عفرين بوست – خاص
أثار التقرير الخاص الذي نشرته منظمة هيومن رايتس واتش في 29 من فبراير المنصرم، تفاعلًا واسعًا ولاسيما في أوساط الحقوقيين وأبناء عفرين، وجاء بمثابة إحراج لبعض الجهات السورية المتعاونة مع تركيا سواء من الكرد أو غيرهم، إرتينا في “عفرين بوست” تسليط الضوء على النتائج التي يمكن أن تتمخّض عن مثل هذه التقارير الدولية التي نقلت جزء يسير من الصورة الواقعية للانتهاكات والجرائم الفظيعة التي تحدث في عفرين على مدار ست سنوات وأكثر.
حمل التقرير الذي استند لشهادات 58 ضحية، الكثير من الدلائل عن حالات قتل تحت التعذيب والتعرض للتعذيب الجسدي والجنسي والاستيلاء على الأملاك الخاصة، إضافة للكثير من الانتهاكات التي ترتقي لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفقًا لنصوص ومعاهدات دولية وقّعت تركيا بذاتها عليها.
وقالت منظمة هيومن رايتس واتش، ومقرها نيويورك، إن الانتهاكات ارتكبتها القوات التركية وكذلك الميليشيات المسلحة المدعومة من أنقرة في المناطق التي تسيطر عليها في شمالي سوريا، وبهذا حمّلت المنظمة تركيا المسؤولية المباشرة عن بعض الانتهاكات وجرائم الحرب ضد الشعب السوري وبالتحديد الكرد منهم في سوريا ودعتها لتحمّل مسؤوليات ضبط الأمن وتصرف ميليشياتها التي لها خلفيات دينية متشددة وفقًا للقانون الدولي.
التقرير… يمكن اعتباره ورقة اتهام ومستند قانوني
يعتبر المحامي “حسين نعسو” المقيم في ألمانيا أن التقرير هو الأكثر أهمية من بين التقارير الدولية التي صدرت بخصوص الوضع في المناطق المحتلة من قبل تركيا ولاسيما عفرين.
واستند “نعسو” في وصفه هذا إلى التفاصيل الكاملة والشاملة لحالات الجرم والانتهاك، إذ يمكن أن يصلح ليكون ملفًا قضائيًا متكاملًا لإدانة تركيا واتهامها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ولاسيما أن هيومن رايتش واتش تتمتع بالمصداقية الدولية وهي ممولة من أمريكا مباشرة.
حيث للمرة الأولى وبشكل صريح وواضح أسمت الوجود التركي في المناطق السورية بقوة احتلال نظرًا لسيطرتها العسكرية والإدارية المباشرة والمطلقة على تلك المناطق وفقًا لنص المادة (42) من اتفاقية لاهاي لعام 1899-1907، وتبعًا لذلك حمّلتها المسؤولية القانونية الكاملة وفقًا لاتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكولاتها الإضافية عن الجرائم المرتكبة بحق المدنيين السوريين في تلك المناطق، وخاصة بحق الكرد، وذلك بشكل ممنهج، الغاية منها تقويض الوجود الكردي في تلك المناطق كما جاء في التقرير.
ويؤكد “نعسو” أن كامل الجرائم والانتهاكات التي رصدها التقرير كانوا هم وجهات أخرى يعملون عليها على مدار سنوات ويرسلون تقارير دورية عبر مراسلاتهم ومخاطباتهم الموجهة للمنظمات الدولية، يتابع “جاء هذا التقرير لزيادة المصداقية وتأكيد المؤكد وهي نقطة إيجابية بلا شك”.
إلى لحظة إعداد هذا التقرير لم يصدر رد من تركيا بشأن الاتهامات التي جاءت في تقرير هيومن رايتس ووتش الذي يقع في 74 صفحة.
التحرك مطلوب
أدى العدوان العسكري التركي على عفرين 2018 إلى نزوح مئات الآلاف من الكرد. وقال بعض الذين بقوا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم عانوا من انتهاكات على يد القوات التركية وعناصر الميليشيات المعارضة الذين سلّحتهم وتموّلهم أنقرة.
وقال آدم كوغل، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “الانتهاكات المستمرة، بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري لأولئك الذين يعيشون تحت السلطة التركية في شمال سوريا، ستستمر ما لم تتحمل تركيا نفسها المسؤولية وتتحرك لوقفها”.
قال كوغل: “المسؤولون الأتراك ليسوا مجرد متفرجين على الانتهاكات، بل يتحملون المسؤولية كقوة احتلال. في بعض الحالات، كان المسؤولون الأتراك متورطين بشكل مباشر في جرائم حرب واضحة”.
يتساءل الكثيرون هل يمكن لمثل هذا التقرير أن يدفع بتركيا لتغير سياستها في سوريا والمناطق المحتلة وعلى رأسها عفرين وسري كانيه (رأس العين)؟!، فيما يراود المحامي “حسين نعسو” بعضاً من التفاؤل حول ذلك.
استدرك نعسو بالقول “لاشك بان هكذا تقرير سوف يؤثر إيجابًا على سلوك الاحتلال التركي ومرتزقته من السوريين في محاولة بائسة منهم لإعطاء صورة مغايرة للواقع وللمجتمع الدولي”.
ويرجح أن هذا التقرير وما يحتويه من أدلة قيّمة وموثوقة مستنبطة من شهادات وإفادات حية لأكثر من 58 شاهد وضحية، سيكون مقدمة لإصدار تقارير عن منظمات دولية أخرى كانت مترددة في وضع النقاط على الحروف في تقاريرها السابقة.
في المقابل يشكك مستشار الشرق الأوسط في جمعية الشعوب المهددة والتي تتخذ من ألمانيا مقرًا لها، السيد كمال سيدو، في أن تقوم تركيا بتغير سياستها ووضع حدًا لتلك الانتهاكات والجرائم المقصودة بحق الكرد في عفرين وباقي المناطق المحتلة، ويقول: ” تركيا لها موقع مهم وعلاقات كثيرة مع العالم في الغرب والشرق وبين المسلمين، لذا تتغافل العديد بل غالبية الدول عن الجرائم التي ترتكبها في عفرين وسوريا عامًة، ونتيجة لوجود مصالح متشابكة تتوانى الدول عن الضغط على تركيا، ونأمل أن تساهم مثل هذه التقارير في الحد من الانتهاكات”.
ويوثّق التقرير الذي يحمل عنوان “كل شيء بقوة السلاح: الانتهاكات والإفلات من العقاب في شمال سوريا الذي تحتله تركيا”، جرائم الاختطاف والاعتقالات التعسفية والاحتجاز غير القانوني والعنف الجنسي والتعذيب. وتقول هيومن رايتس ووتش إنها وجدت أيضًا أن “الجيش التركي ووكالات المخابرات متورطة في تنفيذ الانتهاكات والإشراف عليها”.
ما الأسباب؟!
على مدار السنوات الست الماضية لم تصدر إي دولة فاعلة في الملف السوري، تصريحات أو دعوات صريحة لتركيا لإيقاف دعمها وارتكابها للانتهاكات في عفرين، ووفقًا لرأي السيد “كمال سيدو” هناك أسباب عدة تقف وراء ذلك، من تلك الأسباب هو الموقع السياسي والجغرافي الهام دوليًا وشبكة العلاقات الكبيرة التي تستحوذ عليها تركيا إضافة للمصالح الدولية المتشابكة، ولتركيا أنصار كثر في أوروبا والعالم العربي، وهذا سبب رئيسي في أن غالبية الحكومات والمنظمات الدولية تتغافل عن الجرائم التركية في إقليم عفرين المحتل.
يتابع “بالطبع هناك أسباب أخرى أيضًا من ضمنها تقاعس الكرد وبالأخص من أبناء عفرين عن فضح الجرائم التي تحدث في موطنهم عفرين إما خوفًا من بطش تركيا أو طمعًا بالامتيازات الشخصية ضمن عفرين”.
وتعمل جمعية الدفاع عن الشعوب المهددة على إصدار نشرات دورية عن الانتهاكات التي يتعرض لها الكرد والعرب والسريان في سوريا والتركيز على قضية عفرين من الناحية الحقوقية والإنسانية، وترفع هذه التقارير بشكلٍ دوري للمنظمات الدولية والبرلمان الألماني والبرلمانات المحلية في ألمانيا.
ويُشير “سيدو” إلى أن ما نشرته هيومن رايتس وتتش، هو معروف بالنسبة لهم، ويقومون بإصدار نشرات أسبوعية باللغتين الإنكليزية والألمانية.
يربط المستشار بين الدعوى التي رفعت في ألمانيا قبل فترة وجيزة ضد مرتكبي الجرائم في عفرين وبين تقرير المنظمة الأخير، ويقول إن هيومن رايتس واتش “رأت أنها لم تسكت عن جرائم نظام بشار الأسد وسكتت كثيراً عن جرائم الدولة التركية لذا بدت مضطرة لنشر مثل هذا التقرير حفاظًا على مهنيتها، وجاء بعد رفع دعوى رسمية في ألمانيا ضد قادة وعناصر من العصابات الإسلامية في عفرين”.
ويؤكد أنه من واجبهم أن يبقوا قضية عفرين حية في كل لحظة وفضح جرائم العصابات الإسلامية المسيطرة هناك.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن “تركيا فشلت في ضمان سلامة ورفاهية السكان المدنيين، وإن حياة 1.4 مليون من سكان المنطقة تتسم بالخروج على القانون وانعدام الأمن”.
يقول كوغل: “لقد سهّل احتلال تركيا لأجزاء من شمال سوريا خلق مناخ خارج عن القانون من الانتهاكات والإفلات من العقاب – إنه أبعد شيء ممكن عن “المنطقة الآمنة”.
وقالت تركيا إنها ستقيم منطقة آمنة في شمالي سوريا حيث يمكن لبعض اللاجئين الذين تستضيفهم داخل تركيا العودة إلى ديارهم.
بناء على ما سبق، يبدو أن تركيا لن يلحقها النقد والضغط من المجتمع الدولي لوقف الانتهاكات وإيقاف عملية التغير الديمغرافي في عفرين، ويربط المحامي نعسو بين إقامة المزيد من الشكاوي والدعاوي ضد تركيا أو مرتزقتها في عفرين أمام القضاء الأوروبي استناداً للولاية القضائية العالمية، وبين مصير الشكوى التي تقدم بها المركز الأوربي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان بالتعاون مع ستة أشخاص من الضحايا عبر وكلاء محامين، وأحد هؤلاء المحامين هو المحامي “حسين نعسو” نفسه.
ويتابع “إنْ تمّ قبول الشكوى وتحريك الدعوى العامة ضد المتهمين من قبل الادعاء العام الألماني، اعتقد حينها سيكون ذلك حافزًا للمنظمات الحقوقية وكذلك للضحايا والمتضررين لتقديم المزيد من الشكاوي، وتقرير المنظمة هذه قد يشكل دليل إدانة أضافي في تلك الشكوى المقدمة ضد قادة المرتزقة أمام القضاء الألماني”.
الانقسام الكردي محبط
ويرى غالبية المراقبين للوضع الكردي وتضاعف حجم الانتهاكات في عفرين وسريكانيه وكري سبي، مرتبط بشكلٍ وثيق بالموقف الكردي السياسي، إذ ثمة انقسام كردي واضح في توصيف الاحتلال التركي والنظرة للانتهاكات، وهنا يتفق “سيدو” مع هذا الطرح، ويقول إن الموقف الكردي لن يتغير “الذين يتحدثون عن جرائم تركيا وعصابتها سيستمرون بالحديث، أما أولئك الذين لا يتحدثون أو أعوان الدولة التركية خارج عفرين سيواصلون تبرير هذه الجرائم”، وللأسف هم يشكلون مجموعة كبيرة من المتعاونين مع الدولة التركية بحسب “سيدو”.
ويستطرد بالحديث أن بعض السوريين من كرد وعرب كانوا يشككون بالتقارير التي ترفعها الجمعية وباقي المنظمات عن الانتهاكات، ونشر هيومن رايتس واتش لتقريرها هذا قسم ظهر البعير، وباتت الحقيقة واضحة، ويتابع “اليوم أظن أنه لم يبقى مجال للتشكيك، فهذا التقرير مهم من هذا الجانب، وسيدفعنا لمزيد من العمل في مجال التوثيق، لكن لن يغير التقرير شيء في المجال السياسي ونشاطات تركيا المعادية للكرد”.
مظلة شاملة ودعم للإدارة الذاتية
رغم قتامة الوضع، يبقى الأمل ظاهراً، إذ ثمة تجمعات حقوقية كردية في أوروبا ورغم تشتتها تعطي نتائج متواضعة، ويطالب المحامي “حسين نعسو” بتوحيد الجهود ويقول “لكن يجب العمل على توحيدها بمظلة واحدة يمكن العمل في ظلها بشكل ممنهج لفضح وتعرية الاحتلال التركي ومرتزقته وإيصال معاناة أهالي عفرين في ظل الاحتلال إلى المنظمات الحقوقية الدولية”.
ويرى “كمال سيدو” أن الأمل الوحيد يبقى في دعم سياسات الإدارة الذاتية لأنها معروفة وبالتالي يجب دعم هذه الإدارة للبقاء في المناطق التي يديرها فهي القوة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها، ويتابع “مثلاً المجلس الوطني الكردي باعتباره جزء من الائتلاف الوطني السوري فهو متوافق تمامًا مع سياسات الدولة التركية تجاه التغير الديمغرافي الكردي في عفرين وكذلك السياسيات التركية تجاه الوجود الكردي عامةً”.
وتتعرض الإدارة يوميًا لهجمات من قبل تركيا سواء هجمات عسكرية أو سياسية، ويُشير “سيدو” إلى ضرورة تنبه الإدارة إلى بعض الأخطاء في جسمها سواء عبر خطابها الإيديولوجي أو سياساتها الاقتصادية أو مستوى الديمقراطية القائم في مناطق وتشاورها مع سكان المنطقة، إضافة لأخطاء في مجال حقوق الإنسان ووجود مستويات للفساد ضمن مؤسساتها، وجملة هذه الأسباب تؤثر على تجميع جهودها لتوجيه الأنظار لما يحدث في عفرين بالشكل الكافي، لكن تبقى هي الجهة الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها.
وهناك الكثير من المنظمات التي تعمل على توثيق الانتهاكات اليومية في عفرين وسري كانيه وغيرها من المناطق، وتعتبر جمعية الشعوب المهددة أحدها، ويقول “سيدو” إنهم بصدد إصدار وثيقة باللغة الألمانية عن عفرين والانتهاكات التي تحدث فيها، وسيتم إرسالها إلى الاتحاد الألماني والبرلمانات المحلية، ويأمل أن يكونوا صوتًا للكرد والعرب والكلدان والآشوريين وغيرهم من الشعوب التي تقطن في شمال وشرق سوريا، وأن يوصلوا مطالبهم وآمالهم للمجتمع الألماني والدولي والأوروبي وفضح السياسات التي تقوم بها الجهات الداعمة للإسلام السياسي تجاه المجتمعات الكردية والعربية.
في الختام يجب علينا جميعاً التركيز على إعطاء الأهمية للجهود القائمة ودعمها، والأهم أن يكون الخطاب الكردي بغالبيته مجمعاً على ضرورة تعرية السياسات التركية، ورغم أن تقرير هيومن رايتس ووتش خلص إلى أن المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب المحتملة “في الأراضي التي تحتلها تركيا لا تزال بعيدة المنال”، لكن عبر توحيد الكتل الحقوقية الكردية وأصدقائهم من السوريين يمكن كسر هذا الجمود والضغط على المجتمع الدولي.