عفرين بوست- متابعات
يستمر الاحتلال التركي بتصعيد عدوانه وهجماته على مناطق مدنية والبنية التحتية في شمال وشرق سوريا، وعزز الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تحركات جيشه بتصريحات أشار فيها إلى استهدافه الأراضي السورية مباشرة.
وقد بدأ الجيش التركي والميليشيات السورية الموالية له، مساء يوم الأربعاء الماضي، بقصف مكثف وعشوائي على بلدة تل رفعت بريف حلب الشمالي، ويوم أمس، تمّ استهداف محيط مخيم سردم الذي يضم أكثر من ألف نسمة من مهجري عفرين قسراً، وتسبب هذا القصف باستشهاد أربعة مدنيين وجرح العشرات.
تزامن هذا العدوان مع قصف مناطق عدة من منبج وكوباني والقامشلي وديريك بالمسيرات والمدفعية من قبل الجيش التركي وميليشياته، وتطور القصف إلى استهداف مباشر بالطائرات الحربية للبنى التحتية، من مراكز لتوليد الطاقة الكهربائية ومحطات نفطية ومنشآت مدنية إنتاجية، إلى جانب مركز لقوى الأمن الداخلي، وهو ما يُشير إلى أنّ هدف تركيا هو أبعد من ردّ روتيني على العملية المسلحة التي استهدفت مقر “شركة الطيران والفضاء التركية”، وهي شركة عسكرية متخصصة في إنتاج الطائرات المسيّرة والحربية التركية، لكن هل ستتوقف تركيا عند حد الاستهداف الجوي أم هناك احتمال لعمليات برية محددة؟
” العمليات العسكرية التركية تهدف إلى استنزاف القطاعات الاقتصادية والمدنية وتدمير البنى التحتية، وإحداث خلل وشلل في الحياة العامة وإضعاف الإدارة الذاتية”
طبيعة المواقع في مناطق شمال وشرق سوريا التي استهدفتها تركيا وميليشياتها، تُشير إلى أنّ هذه العمليات تهدف إلى استنزاف القطاعات الاقتصادية والمدنية وتدمير البنى التحتية، وإحداث خلل وشلل في الحياة العامة وإضعاف الإدارة الذاتية، وهذا بطبيعة الحال يتعارض مع القانون الدولي وينتهك المواثيق الدولية في حالات الحرب والسّلم.
خلال 24 الساعة الماضية فقط، تعرّض أكثر من 42 موقعاً للقصف المباشر وهي موزعة كالتالي:
– مناطق الشهباء
تعرّضت بلدة تل رفعت التي يقطنها أكثر من 20 ألف مدني من مهجري عفرين وبعض أبناء البلدة، للقصف بعدة قذائف، واستهدفت أيضاً قرية تل سوسن ومحيط مخيم سردم في الشهباء، ما أسفر عن ضحايا قتلى وجرحى بين المدنيين وأضرار مادية.
– كوباني
تمّ استهداف نقاط لقوى الأمن الداخلي، وعددٍ من المنشآت والمراكز الخدمية والصحية وهي (مشفى الأمل – مطحنة الحبوب – ملعب كوباني – صالة أفراح الفرات)، وطال القصف أيضاً صوامع الحبوب، مما أدى لإصابة ثمانية عمال واستشهاد أخر.
– قامشلو
تعرّضت مؤسسة الأعلاف التابعة لشركة التطوير الزراعي لقصف مركز، منها مستودعات الشركة التي تمدّ المزاعيين بوسائل الإنتاج من بذار وأسمدة وأعلاف، إضافة لاستهداف محطة القطار وبعض مراكز قوى الأمن الداخلي.
– عامودا
تمّ استهداف محطة تحويل الكهرباء، فخرجت عن الخدمة، إضافة لاستهداف عدة مراكز ونقاط أخرى، بعض منها تابعة لقوى الأمن الداخلي.
– تربه سبي
تمّ استهداف نقاط عدة في مواقع انتاج النفط بالمنطقة مرات عدة، وهي حقل عودة النفطي ومستودعات تخزين النفط في المنطقة المحيطة لها.
– ديرك
تمّ استهداف معملٍ لإنتاج الأكياس البلاستيكية، فخرج عن الخدمة، إضافة لاستهداف قرية السويدية التي تضم مجمعاً لإنتاج الكهرباء والغاز المنزلي؛ وقد تعرضت هذه المنشآت للقصف التركي على مدار الأعوام الثالث الماضية عدة مرات، وجرى إعادة تأهيلها في كل مرة.
– منبج وعين عيسى
تعرّض حوالي 13 قرية وموقع في “منبج، وعين عيسى، وتل تمر” للقصف العشوائي، الذي صدر من جهة جرابلس وسري كانيه وكري سبي المحتلّة.
هدف تركيا
ترافق العدوان التركي بحالة توتر عام في الشرق الأوسط وتزايد الأزمات نتيجة الحرب في فلسطين ولبنان.
آخر التصريحات التركية جاءت على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي قال، في طريق عودته من قمة بريكس، إن منفذي الهجوم في أنقرة عبروا من سوريا، وبهذا يوجه أردوغان الأنظار بشكل مباشر إلى شمال وشرق سوريا، واحتمالات تصعيد القصف والعنف في المنطقة.
وكان أردوغان قد نشر قبل مدة تصريحات عن خطر يداهم تركيا نتيجة الحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة، وأن الحرب ستجتاح سوريا وربما تصل إلى تركيا؛ وتمّ تفسير تصريحات أردوغان تلك على أنه يوجّه الأنظار إلى سوريا وضرورة زيادة نفوذ تركيا فيها، وقبيل هذه التصريحات زار وفد عسكري تركي بقيادة قائد القوات البرية منطقة إدلب وعفرين المحتلّة، وترافق مع تلويح إعلامي من قبل “هيئة تحرير الشام” وبعض الميليشيات بقرب إطلاق معركة تستهدف حلب وبعض المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري.
اليوم ومع التصريحات التركية الجديدة، وربطها بما سبق، من المرجح- حسب الكثير من المراقبين – أن تذهب تركيا إلى زيادة تهديداتها نحو مناطق شمال وشرق سوريا الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية، وخاصةً باتجاه تل رفعت ومناطق الشهباء التي عمدت الحكومة السورية إلى إرسال تعزيزات عسكرية إليها قبل نحو شهر من الآن.
“هناك مخاوف تركية من أن أي عملية عسكرية جديدة لها في سوريا تفقدها الكثير من نفوذها الإقليمي”
التطورات التي ستشهدها الساحة السورية لن تكون بمعزل عن انعكاسات الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان والقصف المتكرر لمراكز في سوريا، وهناك مخاوف تركية من أن أي عملية عسكرية جديدة لها في سوريا تفقدها الكثير من نفوذها الإقليمي، ولن يكون وضعها أفضل من إيران التي تعاني اليوم من تبعات سياستها في المنطقة برمتها.
“تفقد تركيا أوراق قوتها في سوريا والمنطقة، وتضطر للانكفاء على نفسها ومحاولة حماية مرتكزات دولتها القائمة الحالية”.
انكفاء تركي متوقع
وفق المراقبين لا يرجح أن تعمد تركيا إلى القيام بعمليات عسكرية برية واسعة في سوريا، بل لأجل تنفيذ مخططاتها ستحاول إعادة ضبط الميليشيات السورية الموالية لها، التي بدأت تفقد شعبيتها وتمثيلها لحاضنتها، نتيجة النزاعات وحالات الاقتتال فيما بينها، وكذلك الانتهاكات والجرائم اليومية التي ترتكبها في عفرين وباقي المناطق السورية المحتلة.
وكمحصلة للتطورات المتلاحقة في الحالة السورية، تفقد تركيا أوراق قوتها في سوريا والمنطقة، وتضطر للانكفاء على نفسها ومحاولة حماية مرتكزات دولتها القائمة الحالية.
وخلال الاجتماع الذي جمع بين الرئيسين الروسي والتركي على هامش قمة بريكس في قازان، طلب أردوغان من بوتين حث الرئيس السوري بشار الأسد لتطبيع علاقاته مع تركيا؛ ومع تراجع دور تركيا الحيوي في سوريا، لن يكون من مصلحة الأسد تقديم تنازلات كبيرة لتركيا إلّا إذا كانت في سبيل تحقيق مكاسب استراتيجية بما يخدم بقائه في الحكم، ومع التطورات المتتالية في الساحة الإقليمية للشرق الأوسط وضبابية المستقبل سيفضل الأسد أيضاً المراهنة على الوقت وعدم الوقوع في فخ التطبيع مع تركيا بدون مقابل.