ديسمبر 23. 2024

تركيا تنتهك قانون المياه الدولي… أقنية معطّلة وسرقة موصوفة لمياه عفرين لصالح سدّ ريحانية

عفرين بوست- خاص

تجري العادة بأن تجتمع العائلات كلها في أيام الأعياد، لا سيّما عيد الأضحى المبارك، لتبادل التهاني وزيارة قبور الأحبة الذين فارقُهم، لكن هذا العام المرافق مع درجات الحرارة العالية وشح مياه الري بات الوضع مختلف عند بعض المزارعين في عفرين المحتلة، حيث لجأوا لاستغلال كل دقيقة ويوم لسقاية مزروعاتهم وبساتين الفاكهة، بعد أن تمّ ضخ مياه سدّ ميدانكي إلى قنوات الري مؤخراً.

“لا عيد”

“عبد الرحيم” المتحدر من إحدى قرى خط جومكة في عفرين، قضى ثلاثة أيام متتالية ضمن بستانه الكائن في محيط قرية عيندارة دون قدرته على ترك البستان أو الاحتفال بالعيد مع أقاربه وعائلته، يقول عبد الرحيم؛ “في السنوات السابقة كنّا نعتمد على أقنية الري التي يتم تغذيتها من سد ميدانكي لقاء رسوم سنوية مقبولة نوعاً ما، لكن للعام الثالث على التوالي يتم تقنين هذه المياه بشكلٍ كبير لدرجة لا نستطيع الاعتماد عليها لسقاية مزروعاتنا وبساتين الفاكهة التي تحتاج لريها مرة في الأسبوع”.

في بعض الأحيان وعند اعتدال درجات الحرارة يعمد الفلاحون لزيادة الفترة بين الرية والأخرى وهو ما يؤثر على جودة المحصول، ولكن ارتفعت خلال السنوات الأربع الأخيرة أسعار المحروقات بشكلٍ كبير لدرجة عدم قدرة المزارعين تحمل تكاليف الري التي تعتمد على الآبار الارتوازية والمضخات العامودية.

لتدارك زيادة تكاليف الري وعدم توفر المحروقات لجأ عبد الرحيم وعدد آخر من المزارعين لتركيب لوحات طاقة شمسية لتوليد الكهرباء بغية استخراج المياه، ورغم تكاليفها الإنشائية الباهظة تظل الحلّ الأنسب للمزارعين في عفرين اليوم، لكن ثمة مخاطر أخرى وهي سرقة المعدّات الكهربائية، لذا يضطر المزارعون للنوم ضمن بساتينهم.

أهمية سد ميدانكي

يعتبر مشروع الري الذي أشرفت شركة إيرانية على تنفيذها عام 2002 ودخلت الخدمة بعد سنوات، مشروعاً اقتصادياً هاماً في توفير المياه الجوفية وتخزين مياه الأمطار والفائض من سريان نهر عفرين خلف سد ميدانكي، لاستخدامه في ري الأراضي الزراعية والتي قدرت مساحتها بأكثر من 30 ألف هكتار موزعة من سهول زرافك وكمروك وجومكا وصولاً للقرى المحيطة بمدينة عفرين وجنوباً إلى جلمة إلى سهول ناحية جنديرس.

إضافة لاستغلال مياه السدّ وضخها إلى محطة التصفية في شرّا وتغذية مدينتي عفرين وأعزاز بالمياه الصالحة للشرب.

مخطط قديم

يعتبر سدّ ميدانكي أكبر سدّ تجميعي في المنطقة الشمالية من سوريا، ولكن منذ عام 2019 وإلى اليوم لا تسمح السلطات التركية بتجميع المياه بالشكل الكافي ضمن السدّ، والغاية منها مد الجانب التركي بالمياه، إذ تنبع مياه نهر عفرين من جبال ناحية بلبلة والقرى المحيطة بها، وتتجه إلى ناحية جنديرس لتدخل الأرضي التركية مجدداً، وفي عام 2020 انتهت السلطات التركية من بناء سد ريحانية على مسار نهر عفرين في الجانب التركي.

سدّ ريحانية الذي قال عنه نائب حزب العدالة والتنمية في ولاية هاتاي (اسكندرون) “حسين شانفردي” أثناء افتتاح السد عام 2020 “أنه حلم 50 سنة قد تحقق”، في إشارة إلى أن الهدف التركي للاستحواذ على مياه سوريا ليس بالأمر الجديد، حيث أنّ مياه سدّ ريحانية تروي 600 ألف دونم من الأراضي في الداخل التركي.

توجيهات المنسق التركي

جاء في تقرير نشره المكتب الإعلامي – عفرين لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا بتاريخ 8 حزيران/يونيو 2024، “هناك انخفاض في كمية المياه المحتجزة في سدّ ميدانكي، بينما في عام 2019م كان هناك فائض، رغم أنّ معدلي الهطولات المطرية في العامين المذكورين كانا متقاربين وأكثر من الـ/500/ مم”.

وأوضح التقرير، “المنسق التركي المشرف على السدّ لم يكن يحبس مياه الأمطار الشتوية بالشكل المطلوب، مثلما كان يحصل قبل الاحتلال التركي عام 2018، إذ كانت تحبس بشكلٍ كامل وبالأخير يُترك الفائض إلى النهر؛ بل كان منسوب المياه في النهر شتاء هذا العام مرتفعاً، لكي تتدفق إلى سدّ الريحانية التركي مصب نهر عفرين ويمتلئ (سعته التخزينية/900/ مليون متر مكعب)، علاوةً على وجود أربعة سدود على روافد نهر عفرين في الجانب التركي، أكبرها سدّ عفرين الأعلى بسعة تخزينية 38 مليون متر مكعب افتتح عام 2021م”.

وأشار التقرير إلى توقف محطات الري (كمروك، تل طويل/آستير، جومكه، بابليت) عن الخدمة، بسبب سرقة معدّاتها من قبل الميليشيات منذ عام 2018، وتعتمد هذه المحطات على الطاقة الكهربائية لضخ المياه إلى الأراضي الزراعية في تل القرى.

كما أشار إلى أنّ المزارعين يتحملون تكاليف إضافية في الري، حيث يلجؤون إلى حفر آبار ارتوازية بحرية بعمق أكثر من /350/ متراً، نظراً لجفاف معظم آبار المياه السطحية وتدني خدمات قنوات ري سدّ ميدانكي.

ترويج إعلامي وهمي

ولتفادي الانتقادات لجأت سلطات الاحتلال للترويج الإعلامي على ضخ المياه في قناة الري، ونشرت قناة الجزيرة بتاريخ 14 حزيران الجاري مقطعٍ مصور قالت إنه لضخ المياه في قناة الري، لكن لم يُفيد أي من مزارعي عفرين عن وصول المياه إلى أراضيهم، ويمكن أن تقوم سلطات الاحتلال بتوجيه مياه القناة أيضاً إلى قرية بابليت (نهاية خط المكشوف للقناة) وتحويلها إلى نهر عفرين مجدداً ومنه إلى الأرضي التركية، في حين أن القدرة على تمرير المياه إلى الأرضي عبر الاقنية المغطاة هي بيد اللجان المكلفة من قبل المجالس المحلية، وأغلبها أصبحن معطّلة بسبب سرقة السكور من قبل المسلّحين.

قناة معطلة فعلياً

وفقٍ فني مختص بالري ضمن المجلس المحلي التابع لسلطات الاحتلال في عفرين، نسبة 40 بالمائة من قناة الري متوقفة منذ سنوات ولا تعمل ويتم استحصال الرسوم السنوية من المزارعين بغض النظر عن استفادتهم من الري أو لا، ناهيك عن حالة من الفوضى التي تعم تشغيل السكور (مسارات توجيه المياه ضمن القناة الرئيسية) الخاصة بأقنية الري وفق منطق القوة والفصيل المسيطر وهذا يؤثر على مدى استفادة الفلاح من المياه.

ويُشير عبد الرحيم إلى أنهم للسنة الثالثة على التوالي لم يستفيدوا من أقنية الري التي تمرّ من أرضهم ويدفعون رسومٍ تصل إلى 50 دولار سنوياً عن كل هكتار، لذا لجأ إلى استخدام الطاقة الشمسية لتوفير نفقات المحروقات.

مخاوف من سرقة المياه الجوفية ايضاً

وعن مستوى المياه الجوفية يقول عبد الرحيم، إن منسوب المياه الجوفية متباين بين منطقة وأخرى في عفرين، قديماً كانت المياه تظهر على أعماق 40-75 متراً، لكن اليوم تزداد الآبار عمقاً، نتيجة اعتماد المزارعين على المياه الجوفية بشكلٍ كبير وسرقة تركيا لمياه نهر عفرين لأجل ملئ سدّ الريحانية.

وانتشر هذا العام فيديوهات عدة لآبار ارتوازية تمّ حفرها حديثاً ويصل عمقها إلى 400 متر في قرية جلمة التابعة لناحية مركز عفرين، وأظهرت المقاطع خروج المياه ذاتياً من هذه الآبار البحرية، وهذا مؤشر خطير على توجه المنطقة نحو التصحر وفقدان الثروة المائية الطبيعة بعد عقود من الزمن، إذ ستعمد تركيا إلى استغلال هذه الآبار البحرية، لاسيما الواقعة على الحدود السورية التركية في ناحية جنديرس وسحب مياهها إلى تركيا.

وتعتبر مسألة المياه بين كلٍّ من تركيا وسوريا والعراق مشكلة قديمة، إذ تعمد تركيا لاستثمار المياه كسلاح ضد سوريا والعراق بتخفيض حصة البلدين من نهري الفرات ودجلة، والعام الماضي تضررت مناطق سورية وعراقية من حبس تركيا مياه الفرات، وهذا الفعل يتنافى مع الاتفاقيات الدولية.

وتنص القوانين الدولية الخاصة بالمناطق المحتلة، أنه يمنع على سلطات الاحتلال استغلال المصادر المائية الجوفية والسطحية للأراضي المحتلة، ويجبرها على توظيفها لصالح السكان المحليين.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons