ديسمبر 22. 2024

منظمة هيومن رايتس ووتش: تركيا تتحمل مسؤولية أفعال قواتها ومسلحي الميليشيات الموالية لها

عفرين بوست ــ متابعة

أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش ، اليوم 29 فبراير، تقريرًا بعنوان “انتهاكات وإفلات من العقاب في الأراضي التي تحتلها تركيا”. وحمّل التقرير تركيا المسؤولية عن الانتهاكات الجسيمة وجرائم الحرب المحتملة التي يرتكبها عناصر قواتها ومسلحي الميليشيات التي تدعمها في الأراضي التي تحتلها تركيا في شمالي سوريا. وأنّها تحمّل أهالي المنطقة الكرد وطأة الانتهاكات بالنظر وفق علاقة مفترضة مع قوات سوريا الديمقراطية.

وقال التقرير الأممي إنّ المسؤولين الأتراك ليسوا مجرد متفرجين على الانتهاكات، بل يتحملون المسؤولية باعتبارهم سلطة الاحتلال، وفي بعض الحالات، كانوا متورطين مباشرة في جرائم حرب مفترضة فيما تسميه تركيا “منطقة آمنة”.

وشدد التقرير على أنّ تركيا ملزمة بإعادة النظام العام والسلامة، وحماية السكان، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وتقديم التعويضات، وضمان حقوق أصحاب الممتلكات والعائدين.

وبعثت المنظمة الدولية نسختين من التقرير، المُلحق الأول إلى ما تسمى الحكومة السوريّة المؤقتة، والملحق الثاني رسالة إلى وزارتي الدفاع والخارجية التركيّة.

“كل شي بقوة السلاح”

يوثّق تقرير “’كل شيء بقوة السلاح‘: الانتهاكات والإفلات من العقاب في مناطق شمال سوريا التي تحتلها تركيا” الصادر في 75  صفحة، عمليات الاختطاف والاعتقال التعسفي والاحتجاز غير القانوني والعنف الجنسي والتعذيب من قبل فصائل مختلفة في تحالف فضفاض من جماعات مسلحة، وهو “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، وكذلك “الشرطة العسكرية”، وهي قوة أنشأتها “الحكومة السورية المؤقتة” والسلطات التركية في 2018، ظاهريّاً للحد من الانتهاكات. وجدت هيومن رايتس ووتش أن القوات المسلحة ووكالات المخابرات التركية متورطة في تنفيذ الانتهاكات والإشراف عليها. وثّقت أيضًا انتهاكات الحق في كل من السكن والأراضي والملكية، بما فيها عمليات النهب والسلب الواسعة، فضلًا عن الاستيلاء على الممتلكات والابتزاز، وفشل محاولات المساءلة في الحد من الانتهاكات أو تقديم تعويضات للضحايا.

قال آدم كوغل، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “ستستمر الانتهاكات الحالية، بما فيها التعذيب والإخفاء القسري ضد الذين يعيشون تحت السلطة التركية في شمال سوريا، ما لم تتحمل تركيا نفسها المسؤولية وتتحرك لوقفها. المسؤولون الأتراك ليسوا مجرد متفرجين على الانتهاكات، بل يتحملون المسؤولية باعتبارهم سلطة الاحتلال، وفي بعض الحالات شاركوا مباشرة في جرائم حرب مفترضة”.

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 58 محتجزًا سابقًا وضحايا للعنف الجنسي وأقارب وشهود على الانتهاكات، وممثلين عن منظمات غير حكومية، وصحفيين، ونشطاء، وباحثين. تحدث باحثو هيومن رايتس ووتش أيضًا مع مصدر مطلع يتعامل مباشرة مع الشرطة العسكرية، ومصدر سوري كان مقربًا في السابق من مسؤولي المخابرات التركية الذين كان لديهم إمكانية الوصول والإشراف على سلوك الفصائل المختلفة في عفرين بين يوليو/تموز 2019 ويونيو/حزيران 2020، والذي غادر سوريا منذ ذلك الحين.

أدت العمليات العسكرية التركية في شمالي سوريا منذ 2016 إلى سيطرتها على المنطقة ذات الأغلبية العربية شمال حلب والتي تشمل أعزاز والباب وجرابلس، وعفرين ذات الأغلبية الكردية سابقًا، ومنطقة ضيقة من الأراضي على طول الحدود الشماليّة لسوريا بين مدينتَي تل أبيض ورأس العين حيث يوجد تنوع إثني.

تمارس تركيا السيطرة وتشرف مباشرة على الجيش الوطني السوريّ بواسطة قواتها المسلحة وأجهزة استخباراتها، وتزوده بالأسلحة والرواتب والتدريب والدعم اللوجستي. وتمارس تركيا أيضًا السيطرة الإدارية على المناطق المحتلة انطلاقًا من الولايات التركية المتاخمة لسوريا.

أعلنت الحكومة التركية نيتها إنشاء “مناطق آمنة” في المناطق الخاضعة لاحتلالها، معتبرة أن القوات التي يقودها الكرد في شمال شرق سوريا تابعة لـ “حزب العمال الكردستاني”، الذي تعتبره تركيا والولايات المتحدة و “الاتحاد الأوروبي” جماعة إرهابيّة، والذي تعتبر تركيا في حالة نزاع معه منذ عشرات السنين. ترى الحكومة التركية أيضًا أن “المناطق الآمنة” تُسهل عودة اللاجئين السوريين من تركيا.

مع ذلك، لم تضمن تركيا سلامة السكان المدنيين ورفاههم، وتتسم حياة سكان المنطقة البالغ عددهم 1.4 مليون نسمة بغياب القانون وانعدام الأمن. قال أحد السكان السابقين الذي عاش تحت حكم الجيش الوطني السوريّ لأقل من ثلاث سنوات بقليل: “كل شيء بقوة السلاح”.

اشتراك مسؤولين أتراك بالتعذيب

ووفق التقرير ارتكبت ميليشيات “الجيش الوطني” والشرطة العسكرية الاعتقال والاحتجاز التعسفيَّين، والإخفاء القسريّ، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وأخضعت عشرات الأشخاص لمحاكمات عسكريّة جائرة في ظل إفلات من العقاب. أبلغت نساء كرديات محتجزات عن تعرضهن للعنف الجنسي، بما فيه الاغتصاب، واحتُجز أطفال لا تتجاوز أعمارهم ستة أشهر مع أمهاتهم.

في الحالات التي وثقتها هيومن رايتس ووتش، و”لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا التابعة للأمم المتحدة، وغيرها من منظمات حقوق الإنسان، تحمّل الكرد بأغلبية ساحقة وطأة هذه الانتهاكات. كما استُهدف العرب وغيرهم من الأشخاص الذين يُعتقد أن لهم علاقات وثيقة مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد). ارتكبت ميليشيات “الجيش الوطني” والشرطة العسكرية المدعومين من تركيا انتهاكات في مراكز الاحتجاز التي يتواجد فيها أحيانًا مسؤولون عسكريون ومخابرات أتراك، وفقًا لمحتجزين سابقين قالوا أيضًا إن المسؤولين الأتراك شاركوا أحيانًا مباشرة بتعذيبهم وسوء معاملتهم.

قابلت هيومن رايتس ووتش 36 شخصا تعرضوا لانتهاكات حقوق السكن والأراضي والملكية.

وذكر التقرير نزوح مئات المواطنين نتيجة العمليات العسكريّة الاي نفذتها تركيا شمالي سوريا عامي 20128 في عفرين و2019 في القطاع الممتد بين تل أبيض ورأس العين وقام مسلحو الميليشيات “الجيش الوطني” بعمليات نهب وسلب واستيلاء على الممتلكات على نطاق واسع. لم يسترد غالبية المتضررين ممتلكاتهم أو يتلقوا تعويضاً مناسبا. ونقل التقرير عن مواطن إيزيدي نازح من رأس العين: “أصعب شيء بالنسبة لي كان أن أقف أمام بيتي ولا أتمكن من دخوله”.

وأشار التقرير إلى استمرار عمليات النهب والسلب والاستيلاء على الممتلكات، ما يعرّض الذين يتحدّون هذه الأعمال للاعتقال التعسفي والاحتجاز والتعذيب والاختطاف والإخفاء القسري.

غياب المساءلة وتجاهل حكومي رسمي

لا تزال المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب المحتملة في الأراضي التي تحتلها تركيا بعيدة المنال. حققت هيومن رايتس ووتش في حالات أربعة أشخاص رفيعي المستوى زُعم تورطهم في انتهاكات جسيمة. لم تتم محاكمة أي منهم، ويشغل ثلاثة منهم حاليًا مناصب رفيعة في الجيش الوطني السوري، بحسب مصادر مطلعة.

لم تعالج المحاكم العسكرية التابعة للجيش الوطني، غير المستقلة، ولا تركيا، باعتبارها سلطة الاحتلال والداعم الرئيسي للجيش الوطنيّ، بشكل كافٍ الجرائم الخطيرة التي يرتكبها ذوو السلطة في الأراضي التي تحتلها تركيا.

حاولت هيومن رايتس ووتش إشراك تركيا في حوار حول هذه الأمور، وشاركت نتائج بحث تفصيلية في رسالة أرسلتها مرتين عبر البريد الإلكتروني إلى وزير الخارجية هاكان فيدان في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 و4 يناير/كانون الثاني 2024، لكن الرسالة قوبلت بالصمت. لم تستلم أي رد أيضًا على رسالة إلى وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 و8 يناير/كانون الثاني 2024، للاستفسار، من بين أمور أخرى، عن أي إجراءات قضائية تتعلق بأربع حالات وفاة أثناء الاحتجاز تم الإبلاغ عنها علنًا.

تركيا ملزمة بتطبيق القانون الدولي

تركيا ملزمة بضمان التزام قواتها بشكل صارم بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما فيه القانون الذي يحكم واجباتها باعتبارها سلطة الاحتلال وحكومة الأمر الواقع في هذه المناطق في شمالي سوريا. يشمل ذلك إعادة النظام العام والسلامة والحفاظ عليهما في الأراضي التي تحتلها، وحماية السكان من العنف، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وتقديم تعويضات لجميع ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على أيدي قواتها والقوات المحلية التي تسيطر عليها، وضمان حقوق أصحاب الأملاك والعائدين، بما فيه تعويضهم عن مصادرة ممتلكاتهم واستخدامها بشكل غير قانونيّ وأي ضرر ناتج عن ذلك. يتعين على تركيا والحكومة السورية المؤقتة منح هيئات التحقيق المستقلة إمكانية الوصول الفوري ودون عوائق إلى الأراضي الخاضعة لسيطرتها.

وختم التقرير بقول كوغل: “الاحتلال التركي لأجزاء من شمال سوريا سهّل خلق مناخ يغيب فيه القانون وتسوده الانتهاكات والإفلات من العقاب، وذلك أبعد ما يكون عن منطقة آمنة‘”.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons