على المستوطنين، وطرد بعضهم، والتقرير يتناول نموذجاً هو ميليشيا “صقور الشمال” المسيطرة على قرية كمروك.
خلفية
شهدت عفرين، منذ سيطرة الميليشيات المسلحة عليها عمليات استيلاء واسعة وممنهجة لممتلكات السكان المحليين تحت مسمى “غنيمة حرب”، وصلت أحياناً حد استثمار الممتلكات المسلوبة، وتأجيرها إلى مستوطنين آخرين. وتحولت إلى تجارة ينتفع منها متزعمو الميليشيات، وسبق أن أعدت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تقارير مفصّلة حول تلك الممارسات، منها التحقيق الذي كشف النقاب عن ملايين الدولارات التي يحصل عليها “أبو عمشة” سنوياً.
في مطلع سبتمبر 2022، طالبت ميليشيا “صقور الشمال” التي يتزعمها المدعو “حسن حاج علي/ حسن خيريّة”، والمنضوية في إطار “هيئة ثائرون للتحرير”، والمسيطرة على قرية كمروك/الجمركية بناحية موباتا، 25 عائلة مستوطنة من منطقة الرستن بريف حمص الشمالي بإخلاء المنازل يسكنون فيها وتعود ملكيتها لمواطنين كرد نزح بعضهم سابقاً بسبب العدوان التركيّ، وهُجّر قسمٌ آخر تحت التهديد بالاعتقال والمساءلة بحال رفضهم إخلاء المنازل.
وبحسب الشهادات التي حصلت عليها “سوريون”، فقد كان هدف الميليشيا من وراء إخلاء تلك المنازل إسكان مسلحيها وعوائلهم فيها، الأمر الذي أثار حفيظة الساكنين السابقين في تلك البيوت.
يسكن اليوم في قرية كمروك أكثر من مئة عائلة مستوطنة من مناطق سوريّة مختلفة، منها 25 عائلة من ريف حمص الشمالي يسكنون في منازل الكرد الذين هُجّروا من القرية، إضافة إلى أهالي القرية الكرد ومعظمهم من كبار السن الذين بقوا فيها للحفاظ على ممتلكاتهم وبعضٌ ممن عاد إلى القرية لاحقاً بعد نزوحه سابقاً.
كيف حصل المستوطنون على منازل السكان الأصليين بداية؟
تحدثت “سوريون من أجل الحقيقة” مع عدد من المستوطنين من منطقة الرستن والمقيمين حالياً في منازل تعود ملكيتها لمواطنين كرد في قرية كمرك، وأكدّوا أنّهم حصلوا على المنازل في شهر مايو 2018، أي بعد أقل من شهرين من احتلال الجيش التركي والميليشيات التابعة له للمنطقة. وذلك بموافقة من القوات التركيّة التي كانت موجودة مع ميليشيا “فرقة السلطان مراد” بداية بالقرية. ولاحقاً، وفي عام 2019، حصل المستوطنون على موافقة ميليشيا “صقور الشمال” لاستمرار السكن في تلك المنازل، وذلك بعد فرض سيطرته على القرية بعد خلافه مع ميليشيا “السلطان مراد”.
المصدر الأول: مستوطنٌ من منطقة الرستن، يقيم في قرية كمروك، أفاد في شهادته لـ”سوريون” بداية شهر سبتمبر 2022، بأنهم لدى خروجهم من الرستن نُقلوا إلى مدينة عفرين، وأخبروهم أنّ هناك قرية خالية بلا سكان ويمكنهم السكن فيها، وبالفعل توجهوا إلى القرية ورأوا مسلحي “السلطان مراد” والجنود الأتراك، وسمح الجنود الأتراك لهم بالسكن في منازل القرية، بعد تفتيشها.
أكّد المصدر أيضاً وجود عناصر الاستخبارات التركية مع الجيش التركيّ وفرق نزع الألغام إضافة لمترجمين تواصلوا مع المستوطنين وسمحوا لهم شفهياً بالسكن في تلك المنازل، ثم قامت منظمات بتقديم مساعدات إنسانيّة لبعض العائلات.
وفيما يتعلق بطريقة نقل المستوطنين، أضاف المصدر أنه بالبداية، تم تجميع المستوطنين القادمين من ريف حمص الشمالي بالباصات الخضراء في مدينة إدلب. بعدها مباشرة، أحضرت عدّة منظمات إنسانيّة باصات كبيرة، وشجّعتهم على التوجّه لعفرين. وعند وصولهم إلى عفرين، بدأ عناصر ميليشيات المعارضة المسلّحة باستقطاب المستوطنين إلى القطاعات التي كانوا يسيطرون عليها، علماً أنّ مستوطنين اختاروا قرى ومناطق معينة بسبب وجود أهالي لهم/مستوطنين سبقوهم إلى تلك القرى/البلدات”.
شاهد ثاني، أكّد في شهادته أنَّ العديد من العائلات المستوطنة من الرستن ومناطق أخرى، أُجبروا على دفع مبلغ ماليّ (4 ــ 15 ألف ليرة سورية) للميليشيا المسيطرة آنذاك لقاء إيجار شهريّ عن المنزل الذي يسكنون فيه، وارتفعت قيمة الإيجار تدريجيّاً إلى 50 دولار أمريكيّ وسطيّاً. أي أنّ الميليشيا أسكنتهم في منازل مستولى عليها ثم أخذت بدل إيجار من جميع العائلات المستوطنة.
استغلال الميليشيا للمستوطنين ومحاولة إخراجهم ليست الأولى
رغم “حصول العائلات المستوطنة على منازل شبه مجانية” في منطقة عفرين، بسبب قيمة الآجار المتدنية المفروضة عليهم من قبل الميليشيا المسيطرة بداية، إلا أنّ الميليشيات المسيطرة تستغل حاجتهم بشكل متكرر، ويتضرر المستوطنون من الخلافات والنزاعات على الموارد الاقتصاديّة المستمرة بين الميليشيات.
منذ عام 2018، كانت قرية كمروك ضمن محور معارك التي خاضتها ميليشيا “صقور الشمال” بشكلٍ أساسيّ مع وجود ميليشيات أخرى، وتمركزت ميليشيا “السلطان مراد” بداية في القرية، حتى توصل الميليشيات لاتفاق قضى بانسحابها الأخير من القرية.
مع انسحاب “السلطان مراد” ودخول مسلحي “صقور الشمال” إلى القرية، طلبت هذه المجموعات لاحقاً إخلاء المنازل، وفي كلِّ مرة يتم فيها تبديل المجموعات أو تغيرات في متزعمي الميليشيا يطالب فيها العناصر الجدد بإخلاء المنازل من المستوطنين لصالح عناصر الميليشيا.
وأفاد مصدر ثالث في شهادة حصريّة لسوريون، بداية شهر سبتمبر 2022، بأنّه وبعد خروج السلطان مراد من القرية عام 2019 نقمت علينا ميليشيا “صقور الشمال” وحاولت مراراً إجبارنا على الخروج من المنازل وخيّرونا بين الانضمام للميليشيا أو تسليم سلاحنا الفرديّ الخفيف مع التهديد باستخدام القوة، وحدثت مشاكل كثيرة وتكرر الأمر كثيراً حتى تدخل الرائد المدعو “أنور الحسين” المتزعم في “السلطان مراد” وحسم الأمر لصالح المستوطنين.
وأضاف: مؤخراً، وخلال شهر أغسطس 2022، وعلى خلفيّة مقتل المدعو “حسن الجمعة/ الفردونة”، وهو متزعم بالميليشيا في المنطقة، حدث الكثير من التغيرات في صفوف متزعمي مجموعات الميليشيا وتم تبديل ونقل الكثير منهم، وبنهاية شهر آب، تولى المسؤوليّة عن القرية كلٌّ من المدعو “الشيخ أبو عبد الرحمن عنجارة” والمسؤول الأمنيّ المدعو “أبو أحمد أمنية”، وبعد نحو أسبوع من توليهما مسؤوليّة القرية بدأوا مطالبتنا بإخلاء المنازل تحت تهديد السلاح والاعتقال، بحجّة أنَّ عناصر الميليشيا وعوائلهم أولى بالسكن فيها”.
بعد نحو ثلاثة أيام من رفض العائلات المستوطنة إخلاء المنازل وإصدارهم بياناً استنكار لممارسات الميليشيا، حاولت الميليشيا الاحتيال/الالتفاف على المستوطنين وخداعهم بالتوقيع على عقود إيجار على أنّها استبيان تقديم مساعدات وإحصاء مقتنيات المنزل والمرافق، ووقعت عدة عائلات مستوطنة على تلك الأوراق ولدى كشف الحيلة رفضت باقي العائلات التوقيع وهددتهم الميليشيا بالاعتقال بحال استمرار الرفض.
مصدر رابع، من العوائل المتضررة، قال في حديثه مع “سوريون”: ” بعد رفضنا التوقيع على عقود الايجار، بدأت التهديدات بالاعتقال تارة وبالملاحقة القانونيّة تارة أخرى، وفي يوم 1 أيلول/سبتمبر أرسلوا لنا بلاغ/إنذار بإخلاء المنازل ومراجعة مقر الميليشيا المعروف باسم سجن المعصرة في الساعة الواحدة من يوم 3 أيلول/سبتمبر في محاولة منهم لاستدراجنا إلى المقر البعيد عن القرية واعتقالنا كيلا يجرؤ أحد على معارضتهم، ولكن بعد التصعيد الشعبيّ الذي حصل وتدخل وجهاء من المنطقة ومناطق أخرى وعدد من المتزعمين تمّ حل الموضوع وتركت الأمور على وضعها الراهن والتراجع عن إخلاء المنازل، ولكن مؤقتاً”.
وثائق ملحقة