ديسمبر 23. 2024

سرقات القطاع الزراعي… بعد المياه والمحاصيل تطال مشاريع الطاقة البديلة

عفرين بوست- خاص

بقيمة تفوق الـ/15/ ألف دولار أمريكي، سرقات تطال معدات مشاريع زراعية بالطاقة البديلة في ثلاث قرى من ريف عفرين فقط، هذا الأمر دفع بالأهالي للبحث عن حلول ذاتية في ظل الفلتان الأمني الممنهج السائد بعفرين المحتلة.

القطاع الزراعي الذي يشكل عصب الحياة في عفرين وبنسبة 85% من دخل الأهالي، بات اليوم معرضاً للدمار لأسباب عدة، منها غلاء وسائل الإنتاج وتدني الإنتاجية ومحدودية الأسعار، إضافة للضرائب والإتاوات التي تفرض على المزارعين من قبل الميليشيات والعناصر المسلّحة، وما يزيد الطين بلّة هي السرقات المتكررة وفي كافة المواسم، سواء لوسائل الإنتاج من معدات زراعية أو للمحاصيل المختلفة.

طاقة بديلة

أبو أحمد، مزارع كردي من عفرين المحتلة، ظلّ يعمل لمدة سنتين ليدخر جزءًا من ثمن شراء ألواح الطاقة الشمسية وتشيد شبكة كهربائية خاصة لبئره الارتوازي، الواقع ضمن أرضه في سهول قرية عين دارة، بهدف ري مزروعاته، ومن المعروف عن منطقة عفرين وفرة المياه الجوفية فيها ووجود أقنية ري زراعية تستدرج المياه من سد ميدانكي.

لكن مع الاحتلال التركي للمنطقة برزت مشاكل عدة في القطاع الزراعي، وعلى رأسها مشكلة المياه، وارتفاع أسعار مادة الديزل التي تستخدم في تشغيل المحركات الخاصة بالآبار الارتوازية، إذ خلال السنوات الثلاث من بدء الاحتلال تضاعف سعر البرميل الواحد من مادة المازوت (الديزل) إلى خمسة أضعاف، وتوقفت أقنية الري عن العمل نتيجة توجيه تركيا مياه نهر عفرين إلى الداخل التركي لتغذية سد ريحانية، هذه السرقة العلنية لمياه عفرين إلى تركيا جعلت من المنطقة التي كانت تعتبر سلة الشمال السوري الغذائية تتجه نحو الجفاف وفقدان الثروة المائية السطحية منها والجوفية.

في ظل هذا الواقع لجأ العديد من الأهالي ومن ضمنهم أبو أحمد لاعتماد الطاقة الكهربائية عبر توليدها عن طريق الألواح الشمسية، وإن كان لها تكاليف إضافية، لكنها توفر على المزارع مصاريف المحروقات وأعطال المحركات، إلا أنّ هذه الطريقة جلبت معها مشاكل أخرى وهي السرقة.

التكاليف الكاملة لتركيب ثماني ألواح طاقة شمسية مع تمديداتها الكهربائية والغطاس الخاص لاستخراج المياه، فاقت الـ 3000 دولار أمريكي، “أبو احمد” استقرض نصف المبلغ من تجار الكمسيون (دلال سوق الهال) وبعد شهرين فقط من استخدمه المشروع لسقاية أرضه، تعرّض جزء من مشروعه للسرقة، طالت جهاز تنظيم الكهرباء والكابلات، ويقدر أبو أحمد قيمتها بـ 400 دولار أمريكي، مما اضطره لاستقراض مبلغ إضافي لإعادة تشغيل مشروعه.

السرقات تطال كل شيء

يقول أبو أحمد “منذ دخول الميلشيات إلى منطقتنا لم نهنئ بمواسمنا الزراعية، باتت تكاليف الزراعة والضرائب والإتاوات توازي تكاليف الإنتاج وهو ما يرتب علينا تكاليف إضافية لا طاقة لنا بها”.

وعن لجوئه إلى استخدام الطاقة البديلة يقول “مياه السد عبر الأقنية منذ ثلاث سنوات لا يأتي إلّا أيام قليلة خلال الموسم، ويتقاضى المجالس الاقتصادية لميليشيا الحمزات كامل المستحقات المالية، إضافة لارتفاع أسعار المحروقات وعدم توفرها وأعطال المحركات المستمرة، دفعنا لاستخدام الطاقة البديلة”.

ويشير أبو أحمد إلى أنّ منسوب المياه الجوفية انخفض أيضاً وهو ما يزيد الوقت المستهلك والجهد وزيادة التكاليف، وتعرض هذه المشاريع للسرقة يكلف المزارعين أعباء إضافية.

“محمد علي” مزارع آخر له مساحات متفرقة في قريتي باسوطة وعين دارة، يقول “لم نعد نأمن على أنفسنا في منازلنا ولا أراضينا، السرقات تطال كل شيء، حالياً موسم المشمش والجوز، بدأت السرقات لموسم الجوز رغم عدم نضجه، ونحن نعاني من هذه المشكلة منذ سنوات”.

تعرّض مشروع “محمد علي” للسرقة أيضاً، من كابلات كهربائية وجهاز تنظيم الكهرباء وأربعة ألواح طاقة بقيمة تعدت الـ/600/ دولار أمريكي”.

/15/ ألف دولار قيمة السرقات

وفقٍ لمعلومات نقلها مزارعو تلك المنطقة الممتدة من قرية ترندة إلى باسوطة مروراً بعين دارة، تعرّض خلال الأشهر الثلاث الماضية أكثر من /23/ مشروعاً للسرقة، ويقدر المزارعون قيمة المسروقات بـ /15/ ألف دولار أمريكي وما يزيد، هذا عدا السرقات التي تطال المحاصيل الزراعية من ثمار الفاكهة والخضار، ولاحقاً موسم الجوز والزيتون.

اشتكى المزارعون تكراراً ومراراً للعناصر المسلّحة المسيطرة على المنطقة لإيجاد حلّ لموضوع السرقات، إلّا أنّ السرقات في تزايد ودون وجود حلول ناجعة، رغم أنّ تلك الميلشيات تتقاضي مبالغ مالية عن كل قطعة أرض تحت بند الحماية والسماح بالاستثمار، وهنا يتهم “محمد علي” تلك الميلشيات بتشجيع السرقات أو أنّ السارقين هم عناصر مفترضين ضمن تلك الميلشيات أو أقاربهم، لذا يتم حمايتهم وعدم إلقاء القبض عليهم وتجاهل شكاوى المزارعين.

أساليب حماية غير ناجعة

في ظل هذه الفوضى المدروسة والفلتان الأمني، يضطر أبو أحمد وغيره من المزارعين لإيجاد طريقة مناسبة بهدف حماية أرزاقهم.

إذ لا يهنأ “أبو أحمد” بالنوم في منزله، ويضطر للبقاء في البستان وحراسة مشروعه الزراعي على مدار أربعة أيام متواصلة في الأسبوع، في حين يتناوب جيرانه المستفيدين من المشروع ذاته المناوبة في الأيام الثلاث الأخرى من الأسبوع، وعن مخاطر البقاء بدون سلاح في البستان يقول أبو أحمد “نحن مضطّرين لفعل هذا الشيء في ظل الفلتان الأمني المقصود، إذ لا يسمح لنا حمل السلاح أيضاً وهذا يزيد من المخاطر، فكل شيء وارد، ربما يكون اللصوص مسلّحين أو هم أنفسهم من تلك العناصر المسلّحة” ويتابع “نتوكل على الله في حمايتنا لحين خلاصنا جميعاً من هذا البلاء”.

يقول مزارع أخر فضل عدم كشف هويته، أن غالبية المزارعين يلجؤون إلى تعيين حرّاس على ممتلكاتهم وبساتينهم ورغم ذلك تحدث السرقات، ويسرد قصة سرقة منزل من قريته وسكّانه نيام، إذ دخل اللصوص البيت وسرقوا أدوات ومعدات تعدت قيمتها الـ/1000/ دولار أمريكي، حيث ربطوا صاحب المنزل وذهبوا، ويتابع ” حدث هذا في القرية، فما بالك في البساتين التي لا وجود للجيران حولك، إننا في عفرين نأمن على أروحنا من وحوش البراري ولا نأمن هؤلاء الغرباء”.

مخاطر حقيقة

هناك مخاطر حقيقية تعاني منها منطقة عفرين، إضافةً للسرقة والقتل والخطف وباقي الانتهاكات التي تحدث بعلم المحتلّ التركي، يعمد الأتراك لسرقة الثروة المائية لعفرين وفي تقرير سابق لـ”عفرين بوست” تطرق إليها، وهذه السرقة تعتبر خطيرة جداً إذ تدفع المنطقة نحو الجفاف وعزوف المزارعين عن الاهتمام بأرضهم وعدم زراعتها في حال استمرار الحال بهذا الشكل، وهذا سيؤثر على ديمغرافية المنطقة وممتلكات الكُرد فيها، وهو أمر لابد من الإشارة إليه وإيجاد الحلول المناسبة.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons