نوفمبر 15. 2024

أخبار

أحمد سينو: للأيزيديين ديانة مستقلة قائمة بذاتها

عفرين بوست-ميدل ايست اونلاين

يؤكد الباحث د.أحمد سينو في دراسته “الأكراد الأيزيديون في العهد العثماني” أن الأيزيدية ليسوا فرقة إسلامية، وأنهم ديانة مستقلة قائمة بذاتها، تعود جذورها إلى المثرائية والزرادشتية، رغم بعض المؤثرات من الأديان الأخرى، ويتضح ذلك من خلال دراسة النصوص الدينية الواردة في كتبهم المقدسة وصلاتهم المتجهة إلى الشمس في كل الأوقات، وطقوسهم الدينية وأعيادهم، كعيد القاباغ وعيد جل ميران أو سماط جل ميران وغير ذلك.

ويشير إلى أنه، ورغم الحملات العسكرية العثمانية المتكررة على مناطق الكرد الأيزيديين في الشيخان وسنجار وغيرها من المناطق الأخرى، إلا أنها لم تستطع القضاء عليهم، لإصرار الأيزيديين على تمسكهم بمعتقداتهم، وتمكنهم من المقاومة وبشكل مستمر من خلال اللجوء إلى جبل سنجار، الذي كان دائما الملاذ الآمن. لكنها أي الدولة العثمانية، استطاعت إلحاق أضرار بالغة بهم، اقتصاديا وبشريا نتيجة وحشية الهجوم من جهة، وللمصادرات التي كانت تصيب محاصيلهم وماشيتهم وثرواتهم من جهة أخرى، ناهيك عن القتل والتشريد والهجرة، التي وصلت ذروتها إلى القفقاس وأذربيجان ويريفان وغيرها من المناطق.

ويرى سينو في دراسته الصادرة عن دار الزمان أن أضرارا اقتصادية وبشرية كبيرة لحقت ببلاد الرافدين وكردستان جراء الحروب الإقليمية بين الدولتين العثمانية والصفوية، خاصة في بغداد والموصل في عهد كل من السلطان مراد الرابع ونادر شاه وغيرهما من قادة الدولتين وصراعهما المستمر للهيمنة على بلاد الرافدين، لم يكن الكرد الأيزيديين بمنأى عن ذلك.

ويلاحظ أن أوضاع الأيزيدية لم تتحسن طيلة الفترة العثمانية، رغم المحاولات المتكررة لإعفائهم من الخدمة العسكرية لأسباب تتعلق بمعتقداتهم، رغم رفع العرائض إلى الباب العالي وتدخل أو توسط بعض سفراء الدولة الأجنبية، إثر قيام الدولة العثمانية ببعض الإصلاحات واصدار قوانين كقانون شريف كلخانه، لأنها كانت تفسر وتطبق على الأيزيدية بطريقة سلبية على أيدي ولاة بغداد والموصل.

ويشير سينو إلى أن الكرد الأيزيديين تميزوا بأفضل العلاقات مع بعض العرب والأرمن والسريان والآشوريين، واتضح ذلك من خلال قيام الأيزيدية بحماية المسيحيين الأرمن والأشوريين من حملات الإبادة التي كانت تشنها الدولة العثمانية، قبيل الحرب العالمية الأولى وخلالها، ومحاصرتها لجبل سنجار طالبة من زعيم الجبل حمو شرو تسليم هؤلاء، ورفضه ذلك رغم التهديد الكبير.

الكتاب يبحث موقف الأيزيدية من التجارة والأعمال التجارية، والتي لم يكونوا يرغبون بها لأسباب تتعلق بعقيدتهم الدينية وموقف العامة منهم من الكرد والعرب وبقية الأقوام الأخرى، للاعتقاد الخاطئ بهم على أساس أنهم عبدة الشيطان.

ويضيف أن البعثات التبشرية في بلاد الرافدين وكردستان وعلى اختلاف أنواعها، كان لها دور في الصراعات المحلية والعشائرية، وخاصة البريطانية والأميركية، والتي كانت تخدم أهداف الدولة التي أرسلتها، ومثال ذلك مارسته هذه البعثات في إثارة الخلافات بين الكرد والآشوريين في كل من إمارة بهدينان وبوتان.

ويقول سينو إن مناطق الأيزيدية تتميز بوفرة الخيرات والثروات الطبيعية والحيوانات البرية والنباتات الطبيعية، كما تميزت مناطقهم بالوفرة والتنوع في إنتاج الحبوب والفواكة والجوز والحرير، رغم اعتماد اقتصادهم على الاكتفاء الذاتي وإتباعهم الاقتصاد المنزلي. كما أن عشائر الكرد الأيزيدية، احتفظت بجميع مقومات العلاقات العشائرية كبقية عشائر الرافدين من العرب والكرد، سواء من حيث البنية والتنظيم أو التغيرات التي طرأت عليها، مع بقاء العلاقات الأبوية الإقطاعية في المجتمع الكردي الأيزيدي.

يتناول سينو بالبحث والدراسة هذا الموضوع “الأكراد الأيزيديون في العهد العثماني” في الفترة الواقعة بين مطلع القرن الـ 16، وقيام الحرب العالمية الأولى أي ما بين عامي 1514 – 1914 كدراسة تاريخية تحليلية تشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. إلخ، تتجلى فيها الجوانب الحضارية للكرد الأيزيديين من اقتصادية واجتماعية وثقافية، باعتبارها المحرك الأساسي للتواصل الحضاري ضمن المحيط المحلي والإقليمي، وذلك لتقديم صورة تاريخية شاملة للأيزيديين على قاعدة أن التاريخ المجزأ لا يفهم ولا يعطي الرؤية المناسبة، وفي إطار عدم الفصل بين الأحداث السياسية والعسكرية والحالة الفكرية والاجتماعية، والمؤثرات الدولية والإقليمية وانعكاساتها على الواقع الكردي الأيزيدي كجزء لا يتجزأ من التاريخ الكردي الحديث في المنطقة.

وتضم الدراسة خمسة فصول، مقسمة إلى عناوين فرعية أو مباحث، وملحق صور، الأول “الأيزيدية.. الأصل والتواجد الجغرافي” ويعالج فيه سينو إشكالية التسمية، “هل هي اليزيدية أم الأيزيدية وهي الأنسب كما يراها الباحثون الأيزيديون أنفسهم، كما تم دراسة الأصل والانتماء العرقي وبيان الآراء المختلفة حول ذلك. إلى جانب بحث أماكن توزعهم الجغرافي في بلاد الرافدين وكردستان بشيء من التفصيل، في منطقة الشيخان وسنجار وبعض قرى الموصل، نواحي الخابور ما يعرف اليوم بالجزيرة السورية “محافظة الحسكة” وفي عفرين وكلس من مناطق وقرى حلب الشمالية، وفي ديار بكر وماردين والقفقاس وغيرها، دون إغفال أهمية المناطق والقرى التي سكنوها من الناحية المناخية والاقتصادية والبشرية، والإشارة إلى العشائر الأيزيدية التي شكلت قوام البلدات والقصبات المذكورة كما سلطت الضوء على تعدادهم في المناطق المختلفة المذكورة، استنادا إلى مصادر الفترة أو القريبة منها، وتم بحث ودراسة أسباب ودواعي هجراتهم القسرية إلى معالم جغرافية جديدة أثناء الفترة العثمانية.

وتناول سينو في الفصل الثاني “الحياة السياسية للكرد الأيزيديين وعلاقتهم مع المحيط المجاور” أهم الأحداث السياسية التي طالتهم في الفترة العثمانية بين عامي 1514 – 1914 متناولا الوضع الدولي العام في الفترة المذكورة التي تجلى فيه الصراع الاستعماري بأقوى أشكاله، للبحث عن معالم جغرافية جديدة، أهملت بلاد الرافدين من قبلهم ردحا من الزمن، لتنال الاهتمام من بريطانيا وفرنسا وهولندا عبر اهتمامها بتجارة الشرق وطريق الهند، عبر البعثات الاستطلاعية الجغرافية والدينية والتبشيرية التي كانت تهدف في النهاية إلى خدمة الدول التي أرسلتها.

ويسلط الضوء على الصراع العثماني الصفوي على بلاد الرافدين، وبيان أثره على السكان، خاصة الكرد الأيزيديين، لأنه بانتصار سليم الأول في معركة جالديران عام 1514 ثم معركة قوج حصار 1516 صارت معظم مناطق الكرد والكرد الأيزيديين في حوزة الدولة العثمانية، التي اعترفت بالزعامات المحلية الكرية والأيزيدية.

ويرى سينو أن “موقف الدولة العثمانية من الكرد الأيزيديين، والتي كانت حسنة أول أمرها، في عهد سليم الأول وسليمان القانوني ومراد الرابع والتي طرأ عليها تغير جذري اتسم بالتوتر والعداوة بين الطرفين إثر تجريد الحملات العسكرية عليهم عبر ولاة بغداد والموصل تارة على سنجار وأخرى على مركزهم في الشيخان”.

ويلفت إلى أن العلاقة بين كل من الكرد والكرد الأيزيديين كانت جيدة في العموم، لكنها لم تكن تخلو من الصراعات العشائرية على مناطق النفوذ ضمن الإمارات الكردية القائمة والمجاورة للإمارة الأيزيدية في الشيخان، خاصة إثر توسع أمير راودوز في مناطقهم وقسوته وسوء معاملته لهم والتي فاقت بشاعة أساليب الدولة العثمانية.

وتطرق سينو للعلاقات الكردية الأرمنية بشكل عام، والتي لم تخل من التوتر وسوء الفهم، إلى جانب توضيح العلاقات الأيزيدية الأرمنية التي اتسمت بالتعاون والصداقة والتحالف إلى جانب تسليط الأضواء على العلاقات الأشورية الكردية والتي رغم توترها أحيانا لم تكن تخلو من حسن الجوار والصداقة، كما تناول موقف الكرد الأيزيديين من بريطانيا أثناء احتلالها للعراق وتعاونهم معها للخلاص من الاضطهاد العثماني.

ويوضح سينو في مقدمته للفصل الثالث “المعتقدات الدينية عند الكرد الأيزيديين” الأسباب التي دفعته إلى دراسة هذا الجانب من حياة الأيزيديين، في محاولة منه لتسليط الضوء على الإشكاليات، التي لامست أو تلبست عقيدتهم الدينية عبر بحوث الفصل وفقراته الرئيسية، مبتدأ بحركة الأديان القديمة في الرافدين وبلاد فارس، اللذين شكلا المنبعين الأساس للفكر الديني في المنطقة عبر الآلهة السومرية وتراتيلها وملامحها، التي تركت أثرها في الفكر العالمي، ومثلت المثرائية والزرادشتية والمانوية الخط الآخر الموازي، كما تم في الفصل، توضيح الجذور الأولى للدين الأيزيدي، العائدة إلى المثرائية والزردشتية وتفنيد الآراء التي نسبته إلى الدين الإسلامي، أو اعتبرته إحدى الفرق الإسلامية.

وبحث سينو إشكالية الكتب الدينية المقدسة “كتاب الجلوة في أرباب الخلوة” وكتاب “مصحف رش” والتي لم تمثل الكتب الأصلية لدى الكرد الأيزيديين، لأسباب تتعلق بتلاعب أصحاب المآرب بها، وإن كانت مضامينها لا تخلو من التعاليم الصحيحة الخاصة بهم، كما تم في أحد البحوث معالجة إشكالية عدي بن مسافر ونسبه وأصله، وتبيان إشكالية طاووس الملائكة، الذي هو إبليس أو الشيطان في الدين الإسلامي، والذي هو في العقيدة الأيزيدية جزء من الذات الإلهية العليا، وبالتالي فهو مصدر الحياة والخير والضياء.

وتناول أهمية وقدسية “لالش” النوراني، الذي يعد أهم مركز ديني ومحج عند الأيزيديين، إلى جانب تبيان بعض النماذج لأهم الأقوال والأدعية الدينية الشفاهية التي تسمى عندهم “بعلم الصدر” كما تم التطرق إلى أهم طقوس وعبادة الأيزيدية من الصلاة والصيام والتعميد وحالات الموت والدفن ومراتب رجال الدين إلى جانب مقدسات أخرى.

وتطرق سينو في الفصل الرابع “الحياة الاجتماعية والثقافية للكرد الأيزيديين” إلى سمات الوضع الاجتماعي العام في بلاد الرافدين مبينا فيه الألقاب العثمانية، والتراتبية الاجتماعية المتعلقة بالامتيازات الإرادية وملكية الأراضي وظهور الإقطاعي صاحب اتيمار والإقطاعي صاحب “زعامت” إلى جانب ألقاب أخرى مثل البك والبكلربك والباشا وغيرها.

وسلط الضوء على العشائر الكردية الأيزيدية، وبعض أنماط حياتها القائمة على الأسس والنظم القبلية والإقطاعية القائمة على الولاءات الدينية كما هي الحالة عند الكرد الأيزيديين أنفسهم. كاشفا وضع الفلاحين الأجراء الذين يسمون عند الأيزيدية “ريجنة بر” كحالة اجتماعية وأداة إنتاج عندهم، كما تم تطرق إلى أبرز الأعياد الكردية الأيزيدية، ذات العلاقة بالطقوس الزراعية والرعوية، ودورة التبدلات المناخية أو الفصلية كالاعتدال الربيعي والانقلاب الصيفي أو المرتبطة بحركة الكواكب لا سيما كوكب الشمس. كعيد رأس السنة الأيزيدي “سري سالي” وعيد الجماعية وحفلة سما وعيد القاباغ ووليمة جل ميرانس “ماط جل ميران” وغيرها من الأعياد.

وأوضح سينو في هذا الفصل أهم العادات الاجتماعية الكردية والأيزيدية، كعادات الزواج وطقوسه والختان والكرافة، التي هي نوع من التحالف بين الأسر، لجأت إليها الأسر الأيزيدية لحماية نفسها من الظلم الاجتماعي العام، وتم الحديث عن دور المرأة الأيزيدية التي لحق بها الكثير من الغبن والإجحاف وسوء الفهم، وإبراز دور الأميرة الأيزيدية ميان خاتون كنموذج حقيقي لدور المرأة الأيزيدية في الحياة الاجتماعية إلى جانب البحث في الأوضاع الصحية العامة للأيزيديين في الفترة العثمانية والتي لا تتجزأ ولا تفصل عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي والصحي العام في بلاد الرافدين، إضافة إلى توضيح طرق وأساليب العلاج المعروفة لديهم آنذاك، غير ناسيا التطرق إلى الكوارث والأوبئة ذات الصلة كالمجاعات والجفاف والطاعون والكوليرا وغير ذلك.

ودرس سينو حالة البيوت والمساكن واللباس والأثاث والأدوات المنزلية عند الكرد الأيزيديين، غير غافل عن ذكر حالات الفرح متناولا الأغاني الكردية الأيزيدية وأنواع دبكاتهم وآلاتهم الموسيقية، إلى جانب تناول الأساطير والقصص الشعبية المتداولة في المخيلة الأيزيدية، وتوضيح دور أشهر الكتاب الأيزيديين في مجال الثقافة والأدب الكردي الحديث أمثال عرب شمو وأسرة جاسم جليل وغيرهم.

وتناول سينو في الفصل الخامس “الحياة الاقتصادية عند الكرد الأيزيديين” متطرقا للزراعة وأهم المحاصيل الزراعية، ودور العوامل المناخية في تحديد أنواع المحاصيل الزراعية وأنواع التربة ودرجة خصوبتها، واعتماد الأيزيدية على الزراعة البعلية المعتمدة على الأمطار الشتوية، كما سلط الضوء على النباتات الطبيعية والحيوانات البرية وعلى الثروة الحيوانية وتربية المواشي من الأغنام والماعز والأبقار والبغال والحمير وغيرها.

وتوقف سينو عند الصناعة وأهم الحرف اليدوية والتي لم تخرج عند الأيزيديين من إطار الاكتفاء الذاتي، لانغلاق الاقتصاد العثماني على السوق الخارجي، والتي لن تتعدى صناعة العطور والصابون والخزف والأواني الفخارية، إلى جانب حرف أخرى كالصباغة والخياطة.

وقال إن البضائع المتبادلة لم تتعد في مناطق الأيزيدية، حدود السوق المحلية وما ينتجه الرحل من الأيزيدية أو سكان القرى والمزارع منهم، كما بحث موقف الأيزيدية من التجارة والأعمال التجارية، والتي لم يكونوا يرغبون بها لأسباب تتعلق بعقيدتهم الدينية وموقف العامة منهم من الكرد والعرب وبقية الأقوام الأخرى، للاعتقاد الخاطئ بهم على أساس أنهم عبدة الشيطان.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons