عفرين بوست-خاص
نشطت الجمعيات والتنظيمات التركمانية برعاية تركية في عفرين، في إطار مساعيها لجعل التركمان رأس حربة في عمليات الاستيطان بـ عفرين، فأعلن ما يسمى “المجلس التركماني السوري” المدعوم من أنقرة، أنه في الثالث والعشرون من آب العام الماضي، التقى “التركمان” الذين تم جلبهم من مناطق حماه وحمص والشام والجولان، إلى عفرين بغية توطينهم فيها بدلاً من السكان الكُرد الأصليين.
وكشف المجلس التركماني عن زيارة قام بها أعضائه إلى مقر مليشيا “الظاهر بيبرس”، التي تتكون من تركمان الجولان، وباتت تمتلك مقرات في عفرين، بعيد مشاركتها في احتلالها إلى جانب الجيش التركي وبقية المليشيات الإسلامية المعروفة بمسمى “الجيش الحر”، كما زار مجلس التركمان مقر مليشيا “الفرقان” التي تضم مقاتلين تركمان، ينحدرون من المنطقة الوسطى، وبات لهم مقرات أيضاً في إقليم عفرين الكُردي المحتل.
وأكد ما يسمى “رئيس المجلس التركماني السوري”، المدعو “محمد وجيه جمعة” في كلمة له بين جموع المستوطنين وعناصر المليشيات التركمانية، على ما أسماها “وحدة الصف التركماني”، وضرورة العمل سوياً لإحياء روح الوحدة والتعاضد لدى التركمان السوريين”!
وكان واضحاً أن لتركيا رغبة شديدة في الاعتماد على التركمان تحديداً لتنفيذ سياسات التغيير الديموغرافي في إقليم عفرين الكردي، كونهم الاكثر موثوقية بالنسبة لها، لكن هذا الصراع الذي يقحم به الاحتلال التركي بـقسمٍ من التركمان في مواجهة الاكراد هو أمر طارئ ولم يحصل سابقاً، ويسعى الاحتلال التركي من خلاله لخلق صراعات جديدة في المنطقة على أساس عرقي، عبر استجلاب مكون من مواقع انتشاره، ومحاولة توطينه في مكان مكون آخر بعد تهجيره قسراً.
بدرخان علي: فبركة قضية تركمانية في سوريا خلال السنوات الأخيرة، هدفها مواجهة القضية الكردية الصاعدة
وفي هذا السياق، كان الكاتب الكردي السوري بدرخان علي قد أثارعلى صفحته في موقع الفيسبوك موضوع ارتفاع نسبة المقاتلين المنحدرين من حمص في صفوف ما يسمى” الجيش الوطني السوري ” الذي تحارب به تركيا الأكراد وقوات سورية الديمقراطية، من خلال بيانات القتلى والجرحى في غزوة نبع الإرهاب لمنطقة شرق الفرات ( التي تسميها تركيا “نبع السلام”) وقبلها غزوة غصن الدم لمنطقة عفرين ( التي أسمتها تركيا” غصن الزيتون”) . يقول الكاتب الكردي بدرخان علي في حديثه إلى “عفرين بوست”: “إن ارتفاع نسبة المقاتلين من “حمص” ضمن صفوف عصابات ما يسمى ( الجيش الوطني السوري) يعود لسبب رئيسي هو أصول هؤلاء المقاتلين التركمانية.
بالإضافة إلى دور شبكة الاخوان المسلمين بينهم في وقت مبكر من الأزمة السورية، حيث هناك أحياء وضواحي في محافظة حمص جرى استغلالها من قبل الاخوان المسلمين وتركيا لحمل السلاح ضد الجيش السوري وحرف الحراك الشعبي المشروع إلى تمرّد مسلح . هذه الواقعة تشير إلى جريمة أخرى لأردوغان ونظامه بحق سوريا مجتمعاً وتاريخاً، إذ أن الأكراد والتركمان كما العرب البدو في شمال سوريا عاشوا مع بعض لقرون دون حساسيات قومية أو إثنية، حتى الصراعات التي وقعت بينهم كانت بسبب المراعي والكلأ والنفوذ ، وليس لأي سبب “هوياتي”.
وعقب إطباقها احتلالها، سعت تركيا إلى توطنين تركمان اللاذقية وحمص المهجَّرين في القرى الكردية بعفرين، إضافة لسعيها إقامة مستوطنات لهؤلاء على شكل مجمعات سكنية في ريف عفرين، وذلك عقب تهجير قسري لسكانها الاصليين، ، ومنع الاحتلال لعودة قسم كبير من السكان الاصليين النازحين إلى قراهم .
ويضيف “علي” لـ “عفرين بوست”: “لنقل أن الصراع الكُردي العربي له بعض السوابق و” المبررات” في العقود السابقة، لكن “صراع كُردي تركماني” في سوريا هو اختراع جديد تماماً، وفي مثالنا هنا كانت حمص بحكم موقعها الجغرافي وسط البلاد بعيدة عن قصص احتكاك الأكراد والعرب والتركمان في الشمال، الخ)”.
متابعاً: “بعض الإخوة التركمان منذ بدء الأزمة السورية استغلهم أردوغان والإخوان المسلمون، وجرى العمل الحثيث على تشكيل “هوية قومية” لمواطنين نسي الكثير منهم أصولهم بفضل الاندماج مع المحيط العربي والكردي، لدرجة التماهي في العادات والتقاليد اليومية”، قائلاً: “عشتُ ٧ سنوات في حلب ولم أنتبه لوجود متمايز للتركمان في حلب وريفها عن العرب والأكراد، فقد كانوا حلبيّين أو ريف حلبييّن، سمعت لاحقاً أن هناك تركمان كثر في تلك المنطقة”.
ويرى علي إنه قد تم” فبركة قضية تركمانية في سوريا خلال السنوات الأخيرة، فقط لمواجهة القضية الكردية الصاعدة، حيث لم يُسمع بوجود قضية أو مشكلة تركمانية طيلة العقود الماضية، ولم يكن هناك أبداً مجتمعات تركمانية معزولة أو متمايزة في سوريا، فلم يعمل التركمان في الشأن السياسي سابقاً بخصوصية قومية ولم يكن لهم أي تنظيم أو نشاطات سياسية خاصة”.
منوهاً إلى أن النظام التركي خلال سنوات الأزمة رعى التركمان بشكل لافت ودعمتهم مادياً ولوجستياً، خاصةً اللاجئين منهم إلى تركيا، وتم تشكيل مجلس تركماني سوري وهيئات سياسية وعسكرية تركمانية، بفضل المخابرات التركية التي جاءت ب” الخبرة العراقية” إن جاز التعبير رغم اختلاق السياق المجتمعي بين حالتي تركمان سوريا وتركمان العراق، وتم توجيه من تمكنت تركيا من ربطهم بها من التركمان ضد الدولة السورية في بداية الأزمة، ثم ضد الكُرد. ووزعت خرائط من قبل هذه الهيئات لما يُزعم أنه” الوطن التركماني” الذي يضم بحسب مزاعمهم أجزاء واسعة من سوريا، والشمال السوري كله ضمنه، وشمال العراق بمافيه إقليم كردستان العراق وكركوك والموصل، ويُذكر أن تركيا منذ عقود كانت تدعم من يقيم فيها من السوريين (عربياً، كردياً، تركمانياً…) الذين يبرزون وثائق موقعة من مخاتير قراهم “تؤكد أنهم من أصول تركية”، وذلك في مسعى تزييد أعداد (التركمان في سوريا) بأي شكلٍ كان.
متابعاً: “وبالطبع ليس كل التركمان انطلت عليهم هذه اللعبة التركية المكشوفة، فهناك مكون تركماني في قوات سورية الديمقراطية والادارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وحلفاء تركمان للمقاتلين الأكراد والعرب والسريان في معركة الدفاع عن المنطقة وأهلها ضد الغزو والاحتلال التركي ، كذلك المكون التركماني في منبج يرفع صوته علناً مع أبناء منبج ضد المحاولات التركية لاحتلال منبج”.
ومنذ بدء الاحتلال التركي لإقليم عفرين الكردي في آذار العام 2018، منحت سلطات الاحتلال بطاقات هوية مخصصة للأجانب، إلى السكان المحليين في عفرين، ونظريًا، جعلت بطاقات الهوية التركية من سكان عفرين الاصليين لاجئين داخل أراضيهم.
وسعت حكومة أردوغان وميليشياتها من ما يسمى “الجيش الحر” منذ دخولها المدينة في آذار/مارس 2018 الى تغيير هوية عفرين السورية، بصبغها بالهوية التركية، عبر تغيير إسم الشوارع والميادين والمباني الحكومية والمستشفيات وغيرها ونشر ورفع صور رئيس وعلم تركيا، وإجبار طلاب المدارس على تقديم الشكر لأردوغان.
وحول ذلك قالت وكالة رويترز: “بدأت تركيا بفتح مدارس عفرين وتعليم التلاميذ اللغة التركية والمساعدة في إدارة مستشفيات، توجد لافتات إرشادية باللغة التركية وقوة شرطة دربتها تركيا ومكتب بريد تركي”، وقامتسلطات الاحتلال بإزالة لافتة المشفى القديمة ووضعت واحدة جديدة وغيرت اسم مشفى آفرين إلى اللغة التركية.
ويقول “بدرخان علي”: “بات الكثير ممن كان لا يعّرف نفسه على الإطلاق كتركماني “يتذكر” أنه قومي تركماني ويجب أن يمثّل كتركماني ، وأن يندرج في المخطط التركي تماماً . حتى أن نشطاء ومثقفين سوريين ذوي خطاب قومي عربي تذكروا الآن أنهم تركمان بالأصل!”.
متابعاً: “أتذكر في هذا السياق الآن الباحث الراحل حنا بطاطو الخبير في الشؤون العراقية الاجتماعية والسياسية الذي أوضح كيف الاستعمار البريطاني أعاد إحياء الهويات العشائرية في العراق عن طريق ” تذكير” أناس مغمورين على أنهم وجهاء عشائر عريقة وهم كانوا قد نسيوا ذلك تماماً، وكما نرى، لم يبقى سلطان عثماني ولم تسمى كتيبة عسكرية باسمه في شمال سوريا، أشهرها فرقة السلطان مراد سليمان شاه “. وهنا تتعاضد مُتخيلات إثنية ودينية-جهادية في نفس الاتجاه لنفس الغرض ألا وهو تعزيز التمرد المسلح بمعاني جهادية ومنح إيديولوجية دينية-إثنية للتمرد المسلح في سوريا”.
معهد “إنتربرايز” الأمريكي للأبحاث السياسية العامة : أردوغان يحلم بإعادة السلطنة العثمانية وقد تكون عفرين الخطوة الأولى.
تلك الاجراءات التركية علق عليها أيضاً “مايكل روبن” من معهد “إنتربرايز” الأمريكي للأبحاث السياسية العامة، بالقول إن “أردوغان يريد أن يكرر تجربة صدام في كركوك، وكما حاول صدام “تعريب كركوك”، يحاول أردوغان “تتريك عفرين”.
ووصف “روبن” في مقال نشره المعهد سابقاً، ما ترتكبه قوات أردوغان في عفرين بـ “حرب إبادة” و “تطهير عرقي”، وقال: “تركيا قتلت 10000 من السوريين الأكراد، وشردت 180000 منهم، وهذا يذكرنا بما فعله صدام حسين بكركوك”، متابعاً: “أردوغان يحلم بإعادة السلطنة العثمانية وقد تكون عفرين الخطوة الأولى”.
وهو ما يشير له الكاتب “بدرخان علي” لـ عفرين بوست” بالقول: “بعد احتلال عفرين، تم جلب الكثير من المسلحين التركمان وعوائلهم من حمص وغيرها وتم توطينهم في منازل الكرد المهجرين قسراً خصوصا ً في القرى والبلدات المتاخمة للحدود مع تركيا ، أي تم تشكيل حزام تركماني حول منطقة عفرين”.
بسبب صعوبة الاعتماد على التركمان لتنفيذ المخطط التركي التوسعي في سوريا، لقلة العدد كما أشرنا، لذلك نرى أردوغان يتكلم باسم العرب والتركمان معاً أوالمسلمين السنة عموماً. رغم ذلك أشار أردوغان أكثر من مرة أنه يساعد التركمان في سوريا. في ذورة التوتر مع روسيا وقبل المصالحة معها أشار إلى أن روسيا تقتل التركمان والسنة في سوريا ( في إشارة خاصة للجيب المتمرد في جبل الأكراد و جبل الزاوية حيث تتواجد قرى تركمانية هناك حملت السلاح مبكراً ضد الجيش السوري) ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو أشار في معرض دفاعه عن اتهامات قيام تركيا بشحن أسلحة للمتمردين السوريين تحت غطاء مساعدات إنسانية قائلاً هذه مساعدات إنسانية لأخوتنا التركمان المحتاجين والمظلومين .
واختتم علي إفادته بالقول: “هذه القضية تحتاج لتناول بحثي و ميداني موسع، لكن أعتقد أنها تفسر إلى حد كبير وجود مقاتلين من حمص ضمن جيش أردوغان السوري (الذي يسمى في بعض وسائل الإعلام بـ” الجيش الوطني السوري”)، وقد قتل وجرح منهم الكثير في غزو منطقة عفرين، والآن في غزو منطقة الجزيرة السورية، بعد أن فرّوا من النظام السوري الذي حملوا السلاح أساساً ضده، وهجروا مناطقهم إلى تركيا أو المناطق المحتلة من قبل تركيا في شمال سوريا، فقامت تركيا بتعبئتهم إيديولوجياً ضد الكرد وحددت لهم عدوهم الجديد ، الكرد وقوات سوريا الديمقراطية، بدل النظام الحاكم في دمشق ، فأصبحوا من جديد مادة خام لحروب أردوغان وتركيا في سوريا، وكان حرياً بهم أن يعتزلوا السلاح بعد الهزيمة أمام عدوهم الأساسي، لا أن يخوضوا معارك ليست معركتهم”، مختصراً المشهد بالقول: “تم تجنيدهم واستغلال حاجتهم المادية بعد اقتلاعهم من مناطقهم”.
مردفاً: “ليست هذه حال السوريين من أصول تركمانية عموماً ، لكنها باتت ظاهرة ملحوظة في السنوات الأخيرة، رغم اعتقادي بفشل هذه السياسة التركية الخبيثة على المدى البعيد، لصعوبة اختراع مجتمع تركماني قومي، بسبب قلة العدد والاندماج الكبير مع المحيط العام، إلا إذا طال أمد الاحتلال التركي في سوريا، حينها قد نجد حتى عرباً وكرداً يزعمون بأصول تركمانية بعيدة مفترضة لهم! سيما أن منطقة شمال سوريا وبلاد الشام قد عاشت بالفعل اختلاطاً وتمازجاً كبيراً بين الأكراد والعرب والتركمان لقرون متواصلة”. ولهذا السبب نفسه نرى أن أردوغان وطاقم حكمه يقتصدون في الإشارة إلى التركمان على نحو مخصوص وفاقع. ربما في الداخل التركي يتم تخصيص التركمان بالذكر ، لكن في الخطاب العام الموجه للسوريين يصعب ذلك .