ديسمبر 23. 2024

في خطوة ترقيع جديدة… وزارة الدفاع تزوّر حقيقة الانتهاكات خلال موسم الزيتون بمقطع دعائي مصوّر وتحايل على الأرقام

عفرين بوست

نشر المكتب الإعلاميّ فيما يسمى وزارة الدفاع بالحكومة السوريّة في 26/11/2023 على صفحته الرسميّة على موقع فيس بوك وقناة تلغرام مقطعاً مصوّراً تحت عنوان “بذور الثقة… حماية بساتين الزيتون وإعادتها إلى أصحابها في منطقة عفرين” وأرفقه بما يشبه البيان، فيما لم ينشر على الموقع الرسميّ للحكومة المؤقتة، تأكيداً على عدم اكتسابه التوصيف الرسميّ.

أي إنجاز بإعادة أملاكٍ مستولى عليها؟

ثمّة حقيقة تم الاعتراف بها من حيث لا تريد الجهة التي روّجت للمقطع المصور، والتي تمثل رسميّاً ما تسمى “الحكومة المؤقتة” التابعة للاحتلال التركيّ، من خلال ذكر إعادة بساتين إلى أصحابها، فهو إقرارٌ ضمنيّ بالاستيلاء القسريّ والتعسفيّ على أملاك أهالي عفرين، بل يطرح السؤال الأساسيّ: ما هو مبرر الاستيلاء على حقول الزيتون والممتلكات من منازل وعقارات، لتكون إعادتها إلى أصحابها الشرعيين إنجازاً؟

حقوقياً لا يمكنُ اعتبار إعادة سارقٍ بعضاً من المسروقات إلى أصحابها إنجازاً وتحقيقاً للعدالة، فيما يتم تجاهل احتفاظ السارق بالقسم الأعظم من المسروقات، والقفز فوق حقيقة جريمة السرقة، وبذلك فإنّ استمرار الاحتلال والاستيطان في عفرين المحتلة تأكيد على أنّ عمليات إعادة الأملاك المصادرة جزئيّة، ولن تكون كليّة إلا بزوال الاستيطان والاحتلال وعودة أصحابها الشرعيين.

جاء نشر المقطع في سياق خطة لطمس الحقيقة الثابتة، وبعد موسم حافل بمختلف أنواع السرقات التي طالت موسم الزيتون، سبقته مواسم لا تقل ترويعاً في حجم السرقات والتعديات على الحقول وممتلكات أهالي عفرين.

واللافت أنّ الادعاء صدر من جهة لا تملك أدنى صلاحية على الأرض، تسمّى “وزارة الدفاع”، وهي مجرد واجهة شكليّة للإيحاءِ بوجود هيكليّة تنظيميّة وإداريّة لكيانٍ باسم “الجيش الوطنيّ، فيما الحقيقة الثابتة أنّ الميليشيات المسلحة تتلقى التعليمات مباشرة من المشغل التركيّ، ولا تقيم أدنى وزن لوزارة الدفاع، وهي متنافسة متصارعة فيما بينها على النفوذ وتقاسم المنهوبات والسرقات والممتلكات المستولى عليها بقوة السلاح، بل يمتد الصراع إلى داخل الميليشيا نفسها! 

يدّعي المكتب الإعلاميّ أنّ حماية بساتين الزيتون وإعادتها إلى أصحابها في منطقة عفرين التي تم تحريرها خلال العملية المشتركة للحكومة السورية المؤقتة وتركيا تشكّل أولوية لدى الجيش الوطنيّ السوريّ.

وقال إنه “بحسب سجلات وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، والجاهزة لمشاركتها مع المؤسسات الدوليّة، فإنّ أول عودة لبستان زيتون إلى أصحابه في عفرين كان في 25 آب/أغسطس 2018.

وأضاف أنه “منذ عام 2018، تمت إعادة ما يقارب 187 ألف شجرة زيتون، والتي تم تحديدها وحمايتها من قبل وزارة الدفاع ضمن نطاق الحماية المؤقتة من قبل الحكومة السورية المؤقتة في عفرين، إلى أصحابها، حيث بلغت مساحة الأراضي التي أعيدت إلى أصحابها نحو 20 ألف دونم.

تحايل على الأرقام

بفرض أنّ الرقم الذي ذكر صحيح، لكنه صغير لا يمكن إدراجه في الحساباتِ، في منطقةٍ يزيد عدد أشجار الزيتون فيها على 18 مليون شجرة، ومعلوم أنّ الميليشيات المسلحة تستولي على معظم أملاك المهجرين قسراً والذين تتجاوز نسبتهم 70% من أهالي عفرين، وبذلك فإنّ عدد أشجار الزيتون من مرتبة الملايين استولت الميليشيات المسلحة على معظمها. وأما بقية الأشجار والحقول فتفرض عليها الإتاوات والضرائب على عدة مراجل من الحقل إلى المعاصر وإنتاج الزيت، وبالنتيجة فالفلاح الكرديّ صاحب الأرض خاسر.

وكان إيراد 20 ألف دونم، وهي مساحة الأراضي المعادة إلى أصحابها، محاولة فجة للتحايل على الأرقام، ويستوقفنا استخدام الدونم كواحدة قياس، في منطقة تبلغ مساحتها نحو 3850 كم2، وبذلك فمساحة عفرين تقدر بملايين الدونمات.

في عفرين المحتلة تمّ توطين أكثر من 400 ألف مستوطن، ويتجاوز عدد الذين جيء بهم من ريف دمشق والغوطة فقط عدد أهالي الأصلاء الكرد، فما المساحة التي يشغلها هؤلاء؟ وهل جاؤوا في حافلات الترحيل بأراضٍ ومنازل وحقول زيتون؟ من المؤكد أنّها مساحات كبيرة تم التغافل عنها عمداً لغاية التجميل والترقيع.

وإذا ما تمت إضافة ما يستولي عليه متزعمو الميليشيات من مساحات كبيرة وحقول زيتون فإنّ الرقم الذي ذكره البيان ضئيل جداً، وهو للتسويق الدعائيّ لجهاتٍ تجهل حقيقةَ الواقع الحالي، وربما تتجاهل حقيقة أنّ أكثر من 75% من أهالي عفرين مهجّرون قسراً.

ما ااستولي عليه أضعاف ما أُعيد لأصحابه!

وعلى سبيل المثال لا الحصر يتجاوز عدد الأشجار التي استولت عليها ميليشيا “السلطان مراد” عبر مكتبها الاقتصادي في قرى ناحية بلبله 145 ألف شجرة زيتون عائدة للمواطنين الكرد المهجرين قسراً بقيادة المدعو عدنان خويلد أبو وليد العزة.

وبإلغاء الوكالات نهب المكتب الاقتصاديّ في ميليشيا “السلطان مراد” موسم نحو 10500 شجرة زيتون تعود ملكيتها للغائبين من أهالي قرية كوتانا، ويبلغ حجم موسم هذه الأشجار (4 آلاف شوال زيتون، 5 آلاف تنكة/صفيحة زيت زيتون) يُقدر الحد الأدنى لقيمتها بنصف مليون دولار، دون أن تتكلف بأيّ نفقات أو يدفع أية مصاريف للخدمة الزراعيّة المقدمة خلال عامين، وهذا علاوة على السرقات والإتاوات الأخرى المفروضة على انتاج حقول المواطنين المتواجدين.

وجمعت ميليشيا “سليمان شاه/ العمشات” نحو 125 ألف دولار من الإتاوات المفروضة خلال موسم الزيتون على قرية مستكا وحدها في ناحية شيه/ شيخ الجديد.

وجمعت ميليشيا “سمرقند” أكثر من 60 ألف دولار من خلال إلغاء وكالات الزيتون في قرية كفر صفرة بجنديرس وهي تستولي على نحو 25 ألف شجرة زيتون في قرية كفر صفرة، عدا عشرات آلاف أشجار الزيتون في قرى دالا، روتا، حج حسنا، وتتارا والقرى الخاضعة لها بناحيتي موباتا وجنديرس.

فرضت ميليشيا “فيلق الشام” إتاوة عينيّة مقدارها عبوتي زيت على كل عائلة كرديّة من أهالي قرية ديكيه ــ ناحية بلبله، وجمعت نحو 150 عبوة زيت. كما فرضت على أملاك الوكالات نسبة 50 % من إنتاج الزيت، إضافة إلى فرض إتاوة الحراسة على كلّ الحقول والتي بلغت 15 ليرة تركيّة إضافة إلى عبوة زيت أي ما يعادل 90 دولار أمريكيّ.

واستكمالاً لخطة حرمانه أهالي عفرين من عوائد مواسم الزيتون تتحكم سلطات الاحتلال التركيّ بأسعار الزيت وتمنع تصديره، ليتم شراؤه بأسعار بخسة، ويُنقل إلى الأراضي التركيّة، ويصدّر إلى أسواق أوروبا على أنه منتج تركي.

السؤال الذي يطرح، ما حجم الأموال التي تجنيها الميليشيات من مواسم الزيتون في كل قرى عفرين المحتلة؟ الإجابة أرقام بعشرات ملايين الدولارات لكلّ ميليشيا.

ورغم أن الوكالات تم إبطالها من قبل كلّ الميليشيات، يزعم المكتب الإعلاميّ لوزارة الدفاع بكلام إنشائيّ مدبجٍ أنّ “أصحاب الأراضي والمنازل الذين يقيمون خارج سوريا لأسباب كالتعليم أو لأسباب اقتصادية وغيرها، يستمرون في حماية منازلهم وأراضيهم والحفاظ على علاقاتهم مع وطنهم من خلال نظام الوكالة التابع لوزارة الدفاع في الحكومة السوريّة المؤقتة”.

وفرضت ميليشيا “الحمزات” على أصحاب الوكالات في قطاعاتها إتاوة وصلت إلى 50% من محصول الزيتون وإنتاج الزيت بعدما كانت 29%، وشملت قرى جوقيه وداركريه الكبيرة وماراته وبابليت وكوكبة وكفر زيت وتلفيه وكفر دليه وفقيرا وكوركا بناحيتي المركز وجنديرس. واستدعت أصحاب الوكالات على أملاك أقربائهم إلى المقر وأبلغتهم. وهذه النسبة لا تشمل العمال في الجني والنقل وثمن العبوات المعدنيّة ونسبة المجلس والمعصرة.

ولا يختلف سلوك المجالس المحلية التابعة للاحتلال عن الميليشيات المسلحة، فقد عقد مجلس جنديرس المحليّ اجتماعاً، في 3/8/2023 في المركز الثقافي بجنديرس (مكتب الزراعة)، لمخاتير قرى حميلكة وحجيلار ورمادية وفريرية وأبو كعبة، لتبليغهم بتعميم صادر عن المجلس المحلي يقضي بنزع اليد عن أملاك المهجّرين قسراً وتسليمها لميليشيات “الجيش الوطني” وإلغاء كافة الوكالات القانونية.

إجراءات شكليّة لمجرد الدعاية

حديث المكتب الإعلامي لوزارة الدفاع تجاوز حد الانفصال عن الواقع، ليكون مجرد تلفيقٍ، والحقيقة أن الأولوية لدى ميليشيات ما يسمى الجيش الوطنيّ هي الاستيلاء على الممتلكات وسرقة المواسم وقطع الأشجار المثمرة والحراجيّة وفرض الإتاوات، ومنذ بداية العام الحالي وحتى أكتوبر الماضي قطع مسلحو الميليشيات 8429 شجرة في إقليم عفرين المحتل، منها 5030 شجرة زيتون و2060 شجرة رمان، وتوزعت باقي الأشجار على أنواع مختلفة من الأشجار المثمرة.

بيان المكتب الإعلاميّ كان خطوة ترقيعيّة، في سياق مسعى لحجب حقيقة الانتهاكات المروعة في الإقليم الكرديّ المحتل بغربال البيانات الإنشائيّة. وقد سبقتها خطوتان تمثلت الأولى ببيان وزارة الدفاع فيما تسمى الحكومة السوريّة المؤقتة طلبت فيه من الميليشيات المسلحة في منطقة عفرين، تقديم التسهيلات للمزارعين لجني محصول الزيتون، وعدم تحصيل أي ضرائب، في محاولة للحد من تجاوزات وقعت خلال الأعوام الفائتة على أصحاب حقول هذا المحصول الذي تتميز به عفرين عن سواها من المناطق السوريّة.

والخطوة الثانية إيفاد المدعو هادي البحرة بزيارة إلى عفرين المحتلة بعد انتهاء الموسم للإيحاء بوجود جهة رسمية تتابع الأوضاع عن كثب وتلتقي مع الأهالي، وكلها إجراءات شكليّة تهدف إلى التقاط الصور لتكون مادة إعلاميّة، ومضمون وبيانات هزيلة مفبركة لا علاقة لها بالواقع.

مقالات ذات صله

Show Buttons
Hide Buttons