عفرين بوست-خاص
على غير عادتها، هيمن سواد التطرف على إقليم عفرين الكُردي التابع للإدارة الذاتية سابقاً، في اليوم الذي كانت تزدان فيه كافة ارجاء الإقليم باحتفالات الكرد من اتباع الديانة الإيزيدية.
ففي كل عام، كان يشهد الأربعاء الثالث لشهر نيسان، من قبل أهالي عفرين الاصليين الكُرد، من مختلف المذاهب والأديان، فرحة يتقاسمونها معاً بحلول عيد الأربعاء الأحمر، الخاص بالمكون الكُردي الايزيدي.
وخلال سنوات حكم الإدارة الذاتية السابقة التي شكلها أبناء عفرين لتعبر عن إرادتهم الحرة بحياة كريمة يمارسون فيها حقوقهم السياسية على ارضهم التاريخية، كانت الاحتفالات الرسمية تعقد بتنظيم الإدارة الذاتية.
ويمثل هذا اليوم لدى الكرد الإيزيديين يوماً فاضلاً، حيث اكتمل فيها خلق الكون وشهدت نزول الملك طاؤوس إلى الأرض (وفقا للمعتقدات الإيزيدية)، كما تعتبر رأس السنة الإيزيدية.
وعادة ما كانت تتوجه الإدارة الذاتية بالتبريك لاتباع الديانة الكردية القديمة، التي لطالما اعتبر غالبية العفرينيين أنها تمثل دين اجدادهم القدماء، حيث قال المكتب الإعلامي لرئاسة المجلس التنفيذي في مقاطعة عفرين بتاريخ الثامن عشر من ابريل العام 2016، ضمن بيان صدر الى الرأي العام: “يطل عيد رأس السنة الإيزيدية في الاربعاء الاول من نيسان الشرقي ببهجته التاريخية والحضارية التي تجسد تاريخ شعب متمسك بوجوده على ارضه رغم مروره بشتى أنواع المجازر والإنكار”.
متابعاً: “بمناسبة عيد راس السنة الإيزيدية الأربعاء الأحمر إننا في رئاسة المجلس التنفيذي في مقاطعة عفرين نتقدم بأجمل التهاني والمباركات لأبناء شعبنا الكردي من الديانة الإيزيدية وكافة شعوب روج أفا ونحي المواقف البطولية لقوات حماية شنكال ووحدات حماية الشعب والمرأة بالتصدي لقوى الشر والإرهاب”.
وفي التاسع عشر من ابريل العام 2017، أي العام الذي سبق احتلال تركيا عسكرياً للإقليم الكردي، اقام اتحاد الإيزيديين في عفرين احتفالاً جماهيرياً خاصاً بعيد “الأربعاء الأحمر” حضره وفود رسمية تمثل الإدارة الذاتية في عفرين، مجلس سوريا الديمقراطية وممثلين عن مجموعة أحزاب كردية في عفرين، إضافة لمشاركة المئات من الأهالي.
ومنذ احتلال عفرين، لا يجرؤ الكرد الإيزيديون او العلويون او غيرهم من الإفصاح عن انتمائهم الديني، نتيجة الترهيب الذي يطال تلك المكونات الاصيلة من قبل المليشيات الإسلامية التابعة لاحتلال التركي، والمرتبطة في معظمها بتنظيم الإخوان المسلمين المصنف ارهابياً في العديد من الدول.
وعقب الاحتلال، دمر الاحتلال التركي ومسلحوه العشرات من المزارات الدينية الإيزيدية والعلوية والإسلامية، كان آخرها صورة عرضتها “عفرين بوست” لمزار الشيخ محمد في قرية مسكة بناحية جنديرس.
كما ويسعى الاحتلال التركي وحلفائه من تنظيم الاخوان المسلمين والائتلاف “الوطني” والميليشيات الاسلامية، إلى نشر التطرف الديني بين أفراد المجتمع الكردي الذي يتميز بالتعددية الدينية والمذهبية، حيث كان يتعايش فيه الايزيدي والمسيحي والمسلم دون أية توترات أو منغصات على أساس الدين أو المذهب.
فمنذ احتلالها عفرين، يحاول الاحتلال التركي وبمختلف الأساليب والطرق، نشر التطرف في المجتمع العفريني، وتوجيه الأطفال والشبان الكُرد نحو المذهبية والطائفية، في المنطقة الأصفى كردياً، والتي عرفت دائماً بانفتاحها على الآخر. وفي هذا السياق، حصلت “عفرين بوست” على صور جلاءات الاحتلال التركي التي وزعت في عفرين، وتتضمن قائمة المواد وفقاً لجلاء المرحلة الابتدائية 11 مادة رئيسية، منها 3 مواد دينية! وتتضمن قائمة المواد الدينية، المواد التالية: (التربية الدينية، القرآن الكريم، حياة الرسول محمد)، حيث خصص لكل منها خانة في الجلاء!
كما تقوم المليشيات الإسلامية بتدمير المقابر الكردية في مختلف القرى، وتسويتها بالأرض بحجة أنه محرم أن يكون لها قبة، وأنها يجب أن تكون مستوية بالأرض، لكن ناشطين كرد يؤكدون أن هذه الممارسات في مجملها تهدف إلى طمس تاريخ المنطقة وخصوصيتها القومية الكُردية.
إضافة إلى ذلك، يسعى الاحتلال التركي لنشر الفكر القومي التركي المتعصب، عبر حملات إعلامية وفتح مدارس دينية وجمعيات بمسميات خيرية، وتعليم أطفال المدارس رفع اشارة الذئاب الرمادية، والاستمرار في وصف الأكراد بالكفار والملاحدة، وذلك في إطار سياسات تغيير ديمغرافي ممنهجة تتبعها سلطات الاحتلال التركي عن سبق الإصرار والتصميم.
ومنذ بدء الحرب الاهلية السورية في العام 2011، تبنت المليشيات الإسلامية في تعاملها مع الشعب الكُردي رواية أنه مُلحد أو كافر، ليبرر من خلالها المسلحون الموالون لتنظيم الإخوان المسلمين (المصنف ارهابياً في العديد من الدول)، قتالهم ضد أبناء الشعب الكُردي.
وفي عفرين، استخدم المسلحون تلك الرواية لتبرير تهجير الكُرد من ارضهم، وسرقة املاكهم على أنها غنائم “الملاحدة والكفار الاكراد”، فيما سمح الاحتلال التركي على مدار الأيام الثلاث الأولى من اطباق الاحتلال العسكري، بسرقة كل شيء امام عدسات الكاميرات. وخلالها، سرق مسلحو المليشيات الإسلامية (الجيش الحر، الجيش الوطني) عشرات الآلاف من الجرارات والسيارات والمعامل والورش الصناعية، إضافة إلى الاستيلاء على منازل المهجرين وسرقة ونهب كامل محتوياتها، وهي أفعال لا تزال مُستمرة منذ اطباق الاحتلال العسكري وحتى الوقت الحاضر!
كما تبنت المليشيات والهيئات المدنية والسياسية التي يقودها تنظيم الإخوان المسلمون بشكل مباشر أو بشكل مستتر كـ (الائتلاف السوري المعارض)، الخطاب التركي المُعادي للشعب الكُردي، من خلال إطلاق صفة العمالة للنظام السوري على “وحدات حماية الشعب” لتبرير عدم قبولهم بالكُرد في صفوف المعارضة.
أما الوسائل الإعلامية الموالية للمليشيات الإسلامية، فقد انتهجت بروبوغاندا خاصة، بناءاً على تعليمات الاستخبارات التركية، لصقت من خلالها كلمة “الانفصالية” بكل جملة ترد فيها “وحدات حماية الشعب”، لتأليب باقي المكونات السورية على الكُرد، وزرع روح العداء فيهم تجاهه.
ومع تطور الحرب الاهلية وتوالي انكسارات الاحتلال التركي، فقد الاخوان المسلمون أي آمال لهم باحتلال عفرين عبر ميليشياتهم التي تسيطر عليها الفوضى والفساد والاحتراب الداخلي نتيجة المصالح الشخصية والفئوية، ليضطر الاحتلال التركي إلى شن عملية عسكرية في العشرين من يناير العام 2018، استخدم فيها أعتى صنوف الاسلحة المقدمة له نتيجة عضويته في حلف الشمال الاطلسي.
وتمكن الاحتلال التركي في الـ 18 من آذار العام 2018، من تحقيق المحال الذي كان يحلم به على مدار عقود، والمُتمثل بتهجير مئات الآلاف من سكان عفرين الأصليين الكُرد، وتوطين عوائل المليشيات الإسلامية (الجيش الحر، الجيش الوطني) المعروفة بولائها في المُجمل لتنظيم الإخوان المسلمين، بدلاً عنهم في الإقليم الكُردي.
ومنذ إطباق الاحتلال العسكري التركي، تسعى جماعة الاخوان المسلمين بمختلف السبل المادية والمعنوية، بغية نشر التطرف والتشدد الديني، وتثبيت المستوطنين المتشكلين في غالبيتهم من عوائل المسلحين، للإقامة في إقليم عفرين الكُردي، مستفيدين من الدعم المالي المقدم من “قطر” التي تعتبر المُمول الأساس للتنظيم المصنف ارهابياً.