عفرين بوست ــ متابعة
نشر موقع المونيتور تقريراً حول الاقتتال الفصائلي الذي اندلع مطلع الأسبوع الحالي وأبعاده، وخلفياته، وكتب التقرير “فهيم تاستكين”، وقال إن تعامل تركيا مع الاشتباكات الأخيرة بين الجماعات المتحالفة في سوريا أثار التساؤل حول نيتها، وإنَّ الجماعةَ الجهاديّة (هيئة تحرير الشام) التي تسيطر على إدلب كسبت موطئ قدم في عفرين باستخدامِ جماعة مرتبطة بتركيا (أحرارا الشام) كحصانِ طروادة.
تقاعس تركي أوليّ في مواجهة الاشتباكات
قبل أن تتمكنَ تركيا من تنفيذ تهديداتها بتوغلٍ عسكريّ جديد في سوريا، دخلت الجماعات المتمردة التي تعتمد عليها في اقتتالٍ مع بعضها البعض، ما أثار الشكوك حول مدى قدرتها على مساعدة تركيا بتحقيق خططها لإنشاء “منطقة آمنة” على طول الحدود.
رغم جهود الوساطة اللاحقة، أثار تقاعس تركيا الأوليّ في مواجهة الاشتباكات وحقيقة أنَّ الأعمال العدائيّة لصالح “هيئة تحرير الشام”، الجماعة الجهاديّة المسيطرة على إدلب، أثار المزيد من التساؤلات والتكهنات.
بعدما هددت أنقرة بالسيطرة على تل رفعت ومنبج التي يسيطر عليها الكرد في شمال سوريا الشهر الماضي، أجرى “الجيش الوطنيّ السوري” ــ وهو تحالف فضفاض من الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا – مناورات عسكريّة بتوجيهات تركيّة وعززت خطوط المواجهة، وأعلن جاهزيتها. لأوامر للضغط قدما. ومع ذلك، فإنَّ الاقتتال الداخليّ يدعو للتساؤل عن مدى توحد مكوناته في المعركة.
الخلاف بين “أحرار الشام” و”الجبهة الشاميّة” في قلب الأزمة، التي اندلعت الأسبوع الماضي في مواجهة كبيرة، ووقفت فصائل أخرى بالجيش الوطني السوري إلى جانبِ “الجبهة الشاميّة”، ودعمت “هيئة تحرير الشام”، (وهي جماعة مصنفة إرهابيّة)، “أحرار الشام”. وهاجمت “الجبهة الشاميّة” “أحرار الشام” في عدة مواقع بريف الباب في 18 يونيو، واستولت على مواقع معروفة باسم “قطاع أحرار الشام الشرقيّ”، وأسرت 50 من عناصرها. وسرعان ما امتدت الاشتباكات إلى جرابلس. حاولت “الجبهة الشاميّة” طرد مسلحي “أحرار الشام” وعائلاتهم من عفرين. وجميع المناطق الثلاث تقع سيطرة تركيا وحلفائها.
ورداً على ذلك، عبرت “أحرار الشام”، بدعم من هيئة تحرير الشام، خلال المعبر الفاصل بين قوات المتمردين في إدلب وعفرين، واستولت على مناطق متعددة بريف عفرين الجنوبي والجنوب الغربي. وأُجبرت فصائل “الجيش الوطني السوريّ” على التراجع على طول الطريق إلى عين دارة وكرزيليه/ قرزيحل، على بعد 7 كم فقط (4 أميال) من مدينة عفرين. وكان “فيلق الشام” و”أحرار الشرقية” بين القوات المنسحبة، لكن بعض التقارير تزعم أنّهم كانوا مترددين بالقتال. وتم استدعاء القوات التركية المتمركزة بالمناطق الريفية إلى قاعدتها الرئيسيّة خلال الاشتباكات، وتم استخدام الدبابات ومدافع الهاوتزر.
تم التوصل لوقف إطلاق النار في 19 يونيو بعد تدخل جهاز المخابرات التركيّة (MIT) وتطلبت الصفقة عودة الأطراف إلى مواقعهم قبل القتال، بما في ذلك عودة مقر “أحرار الشام” وإطلاق سراح الأسرى. ولم يتم تأكيد ما إذا كانت هذه الشروط قد تم تنفيذها. أفادت تقارير في 20 يونيو بأنَّ “هيئة تحرير الشام” أرسلت تعزيزاتٍ جديدة إلى قريتي باصوفان وفافرتين بمنطقة عفرين اللتين يسيطر عليهما “فيلق الشام”.
جناح في أحرار الشام مقرب من هيئة تحرير الشام
عانت “أحرار الشام”، التي أسسها أعضاء سابقون بالقاعدة، من الانقسامات منذ هزيمتها في حرب شرسة مع “هيئة تحرير الشام” في إدلب عام 2018. جابر علي باشا، أحد الشخصيات البارزة بالتنظيم، مقرب من تركيا، في حين لا يزال الخصم الداخليّ حسن صوفان على علاقة وديّة مع متزعم “هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني”. وبحسب ما ورد حصل “صوفان” على دعم “الجولاني” عندما حاول الاستيلاء على قيادة المجموعة عام 2020. قاوم باشا، ودفع التصدع العميق الاستخبارات التركية للتدخل. بعد أشهر من الجدل، وتراجع الخصمان في يناير 2021 لترك عامر الشيخ يتولى القيادة. ورغم أنَّ “أحرار الشام” كانت في أوجها بين المتلقين الرئيسيين للدعم التركيّ، إلا أنّها ظلت مستقلة لحدٍّ ما بسبب طابعها السلفيّ الجهاديّ.
عدوها الحالي، “الجبهة الشاميّة”، أقرب نسبيًا إلى تركيا، لكونها وريثة “لواء التوحيد”، وهي جماعة أنشئت بدعم الإخوان المسلمين في الأيام الأولى للانتفاضة المسلحة في سوريا. من بين الفصائل الإسلامية، يمكن القول إنّ “فيلق الشام” التابعة للإخوان هي الأقرب إلى تركيا.
تشمل الفصائل التي جمعتها تركيا تحت مظلة “الجيش الوطني السوريّ” مجموعات تركمانيّة إضافة لمجموعات ليس لها أساس أيديولوجي، لكن علاقتها مع الجماعات الإسلاميّة كانت دائمًا أكثر خصوصيّة. بعض هذه الجماعات ترى في عملية أستانا وتركيز “الجيش الوطني السوريّ” على محاربة الكرد بناءً على طلب تركيا بدلاً من الحكومة السورية انحرافًا عن العقائد الثوريّة، لكنهم التزموا الصمت للاحتفاظ بدعم تركيا.
جذور الخلاف
تعود جذور خلاف “أحرار الشام” مع “الجيش الوطني السوري” إلى عام 2017، عندما اتحد “القطاع الشرقي – جناح أحرار الشام” في الباب وجرابلس – مع “الجبهة الشاميّة” في خطوة نالت مباركة قيادة الجماعة.. عندما أنشئ “الجيش الوطني السوري” في ذلك العام، وأصبحت “الجبهة الشاميّة” أكبر عنصر في الفيلق الثالث، وتم دمج القطاع الشرقيّ فيه أيضًا كفرقة. في وقت سابق من هذا العام، أثار القطاع الشرقي عددًا من المطالب الموجهة بشكلٍ فعّال إلى “الجبهة الشاميّة”. وطالبت بالسيطرة على الباب وجرابلس، بدفع 300 ألف دولار لتغطية النفقات السابقة، واستبدال قائد الفيلق الثالث، وقول إن معبر الحمران شرقي حلب، مصدر رئيسيّ للإيرادات الماليّة.
أدت التوترات إلى اشتباكات قرب الباب في 1 أبريل. ونتيجة لذلك، قرر القطاع الشرقي الانسحاب من الفيلق الثالث والانضمام إلى “هيئة ثائرون للتحرير”، وهي تشكيل حديث من الجماعات المدعومة من تركيا. وطالب الفيلق الثالث المجموعة بتسليم أسلحتها ومواقعها أولاً.
رُفع النزاع إلى لجنة المصالحة، التي قررت في 25 مايو بعد مشاورات مع تركيا أنَّ القطاع الشرقي يجب أن يعيد جميع الأسلحة وجميع المقرات باستثناء عدد قليل منها. ورفضت المجموعة الامتثال، حتى مع استخدام MIT لنفوذها لمنع “القطاع الشرقيّ” من الانضمام إلى “هيئة ثائرون للتحرير”. لكن تم الانضمام، تلته أنباء عن عودة القطاع الشرقيّ إلى أحرار الشام. وترى “الجبهة الشاميّة” أنَّ الجهود المبذولة لتقوية التشكيل الجديد هي تحركٌ لإضعاف مكانتها داخل “الجيش الوطني”.
على هذه الخلفية، تحركت “الجبهة الشاميّة” للاستيلاء على مقرات “القطاع الشرقي” في 18 يونيو. وفي إشارة إلى تورط “هيئة تحرير الشام” في الاشتباكات، اتهمت الحكومة المؤقتة المعلنة من جانب المعارضة السورية “هيئة تحرير الشام” بالسعي إلى “تشتيت انتباه قوى الثورة” بإثارة الخلافات الداخليّة وحثّ جميع فصائل “الجيش الوطنيّ” على البقاء في حالة تأهب. كما دعم “المجلس الإسلامي السوريّ” وبعض قادة الجيش الوطني السوري “الجبهة الشاميّة”.
وتقول مصادر المعارضة إنّ “صوفان” و”الجولاني” يحاولان الاستفادة من الأزمة – الأول لتعزيز مكانته داخل أحرار الشام والثاني لتوسيع مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام. ويتكهن البعض بأن “صوفان” جاء بعد انتقام “الجبهة الشاميّة” بعد انشقاق عدة مجموعات محسوبة على أحرار الشام في إدلب عن “الجبهة الشاميّة” العام الماضي. ويزعم آخرون أنّ “هيئة تحرير الشام” تسعى للقضاء التام على “الجبهة الشاميّة” و”جيش الإسلام”، وهو أيضًا جزءٌ من “الفيلق الثالث”.
وفي كلتا الحالتين، فإنّ المشاحنات التي لا تنتهي داخل الجيش الوطنيّ تساعد “هيئة تحرير الشام” على ترسيخ قوتها. وبينما كانت هناك بعض الجهود لتوحيد الجيش الوطني السوري وهيئة تحرير الشام، يود الجولاني الاستفادة من هذه المهام لتوسيع نفوذه في جيوب درع الفرات وغصن الزيتون التي تسيطر عليها تركيا وحلفاؤها.
رضا تركي
في غضون ذلك، قالت مصادر كرديّة أنّ تركيا راضية عن سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب وقد تكون على استعدادٍ لتسليم عفرين للتنظيمِ الجهاديّ. ويرد أنصار سياسة أنقرة تجاه سوريا أنّ “هيئة تحرير الشام” تحاول استخدام “أحرار الشام” كحصان طروادة لكسب موطئ قدم في عفرين، ما يهدد خطة تركيا لإقامة منطقة آمنة. نادرًا ما تتدخل القوات التركيّة في الاشتباكات بين الجماعات المتحالفة، وتحاول تركيا بدلاً من ذلك الظهور كوسيط. ومع ذلك، يعتقدُ البعض أنَّ تقاعس تركيا الأوليّ في الاشتباكات الأخيرة كان بمثابة إشارة إلى الجيش الوطنيّ المزعج بأنّ هيئة تحرير الشام قد تكون البديل عنها.