عفرين بوست- خاص
وسط ضخ معلومات وأخبار متضاربة عن نية “هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً” وميليشيات أخرى العمل على فتح معارك ضد مواقع سيطرة الحكومة السورية في ريفي إدلب وحلب، أرسلت الحكومة السورية تعزيزات عسكرية من عناصر المشاة وأسلحة ثقيلة، يوم أمس الأربعاء، إلى ريف حلب الشمالي، وقبل أيام تعزيزات مماثلة إلى ريف إدلب.
في سياق الموضوع طالبت “تحرير الشام” من قاطني القرى المحيطة ببلدة سرمين إفراغ قراهم تحسباً لعمل عسكري مرتقب، فهل تشهد المنطقة بالفعل عملاً عسكرياً يهدف لاستعادة مناطق جغرافية واسعة لصالح الميليشيات السورية الموالية لتركيا؟!
ما القصة؟
على وقع الضربات الإسرائيلية المتتالية لقيادات ومراكز حزب الله في لبنان وسوريا، بدأت الميليشيات السورية في شمالي وشمال غربي سوريا، بمحاولة استغلال الأوضاع السياسية والعسكرية العامة والترويج لفكرة فتح جبهات ومعارك تستهدف مناطق سيطرة الحكومة السورية في أرياف إدلب وحماة وحلب، وربما تمتد إلى مناطق من الساحل السوري، هذا الترويج بدأ من الإعلام الموالي لـ”هيئة تحرير الشام” التي تسيطر على أجزاء واسعة من محافظة إدلب والتي تتواجد في مناطقها نقاط مراقبة عسكرية تركية، إضافة للإشارة إلى مشاركة بعض الميليشيات في ريف حلب في هذا العمل العسكري المشار إليه، وهي ميليشيا “الجبهة الشامية” التي تتوزع نقاط سيطرتها في مناطق من جرابلس إلى مارع وأعزاز.
فرص النجاح
عسكرياً تبدو خريطة المعارك المزعومة واسعة جداً، والتي لن تستطيع “هيئة تحرير الشام” والميليشيات الموالية لها استيعابها وإشعالها بتوقيت واحد دون موافقة تركيا التي ترتبط مع روسيا وإيران باتفاقيات آستانا، جمدت بموجبها جبهات القتال منذ 2020، إضافة لعدم قدرة هذه الميليشيات على تعزيز قواتها العسكرية بالمعدات الثقيلة دون وجود قوة إسناد مدفعي أو طائرات مسيّرة من الجانب التركي، وإلى هذه اللحظة تبدو أن الموافقة التركية على أي عمل عسكري محتمل غير موجودة، لكنها لن تعارض أي عمليات محدودة لـ””هيئة تحرير الشام” أو باقي الميليشيات للاستفادة منها سياسياً، لاسيما أن موعد عقد القمة 22 من اجتماعات آستانا بات قريباً وفق ما أفصح عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم أمس.
يتوزع العديد من عناصر الميليشيات العراقية وحزب الله في جبهات إدلب وحلب وحمص وحماة وتتشارك مع قوات الحكومة السورية السيطرة على تلك المناطق، وكان لهذه الميليشيات وعناصر حزب الله الدور الأكبر في معارك استعادة هذه المناطق من “هيئة تحرير الشام” وباقي الميليشيات الموالية لتركيا، بالإضافة للدور المحوري للقوة الجوية الروسية التي ما تزال فاعلة في الجغرافيا السورية، ومن هنا تستغل “هيئة تحرير الشام” فكرة إعادة تموضع عناصر حزب الله واحتمال انسحابها من تلك الخطوط الدفاعية باتجاه جنوب سوريا أو للداخل اللبناني، وتحول هذه الجبهات إلى خاصرة رخوة نتيجة عدم قدرة جيش الحكومة السورية في صد أي هجمات.
لا مؤشرات إيجابية لعمل عسكري
وتبني “هيئة تحرير الشام” تصوراً آخراً على استهداف إسرائيل للقدرات الجوية السورية، وشلها وسط التوترات القائمة في المنطقة، وهذا الأمر مستبعد في هذا الوقت، إضافة لاحتفاظ روسيا بقدراتها العسكرية الجوية في سوريا واستهدافها المتواصل لمواقع سيطرة “هيئة تحرير الشام” في ريف إدلب، بالتزامن مع قصف مدفعي من الحكومة السورية.
وأشار مصدر في مدينة أعزاز لعفرين بوست، أنه لا توجد بوادر على نية “الجبهة الشامية” للمشاركة فأي عمل عسكري في الوقت الحالي، مبرراً كلامه بعدم تحريك العناصر أولاً وعدم تعزيز الجبهات ثانياً، والأهم حسب قوله أن العمليات العسكرية يجب أن تتم بصمت وتكون مباغتة لتأتي بنتائج إيجابية، لكن الإعلان المسبق عنها سيفقدها عنصر المفاجئة، وهو الأهم في الحالة الراهنة بسوريا، لذا تابع بالقول “استبعد حدوث أي عمل عسكري شامل، لكن إن حدثت مناوشات بسيطة هنا وهناك، ربما يكون وارداً، ولكن أهداف هذه المناوشات ستكون لها بعد داخلي وسياسي وليس بنية استعادة المراكز المهمة في حلب وحمص وحماة”.
مشاريع متضاربة
سياسياً، هناك تضارب في المشاريع المتعددة للقوى الفاعلة في سوريا، والساحة التي نتحدث عنها، ثمة مشروعين متضاربين، هما المشروع الإيراني الذي يسعى لمد نفوذه في جغرافية سوريا عامة، ومشروع تركيا المستند إلى الميثاق الملي والذي ينظر إلى شمالي سوريا كمناطق تاريخية لها، وأي تراجع للنفوذ الإيراني في سوريا سيقابله سعي تركيا لزيادة نفوذه عبر أساليب عدة سواء سياسياً أو عسكرياً.
ولا يستبعد السياسي الكردي “جيكر جان” المقيم في أوروبا من دفع تركيا باتجاه رفع وتيرة التهديدات العسكرية ضد النظام السوري عبر الميليشيات المتحالفة معها، والهدف كسب أوراق سياسية والضغط على النظام السوري باتجاه عقد لقاء بين أردوغان والأسد والبدء بتطبيع العلاقات بين البلدين والحفاظ على أمن الحدود المشتركة وفق معايير أنقرة.
أرسلت تركيا إشارات عسكرية وإعلامية في هذا الإطار، إذ ترافق ترويج “هيئة تحرير الشام” للمعارك مع زيارة قائد القوات البرية التركية وعدد من الضباط إلى إدلب وعفرين وتفقد النقاط العسكرية التركية هناك، إضافة لتركيز الصحافة التركية المقرّبة من حزب العدالة والتنمية بشكلٍ كبير على ضرورة زيادة النفوذ التركي في سوريا والعراق على حساب النفوذ الإيراني الذي ربما سيتقلص نتيجة العمل العسكري الإسرائيلي والتوجه الأمريكي للحدّ منه في سوريا ولبنان والعراق، وهذه المؤشرات تشير إلى أن تركيا تسعى لتهيئة الظروف الموضوعية والأمنية لأي تحرك عسكري وإن كان على نحو محدود في إدلب أو حلب.
موقف تركي ضبابي
تقارير إعلامية وتسريبات عدة قالت، إن إسرائيل وأوكرانيا تدفعان أيضاً نحو تنشيط “”هيئة تحرير الشام” في إدلب، دون أن تستند إلى أي معلومات موثقة، وكان الترويج الغير المباشر من قبل الإعلام التركي أيضا باتجاه هذا الأمر، لعدم تحميل تركيا أي تبعات سياسية لنشاط “هيئة تحرير الشام” في تلك المنطقة، لاسيما أنها ترتبط باتفاقيات آستانا وسوتشي مع روسيا وإيران، الأمر الذي سيؤثر بشكلٍ سلبي على تركيا في المنطقة عامةً، ولن تتحمل تركيا تبعات ذلك في الوقت الراهن.
ويُشير السياسي الكردي جيكر جان إلى أن هدف تركيا اليوم يصب في اتجاه دفع عملية التطبيع مع النظام السوري وحث روسيا على ممارسة الضغط على الأسد لقبول نوعا من التطبيع الغير المباشر أو المباشر وبالتالي يحصل اردوغان على مكاسب داخلية ومكاسب خارجية في سوريا، وستحاول أنقرة جرّ الحكومة السورية إلى القتال ضد قوات سوريا الديمقراطية ومناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.
إعادة ضبط
يوم أمس الأربعاء نشرت الصحافة الروسية، أن التحضيرات بدأت لعقد جولة جديدة لاجتماعات أستانا في العاصمة الكازاخستانية، وجاء ذلك على لسان وزير الخارجية الروسي.
بالربط بين توقيت عقد اجتماعات آستانا والتوترات العامة في الشرق الأوسط، نرى أن روسيا تسعى لتجنيب الساحة السورية أي صراع ناجم عن الحملة العسكرية الإسرائيلية تجاه حزب الله أو إيران مستقبلاً، وذلك عبر إعادة التوازن إلى سياسات إيران وتركيا في الساحة السورية والتركيز على التزام تركيا بتجميد القتال على الساحات المسيطرة عليها.
وفقٍ للمعطيات السابقة، تبدو أن الظروف السياسية والعسكرية لا تشجع أي عمل عسكري متوقع في شمالي سوريا، والقوى الفاعلة في سوريا سواءً محور آستانا أو أمريكا وبريطانية غير مستعدة لتغيير الخارطة على الأرض وبناء مشاريع جديدة في سوريا، وسط توترات الشرق الأوسط الأوسع.