عفرين بوست- تقارير
بُعيد بدء سريان مخرجات اتفاقية آستانا بعد مشاركة تركيا فيها، بدأت تركيا فعلياً بإعادة ترتيب وجود الميليشيات في المناطق المحتلة من الشمال السوري، وذلك عبر إجبارها على الاندماج تارة والاقتتال والتصفية تارة أخرى.
ما حدث في عفرين منذ شهر بإصدار ما يسمى “الجيش الوطني سوري” بيان تصفية “لواء صقور الشمال” وإجباره على الانضمام إلى القوة المشتركة، يدخل في خانة ما يخطط لها تركيا، ووفق مراقبين للوضع الميداني في الشمال المحتل، إن ما حدث سيتكرر بعد حين ضد فصيل أخر والهدف هو جمع السلاح بيد ميليشيات وأشخاص يكنون بالولاء التام لتركيا.
ماذا حدث؟
بعد أن خيم توتر كبير على أجواء ريف حلب الشمالي ووقعت اشتباكات عديدة محدودة وحصار لمقراته دامت لشهر، أصدر “لواء صقور الشمال” بياناً بحل نفسه ووضع مقراته تحت تصرف القوة المشتركة” في موقف يعتبر هروب من الواقع وتفضيل التفكك على القتال.
وأجبرت الميليشيات المنضوية في تكتل “القوة المشتركة”، وهي “فرقة الحمزة” و”فرقة السلطان سليمان شاه” بمساندة ميليشيا “فرقة السلطان مراد”، فصيل “صقور الشمال”، على حل نفسه بعد حصارها لمقراته في حور كلس وأعزاز وبعض قرى عفرين داما لشهر وأكثر.
أعاد الفصيل المنحل السبب عبر بيان له إلى أن “المتطلبات الميدانية، ولجعل القوة العسكرية للثورة أكثر فاعلية في محاربة الأعداء وأكثر كفاءة”.
وتابع البيان الذي اطلعت عفرين بوست عليه بأن الفصيل أعلن خروجه من “الجبهة الشامية” التي اندمج معها قبل وقت قصير، وتسليم إدارته لوزارة الدفاع التابعة لـ”الحكومة المؤقتة”، وما هو مستغرب في البيان ما جاء بالقول “في السياق يتم الآن إعادة توزيع الأدوار والوظائف الموكلة لبعض التشكيلات”.
الجبهة الشامية لم تسلم ايضاً
تشكل فصيل “صقور الشمال” في إدلب في عام 2015، وشارك بعد ذلك في العمليات العسكرية التي شنها الجيش التركي في الشمال السوري، عام 2016 واحتلال مدينة الباب ثم عام 2018 في احتلال عفرين.
وتمركز الفصيل الذي يبلغ تعداده نحو 2000 مقاتل في عفرين المحتلة وأعزاز، وقبل نحو شهر صدر قرار من “وزارة الدفاع” في الحكومة المؤقتة، بحل الفصيل وتسليم مقراته لـ”الشرطة العسكرية”.
وترافق حل “صقور الشمال” نفسه بانشقاق عدة فصائل صغيرة من الجبهة الشامية واندماجها مع “العمشات والحمزات” أو ما تسمى بـ”القوة المشتركة”، وهي إشارة إلى أن هذه القرارات صدرت عن تركيا.
“إعادة ترتيب السلاح في الشمال السوري المحتل بيد أشخاص قلة من التركمان يكنون بالولاء المطلق للجانب التركي”
اتفاقيات سرية
ولا يستبعد الناشط فارس زين الدين المقيم في مدينة عفرين المحتلة أن يكون إعادة ترتيب السلاح في الشمال السوري المحتل بيد أشخاص (قلة من التركمان على حسب وصفه) يكنون بالولاء المطلق للجانب التركي قد تم الاتفاق عليه عبر اتفاقيات سرية مع روسيا والنظام السوري في اجتماعات آستانا ويتم تطبيقها على مراحل.
يعزي الفارس توقعه هذا إلى الفترة الزمنية الممتدة من 2019 إلى اليوم وعمليات تصفية الفصائل الصغيرة ودمج أخرى تحت لواء ميليشات أكبر، وتركيز الدعم المطلق لعدد صغير من الميليشيات والقادة المقربين من الاتراك.
اتهامات متبادلة
ما يقوله الفارس، يتطابق تماماً مع قاله مصدر آخر مقرّب من الميليشيات في الشمال السوري لـ”عفرين بوست” “من الواضح أن قرار إنهاء “صقور الشمال” قد صدر عن الجانب التركي، وذلك بحجة ارتكابه انتهاكات، منها المشاركة في “تهريب البشر” نحو تركيا، وتجارة المخدرات”.
ويضيف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه إن “هذه التهم الموجهة لهذا الفصيل، ليست بجديدة والمستغرب هو أن الميليشيات التي تولت تنفيذ الأمر التركي ليست بأفضل منه ولها سجل حافل من الانتهاكات وبل أكثر بكثير”، ويُشير المصدر إلى جملة من الانتهاكات التي ترتقي لجرائم حرب وفق قوله والتي يتهم بها فصيل “سليمان شاه” الذي يتزعمها محمد الجاسم أبو عمشة، و”فرقة الحمزة” التي يتزعمها سيف أبو بكر.
وقد فرضت الخزينة الأمريكية عقوبات على كلٍ من “الحمزات” و”العمشات” ومتزعيميهما قبل نحو عام، بسبب الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها هذه الميليشيات في عفرين وباقي المناطق المحتلة.
ترتيبات تركية مستقبلية
وينوه فارس إلى أنّ تركيا لها أجندات للتطبيع مع النظام السوري وإعادة ترتيب الشمال السوري وهذا الأمر يتطلب إعادة تنظيم السلاح في يد مجموعات محددة تستطيع التحكم به، ويُشير إلى تورط شخصيات في ما تسمى الحكومة المؤقتة والإئتلاف في ذلك ويذكر بالاسم “عبد الرحمن مصطفى” المتمتع بالجنسية التركية ويشغل منصب رئيس الحكومة المؤقتة، ومؤخراً حدث خلاف كبير بين عبد الرحمن مصطفى ومتزعم “الجبهة الشامية”، الأمر الذي حدا بمصطفى فرض قيود على بعض الفصائل التي ربما تكون مناصرة لـ”الجبهة الشامية” بشكل أو بأخر.
كما تواردت أنباء متضاربة حول مخطط تركي لتمكين التركمان في الشمال السوري على حساب العرب السنة، وكتأكيد على ذلك زيادة نفوذ “القوة المشتركة” على حساب باقي الفصائل، ويقول الناشط فارس زين الدين في مدى صحة هذه الأنباء “هناك توجه تركي في هذا، وتأكدنا أن عبد الرحمن مصطفى قال ذلك خلال جلسة غير رسمية لأعضاء من الائتلاف وحضرها شخصيات من المجلس الوطني الكردي آنذاك”، ولكنه يعزي ذلك إلى شخصيات تسعى للسيطرة على “الثورة السورية” وليس إلى المكون التركمان الذي يعارض جزء لا بأس منه ممارسات الحكومة المؤقتة والائتلاف”.
ويتخوف “فارس” من مستقبل الشمال السوري وهو أن الاقتتال الداخلي والحالة الأمنية المتدهورة لن تتحسن في ظل سيطرت الميليشيات، وان تصفية باقي “الفصائل الثورية الحقيقية” ربما تواجه الخطر أيضاً.
” أنباء عن أوامر تركية لفصيل “فرقة المعتصم” بالانضمام إلى “القوة المشتركة” “
التطبيع التركي السوري
في المقابل، يرى الباحث بالشأن السوري أحمد السعيد، خلال حديث له لـ”عربي 21″ أن كل ما يجري من إعادة ترتيب الفصائل يأتي في إطار التحضيرات التركية للمرحلة القادمة، موضحاً أن “تركيا تعيد ترتيب أوراق المنطقة، استعداداً لاستحقاقات قادمة، قد تفرضها التطورات على مستوى التطبيع مع النظام السوري، وخاصة أن “القوة المشتركة” تتبع لها.
وتطرق الباحث إلى أنباء عن أوامر تركية صدرت إلى فصيل “فرقة المعتصم” بالانضمام إلى “القوة المشتركة”، وقال: “بالتالي نحن أمام خطة متكاملة، تعدها تركيا لضبط المشهد العسكري في الشمال السوري”.
ويعتبر فصيل “المعتصم” من الفصائل الفاعلة في بلدة مارع بريف حلب الشمالي، وتلقى هذا الفصيل تدريبات على يد القوات الأمريكية في مدينة غازي عنتاب تحت إشراف غرفة عمليات موك، وهو الفصيل الوحيد المتبقي إلى اليوم من تلك الغرفة التي تم حلها بعد فشل المعارضة السورية من إيقاف تقدم تنظيم داعش وسيطرة النصرة الاهاربية على الثورة السورية.
معركة قادمة
بالتزامن مع حالة التصفية الداخلية هذه، برز الحديث عن استعدادات لفتح جبهات القتال مع النظام السوري، وحديث تركي مشابه عن تطورات الحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة وامتدادها إلى دمشق وتركيا، ويشير الناشط “فارس” إلى أنه ليس من المنطقي الربط بين تصريحات اردوغان عن احتلال اسرائيل لدمشق وتحرير حلب، ويتابع ” أنا أرى أن تركيا سوف تكون بالقريب العاجل خارج السياسة الدولية في الشأن السوري وسوف يكون حالها حال إيران ولن يبقى في المشهد السوري إلا أميركا وروسيا وبعض الدول العربية”.
ويتصور الفارس أن الحرب سوف تعود للشمال السوري، ولكن من يبدأ بها هل هو النظام السوري ام الفصائل؟!
ويضيف حديثه لـ”عفرين بوست” “ويبدو أن الجميع تجهز لهذه المعركة، وما نتمناه هو أن تكون الفصائل من تبدأ هذا الهجوم وليس فقط على حلب بل بكل محاور القتال وعلى رأسها جبهة الساحل”.