عفرين بوست ــ خاص
يشير تأخّر مرتبة سوريا وتركيا على مؤشر حرية الصحافة لتقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” لعام 2023، إلى صعوبة رصد أوضاع السوريين سواءٌ في مناطق سيطرة حكومة دمشق أو المناطق التي تحتلها أنقرة، فيما الأوضاع في عفرين هي الأسوأ بسببِ سيطرة الميليشيات الإخوانيّة وفوضى السلاح وسياسة التعتيم المتعمدة من سلطات الاحتلال.
عفرين معزولة ومغلقة أمام الإعلام
عفرين منذ أن أصبحت تحت الاحتلال التركيّ وسيطرة الميليشيات الإخوانية التابعة له باتت جزيرة معزولة بالكامل عن العالم، ومن النادر وجود من يحمل كاميرا وينتقل في أرجاء المنطقة بحرية، إلا أن يكون قد حصل على رخصة من سلطات الاحتلال أو بأمر منها لإعداد تقرير يتم فيه تجميل الاحتلال والتنكّر للحقائق، ولذلك فإنّ رصد الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال التركيّ ومسلحو الميليشيات الإخوانية التابعة له محفوف بالمخاطر من تعديات وضرب واعتقال ومصادرة الكاميرا حتى تحطيمها.
تشهد عفرين معدلات أعلى من الانتهاكات من قبل مسلحي الميليشيات التابعة لأنقرة مقارنةً مع باقي المناطق التي تخضع للاحتلال التركيّ، وتحرص سلطات الاحتلال على منع التغطيات الإعلاميّة فيها، بسبب حساسيّة المنطقة، فأنقرة تتذرع بأمنها القوميّ في احتلال لعفرين، إلا أن الممارسات العنصرية في عفرين تُسقط كلّ ادعاءاتها، وما يحدث فيها هو يرقى لتوصيف جرائم حرب أو إبادة بدوافع عنصريّة وهو ما تؤكده تقارير إعلامية وحقوقية وحتى تقرير اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في سوريا، ولذلك فإنّ التعتيم الإعلاميّ مضاعف.
من غير الممكن حمل كاميرا والتجول في مدينة عفرين والتقاط الصور حتى عند وقوع حوادث التفجير أو الاشتباكات، أو إعداد تقرير عن عمليات تهجير أهلها الأصلاء الكرد والتغيير الديمغرافي، أو رصد عمليات التهريب وتجارة المخدرات، وحتى مواقع تموضع الجيش التركي وتحركاته.
ويمنع نشر أيّ محتوى إعلاميّ ينتقد سلوك مسلحي الميليشيات المسلحّة أو متزعميها ويفضح جرائمها ويقوّض نفوذها بأي طريقة، وهامش الحرية في هذا المجال معدوم. وقد تعرض العديد من النشطاء للضرب والاعتقال والإهانة وتمت مصادرة أدواتهم الإعلاميّة (كاميرا، حاسوب، هاتف) وتفتيش المنازل التي يسكنون فيها.
فيما تسمح سلطات الاحتلال التركيّ بتغطية مواضيع يروّج لها على أنها إنجازات السلطات التركيّة في المنطقة، وحتى قصص المستوطنين في المخيمات وحكاياتهم السابقة أو فعاليات التي تدعو إليها ما تسمى بـ “الحكومة المؤقتة”.
تجربة عفرين بوست الإعلاميّة
تأسست شبكة “عفرين بوست” في سبتمبر 2019 باللغات العربية والكردية والانكليزية، وتتبنى عفرين كقضية أساسيّة لوقوعها تحت الاحتلال التركيّ وميليشياتها الإسلاميّة، وتعتمد في نقل الأنباء والمعلومات على المعايير الصحفيّة الموضوعية والمهنية.
ويواصل فريق “عفرين بوست” عمله بشكلٍ سريّ، ويستقي معلوماته من مصادر في الداخل لتغطية الأحداث والمعلومات حول مجمل الانتهاكات لحقوق الإنسان في إقليم عفرين. وفي هذا السياق تنشط طوابير من المتعاملين مع قوات الاحتلال والتي تواصل استهداف منصات الشبكة عبر التبليغات، ما أدى لتقييدها ويحول دون وصول موادها الخبريّة إلى المتابعين.
لذا رصد الوضع في عفرين محفوف بمخاطر جسيمة بسبب تدهور الوضع الأمنيّ وحظر العمل الإعلاميّ، وإغلاق سلطات الاحتلال التركيّ المنطقة أمام الطواقم الإعلام الحر والمستقل ومنعه من العمل في الإقليم الكرديّ، إلا أنها تسمح بدخول مشروط لبعض وسائل الإعلام التي تعمل لحسابها أو تستهدف إعداد تقارير مفبركة لخدمة أجندتها الاحتلاليّة وتجميل الأوضاع في ظل الاحتلال، وتقوم الاستخبارات التركيّة بمرافقة تلك الطواقم لتحدد حركتها وتنقلاتها.
بعد الزلزال الذي وقع في 6/2/2023 سمحت سلطات الاحتلال التركيّ لبعض القنوات الكرديّة الدخول إلى عفرين لفترة مؤقتة، ولكنها لم تسمح لها بالتطرق للانتهاكات بالشكلِ المناسب، وفي ظل هول المجزرة التي اُرتكبت في جنديرس ليلة نوروز كُسر حاجز الخوف وتمكن بعض النشطاء من تسليط الضوء على ما يعانيه الأهالي منذ خمس سنوات حتى هدأت الأوضاع، لتخفت الأصوات تدريجياً وتعود إلى حالة الصمت.
سوريا تتذيل قائمة حرية الصحافة
أصدرت منظمة مراسلون بلا حدود (مقرها باريس)، أمس، تقريرها السنويّ بمناسبة اليوم العالميّ للصحافة المصادف الثالث من مايو/ أيار، وجاء تحت عنوان “العمل الإعلامي يئن تحت تهديدات آلة التضليل”. وتضمن تقرير المنظمة تصنيفها السنوي لحريةِ الصحافة في دول العالم وفقاً لمؤشر حرية الصحافة العالميّ.
وحذّرت المنظمة في تقريرها السنويّ من أنّ المعلومات المضلّلة تمثّل بشكلها الواسع تهديداً كبيراً لحرية الصحافة في كلّ أنحاء العالم. وتراجعت دول “ديموقراطية” بارزة في تصنيف المنظمة الحقوقيّة.
وبحسب تصنيف المنظمة، الذي شمل 180 بلداً، لا تزال سوريا (175) من أخطر بلدان العالم على سلامة الصحافيين، ويليها اليمن (168)، والعراق (167). وأشارت إلى أن الوضع جيد جداً في 8 دول، وجيد في 44 دولة، وإشكالي في 55 دولة، فيما أظهر التصنيف أن الوضع صعب في 42 دولة، وشديد الخطورة في 31 دولة. ويعتمد التصنيف خمس مؤشرات لكل منها ترتيب ورصيد من النقاط
بالنسبة للسوريين وجاءت سوريا بالمرتبة 175 عالمياً والأخيرة عربيّاً، برصيد 27.22 نقطة، فيما تصدرت النرويج قائمة الدول برصيد 95.18
وجاءت المؤشرات سوريا على النحو التالي: مؤشر سياسي ترتيبه: 169، برصيد: 33.65، مؤشر اقتصادي ترتيبه: 174 برصيد: 25.49، مؤشر تشريعي ترتيبه: 170 برصيد: 24.34، مؤشر اجتماعي ترتيبه: 171 برصيد: 29.55، مؤشر أمني ترتيبه: 177 برصيد: 23.07.
وجاء في التقرير “في هذا البلد الذي يعيش حالة حرب منذ ما يزيد عن عقد من الزمان، يُمنع الصحفيون من دخول بعض المناطق جملة وتفصيلاً. ويظل باب التعددية مغلقاً تماماً أمام وسائل الإعلام السورية، التي تُعتبر أدوات لنشر الأيديولوجية البعثية، مما يدفع العديد من الصحفيين إلى المنفى”.
تركيا تتراجع إلى المرتبة 165
احتلت تركيا المرتبة 165، برصيد 33.97 من النقاط، ولكن المفارقة أنّ الإعلام التركيّ تداول خبر نشر تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” ولم يأتِ ذكر تراجع مرتبة تركيا ست درجات، حيث كانت تحتل المرتبة 149 في عام 2022.
وجاءت المؤشرات التركية على النحو التالي: مؤشر سياسي ترتيبه 160 برصيد 36.56، مؤشر اقتصادي ترتبه 168 برصيد: 29.41، مؤشر تشريعي ترتيبه: 146 ورصيده: 41.16، مؤشر اجتماعي ترتيبه 167 برصيد 30.11، مؤشر أمني ترتيبه 157 برصيد 32.58
وجاء في التقرير “بعدما أرسى الاستبداد قواعده في تركيا، أصبحت تعددية وسائل الإعلام مهددة أكثر من أي وقت مضى، حيث يتم اللجوء إلى كل الوسائل والسبل لإسكات المنتقدين والإجهاز عليهم”.
حول الوضع السياسي قال التقرير “مع اقتراب موعد انتخابات 2023، لا يتوانى نظام رجب طيب أردوغان عن مهاجمة الصحفيين للتعتيم عن التراجع الاقتصادي والديمقراطي للبلاد من جهة، وتعزيز قاعدته السياسية في المجتمع من جهة ثانية. فلا الرقابة شبه المنهجية على الإنترنت ولا الملاحقات القضائية المفرطة لوسائل الإعلام الناقدة ولا تحويل المحاكم إلى أداة في يد أردوغان مكنت هذا الأخير من استعادة شعبيته حتى الآن، علماً أنه متورط في قضية كبيرة تتعلق بالفساد والمحسوبية السياسية”.
وأضاف “في ظل مشهد تطغى عليه الاعتقالات والاختطافات والتعذيب والاغتيالات، غالباً ما يُجبر الصحفيون السوريون على العيش في المنفى لتجنب سوء المعاملة أو هرباً من الموت بكل بساطة، علماً أن العديد منهم أُجبروا على العودة إلى بلادهم في عام 2019، بعدما كانوا لاجئين في تركيا. وقد واجه مئات آخرون تهديدات بأن يلقوا نفس المصير، وهو ما كان من شأنه أن يعرضهم للاعتقال من قبل السلطات السورية أو للانتهاكات على أيدي مختلف الجماعات المسلحة، لكن السلطات التركية قررت أخيراً عدم تنفيذ هذا الإجراء في حقهم”.
يُذكر أن اليوم الذكرى السنوية الثلاثين لليوم العالميّ لحرية الصحافة أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول 1993، بناء على توصية من المؤتمر العام لليونسكو الذي عقد في ويندهوك في ناميبيا في 3/5/1991. وتم اعتماد إعلان ويندهوك التاريخيّ لتطوير صحافة حرّة ومستقلّة وتعدديّة.