ديسمبر 23. 2024

انتظار المجهول… عائلات كردية تطالب كشف مصير أبنائها المخفيين قسراً

عفرين بوست- خاص

تنتظر سلوى تبيان مصير شقيقها ووالدها المخفيين قسراً في ريف ناحية راجو بُعيد احتلال تركيا لقريتهم قبل أكثر من ستة سنوات؛ إلى اليوم لم تتلقى العائلة أي أخبار عن أبنائها.

بُعيد احتلال تركيا وميليشيات “الجيش الوطني السوري” الموالية لها عفرين وقراها، تعرّض غالبية أبناء المنطقة من الكُرد وبعض العرب للاعتقال والاخفاء القسري، ووفق لبيانات المنظمات الحقوقية ما يزال مصير أكثر /900/ شخص، بينهم أطفال ونساء، مجهولاً، ويعتبرون في عداد المفقودين والمغيبين قسراً.

تناشد سلوى التي فضّلت إخفاء هويتها الحقيقية خوفاً من الملاحقة الأمنية في قريتها التي تُسيطر عليها اليوم ما تسمى بالقوة المشتركة (فرقة السلطان سليمان شاه- العمشات، وفرقة الحمزات)، عبر موقع عفرين بوست، الجهات الحقوقية الدولية للضغط على تركيا وإجبارها على كشف مصير المعتقلين والمغيبين قسراً من أبناء عفرين.

مؤسسة خاصة بالمفقودين

أنشأت الأمم المتحدة، في 29 حزيران/يونيو 2023، “مؤسسة دولية جديدة لاستجلاء مصير المفقودين في سوريا وأماكن وجودهم وتقديم الدعم للضحايا وأسرهم”، تحت اسم “المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في الجمهورية العربية السورية”.

وتمّ تشكيل لجان عدة لهذه المؤسسة، لكن لم تبدأ بمهامها الفعلية إلى اليوم، ولم يصدر عنها بعد أية إحصاءات رسمية فيما يخص المفقودين والمغيبين في كامل الجغرافية السورية.

ولأن عفرين الواقعة في أقصى شمال غربي سوريا، التي تحتلها تركيا، ولها وضع خاص من الناحية الديمغرافية وتواجد ميليشيات ما يسمى بـالجيش الوطني السوري” فيها، اردنا تسليط الضوء على ملف المفقودين هناك، وهل سيتم البحث عنهم أم سيتم تغييبهم من نشاطات تلك اللجنة الأممية نتيجة سطوة تركيا هناك، لا سيّما أنّ جهات سورية موالية لتركيا وتستوطن في عفرين، تعقد ندوات وجلسات حوارية حول ملف المعتقلين والمفقودين وكان آخرها في 20 من الشهر الجاري بمدينة عفرين، ناقش فيها الحضور أوضاع المعتقلين في سجون النظام السوري دونما التطرق ولو بكلمة واحدة إلى العدد الكبير من المخفيين والمعتقلين ضمن مناطق الاحتلال التركي، في إشارة إلى أنّ الجهات الحقوقية والمنظمات العاملة في تلك المنطقة لم تتطرق لأوضاع أهالي عفرين والمخفيين قسراً من أبنائهم.

ممنوع

في هذا الإطار يقول السيد عز الدين صالح مدير منظمة تآزر الحقوقية والتي تعمل اليوم على ملف المفقودين في عفرين وسري كانيه/رأس العين وكري سبي/تلل أبيض، إنّ “تركيا والمعارضة السورية لا تسمح لوسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية المستقلّة بالعمل في مناطق سيطرتها، ومن ضمنها منطقة عفرين المحتلة، لذا فإن عملية توثيق الانتهاكات في تلك المناطق تواجه تحديات كبيرة”، ورغم توثيق انتهاكات لا تحصى من قبل لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا، ومنظمات دولية وأخرى محلية، تُنوّه “تآزر” إلى أنّ الانتهاكات التي ترتكبها تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض في منطقة عفرين، هي أكثر بكثير مما يتم توثيقها والتحقق منها بالاسم والكنية ومكان الاعتقال والتاريخ على سبيل المثال، إذ تعتقد الرابطة أنّ العدد الفعلي لحالات الاعتقال هو أعلى بكثير من الرقم الوارد في هذه الإحصائيات”.

مؤسسات تشكلت

وفي السياق ذاته أعلنت “الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا” عن تأسيس مكتب خاص بالمفقودين يتبع لدائرة العلاقات الخارجية، ويعمل هذا المكتب على جمع بيانات المفقودين وأرشفتها وفقٍ للحدث والتاريخ والمكان، والعمل فيما بعد على تأسيس قاعدة بيانات يمكن مشاركتها مع المؤسسات الدولية، لاسيّما المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، وما يماثلها ضمن الدول التي تربطها علاقات جيدة مع الإدارة الذاتية.

وتم تأسيس لجان في كل “مقاطعات شمال وشرق سوريا” ومن ضمنها مقاطعة عفرين، ويعمل الحقوقي إبراهيم شيخو كعضو ضمن هذه اللجنة التي تعمل اليوم على جمع البيانات الخاصة بالمفقودين في عفرين والشهباء، ووفقاً لـ شيخو، عملية جمع البيانات تتم عبر التواصل المباشر مع الأهالي، لكن هناك صعوبات كثيرة تواجه هذا العمل، نتيجة عدم معرفة الأهالي أنفسهم مصير أبنائهم الذين فقدوا أثناء المعارك التي دارت في عفرين أو بعدها، البعض منهم متواجدين في سجون بالمناطق المحتلة والبعض تم نقلهم إلى تركيا.

وأعلنت رابطة “تآزر” للضحايا، بتاريخ 6 حزيران 2024، عن إطلاق منصة في شمال وشرق سوريا (خاصة بالرابطة)، بهدف تلاقي أُسر المفقودين والمخفيين قسرياً، وتعمل على تنظيمها والتنسيق فيما بينها، بهدف تعزيز حقها في التمثيل وقيادة جهود الدفاع عن حقوقها، بما في ذلك المشاركة الفعّالة في جهود البحث، والتواصل مع المؤسّسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، والهيئات الأخرى ذات الصلة، وتقديم المشورة بشأن السياسات وتبادل المعلومات.

صعوبة جمع المعلومات

يُشير شيخو إلى أنّ عمليات البحث وتقصي الحقائق ضمن عفرين صعبة جداً، ويتابع “هناك شخصيات وكيانات مستقلة تقبل التعاون معنا لتبيان مصير بعض المفقودين، لكن نتيجة الفوضى وعدم احترام حقوق الإنسان ضمن مناطق الاحتلال يبقى عمل هؤلاء بسيطاً ومحفوفاً بالمخاطر، لذا نستطيع القول إنّ عمليات جمع البيانات في أرض الواقع ستكون صعبة”.

وعن عمل اللجنة المرتبطة بالأمم المتحدة في حال تم تشكيلها، يقول شيخو “الأمم المتحدة لن تعمل على الأرض بشكلٍ مباشر بل ستعتمد على النشطاء والحقوقيين المحليين، وهذا أيضاً مرتبط بقدرة هؤلاء على نقل الحقيقة، وأظن أنّ هذا الأمر نادر في ظلّ عدم وجود شخصيات مستقلة بالشكل اللازم ضمن المناطق المحتلة، وبالتالي ستبقى عمل هذه اللجان في الإطار الشكلي دونما الحصول على نتائج مثمرة، وبالمقابل ستعمل المنظمات الموالية لتركيا على توجيه أنظار اللجنة للمفقودين ضمن سجون النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية، لتشتيت الجهود وعدم الغوص في موضوع المفقودين من أبناء عفرين بشكلٍ كبير”.

شيخو يؤكد أنّ موضوع المفقودين معقّد ويحتاج إلى آلية عمل متعددة الأطراف للكشف عن مصير السوريين بمختلف تياراتهم وانتماءاتهم.

ويتفق عز الدين صالح مع إبراهيم شيخو في هذه الجزئية، ويقول إن عمل المؤسسة الخاصة بالمفقودين التابعة للأمم المتحدة سيستغرق وقتاً طويلاً للحصول على النتائج المرجوة، ولن تكون كما يبتغيها السوريون، نتيجة تداخل عوامل عدة وأسس خاصة للعمل في مثل هذه المؤسسة.

احصائيات

وعن المفقودين من أبناء منطقتي “سري كانيه/رأس العين – الحسكة، وكري سبي/تل أبيض- الرقة” المحتلتين من قبل تركيا والميليشيات السورية الموالية لها، وثقت “تآزر” اعتقال ما لا يقل عن /732/ شخص، بينهم /81/ امرأة و /60/ طفل، ولا يزال /187/ شخص على الأقل مخفيين قسرياً، لا تعلم عائلاتهم شيئاً حول مصيرهم. بما في ذلك تورّط تركيا في جريمة إخفاء مواطنين من شمال وشرق سوريا، ونقلهم إلى داخل أراضيها، حيث تمَّ توثيق نقل ما لا يقل عن /92/ محتجز سوري إلى داخل الأراضي التركية، خلال وعقب احتلال المنطقتين، ووفقاً لرابطة تآزر فقد حُكم /55/ شخصاً منهم بأحكام تعسفية تتراوح بين السجن 13 عاماً وحتى المؤبد.

أما في عفرين فالأعداد أكثر، ويؤكد الحقوقي إبراهيم شيخو أنّ ما تم توثيقه لا يمثل إلا نسبة بسيطة، نتيجة التعتيم الذي يتم فرضه من قبل مؤسسات الاحتلال التركي، ووفقاً لغالبية المنظمات العاملة في المنطقة يتجاوز أعداد المعتقلين والمفقودين من أبناء عفرين /2800/ شخص، بينهم أكثر من /450/ امرأة و /263/ طفل. لا يزال /852/ شخص على الأقل مخفيين قسرياً، من بينهم أطفال ونساء، وإلى اليوم العديد من العائلات لا تعرف أي معلومات عن أبنائهم.

ويقول عز الدين أنّ رابطتهم تنشط في عفرين ومناطق أخرى عن طريق شبكة باحثيها الميدانيين، وتعمل على توثيق كافة انتهاكات حقوق الإنسان في شمال وشمال شرق سوريا، وحفظ الأدلة والوثائق والشهادات، إسهاماً في عمليات كشف الحقيقة والمساءلة وتحقيق العدالة، بالإضافة إلى تعزيز قدرات الضحايا ومناصرة قضاياهم، من أجل بناء مجتمع مطالب بحقوقه.

انتظار المجهول

على غرار سلوى، تتحدث نسرين المنحدرة من إحدى قرى ناحية شيروا عن شقيق زوجها “ع،ج” الذي غاب عن الأنظار بعد أسبوع واحد من احتلال عفرين، إذ داهمت عناصر مسلّحة برفقة الاستخبارات التركية قريتهم وجمعوا أهالي القرية كافةً في ساحة المدرسة وبدأوا حملة تفتيش المنازل والبساتين المحيطة بالقرية، وفي ذاك اليوم فقط اعتقلوا /150/ شاب ورجل وعدد من النساء، إلى اليوم ما يزال مصير /35/ شاباً مجهولاً من أبناء القرية ومن ضمنهم شقيق زوجها الذي تمّ اعتقاله في ذاك اليوم، ولم يسمح للعائلة برؤيته منذ ذاك اليوم، وتقول “إلى الآن لا نعلم عنه شيئاً، ميتاً أم معتقلاً، سمعنا يوماً انه تم نقله إلى تركيا حاولنا التواصل عبر أقارب لنا في تركيا لكن لم نحصل على أية نتيجة، ونرجو من الله ان يعود كل شاب معتقل إلى أهله ويُعرف مصير كلّ مفقود”.

مئات العائلات الكردية في عفرين وسري كانيه/رأس العين وكري سبي/تل أبيض تنتظر بيان مصير أبنائها منذ سنوات، ورغم العدد الكبير للتقارير الحقوقية وتلك التي اتهمت تركيا بشكلٍ مباشر بالمشاركة في الاخفاء القسري، إلا أنّ تركيا لم تقدم على أية خطوة عملية في حماية حقوق الإنسان، بل عملت على إطلاق يدّ ميليشياتها أكثر من السابق في ممارسة الانتهاكات وارتكاب الجرائم.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons