عفرين بوست
نقل موقع أحوال تركية المعارض في الرابع والعشرين من مارس، تقريراً أعده الصحفي الغربي بول إيدن، حول الاوضاع في إقليم عفرين الكردي المحتل، التابع للإدارة الذاتية في شمال سوريا سابقاً، (قبل أن يغزو جيش الاحتلال التركي ومسلحو تنظيم الإخوان المسلمين ممن يسمون أنفسهم بـ “الجيش الوطني السوري” على الإقليم ويحتلونه بالقوة العسكرية، ويعمدوا إلى تهجير سكانه الأصليين، وتنفيذ أكبر عملية تغيير ديموغرافي في الحرب السوري، عبر إستجلاب مئات آلاف المستوطنين من ذوي المسلحين من أرياف دمشق وحمص وحماه ودير الزور وإدلب وغيرها).
وجاء في التقرير: ((قال محللون أكراد إن الغزو التركي لمنطقة عفرين الواقعة في شمال غرب سوريا قبل عامين أسفر عن تطهير عرقي واسع النطاق لسكانها الأكراد ليحل محلهم العرب السوريون النازحون فرارا من القتال في أماكن أخرى بالبلاد.
سيطرت القوات التركية، المدعومة بميليشيات معظمها من الإسلاميين العرب السوريين، على بلدة عفرين في الثامن عشر من شهر مارس في العام 2018، بعد حملة استمرت شهرين جرى شنها لمحاربة ما وصفته تركيا بالتهديد الذي تشكله وحدات حماية الشعب على أراضيها، وهي جماعة كردية سورية كانت تسيطر على المنطقة منذ انسحاب القوات التابعة للحكومة السورية منها في العام 2012.
وتسببت العملية العسكرية في نزوح ما يقرب من 180 ألف كردي، مما أدى في الأساس إلى تغيير التركيبة السكانية القائمة في المنطقة منذ فترة طويلة. فقبل الغزو، كانت عفرين موطنا للسوريين بمختلف خلفياتهم. أما بعد الغزو، سارع وكلاء تركيا إلى إعادة توطين العرب السوريين النازحين في منازل الأكراد الخاوية.
يقول سينغ ساغنيك المحلل المعنى بشؤون الأكراد المقيم في واشنطن: “يمكن وصف حالة عفرين بأنها أحدث مثال على التطهير العرقي شهده عصرنا الحديث”.
قبل اندلاع الصراع السوري في العام 2011، كان عدد سكان عفرين يقدر بنحو 400 ألف نسمة، لكن هذا العدد زاد كثيرا حين لجأ ما يتراوح بين 200 ألف و300 ألف نازح سوري إلى المنطقة. وقال مسؤولون أكراد سوريون إن 85 في المئة من سكان عفرين كانوا من الأكراد قبل الغزو، ولكن بعد مرور عامين قالوا إن نسبة السكان الأكراد هناك تقلصت إلى 20 في المئة.
وقال محمد صالح، طالب الدكتوراه والزميل لدى بيري وورلد هاوس بمعهد الشؤون الدولية في جامعة بنسلفانيا، إن غزو واحتلال عفرين دمر منطقة كانت حتى ذلك الوقت واحدة من أكثر المناطق أمانا وتنوعا في سوريا.
كانت الأقليات في عفرين قبل الغزو التركي تشمل المسيحيين، بل وتضم عددا صغيرا من الإيزيديين. أما الآن، فقد اختفت تلك الفئات إلى حد كبير ونزح معظم الإيزيديين من عفرين ليعيشوا بمخيمات في تل رفعت المجاورة، خائفين مما سيحدث لهم على أيدي وكلاء تركيا إذا حاولوا العودة إلى قراهم. كما وردت تقارير أيضا عن عمليات اختطاف لأهالي عفرين من الإيزيديين وتدنيس مقدساتهم على يد الميليشيات الموالية لتركيا.
ويقول صالح: “من الصعب استيعاب تنفيذ مشروع احتلال استعماري وتطهير عرقي كهذا في القرن الحادي والعشرين”.
عشية الغزو، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن 55 في المئة من سكان عفرين من العرب، و35 في المئة منهم أكراد، ومعظم البقية من التركمان، وهي أرقام فندها بشدة المسؤولون الأكراد السوريون. وأعلن الرئيس مرارا عن نيته إعادة عفرين إلى ما وصفهم بأصحابها الحقيقيين.
وقال نامو عبد الله، مدير مكتب شبكة رووداو الإعلامية الكردية في واشنطن: “يقصد بأصحابها الحقيقين العرب على وجه التحديد، كما لو أن الأكراد الذين عاشوا في المنطقة لأكثر من ألف عام هم مجرد كائنات فضائية جاءت من كوكب آخر”.
وأضاف أن أردوغان لم يخف قط حقيقة ما يضمره “حين يتحدث عن نواياه بشأن التطهير العرقي في سوريا… في عفرين، التي لم يكن يقطنها أي سكان أتراك، غيّرت تركيا لافتات الطرق وأسماء المستشفيات والمدارس المكتوبة باللغة الكردية، لتحل محلها أخرى باللغتين التركية والعربية”.
صحيح أن الغزو قد تسبب في تغييرات كبيرة للتركيبة الديمغرافية في عفرين، لكن “لا أحد يعلم مداها بدقة شديدة”، وفقا لما ذكره كايل أورتون، المحلل المستقل المعني بشؤون الشرق الأوسط.
وتنفي تركيا ووكلاؤها أي تطهير عرقي متعمد أو أي نية في طرد السكان الأكراد، بيد أنهم يقولون إن النزوح من الآثار الجانبية المترتبة على القتال.
ويقول أورتون: “لكن عند الحيلولة دون عودة المشردين، وإدخال العرب النازحين من مناطق أخرى في سوريا، تكون النتيجة واحدة”.
وتقول الحكومة التركية إن وحدات حماية الشعب جزء من حزب العمال الكردستاني الذي يحارب من أجل الحكم الذاتي في المنطقة الجنوبية الشرقية ذات الأغلبية الكردية في تركيا منذ العام 1984، لكن أنقرة لم تقدم أدلة تذكر تثبت صحة ادعائها بأن وحدات حماية الشعب استخدمت عفرين كمنصة إطلاق لشن ما يربو على 700 هجوم على تركيا خلال عام واحد.
غير أن أورتن أشار إلى أن إعادة تشكيل التركيبة الديمغرافية تساعد تركيا في السيطرة على المنطقة.
وأضاف: “تغيير التركيبة السكانية يقلص قاعدة الدعم التي يحظى بها حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب لتمرده ومواجهة الوجود التركي”.
شنت قوات تحرير عفرين، التي تأسست مباشرة بعد الاستيلاء على المنطقة، سلسلة من الهجمات الخاطفة على القوات التركية والقوات السورية المتحالفة معها في عفرين وأماكن أخرى في محافظة حلب.
وكان رد الفعل الدولي على عملية عفرين وما تلاها من انتهاكات خافتا، خصوصا إذا ما قورن بحالة الغضب التي أثارها الغزو التركي لمنطقة شمال شرق سوريا التي يهيمن عليها الأكراد في شهر أكتوبر من العام 2019.
وقال صالح إن السبب في ذلك يرجع إلى عدم رغبة أوروبا في مواجهة تركيا، وسط مخاوف من أن يرسل أردوغان مجددا مئات الآلاف من اللاجئين السوريين تجاه الدول الأوروبية، ونظرا لأن روسيا سلمت عفرين لأردوغان كي يتسنى لقوات النظام السوري استعادة مناطق أخرى من قبضة المعارضة السورية المسلحة.
وأضاف: “مجمل القول، إن ذلك يصب في صالح أردوغان على حساب مئات الآلاف من الأكراد الذين فقدوا حياتهم وسبل عيشهم بين عشية وضحاها”.
علاوة على ذلك، وبينما دعمت الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب في شمال شرق سوريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إلا أنها لم تقم قط بالتنسيق أو العمل مع وحدات حماية الشعب المتمركزة في عفرين.
وتوقع ساغنيك أنه إذا لم تضع روسيا نهاية للوجود التركي في عفرين، فلربما تصبح مثل شمال قبرص، التي تتمركز فيها القوات التركية منذ غزوها في العام 1974.
إن الأكراد السوريين غير قادرين على استعادة عفرين بمفردهم، لكن روسيا يمكن أن تمارس ضغوطا كبيرة على تركيا لمغادرة المنطقة في نهاية المطاف والسماح لقوات الرئيس السوري بشار الأسد بالعودة، وفي إطار هذا السيناريو، من المستبعد جدا أن تعود عفرين إلى الحكم الذاتي الكردي، بل ستخضع على الأرجح لسيطرة دمشق المركزية.
وفي حين أن هذه النتيجة تظل غير مرغوبة لهم، إلا أن صالح يعتقد أن معظم الأكراد سيفضلون ذلك على الاحتلال التركي، فيقول صالح: “نظام الأسد يضطهد الأكراد، ولكن عند الاختيار بين نظام قمعي وآخر عازم على تطهيرهم عرقيا، سيفضل الأكراد الخيار الأول بالتأكيد”)).