عفرين بوست ــ خاص
العم آديك Adîk أحد أهم أساطين الفن التراثي العفرينيّ، وأحد علاماتها الفارقة فكان موسوعة موسيقية للفلكلور العفرينيّ، لم يعزف موسيقا البزق بل عاشه بكلّ جوارحه، فلم يعتلِ مسارحَ الأعراسِ، بل عزف الموسيقا من أجل الموسيقا، وتلك فرادة خاصة به.
تخليداً لذكرى الفنان العفريني “العم آديك”، تم إنتاج فيلم وثائقيّ قصير عن حياته، والعمل من إنتاج وإخراج نديم أدو ومونتاج معتز ظاظا وتنسيق المناظر حسكو حسكو وتعليق جوان قادو… ويسلط الفيلم الضوء على بعض جوانب حياة “آديك”، كما تضمنت بعض المقابلات مع أشخاص عاصروه وتعاملوا عن قربٍ.
من هو آديك؟
آديك، اسمه الحقيقيّ آدو حسن نجّار، ولقبه محبوه بالعم “آديك” تحبباً، وُلد عام 1907، ومارس العزف على الطنبور على ثمانية عقود تقريباً، وكانت البداية بالتقرّب من العازفين والفنانين الذين كانوا يقيمون في بيته سهرات للعزف وهي عادة متأصّلة في المجتمع العفريني
ولد الفنان العازف آديك في أسرة تعتنق الديانة الإيزيديّة. أما لقبه الثاني نجّار فكان بسبب مزاولته حرفة النجارة منذ صغره والتي تعلمها من والده وواصلها حتى آخر حياته، وصنع أدوات المطبخ الخشبيّة، مستلزمات البيوت في الريف كالملاعق والصحون وغيرها، وكذلك المحاريث الخشبية للفلاحين بالإضافة إلى النجارة التقليديّة. ولكنّ شهرته في النجارة تجلّت بمهارته الفائقة في صنع آلات الطنبور يدويّاً من خشب أشجار الجوز والتوت.
تعلم العزف على البزق بالفطرة (سماعيًا)، وأتقن فنون العزف على الطنبور، وممن تعلم من العازفين: Ĥus Xel حُس خل من قرية غزاوية. وتعلم الغناء من المغني المعروف قديماً حموش كُورُكْ Ĥemûş Kûrikمن قرية آشكان شرقي، وMişo مجّو من كرد “كوباني”، وإبراهيم تركو من قرية “چقلي جومه”. ومن الفنانين الذين عاصروه علي عكيل وحسن نازي.
فرادة آديك
ثمة صفات انفرد بها العم آديك عن غيره من عازفي الطنبور الآخرين:
أولها: أنّه كان متخصّصاً بعزف التراثِ والفلكلور، فعزف عشرات الملاحم الغنائيّة الطويلة والقديمة بأسلوب استثنائيّ ينمّ عن أصالته ومعرفته العميقة بمقاماتها وأساليب عزفها الدقيق، ولعلَّ السبب يعود إلى أنّه عاصر الفترة الذهبيّة للفن التراثيّ ومغنييها الأصليين.
الثاني: أنّ الراحل يعتبر من أمهر العازفين التقليديين على آلة الطنبور في جبل الكرد، فهو لا يستعمل الريشة بالعزف، بل يستعمل أصابعه في العزف على أوتارها.
الثالث: أنّه انفرد بالعزف على طنبور يحتوي 16 عقدة (برده) فيما يعزف كلّ العازفين على آلات تحتوي على 24 عقدة. ولم يكن يعزف إلا على الطنبور الذي صنعه بيديه.
وكان بارعاً في عزف مقامات الأغاني الكرديّة القديمة مثل: مم وزين، جبلي، طيار، درويشه عبدي … ومن أشهر من تلامذته: جميل هورو وأبو صلاح، وجهاد سليمان. وأجاد العزف على آلة الكمان المزمار والناي ولكنه لم يشتهر بهم كما في الطنبور.
الواقع إنّ منزل العم آديك في قرية كوران، كان مقصد معظم فناني عفرين، وكان بحقّ بمثابة معهدٍ لموسيقا التراث العفرينيّ، لأنّ آديك ليس مجرد عازف عادي، بل مرجع موسيقيّ وموسوعة فنيّة.
مناسبات شارك فيها
اشترك في مهرجان الشعر الكرديّ الأول في سوريا عام 1993. وفي عام 2000 دعته القناة الفضائيّة الكردستانيّة في كردستان العراق، وسجلت بعض معزوفاته وفنونه والمقامات الكردية القديمة في جبل الكرد. كما أجريت معه عدة لقاءات في التلفزيون والإذاعة السوريّة (معرض الجبل الأول في ناحية جنديرس 2005). وقال أحد تلامذة العم “آديك” الفنان وحيد إبراهيم في لقاء مع موقع Aleppo: “اشترك بعزفه الجميل والرائع في (معرض الجبل)، فأطرب الجمهور وأمتعهم بمقطوعاته الموسيقية العريقة، وتم تكريمه من قبل الشباب في المركز الثقافي بمدينة جنديرس عام 2005”.
أجريت مع الراحل عدة لقاءات مع محطات تلفزيونية وإذاعية، وأهمّها التقرير الذي بثته القناة الفضائية السوريّة عام 2005 عن حياته وفنّه وحرفته التقليدية وذلك من قريته “كوران”.
كما شارك آديك مع الفنان كاميران ابراهيم في مهرجان السليمانية للموسيقا عام 2005.
النجارة وسيلة العيش
عاش العم والفنان آديك من مهنته في حرفة النجارة، وشارك في ذلك الفنان العفريني المعروف والراحل جميل هورو، ومما يؤسف له أنّ ظروف الحياة أجبرتهما على العودة لممارسة هذه المهنة، لإعالة نفسيهما، إذ رغم سنوات عمرهما الطويل وكل ما قدماه للفن والغناء الكردي لم تسعفهما على تأمين كفاف العيش والعوز والحاجة إلى الآخرين.. وبذلك عاد الفنان آديك، وفي آخر عامين من حياته لممارسة مهنة النجارة وصناعة بعض الأدوات التراثيّة والبزق في محل ببلدة جنديرس.
وفاته
توفي العم آديك في 1/6/2007، إثر مرض مفاجئ وكان رغم تقدمه بالعمر، في قمة عطائه الفني، وترك وراءه مكتبة موسيقية، والأهم عدداً من التلاميذ العازفين الذين يفتخرون بكونهم من تعلموا في مدرسته التراثيّة والفنيّة.
يُذكر أن الراحل آديك على مدى عمره الطويل تزوج مرتين، وله من الأولاد عشرة؛ (سبع بنات وثلاثة شبان).