نوفمبر 14. 2024

أخبار

بديلاً عن “الائتلاف”، ولادة جسم جديد في الشّمال السوري المحتل… هل تقبل به تركيا؟

عفرين بوست- خاص

بدأ بعض السوريين في الشمال المحتل باليقظة للخطط التركية الرامية لتسليم المناطق التي تحتلها إلى النظام السوري رويداً رويداً، وظهر ذلك جلياً قبل أشهر في التصريحات التركية المتتابعة وعلى أعلى المستويات للتطبيع مع النظام السوري وفتح المعابر والتحضير للتنسيق الأمني والاقتصادي مع حكومة دمشق.

مقابل المواقف التركية الصريحة هذه، وقتل وقمع المتظاهرين الذين رفضوا المصالحة مع النظام، بقي ما يسمى “الائتلاف السوري المعارض” صامتاً، وعملت لجانه الأمنية وقادة الميليشيات في الشمال السوري، لاسيّما في عفرين والباب وأعزاز، على اعتقال المتظاهرين وقتل بعضهم، وبهذا توجه أهالي تلك المناطق والمهجّرين إليها وفق الاتفاقات التركية الروسية عام 2018 بإعلان ما اسموه “ثورة الأول من تموز” وأعلنوا التحضير لتشكيل “الهيئة العليا لقيادة الثورة” لتعمل بديلاً عن الائتلاف وحكومته على المستويات السياسية والخدمية، لكن هل ستنجح هذه الخطوة أما لا، هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.

انتخابات وتشكيل سلطة بديلة لكن بدون سلاح

لمعرفة ماهية هذا التشكيل أو الجسم الجديد الذي يتم التحضير له في المنطقة الممتدة من جرابلس إلى عفرين، ويشرف عليها بعض المحامين والمثقفين السوريين وجلهم من المهجّرين من أرياف دمشق وحمص إلى تلك المنطقة التي تحتلها تركيا وتتحكم بكافة مفاصل الحياة فيها، وهنا توجهنا إلى السيد المحامي فهد الموسى رئيس اللجنة التحضيرية المعنية بالإشراف والتحضير لانتخابات داخلية والتي ستنبثق منها مجموعة من الأسماء لتشكيل “الهيئة العليا”.

وفقٍ لما تم الإفصاح عنه، سيتم إجراء انتخابات ودعوة عامة للشعب للمشاركة فيه، لاختيار مجموعة من الأشخاص المرشحين والذين بدورهم سيشكلون لجان عدة تشرف على إدارة المنطقة وبناء السلطات التشريعية والقضائية والخدمية، أما الجانب العسكري لم يتم الحديث عنه ولم يتطرقوا إليه، فيما حال الشمال السوري المحتل أمام الأعين، السّلاح بيد الميليشيات المتناحرة فيما بينها والقوة الأساسية تتبع لتركيا وموالية لها حتى العظم.

لا وصاية تركية!

يقول المحامي فهد الموسى الذي يرأس اللجنة التحضيرية لتشكيل الهيئة، أنهم أمام مرحلة مفصلية من تاريخ “الثورة السورية”، لما تشهد من تقارب تركي مع نظام الأسد، برعاية روسية وصمت أمريكي؛ ويؤكد على أنّ هذا التقارب يصب في المصلحة الروسية التركية، مما يولد مخاوف حقيقية أن يكون على حساب أهداف ومبادئ الثورة ومصالحها.

ويتابع الموسى “هذا دفعنا للسعي من خلال هذا المشرع الثوري، لتأسيس الهيئة العليا لقيادة الثورة السورية، لإعادة ترتيب البيت الداخلي بعيداً عن المؤسسات المرتهنة وبعيداً عن الوصاية التركية التي يمكن أن تتاجر بنا بأي لحظة، لذلك علينا انتخاب هذه الهيئة من الحاضنة الشعبية والثورية لتمثيل تطلعات الشعب السوري في إسقاط نظام الأسد سياسياً وعسكرياً، وتحرير سورية من كل الاحتلالات والدفاع عن سيادتها ووحدتها وفق ما نصت عليه كافة التشريعات الدولية”.

ويتفق المحامي محمد سليمان مع الموسى على أنّ المعارضة الخارجية الحالية يجب تغيرها ويقول “بعد تزايد مؤشرات تعويم نظام الأسد، لم يعد من الممكن إعطاء أجسام المعارضة الخارجية المزيد من الفرص، بعد أن ثبت ارتهانها لإرادة الفواعل الدولية وتمثيلها لمصالح الآخرين ودخولها في مسارات سياسية عبثية منحت كامل الوقت للنظام لترتيب أوراقه دولياً، لذلك لم تكن أحداث قيصري سوى الشرارة التي أشعلت انتفاضة الأول من تموز والتي انبثق عنها اعتصام الكرامة الذي حدد مطالب الشارع في قائمة معلنة في الساحات، والتي تتلخص باستعادة القرار الوطني الثوري ومنع استخدام قضية الشعب السوري كورقة في البازارات السياسية الدولية، إضافة إلى تصحيح العلاقة مع الجار التركي وإنهاء حالة التبعية والوصاية”.

فيتو تركي متوقع

وعن فرص نجاح هذا التشكيل الجديد في ظل السيطرة التركية على كافة مفاصل الحياة في الشمال السوري المحتل، يقول الموسى أنهم ينطلقون من شرعية ثورية عبر الانتخابات والتوجه للحاضنة الاجتماعية والثورية وعدم الاعتماد على تركيا أو غيرها، ويتابع “الشعب السوري ليس شعب قاصر وليس بحاجة لوصاية تركيا أو غيرها، ونعول على السوريين داخل سورية وخارجها لإنشاء صندوق وطني بعيداً عن المال المسيس من الدول لأن هذه الدول أحبطت الثورة السورية في محطات عديدة وفق قاعدة (إذا أردت أن تفشل ثورة أغرقها بالمال) لذلك نحن حريصون من خلال رؤيتنا على استقلال القرار السياسي والعسكري للثورة السورية من خلال تحقيق الاستقلال المالي”.

يُشير المحامي فهد إلى أنه من المتوقع أن تقوم تركيا بموجب تقاربها مع الأسد بوضع فيتو ليس على الهيئة العليا للثورة، إنما بوضع فيتو على كل ما هو ثورة، وسيتم منع أي مظاهر ثورية ضمن خطة تدريجية تمهيداً لتسليم المنطقة لنظام الأسد وروسيا مقابل ملفات دولية شائكة ويتابع “لذلك خياراتنا ستكون اللجوء إلى الحاضنة الشعبية والثورية للاستمرار بالثورة السورية ووصولها لبر السّلامة والأمان”.

وفي هذه النقطة يقول سليمان، من مصلحة تركيا ألا تعادي الشعب السوري وتقبل برأي الشارع الذي سيفرز أناس يمثلون الشعب السوري وليس الشخصيات الحالية القائمة في الائتلاف.

الميليشيات إلى أين!

لكن المعضلة الأساسية في الشمال السوري المحتل تكمن في أنّ السّلاح والقوة العسكرية في أيدي مجموعات من الميليشيات التي تدار من قبل المخابرات التركية، مما يضع المشروع هذا أمام تحدي كبير، وهنا يعول الموسى على أمل أن يبادر “جميع الشرفاء من العناصر وقادة الفصائل الأحرار للانضواء تحت الهيئة العليا لقيادة الثورة”، ويتابع “بعد تأسيس وانتخاب الهيئة العليا لقيادة الثورة السورية ومع وجود سلطة ثورية من سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية نكون قد حققنا سلطة متكاملة الأركان قانوناً وشرعاً، ومن أهم واجبات هذه السلطة الثورية القضاء على هذه الفوضى الخلاقة وإعادة تنظيم كافة الجوانب السياسية والثورية والخدمية وفق الأولويات والإمكانيات المتاحة”.

البحث عن المشروعية

وتنحصر مهمة المجموعة التي يرأسها فهد الموسى في التحضير لإجراء انتخابات مفترضة دون تحديد موعدها، ودعوت الجميع للمشاركة فيها دون اقصاء على حد تعبيره، وأن الانتخابات ستفرز تشكيلاً، وهذا التشكيل “الهيئة العليا” ستقرر آلية التواصل والاتصال مع باقي السوريون في الداخل والخارج والوصول لصيغ معينة لحل المعضلة السورية، ويتابع  الموسى حديثه الخاص لموقعنا “نمد يدنا للجميع للمشاركة بانتخاب الهيئة العليا للثورة لكي نستمد تمثيلها من المشروعية الشعبية بعيداً عن التحالفات والتحزبات والمناطقية والشللية، لأن الانتخابات هي العدو الأول لمن يجدون في أنفسهم أنهم أعلى من الجماهير”.

 وعن آلية كسب المشروعية الدولية يقول “الثابت الوحيد في السياسة هي المتغيرات، علينا أن نكون أولاً منظمين وأقوياء، نستمد قوتنا من الحاضنة الشعبية ومن مشروعية الديموقراطية والانتخابات، والمطلوب منا أن نتحالف مع كل الدول التي تتقاطع مصالحها مع مصالح الثورة السورية، ومن خلال تقاطع المصالح يكون الاعتراف بالهيئة العليا للثورة كرقم صعب في أي حلّ سياسي او عسكري للقضية السورية”.

ويرى محمد سليمان أنه في النهاية لا مفرّ أمام السوريين من التلاقي على المشترك الوطني وحلحلة مشاكلهم بأنفسهم ويتابع “لكن بتقديري أن ما يمنع ذلك، هو استمرار بقاء نظام الأسد المتسبب الأول بالتقسيم والانقسام وإعطاء الذرائع للدول الأجنبية لمدّ نفوذها على الأراضي السورية، وجعل سوريا ساحة لتصفية الحسابات الدولية وحروبها بالوكالة وبدماء السوريين، ولا شك أنّ تلك الصراعات الإقليمية والدولية المستجدة على مستوى الإقليم ستترك أثرها على الوضع السوري إما نحو انفراجه أو المزيد من التأزم وجعل الحلّ السياسي أكثر بعداً”.

وفي نهاية حديثه يؤكد المحامي فهد الموسى على أنه ليس من مصلحة كلّ الدول الفاعلة بالقضية السورية أن يكون هناك حلّ سياسي عادل وشامل، لذلك “نحن ننطلق من أن الحلّ السوري العام سيكون بأيدي سورية من خلال استقلال القرار الثوري ورفع كافة أشكال الوصاية على الشعب السوري والثورة السورية”.

إلى أين؟

ويبقى السؤول الأهم هنا، هل ستنجح هذه الفئة من المثقفين في الشمال السوري المحتلّ من العمل بشكلٍ حرّ ومستقل لاستعادة القرار السوري، في الوقت الذي يتابع فيه الجميع الأوضاع الميدانية، من اقتتال بيني واغتيالات تطال النشطاء ومنتقدي السياسية التركية هناك، وعدم قدرة المنظمات المستقلّة من العمل على الأرض، وبالتحديد أن هذا الجسم الجديد يطرح بأن يكون بديلاً عن الائتلاف وحكومته المؤقتة، الذي تستغل أنقرة وجود مقرّاته وقياداته على الأراضي التركية، لفرض الوصاية عليها وعلى القضية السورية، وحصد المكاسب لصالح حكومتها في السّاحة السورية والإقليمية.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons