عفرين بوست ــ خاص
من وقتٍ لآخر تقوم سلطات الاحتلال التركيّ بإعادة انتشار الميليشيات في إقليم عفرين الكرديّ المحتل على خلفية حوادث أمنية واشتباكات مسلّحة، وكان استخدام كافة تشكيلاتها من مختلف الخلفيات مرحلةً أولى في العدوان والاحتلال، إلا أنّها طردت ميليشيات الجبهة الشامية ومجموعات لجيش الإسلام في مرحلةٍ أخرى، واليوم هي بصدد إخراج ميليشيا “أحرار الشرقيّة” بالطريقة نفسها، بالاعتماد على تحالف ميليشيات “السلطان سليمان شاه/ العمشات، والحمزات”، واستغلال تهديدات “هيئة تحرير الشام” ضدها.
طرد الجبهة الشامية
صحيح أنّ سلطات الاحتلال التركيّ اعتمدت على مختلف الميليشيات في شن العدوان على إقليم عفرين الكرديّ واحتلاله عام 2018، إلا أنّها لا تتعامل مع تشكيلاتها بالسوية نفسها، فهي تولي بالغ الاهتمام بالميليشيات التركمانيّة وهي محل ثقتها في تنفيذ المهام العسكريّة والأمنيّة وتعتمد على حواضنها في التغيير الديمغرافيّ بالقرى الحدوديّة في نواحي بلبله وشيه بمنطقة عفرين بدرجة أساسيّة، وتأتي ميليشيا “فيلق الشام” المحسوبة على تنظيم الإخوان المسلمين في المرتبة الثانية، والتي سيطرت على بلدة ميدان أكبس الحدوديّة وقرى محيطة بها، وبعض القرى في ناحية بلبل، إضافة لقرى في ناحية جنديرس ومركزها؛ وتأتي بعدها الميليشيات التي ينحدر مسلحوها من المنطقة الشرقيّة مثل “أحرار الشرقيّة” و”جيش الشرقيّة”، وهي تضم العشرات من عناصر “داعش” إن لم نقل المئات، واستثمرت سلطات الاحتلال حالة الاحتقان لدى هذه الميليشيات ووظفتها ضد الكُرد.
أما الميليشيات التي قبلت بالتسويات مع حكومة دمشق وركبت الحافلات، وخرجت من مدينة حلب وريف دمشق والغوطة فهي بالترتيب الأخير مثل ميليشيات “الجبهة الشامية، وجيش الإسلام”، التي تندرج في إطار “الفيلق الثالث”، وقد تم طردها من عفرين بعد اشتباكات مسلّحة خاضتها ضد تحالف ميليشيات “سليمان شاه والحمزات” ومسلحي “هيئة تحرير الشام” المدرجة على قوائم الإرهاب.
بدأت الأحداث في مدينة الباب المحتلة على خلفية اغتيال الناشط “محمد عبد اللطيف/ أبو غنوم”، في 8/10/2022، وهاجم مسلحو ميليشيا “الجبهة الشاميّة” مقرّات لميليشيا “الحمزات” وسيطروا عليها، ووفقاً لمعطيات الصراع المسلّح تبلور الانقسام الفصائليّ، وانتقلت الاشتباكات العنيفة إلى إقليم عفرين الكردي المحتل واستمرت لأيامٍ، وانتهت إلى متغيرات مباشرة بطرد ميليشيات الجبهة الشامية ومجموعات لجيش الإسلام، وكذلك تدخل تنظيم “هيئة تحرير الشام” القادم من إدلب وفرض نفوذه على مدينة عفرين وبلدة جنديرس ونحو 30 قرية، وجاء اتفاق وقف إطلاق النار ليثبت المتغيرات على الأرض.
وفي 15/10/2022، تحرك رتل عسكريّ تركيّ إلى قرية كفر جنة، حيث وقعت آخر جولة من الاشتباكات، وأُعلن مجدداً عن اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، ولم يبقى للجبهة الشامية وجود في المنطقة، حيث حلّت “العمشات والحمزات” بدلاً عنها، وشهدت مدينة عفرين خروج أرتالٍ عسكريّة لمسلحي “الهيئة”، ليبقى لها وجود خفي غير معلن.
من جهة أخرى انضم العديد من مسلحي الميليشيات المطرودة من عفرين إلى ميليشيات أخرى، وتولى بعضهم مناصب قيادية مثل المدعو أحمد كبصو ونضال بيانونيّ.
وسبق أن دخل مسلحو “هيئة تحرير الشام” إلى عفرين بعد اندلاع اشتباكات عنيفة في 18/6/2022، بين مسلحي “الجبهة الشامية” و”جيش الإسلام” من جهة ومسلحي ميليشيا ”الفرقة 32 – حركة أحرار الشام/القاطع الشرقي”، ويومها سهّلت ميليشيا “فيلق الشام” دخول مسلحي “الهيئة” إلى عفرين المحتلة من معبر الغزاوية.
إخراج أحرار الشرقية
عُقد اجتماعٌ بين متزعمين لميليشيا “أحرار الشرقية” وضباط الاستخبارات التركية، طلب خلالها الجانب التركيّ رحيل كلّ مسلحيها الموجودين في منطقة عفرين مع عائلاتهم إلى مناطق كري سبي/تل أبيض وسري كانيه/رأس العين المحتلّتين، والتي تطلق عليها سلطات الاحتلال منطقة “نبع السلام”.
وكانت اشتباكات عنيفة قد اندلعت مساء الإثنين 3 حزيران/يوينو، بين ميليشيا “أحرار الشرقية” و “فرقة الحمزة” في شارع الفيلات واوتوستراد المازوت في مدينة عفرين، واُستخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وكان امتداد الاشتباكات إلى ناحيتي جنديرس وراجو، مؤشراً على أنّ الغاية كانت استهداف مسلّحي “أحرار الشرقيّة” في مناطق سيطرته، رغم أنّ سبب الاشتباكات هو خلاف بين متزعمين من الميليشيات حول الاستيلاء على أرض ومحلات في المدينة، وانتهت إلى انسحاب مسلحي “أحرار الشرقية”. وحسب بعض التقارير كان مسلّحو الشرقية يستولون حوالي /417/ عقار بين منزل ومحل في المدينة.
ما حدث بالنسبة لميليشيا “أحرار الشرقية” هو سيناريو مكرر، وبالمثل انتهت مشاهد الاشتباكات إلى توسيع نطاق سيطرة ميليشيات “السلطان سليمان شاه، والحمزات”. وليُعاد بذلك ترتيب الانتشار الفصائليّ في الإقليم الكرديّ المحتل.
الفصل الجديد يتزامن مع حديث وزير الدفاع التركيّ في 1/6/2024، أن بلاده تدرس إمكانية سحب قواتها من سوريا بشرط أن يتم ضمان بيئة آمنة وأن تكون الحدود التركيّة آمنة. وكذلك مع تداول الحديث حول انعقاد اجتماع بين مسؤولي حكومتي دمشق وأنقرة في العاصمة العراقيّة بغداد، برعاية روسية، وجاء ذلك بعد زيارة الرئيس التركيّ إلى بغداد في 22/4/2024. واللافت أيضاً في هذا التوقيت تطابق مواقف دمشق وأنقرة وطهران في رفض الانتخابات البلدية التي ستجريها الإدارة الذاتيّة في مناطقها.
المعطيات الحالية تشير إلى مسعى تركيّ لتثبيت وجود الميليشيات التركمانيّة وأخرى مقرّبة منها في عفرين، فيما ستكون أعزاز وجوارها مناطق لانتشار للميليشيات الإخوانيّة، ويبدو أنّ تركيا بصدد نقل الميليشيات التي ينحدر مسلحوها من دير الزور والمنطقة الشرقية إلى مناطق كري سبي/ تل أبيض وسري كانية/ رأس العين، فيما دخول مسلحو “هيئة تحرير الشام” من وقت إلى آخر إلى عفرين واستخدامهم عصا للتأديب أو التهديد أو حتى استنفارها على مداخل المنطقة ومعابرها يعني أنّ المسألة تتصل مباشرة بملف إدلب، ومعلوم أنّ مصير إدلب رهن التوصل إلى اتفاق مع موسكو حيث يستمر قصف قوات النظام لمواقع هيئة التحرير الشام وحلفائها في المحافظة.
أسئلة كثيرة يمكن طرحها إزاء هذه المتغيرات الميدانيّة، إلا أنّ السؤال الأهم هو: هل الترتيبات التي تقوم بها سلطات الاحتلال التركيّ تندرج في إطار تحضيرات أنقرة للمصالحة مع دمشق؟