عفرين بوست ــ خاص
تجسد قرية درويش بناحية راجو، الشكل الأوقح من الاحتلال العسكريّ، إذ لم تكتفِ سلطات الاحتلال بالسيطرة عليها عسكريّاً، بل منعت أهلها الكرد من العودة إليها، وحوّلتها إلى منطقةٍ عسكريّةٍ تُمنع عودة الأهالي والاعتناء بحقول الزيتون وإدارة ممتلكاتهم.
قرية درويش، باللغة الكرديّة: Gundî Dêwrîş، دوريش أوبه سي، الدرويشيّة، كما تُعرف باسم درويش الجبل، لتمييزها عن قرية درويش التابعة لناحية شران. ولا يعرف تحديداً أصل اسم درويش، إلا أنّه اسم محليّ، لعله يعود لأحد السكان الأوائل.
هي قرية صغيرة تقع على هضبة جبلية في ناحية راجو، يصل ارتفاعها 935 م، وتحيط بها المنحدرات من الجهات الأربع، ويتجاوز عمر القرية 3 قرون. ويعمل أهلها بالزراعة البعليّة (الحبوب، الكرمة، والزيتون) وكذلك بتربية الأغنام والماعز لوفرة المراعي في سفوحها الجبليّة.
تتألف من حوالي /100/ منزل، وكان فيها حوالي /400/ نسمة سكّان كُـرد أصليين.
احتلال القرية
تمت السيطرة على القرية في 16/2/2018، شهدت القرية اشتباكات خلال العدوان، وتعرضت للقصف مراراً حتى بعد السيطرة على القرية، ما أسفر عن وقوع اضرارً جمة في ممتلكات الأهالي، إلى ذلك تجددت المواجهات في محور قرى محور “موسكه/ موسيك اوبه سي” و”دوريش/ درويش اوبه سي”، وتسبب القصف بتدمير منزلي المواطنين “محمد علي، حسين عمر علي” بالكامل، فيما تدمرت أربعة أخرى جزئيّاً.
سرق مسلحو ميليشيات “فرقة الحمزات وأحرار الشرقية” لدى اجتياح القرية محتويات كافة المنازل من مؤن وفرش وأدوات وتجهيزات كهربائيّة وأوانٍ نحاسية وأسطوانات الغاز وغيرها، كما تم الاستيلاء على جرارين زراعيين عائدين للمواطنين “أحمد خلوصي كنجو، أحمد حنان خليل”. وفي موسم الزيتون 2018 تمت سرقة إنتاج 1300 شجرة زيتون للمواطنين (خليل صبري شيخو، شكري شيخو).
ولم تقتصر المنهوبات على ممتلكات الأهالي في القرية، فقد تم الاستيلاء على مطعمين على الجبل المطل على بحيرة ميدانكي وهما مطعم التآخي لمالكه أحمد محمد أبو خلوصي، وأمانوس لمالكه محمد مصطفى أبو كاميران وكلاهما من أهالي قرية درويش. وتم تحويلهما إلى مقرات عسكريّة.
قرية درويش مهجورة بالكامل بسبب العدوان التركيّ وبعد الاحتلال منعت سلطات الاحتلال الأهالي من العودة إليها، بقي من أهالي القرية 57 عائلة/ 180 نسمة، وهم مشتتون بين مدينة عفرين وقرى “راجو، مؤسكِه، جوقِه، آفرازِه، كفردلِه)، وممنوعون من زيارة قريتهم أو مقبرتها إلا نادراً، يتعرض أهالي قرية درويش لمختلف أنواع الانتهاكات والإهانات.
قاعدة عسكرية في القرية
في بداية احتلال القرية هاجم جنود الاحتلال التركيّ منازل المواطنين وأجبروهم على مغادرتها، من أجل إخلائها بالكامل، فقد أرادت سلطات الاحتلال التركي إنشاء قاعدة عسكريّة فيها مستغلةً موقعَ القرية على قمةِ الهضبة الجبليّة لإنشاء قاعدة عسكريّة، في موقعٍ شرقي القرية وعلى مساحة تُقدر بـ/6.5/ هكتار، وضمّت القاعدة دبابات ومدرعات وأسلحة أخرى، ويحيط بها سور من الخرسانة. وتم اقتلاع أكثر من ألف شجرة زيتون (400 للمواطن إسماعيل حيدر، 250 للمواطن حسين إبراهيم”، 250 للمواطن حسين كنجو، 60 للمواطن نوري إبراهيم، كما اُقتلع مزيدٌ من الأشجار لفتح الطريق إلى القاعدة العسكريّة من الجهتين الغربية والشرقية، وتم تجريف وتسوية مساحة تقدر بنحو /15/ هكتار من الأراضي المحيطة، وقلع حوالي /2/ ألف شُجيرة عنب و/400/ شجرة زيتون، ومُنع قطاف حوالي /1000/ شجرة زيتون، إضافةً إلى قطع أشجار حراجية.
في 19 أيار 2019، قال المرصد السوريّ لحقوق الإنسان: “منذ دخول قوات الجيش التركيّ إلى منطقة عفرين بمرافقة العناصر المسلحة التابعة للحكومة السوريّة المؤقتة قاموا بالاستيلاء على قرية درويش التابعة لناحية راجو ومنعوا الأهالي من العودة لمنازلهم واستعادة ممتلكاتهم بغية إنشاء قاعدة عسكريّة بحكم موقعها الاستراتيجيّ العالي والقريب من الحدود التركيّة”.
بعد إنشاء القاعدة العسكريّة تحولت القرية إلى منطقة عسكريّة يمنع الاقتراب منها، ومُنع الأهالي من العودة إلى قريتهم أو زيارتها، وتقدمت 25 عائلة من القرية بعدة شكاوى لأجل العودة إلى قريتهم دون جدوى. ويُسمح للأهالي أحياناً بخدمة حقولهم، على أن يرافقهم عنصر مسلح مقابل دفع مبلغ مالي له، أو في حال دفن ميتٍ في مقبرتها أو زيارتها استثنائياً أحياناً، منذ بداية الاحتلال عام 2018م، بسبب إنشاء قاعدة عسكرية تركية.
الصحفي السوريّ سامر مختار قال في تقرير نشر في 11/10/2021، في موقع “درج”، قال: “هناك قرى وبلدات أخرى خالية من سكانها، وأيضاً لا يسمح لهم بالعودة، بضغطٍ من الجيش التركيّ أو الفصائل المعارضة التابعة له. وهناك أيضاً “قرية درويش” التي حوّلها الجيش التركيّ إلى قاعدة عسكريّة بشكل كامل، مع أنَّ أهالي القرية ما زالوا موجودين في منطقة عفرين”.
قرية جيه القريبة تشاطر قرية درويش المعاناة نفسها، بتحويلها إلى منطقة عسكرية، وبعد الزلزال المدمر الذي وقع في 6/2/2023، سعى وجهاء من القريتين لمقابلة المنسق العام للاحتلال التركيّ، وطلبوا السماح لهم بالعودة إلى بيوتهم إلا أنّ الطلب قوبل بالرفض.
في 29/3/2023، نقلت “عفرين بوست” عن مصادر محليّة أنّ الاحتلال التركي يعكف منذ نحو أسبوعين على تفكيك قاعدته العسكرية المقامة في قرية درويش. ونقلت عن مصدر أنّه شاهد أثناء توجهه من مدينة عفرين إلى بلدة راجو في 27/3/2023 تحرّك قافلةٍ من شاحنات محمّلة بالألواح الخرسانيّة في طريقها صوب مدينة عفرين ولم تعرف وجهتها.
فيما قال مصدر ثانٍ إنّه شاهد نزول عدة شاحنات مغطاة بشوادر قبل نحو أسبوع – ويُتوقع أنّها تحمل أسلحة ثقيلة- من القاعدة ذاتها دون معرفة وجهتها مؤكداً أنّ الجنود الأتراك يفككون الجدران الإسمنتيّة (الخراسانات) المحيطة بالقاعدة العسكريّة التركيّة في القرية.
استيلاء وإتاوات
قطع المسلحون مئات أشجار الفاكهة والحراجية والمثمرة بغاية التحطيب، وأقدمت على هدم أسوار بعض المنازل بذريعة توسيع الطرقات داخل القرية.
يدفع الأهالي إتاوة تقدر 10ــ15% من موسم الزيتون للميليشيات، التي تستولي على أكثر من 5 آلاف شجرة زيتون تعود ملكيتها لعائلات مهجرة قسراً: حبش، كيليه، بليه. وبعد سيطرة ميليشيات “فرقة الحمزة وأحرار الشرقية” على القرية أُلحقت أضرار كبيرة بالقرية والممتلكات الزراعية.
شهيد من القرية
اُستشهد المواطن الكرديّ “رجب شكري رشيد” في 14/5/2018 بإطلاق الرصاص الحي عليه من قبل مسلحي ميليشيا “أحرار الشرقية”، لدى تردده إلى مقرّها في مركز راجو، للسؤال عن مصير نجله المفقود. وقد عثر الأهالي على جثمانه في الأراضي الزراعيّة.
المواطن رجب كان عاد إلى قريته بعد الاحتلال، ووجد أنّ منزله قد اُستولى عليه من عائلة مسلح، ولدى مطالبته باستعادته، احتجز ولده، فطالب بإخلاء سبيله، ليتم على إثر ذلك اختطافه واقتياده إلى جهة مجهولة، ويعثر عليه الأهالي بعد أربعة أيام من اختفائه مقتولاً بالرصاص، ومرمياً في الأراضي الزراعيّة قريباً من منزله المستولى عليه. وأصدرت ميليشيا “أحرار الشرقيّة” في اليوم نفسه بياناً تنصلت فيه من مسؤولية الجريمة، رغم ثبوت الأدلة واحتجاز نجل الشهيد رجب ومن ثم اختفائه القسريّ من قبلهم في المقر العسكريّ التابع لها.
مختطفون من أهالي القرية
من معتقلي القرية الشاب “نهاد حسن رفعت /21/ عاماً” وأخفي قسراً منذ ثلاثة سنوات من قبل سلطات الاحتلال، ولايزال مصيره مجهولاً.
ومن معتقلي القرية الأوائل بعد الاحتلال، الشاب “محمد سليمان عيسى” الذي اختطفه مسلحون 3/4/2018، والمواطنين الشابين “ورشين محمود وريزان بلال”، اللذين اعتقلا تعسفياً ولا علاقة لهما بالإدارة الذاتيّة.
في 12/1/2022، اختطف مسلحون من ميليشيا “السلطان مراد” المواطن “صبري منان رشو” (38 سنةً)، قبل ذهابه إلى عمله في محل للزجاج، قرب فرن أبو عماد. وذلك بمداهمة منزله رشو، وصادروا الهاتف الخليوي لزوجته، واقتادوه إلى جهة مجهولة، دون معرفة مصيره. وهي المرة الثالثة التي يتعرض فيها للاختطاف، وأطلق سراحه مقابل فدية مالية مقدارها 6500 دولار أمريكيّ.
في 7/2/2022، اعتقلت الاستخبارات التركية المواطن “محمد حسن” وذلك مجموعة تضم نحو 20 شخصاً بينهم مسنين ونساء، كانوا عاملين في منظمات إغاثيّة خلال فترة الإدارة الذاتيّة سابقاً.
في ديسمبر 2020، اختطف مسلحون مواطنين “محمد سيد علي وعماد عزت خليل” وجرى الاختطاف في قرية ميسكه حيث يقيمان، بسبب منع عودتهما إلى قريتهما.