عفرين بوست-خاص
تعد مؤسسات الإغاثة والمساعدات أذرع مباشرة للحكومة التركية لتوسيع نطاق تدخلها في مختلف دول العالم، فهي أهم أدوات القوة الناعمة التي تجمّل عبر صورتها وتستقطب المؤيدين لسياستها، وإن كانت أنقرة تتحمل نفقات هذه المؤسسات فهي تجني أضعاف ذلك عبر نشاطاتها، وإحدى هذه المؤسسات تُعرف باسم “هيئة الإغاثة الإنسانيّة التركيّة “IHH” التي أعلنت عن مشروع إنشاء مسجد في مدينة عفرين المحتلة.
وفي السياق، أُعلن في مركز إقليم عفرين المحتلة يوم السبت 25 يوليو/ تموز عن مشروع إقامة مسجد “الذاكرين” بسعة 1500 مصلٍ، تبنت إنشاءه هيئة الإغاثة الإنسانيّة التركية “”IHH ومن المفترض إنهاؤه خلال عام، وبحسب بيان الهيئة فإنّ مبرر المشروع هو قلة المساجد بمدينة عفرين، وحضر حفل وضع حجر الأساس المدعو إرهان يملاك نائب رئيس الهيئة، هذه هي صيغة الخبر، ولكن المسألة ليست كما تبدو في ظاهرها. فالقضية تتعلق بنشر فكر وثقافة الإخوان المسلمين وتغيير ثقافة المنطقة.
التأسيس
تأسست الهيئة عام 1992، وسُجلت رسمياً عام 1995، ولكنها بعد تأسيس حزب العدالة والتنمية ووصوله للسلطة ارتبطت به بشكل وثيق نظراً لتوافقهما الأيديولوجي، ويؤكد ذلك المسؤول السابق في شرطة مكافحة الإرهاب أحمد يايلا في شهاداته عن السياسة التركية وعلاقتها بالإرهاب.
وللهيئة علاقة وثيقة مع “جمعية الدعم والتضامن مع الفقراء” ومقرها أضنة، ويقودها المدعو “حسن سوسلو” المعروف بدعمه للإرهاب، بعلم السلطات التركية، والتي لها نشاط كبير في سوريا وعلاقات مع “هيئة تحرير الشام”، وتنظيمات إرهابيّة متطرفة في عدة دول. وتعمل جمعية سوسلو على الترويج لمشروعات IHH في مناطق سيطرة التنظيمات الإرهابية، بالنشر في مواقع التواصل الاجتماعي وحث الناس على التبرع والمشاركة.
مشاركة بأعمال إرهابية
وأولى الفضائح الهيئة كانت عندما أدلى القاضي الفرنسي “جان لوي بروجيير” عام 2003 بشهادته أمام محكمة أمريكيّة أكّد فيها دور الهيئة بمؤامرة “القنبلة الألفيّة”، التي استهدفت مطار لوس أنجلوس الدولي بتدبير من “القاعدة”، وعملت الهيئة كمنظمة غير حكومية فجنّدت الإرهابيين، وزوّرت الوثائق، ونقلت أسلحة للمتطرفين.
وفي يناير 2014، وُجهت اتهامات إلى الهيئة بتهريب أموال ومعدات طبية وأسلحة إلى إرهابيين من “القاعدة” في سوريا، خلال تحقيق أجراه النائب العام بمدينة وان شرق تركيا، وكشفت وثائق حكومية حصل عليها صحفيون أتراك، أن الهيئة أرسلت هذه الأسلحة للإرهابيين تحت ستار تقديم المساعدات.
وتوصلت التحقيقات إلى أن عضواً بارزاً بالقاعدة “إبراهيم سن” وكان سجيناً في باكستان وغوانتنامو حتى عام 2005 قبل تسليمه إلى تركيا، وآخرين كانوا يرسلون أسلحة وأموالاً إلى مجموعات “القاعدة” في سوريا بمساعدة الاستخبارات التركية، واستعان «إبراهيم سن» بالهيئة لإخفاء عمليات شحن غير قانونية إلى الإرهابيين، وخلص النائب العام إلى أن الهيئة شاركت في هذا المخطط بعلمها الكامل، ولكن التهم أسقطت عقب ما عرف بمحاولة الانقلاب.
دعم قطري
وتعود علاقة هيئة الإغاثة التركية بالدوحة إلى ديسمبر1997 عندما حضر رئيسها “بولند فهمي يلدرم”، حفل افتتاح مكتب “قطر الخيرية” بأنقرة، وبعدها حققت السلطات التركية حول نشاطات الهيئة والاشتباه بتورط أشخاص فيها بشراء أسلحة أوتوماتيكية من منظمات متطرفة، ما دفع المحققين الأتراك لمداهمة مكاتبها، وتأكدوا أنها قامت بذلك فعلاً، وكان ذلك في سياق التخطيط للقتال بالبوسنة وأفغانستان والشيشان، كما ترتبط الهيئة بعلاقات وثيقة مع مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية «كير» المدعوم من قطر، الذي التقى أردوغان رئيسها في نيويورك عام 2019.
وقد عقدت الهيئة عبر علاقة رئيسها الوثيقة مع رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية “علي صميخ المري”، اتفاقيات شراكة مع مؤسسات قطرية مصنفة على قائمة الإرهاب في السعودية والإمارات والبحرين ومصر، إحداها مؤسسة “راف” القطرية، ومؤسسة عيد الخيرية القطرية، والهلال الأحمر القطري.
فيما لعب رئيس هيئة الإغاثة التركية لعب دوراً بالإفراج عن 48 رهينة إيراني احتجزتهم الميليشيات المسلحة بسوريا عام 2011، وفي يناير 2013، توسطت للإفراج عنهم بصفقة تبادل للسجناء.
صلة الوصل بين أردوغان و “داعش”
وقد استغل رئيس الوزراء التركي أردوغان هيئة الإغاثة التركية IHH للتواصل مع “داعش” في العراق وسوريا، وأوصلت الهيئة أسلحة إلى العمق السوري والعراقي، وطالبت واشنطن بإدراجهاIHH ضمن المنظمات الداعمة للإرهاب، وتحدث الإعلام الأوروبي استناداً لمصادر مخابراتية عن ضلوع هيئة الإغاثة التركية بإيصال أسلحة وتهريب إرهابيين إلى سوريا ومنها إلى العراق”، ما يرجح أن تكون المنظمة قناة الوصل بين أردوغان والتنظيمات الإرهابية بالعراق وسوريا ومنها داعش”.
أسلحة إلى سوريا في شاحنة إغاثة
وفي 1/1/2014، شهدت بلدة قره خان بولاية هاتاي قرب الحدود السورية تطبيقاً عملياً لصراع الأجهزة التركية، فقد كان جهاز الاستخبارات يرافق شاحنة إلى الحدود السورية، وقامت الشرطة التركية بتوقيفها وتفتيشها لتجد أنها محمّلة بالأسلحة والذخائر، وذكرت صحيفة “حرييت” أن قوات الأمن التركية ضبطت شاحنة تركية كبيرة تحمل صواريخ وذخائر إلى سوريا.
وقال سائقوها إنهم ينقلون مساعدات إنسانية لهيئة الإغاثة الإسلامية’، وأوقفت ثلاثة أشخاص (تركيان وسوري). فيما ذكرت وكالة الأنباء التركية “الأناضول” أن المنظمة أصدرت بياناً نفت فيه ما ذكرته صحيفة “راديكال” بشأن ضبط الشرطة التركية شاحنة مساعدات تابعة لها بولاية هاتاي.
وقال المدعي العام الإقليمي أوزكان شيشمان: إن إخبارية من الشرطة جعلته يأمر بعملية التفتيش التي أحبطت في 1/1/2014، وأضاف: “لم أكن أريد منع مرورها لو كانت تابعة لجهاز المخابرات الوطنية وتنقل مساعدات، ولكن كانت لدينا معلومات تقول إن هذه الشاحنة تقل أسلحة.. واضطررنا لإجراء تحريات”.
ولاحقاً، كشفت صحيفة “حرييت” التركية أن أردوغان أقال عناصر الشرطة الذين أوقفوا الشاحنة، مشيرةً إلى أنها كانت تسير برفقة عناصر من جهاز المخابرات التركية الذين منعوا تفتيشها بحجة احتوائها مواد تعتبر بمثابة أسرار دولة.
وأوضحت وكالة أنباء “دوغان” التركية أن الشرطة داهمت من يشتبه بصلتهم بالقاعدة في ست مدن من بينها إسطنبول وأضنة، وفي 14/01/2014 داهمت الشرطة التركية مكاتب هيئة الإغاثة الإنسانية الإسلامية التركية في كيليس.
واستندت السلطة إلى مبدأ أن حمولة الشاحنة من “أسرار الدولة”، وانهالت الاتصالات الحكومية تهدّد “شيشمان” دون اعتبار لمبدأ فصل السلطة التنفيذية عن القضائية، فتم تسريحه من منصبه إثر الحادثة بأيام. وبعد ساعات قليلة من التوقيف استعاد جهاز الاستخبارات الشاحنة من الشرطة.
وفي 17/4/2014 تمت المصادقة على قانون يمنح الحصانة لجهاز الاستخبارات ويمنع توقيفها آلياتها وتفتيشها، إلا أن الحادث وقع قبل سريان القانون بثلاثة أشهر.
وفي 29/5/2015 نشرت صحيفة “جمهورييت” التركية صوراً ومقطع فيديو يؤكّد أن شحنات أسلحة أرسلت إلى الميليشيات السورية الإسلامية المسلحة مطلع 2014، فكانت صفعة للسلطة التركية التي ترفض الإقرار بنقلها أسلحة إلى سوريا، وتم تداول المقطع المصور بكثافة دون التشكيك بصحته أو إنكاره بشدة كما يتم عادة، ولكن انتهى الأمر برئيس تحرير صحيفة “جمهورييت” “تشان دوندار” بالمحكمة.
وقد أثارت القضية فضيحة سياسية عندما أكدت وثائق سياسية نشرت على الإنترنت أن الشاحنات تعود للاستخبارات التركية وتنقل أسلحة وذخائر إلى مسلحين إسلاميين سوريين.
وقال أحمد داود أوغلو أنه لا يستطيع التعليق بشكل كامل بسبب “أسرار الدولة”، وأضاف: “تركيا قدمت المساعدة للشعب السوري وللجيش السوري الحر، إلا أنه لم يحدد طبيعة تلك المساعدات، وأضاف: “لقد قلت في ذلك الوقت إن الشاحنة كانت تحمل مساعدات لوجستية موجهة إلى التركمان الذين هم بحاجة ماسة إلى المساعدات (…) المساعدات كانت للجيش السوري الحر وللشعب السوري”، وأشار إلى أن مداهمة شاحنات تابعة لجهاز الاستخبارات التركي عمل غير قانوني ضد مصالح تركيا وأمنها القومي (…) ونشر الفيديو في هذا الوقت هدفه التأثير على الانتخابات”.
وأمام البرلمان التركي نفى وزير الداخلية التركي “أفكان علاء” أيضاً المعلومات الصحافية وقال: “الشاحنة كانت محملة بمساعدات للمجموعة الناطقة بالتركية في سوريا”.
حوادث ووثائق تؤكد تسليح الإرهابيين في سوريا
وفي حوادث أخرى تم تفتيش أربع شاحنات في إقليم أضنة في مداهمات للشرطة وقوات الأمن إحداها 7/11/2013 والثلاثة الأخرى في 19/1/2014 بناء على أوامر من ممثلي الادعاء الذين فعلوا ذلك استناداً لمعلومات تفيد أن الشاحنات تحمل أسلحة، وصودرت الشاحنة الأولى، ولكن سُمح للشاحنات الثلاث الأخرى بمواصلة رحلتها بسبب تهديد مسؤولي المخابرات المرافقين للشحنة للشرطة ومقاومتهم لعملية التفتيش، وفقاً لما كشفت عنه الشهادات بالمحكمة وتقرير للمدعي العام.
وقال شيشمان: أنه أمر بتفتيش الشاحنة الأولى في 7/11/2013 بعد معلومات تفيد أنها كانت تقل أسلحة بطريق غير مشروع في مقابلة في 4/5/2014 في أضنة “أظهرت تحقيقاتنا أن بعض مسؤولي الدولة ساعدوا هؤلاء الناس في توصيل الشحنات”، واعتقل شيشمان وعزيز تاكجي واثنان آخرين من المدعين بأوامر من المدعي العام للدولة وواجهوا تهماً بتنفيذ عمليات تفتيش غير قانونية. وأمر المجلس الأعلى للقضاة باعتقال بحق شيشمان بتهمة الكشف عن أسرار الدولة وتشويه سمعة الحكومة بتصويرها على أنها تساعد جماعات إرهابية.
وقال أردوغان: “الشاحنات الثلاث التي تم إيقافها في 19/1/2014 تابعة لجهاز المخابرات وكانت تنقل مساعدات”، وأضاف: “إنهم القضاء الموازي والأمن الموازي.. المدعي يقفز في شاحنة ويجري عملية تفتيش.. لا يجوز لك أن تفتش شاحنة لجهاز المخابرات الوطنية فليس لديك سلطة لذلك”، وأشار إلى أن المدعين ليس لديهم سلطة لتفتيش المركبات التابعة لجهاز المخابرات الوطنية.
وفي مقابلة تلفزيونية في أغسطس/ آب 2014 تساءل أردوغان “من كان هؤلاء الذين حاولوا إيقاف شاحنات جهاز المخابرات الوطنيّة في أضنة بينما كنا نحاول إرسال مساعدات إنسانية إلى التركمان؟ فيما تظهر وثيقة في محكمة إسطنبول بتاريخ أبريل/نيسان 2015 أن أكثر من 30 من ضباط بالأمن تورطوا بمحاولة تفتيش الشاحنات في 1/1/2014 وأحداث 19/1/2014 وُجهت لهم تهمٌ كالتجسس العسكري ومحاولة إسقاط الحكومة.
ووفقاً لما تقدم من دور لهيئة الإغاثة التركية، فقد كانت أولى المؤسسات التركية التي حضرت إلى عفرين بعد احتلالها، لتؤدي دورها بتجميل الاحتلال، واختراق المجتمع بغطاء المساعدات الإنسانية، وتزويد جهاز الاستخبارات بالمعلومات والبيانات الإحصائية، كما أنها تبدي التمييز العنصري في توزيع المساعدات، وتحصرها بالمستوطنين فقط، علماً أن حجم الخيرات المنهوبة من عفرين بعد احتلالها أضعاف المساعدات المقدمة.